آفــــــــــــــاق

الموقع خاص بالكاتب ويتضمن إنتاجه الأدبى المنشور

<!--

<!--<!--

أبو حصيرة .. مولد وصاحبه زائف

 أبو حصيرة ، هذه الشخصية المثيرة للجدل نظراً لما تسببه كل عام من لغط يجتاح الأوساط السياسية والثقافية بمجرد اقتراب موعد الإحتفال بمولده فى قرية دمتيوه بدمنهور ، هذا الاحتفال الذى يثير الحساسية الشديدة لدى المصريين جميعاً حين يرون يهوداً يملأون قريتهم الهادئة فى الأسبوع الأول من يناير من كل عام لكى يحتفلوا بمن يدّعون أنه ولى ومقدس ..

هذه الظاهرة كما لفتت نظر الجميع لفتت نظر الباحثة عواطف سيد أحمد فأصدرت بحثاً قيماً يعتبر إضافة لمكتبة الدراسات الشعبية فى هذا الموضوع ، خاصة أن الأبحاث العلمية فيه وحوله قليلة ونادرة ، وصدر البحث فى كتاب عن دار روافد للنشر عام 2012 .

والكتاب وإن كان يحمل عنوان " أبو حصيرة .. مولد وصاحبه زائف " فى إشارة للضريح الذى يحمل هذا الاسم ، إلاّ أنه يتناول إثنين من " المقدسين " أولهما " الشيخ الهريدى " – الإله الأفعى – والثانى أبو حصيرة الولى ( حسب الإدعاء اليهودى ) .

وتنطلق الدراسة من خلال قراءة ثقافية فى جماليات المكان تحاول الباحثة من وراءها صياغة العلاقة بين ضريح الولى ( المكان ) وبين مريديه ( الإنسان ) .. من منهما يؤسس للآخر ..؟ الأمر الذى يكشف عن قدرة الذهنية الشعبية على توظيف المكان وإخضاعه لمتطلباتها الروحية والاجتماعية والنفسية ، وتحدد النسق الفكرى الذى تتوسل به فى تمرير مقاصدها .

فى مدخل الكتاب تشير الباحثة إلى أن الذهنية الشعبية قد بلورت تصوراتها بهذا الصدد فى مثلين شعبيين يعكسان ما تتمتع به هذه الذهنية من قدرة على صياغة منهجها وتأطير منظومتها فى انتاج أنساق فكرية تتحايل بها على أنساق تهميشها ، ومن ثم يصبح الزائف نسقاً فكرياً تلجأ إليه لتمرير معتقداتها ، أى اصطناع مقدساتها كفكرة قابعة فى تركيبة الانسان المتدين استقرت رسوبياً فى وجدانه منذ عصوره الوثنية وظلت عالقة به حتى بعد نزول الديانات السماوية وانتقاله إلى مرحلة الايمان بها ، فهو قد انتقل إلى هذه المرحلة بنفس آليات المنهج الفكرى الوثنى المرتبط بالطقس ، والذى ينزع دائماً إلى التحرر من القيد المقدس فيضع لنفسه معادلاً شعبياً للدين السماوى يحافظ فيه على التعاليم الصارمة للدين من جهة ، ويضمن لنفسه حرية الحركة والتصرف بدوافع الوثن الكامن فيه من جهة أخرى ، واختلق لنفسه نفس العناصر المكونة للدين ، فاتخذ من الولى معادلاً للنبى ، ومن كرامته معادلاً للمعجزة ، ومن الضريح معادلاً للمكان المقدس ( للكعبة ) وهكذا .. وراح يمارس طقوسه بلا حرج من خلال هذه العناصر التى لا تضعه فى دوائر الاتهام بالكفر أو العصيان .

الى جانب هذه الطقوس التى ترضى جانبا من هدوءه النفسى ، هناك ايضا احتياجاته المادية التى يلتمسها من هذه القوى التى أضفى عليها القداسة ، وكان لزاما عليها – هذه القوى – أن تلبيها له فى مقابل تقديسه لها ..

هذه هى الآليه العمليه فى تعيين المقدس بعد أن تضفى عليها البيئة ملامحها الخاصة ، لكن فى الغالب يكون هناك غرض آخر وراء هذه العملية ، وتوضح لنا الباحثة هذا الأمر بقولها حول " الشيخ الهريدى " أن شيوخ البلاد وجدوا مصلحتهم فى نشر هذه الخرافه ( شفاء الأمراض المزمنة ، ومنح القدرة على الانجاب لكل عاقر .. ) حتى انها اصبحت طعم يسهل بلعه ، وأن سذاجة السائحين ساهمت فى شهرته  حيث أن هذه الزيارات التى يقوم بها العابدون أو المريدون تخلف الكثير من العطايا والتبرعات التى يستفيد منها بالقطع أصحاب المكان ، وهو نفس منطق كهنة الآلهة المصرية القديمة الذين كانوا يحصلون على مخصصات ضخمة من أجود الأراضى الزراعية والمحاصيل إلى جانب ما يتمتعون به من نفوذ وصل إلى درجة تدخلهم فى اختيار الملوك  وحين أحسوا بالخطر عندما حاول أمنحتب الرابع ( أخناتون ) توحيد الآلهة فى إله واحد ( آتون ) وإلغاء عبادة آمون ثاروا عليه وأثاروا العامة حتى انتهى الأمر بتدمير عاصمته الجديدة ( آخيتاتون ) تل العمارنة الحالية .

إذن فهناك دافع اقتصادى وراء الترويج لهذه الفكرة الخرافيه فى حالة الشيخ الهريدى ، وهى تختلف عن هدف الضريح الاخر - ضريح ابو حصيرة – الذى يغلب عليه الطابع السياسى الاستيطانى ، ومن ثم تم الترويج له والاهتمام به رغم وجوده خارج الأرض التى استوطنوها كما فعلوا مع ما يسمونه بصخرة ديان فى سيناء والتى أصروا على حشرها فى اتفاقية السلام – كامب ديفيد – مع مصر وكأنهم ينشرون مسامير جحا من الفرات الى النيل .

والسؤال هنا .. لماذا جمعت الباحثة بين هذين الضريحين بالذات رغم الاختلاف الواضح فى سيرتهما والهدف من اقامتهما ، وكذلك اختلاف طبيعة المكان الذى يحتضن الضريحين ..؟

أول ظواهر الجمع بين الضريحين هو اختلاف الهدف من وجودهما كل منهما فى مكانه ..

- فالأول – الهريدى – اصطنعته الذهنية الشعبية دون أية اهداف سياسية ، بعكس الثانى

- وثانيها أن أفعى الهريدى كانت ضابطا لقانون المفازة لحماية مجتمعها من أخطار الحيوان المفترس والانسان الاكثر افتراسا فى تلك الصحراء الشاسعة

أما الأفعى اليهودية فكانت خرقا للقوانين الانسانية لسلب الحق من أهله والتراث من أصحابه ، وتكريسا لمفهوم التعصب بغطاء دينى كآلية مضمونة لتحقيق أهدافها ، ومن مظاهر ذلك التعصب أيضا التمسك بالمكان المقدس بادعاء تلك الأرض أرضهم وهذا التراث تراثهم عن طريق اختلاق خرائط ومسح ميدانى واطلاق اسماء عبرية توراتية على مناطق بعينها .

 ويعكس فضاء الأضرحة أبعاداً تاريخية ونفسية وفكرية ودينية ، فهو حافل بدلالات ورموز متعددة تشير إلى مدى حضور الماضى التاريخى لحياة الأفراد باعتبارها رقعة يضرب فيها الانسان بجذوره وتتأصل فيها هويته .

وتتوصل الباحثة إلى أن علاقة اليهود بالأضرحة لم تكن علاقة روحية فى الحقيقة وإنما وسيلة لاختلاق الهوية تمهيداً لتحقيق حلم الأمة ، وكان أبو حصيرة ثمرة من ثمار هذه الاستراتيجية الاستيطانية فليس من الغريب إذن أن يسعوا إلى تطبيق هذه الاستراتيجية على مكان آخر بمحافظة الشرقية وهو المعروف بقرية " قنتير" مركز فاقوس والذى يتردد عليه اليهود لمشاهدة آثار الملك رمسيس الثانى وبحر فرعون بدعوى أن سيدنا موسى قد عبره إبان خروجه من مصر ويحاولون إقامة مولد سنوى له على غرار مولد أبى حصيرة .

وخلال استعراض الباحثة للروايات التاريخية والشعبية التى تدعم ولاية أبى حصيرة هذا وجدت أن جميع الروايات التاريخية عند " ماكفرسون " و " نيكولاس بيخمان " يشوبها الاعتقاد والظن وفندت ما جاء بدراسة د. سوزان السعيد والمعنونة بـ " المعتقدات الشعبية حول الأضرحة اليهودية " وأوضحت أن هذه الدراسة قد خلت من الإشارة إلى حقيقة ظروف مجيئه وحياته وموته بدمنهور حيث أنها لم توضح ما إذا كانت قد حاولت ولم تستطع الحصول على إجابات أم أنها لم تحول أصلاً رغم أهمية هذا الأمر خاصة أن أبى حصيرة شخصية دينية مرموقة وذات تاريخ رسمى كما يؤكد مريدوه ومن ثم كان من الواجب على من يتصدى لهذه الدراسة أن يلم بتفاصيل حياته ومماته وأشارت الباحثة عواطف إلى بعض التناقضات والمغالطات العلمية الواضحة فى دراسة الدكتورة سوزان خاصة عندما تؤكد قيمة الضريح بقولها " إنه المكان الحقيقى لدفن الصديق وبعد قيام دولة اسرائيل لم يكن من الممكن نقل رفاة الصديق ، ذلك لأن الشريعة اليهودية تحرم فتح قبر المتوفى بعد دفنه ، أو نقل الجثة من مكان إلى آخر لإعادة دفنها غير أن العقلية الشعبية الإسرائيلية قد لجأت إلى طريقة أخرى لنقل الصديقين إلى اسرائيل وهى النقل الرمزى ، حيث يتم نقل الصديق فى الحلم كما فعل " حاييم بنتون " الذى سافر إلى المغرب ونقل أربعة من مقامات الصديقين وأقام لهم مقامات رمزية فى قرية ملاخى وبذلك انتعشت الثقافة الدينية فى تلك المنطقة .

وكان رد الباحثة عواطف منطقياً ومفحماً إذ تساءلت " لماذا لم تلجأ العقلية الشعبية الاسرائيلية إلى نقل أبى حصيرة بنفس الطريقة الرمزية ! ؟ " ، أما فيما يتعلق بالشريعة اليهودية وتحريمها فتح القبور ونقل الجثث والرفات فقد جاء الرد على هذه المغالطة من نصوص العهد القديم نفسه إذ نقرأ فى سفر الخروج نصاً يقول : " وصعد بنو اسرائيل متجهزين من أرض مصر ، وأخذ موسى عظام يوسف معه " وتضيف الباحثة أيضاً ما ورد فى كتاب " اليهود فى مصر الحديثة " لعرفه عبده على فى معرض حديثه عن معبد " الأستاذ " بحى خوخة اليهود فى مدينة المحلة الكبرى حيث قيل أن هذا المعبد كان للنبى " إرميا " فهو الذى افتتحه وصلى فيه وقيل أيضاً أنه دفن فيه ثم نقل جثمانه إلى اسرائيل .

إذن فليس هناك ما يحرم نقل نقل الجثث والفات من مكان إلى آخر فى شريعة اليهود ، فلماذا يترك " الصديق " أبو حصيرة فى مكانه ؟ وإلى متى ؟ والإجابة متروكة لفطنة القارئ

أما الروايات الشعبية التى دارت حول أبى حصيرة فمعظمها ينكر أصلاً ولايته ، فضلاً عن اختلافاتها الجذرية حول أصله وجنسيته وحتى ديانته ، وسوف نورد فى نهاية المقال حصراً لهذه الروايات متضمناً قياساً كمياً لما ورد فى الروايات الشعبية المجموعة من الميدان وكذلك لروايات مصدرها شبكة الانترنت ، أما الآن فنلقى نظرة سريعة على جماليات المكان وفلسفته فى بحث عواطف سيد أحمد ..

المكان تحقيق لوجود الانسان ، واللامكان هو الضياع واللاوجود .. والأماكن المرغوبة هى أماكن جاذبة يتواصل معها الانسان ويشعر فيها بالألفة ويتمتع فيها بقدر من الحرية ، هذه حقيقة يؤكدها دور المكان فى حالة الشيخ الهريدى ، أما الأماكن المعادية ففيها تختنق الرغبات وتسلب الإرادة ، فالفضاء الذى يشغله قبر أبى حصيرة هو فضاء مشحون بالرفض وسلب الإرادة من جانب أهل المكان ( أهل قرية دمتيوه) الرافضين لهذا الرمز الذى يمثل وجوده اختراقاً لقيمة الوطن / الأرض أو الموطن ، فهم فى هذه الحالة يدركون الأبعاد غير المقدسة لهذا الضريح لدرجة رفض البعض تسميته بالضريح تعبيراً عن كفرهم بولايته ونفياً لأي شبهة قداسة حوله .

القياس الكمى للروايات الميدانية :

1 – من ضمن عشر روايات ميدانية جاءت نتائجها كالتالى :

-          من حيث الموطن ..

2 -  دمنهور

2 – المغرب

6  - لا يعلمون .

-  من حيث الديانه ..

4 - مسلم

1 - يهودى

5 - لا يعلمون .

-  من حيث كراماته ..

1 - له كرامه .

9 - ليس ولى وليست له كرامه

-  من حيث سبب تسميته ..

4 - جاء على حصيرة

1 - كان يجلس على حصيرة .

وعن القياس الكمى للروايات المتواترة على شبكة الانترنت من نتائج سبع روايات نجد أن :

- من حيث الموطن ..

1 - فلسطينى

6 - مغربى .

- من حيث الديانة ..

3 - يهودى

4 - مسلم .

- من حيث الكرامات ..

3 - له كرامة

4 - لم تذكر .

- من حيث سبب التسمية ..

4 - امتلاكه حصيرة أنجته من الغرق

2 - مات ملفوفا فى حصيرة .

ولقد كشفت المخيلة الشعبية فى رأى الباحثة عما يكتنف المكان من جماليات وحملته بتصوراتها وايديولوجياتها ومفرداتها المكانيه ، فالقبة تستحضر مقامات الأولياء ولكن ليس بالضرورة أسفل كل قبة شيخ ( فاكر تحت القبة شيخ ) ، والدفن يستحضر الـقبر الذى قد يطوى بداخله أوهاما ومزاعم  أو حمارا كما تقول القصة التى انتهت بالمثل الشعبى القائل ( احنا دافنينه سوا ) ..

فيا أبا حصيرة ( احنا دافنينه سوا ) ، والذى لم تكشف عنه الوثائق ، قد تكشف عنه علاقتنا بالمكان ..      

 

 

 

 

المصدر: الكاتب
samibatta

أهلاً ومرحباً بك عزيزى القارئ .. أرجو ألاّ تندم على وقتك الذى تقضيه معى ، كما أرجو أن تتواصل معى وتفيدنى بآرائك ومناقشاتك وانتقاداتك ..

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 179 مشاهدة
نشرت فى 1 يناير 2014 بواسطة samibatta

ساحة النقاش

سامى عبد الوهاب بطة

samibatta
أهلاً ومرحباً بك عزيزى القارئ .. أرجو ألاّ تندم على وقتك الذى تقضيه معى على صفحات هذا الموقع .. كما أرجو أن تتواصل معى بالقراءة والنقد والمناقشة بلا قيود ولا حدود .. ولكل زائر تحياتى وتقديرى .. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

97,813