شذرات من أنين العصر ( 11 )
عالمنا بلا حقيقة واحدة كاملة { الحلقة الثانية }
سيقول قائل : هناك حقائق ثابتة لا تتغير ..
وهنا سأسأله قائلاً : مثل ماذا ؟؟!!
سيرد قائلاً : حقيقة الموت مثلاً .. فهل هناك أي خلاف على أنه حقيقة ، واقعية لا يمكن أن تقبل الشك ، أو الجدل ؟
سأقول له : على أي معيار أنت مُسلّم بحقيقة الموت ، هل على معيار العلم الذي ورثناه كابر عن كابر ، ومما نؤمن به من خلال معتقداتنا الدينية ؟
أحسبه لن يتسرع ويقول : وما دخل الموروث البشري ، فيما اقرته الشرائع الدينية ؟
سأرد عليه وأقول : بالطبع هناك علاقة وثيقة ، فمنا من يؤمن بوجود الله وبشرائعه ، ومنا من لا يؤمن والعياذ بالله ، بوجود الخالق العظيم سبحانه وتعالى ، ولولا أن الموت هو أمر يقع أمام الجميع ، لاختلف فيه كلُ بمعتقده ، وفكره .
لكن برغم إقرار الجميع بتلك الحقيقة ، إلا أنها أيضاً حقيقة نسبية ، فالبعض منا يعلم عن الموت ، ما لا يعلمه غيره ، حتى ما يعلمه الجميع عنه ، يختلف عن الحقيقة التي علمها المتوفي نفسه ، والذي كان علمه عن ذلك الأمر ، في يوم من الأيام ، لا يختلف كثيراً عن غيره من الأحياء .
أما لو كان على معيار الزمن ، فبالطبع هذا المعيار يختلف اختلافا كلياً بين الحي ، والمتوفي .
وكذلك أيضاً بالنسبة للمكان فهذه الدنيا دار ، تختلف في كل شيء عن دار الآخرة .
وبطبيعة الحال سيختلف معيار الإحاطة بالنسبة للدار الآخرة ، اختلافاً جذرياً عن دار الدنيا .
فهناك فرق كبير بين هذين العالمين ..
عالم الدنيا ..
وعالم الآخرة ..
وحسبي في ذلك قول الله عز جل :
" فبصرك اليوم حديد "
صدق الله العظيم
وبالطبع كلنا يعلم أن البصر ، هو وسيلة من وسائل الإحاطة ، و إذا كانت وسيلة واحدة ، من وسائل الإحاطة تختلف اختلافاً واضحاً لا يقبل الشك في هاتين الحالتين ، فما بالنا بما بقي من وسائل الإحاطة الأخرى التي تختلف ، في مضمونها بين هذه الحالة ، وتلك الأخرى ؟؟
وهذا يضعنا أمام ما يمكن أن نطلق عليه اسم ..
ماهية الحقيقة ..
هذه الماهية هي أن للحقيقة أربعة أركان ، لا يمكن أن تكتمل بغيرهم أبداً وهم ..
العلم + الزمن + المكان + الإحاطة .
وهذا ما يمكن أن نطلق عليه قانون الحقيقة .
فمتى توافرت هذه الأركان الأربعة لشيء ، فاعلم أنك وضعت يدك على حقيقة ذلك الشيء ..
لكنها أيضاً ليست حقيقته المطلقة ، أو الكاملة ..
فهي أيضاً حقيقة ..
نسبية .
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله .
#الأديب_محمد_نور
*******