( المَوْجِدَة)
...........................................
April 2012 um 20:47
...............................................
كنت أقوم بجولة في وسط الغابه و الساعة تقارب على منتصف النهار أشعة الشمس تخترق أورق الشجر المرتفع تلاطف السماء .
فأنا أحب الطبيعة والتجوال في المساحات الخضراء..كنت أسير الهوينة بين الأشجار الباسقة....أمتع نظري بجمال الطبيعة وأملأ صدري بالهواء النقي ..فجأة لفت انتباهي كوخا صغيرا..اندهشت ..من يقيم وسط هذه الغابة المنعزلة؟
اقتربت بهدوء
طرقت باب الكوخ .....فسمعت رجلا بصوت خافت تتسلله سعلة قويه
قال : من الطارق ... ؟
لا أعرف كيف أعترتني النجادَة فدخلت دون أن أجيب .... فإذا بعجوز هارما مريض يجلس على كرسي هزاز وبجانبه مكتبة , غنيه بمذكرات وقصص قديمة .....فنظرت حولي واذا بطاولة عليها دفاتر وأقلام ......كأن العجوز يكتب قصة حياته .... نظرت إليه بتعجب .....ثم تكلم وقال : إجلس ما بك ....!!!!
قلت : نعم نعم أمرك سيدي ...
فسألته عن سبب عيشه المنفرد ....وهو في حالة مرض شديدة .
قال : أنا هنا منذ زمن بعيد خاصمت حياة المدينه المزعجه وكثرة الناس وأعجبتني حياتي هنا .....مللت نفاق البشر وخداعهم .....لكن وأنا وحدي لا أخدع نفسي ولا تراودني على فعل أي سوء .....بتنهيدة طويله قال: إيييييه هكذا الحياة
قلت : ألا قصَصت علي حكايتك .
بينما هو منهمك بالكتابه رفع رأسه ....ونظر الي والدموع متمركزة تحت الأهداب كقطيرات الندى في صباح ممطر تتخلله بعض شعيعات الشمس فرك أصابعه ببعضها و التوتر يعلو صهوة كيانه وكأن الحَدِيث عبئ ثقيل لا يتَجشّمَه .
قال : وفي ماذا أحدثك ... ؟ يا ولدي لقد تعلمت بأن الصمت جوهر نفيس لا يتقنه أناس كُثر ، فإن كان الكلام من فضه فالوجوم من ذهب....حتى اللسان أُثقل و لم يعد يستطيع الكلام .
أتعرف أيها الشاب لا أذكر كم مرَ من الزمن ...!! لعله الكثير لم أشعر بمرور العمر ... لكن أثاره على وجهي ... إييييه ذهب صبايا سرابا .
حكايتي مَرَثها مرار علقم , أما حياة الشباب قضيت أعوامها بين شواطئ النفاق و طرقات الكذب ....ومضت سنيني مخلفة كهلا متعبا دفنة عمر شبابي في مقبرة الذكريات الأليمة , و أصبحت هارما لا نفعم لي أو مني .
متعدد الطقوس دنياي من ندم , حزن , يأس , و استسلام .
وبتنهيدة محشرجة كشرار النار المنطفئ جمرها للتو
قال : ماذا سنتكلم يا ولدي ؟؟ أصبحت لا أجيد الكلام لقد رحلت عنه و افترقنا منذ زمن بعيد .
ألححت عليه كثيرا و لم أرفع راية الإستسلام بعد .
قلت : عينيك أيها العجوز تتكلم الكثير وتصرخ مما يخفيه صدرك من ألم , أعد إلى حنجرتك ريقها اروها من جدول الأمل و أطلق سراح أنفاسك المقبوضة منذ زمن أفرغ همومك من ثغر الوهن ربما تمزق غشاء الصمت و اختفى الضباب فتصفو الرؤية التي اسودت من يأسك .
هزً رأسه نظر أرضا مهموما واضعا يديه على جبينه يحاول مسح غبار الأحداث
و قال : أتريد أن تعرف ما ألحق بي الناس من ضرر و إيذاء ؟ حسنا .....!!! حسنا سأقص على مسامعك حكايتي .
استنشق كم من الهواء ; عاد الى الوراء , متكأ على كرسيه واضعا يده المتجعدتين وكأنهن طرقات ترابيه في أرض قاحله وأمسك وجنتيه النحيلتين و بدأ يقص على مسامعي ماذا جرى له .
قال : وأنا شاب في 23 من عمري أنهيت دراستي الجامعيه بإمتياز في مجال الأدب العربي ....عُينت معيدا وبدأت بإكمال الماجستر حاصلا على منحه من الجامعه....كنا عائله فقيرة .....وبالرغم من ذلك والدتي كانت دائمة الإبتسامه .....والدي كان يعمل بستاني عند بعض الأثرياء .... حسن الوجه بشوش كان يلقي بأعبائه وراء ظهره ريثما يدخل البيت ....لم يحسسنا يوما بشقائه علمنا أن الفقر عدو يجعلنا نتضمر مجرد إن ذكرنا مطالب الحياة و القناعة ليس كل إنسان يحضى بها ....فهي كنز من امتلكها إمتلك العالم .
عملت في قسم المسرح بالجامعه كنت أكتب لهم قصص للعرض في المناسبات الجامعية .
في يوم من أيام الصيف و الكل فرح بإنهاء سنة دراسية من الكد والعناء كنت أجلس في حديقة الجامعة أتحاور مع زميل لي .... وإذا بالطلاب يرحبون بشاب دخل الجامعه وقتها لم أكن أعلم أنه من معيدي السقوط واللهو في هذه الجامعه ومعروف لدى الكل لأنني كنت في فرع الأدب وانتقلت لفرع المسرح العملي .
وعرفت من زملائي أنه ثري جدا .....لم أعره اهتماما وواصلت قراءة الكتاب الذي بين يدي بعد أن ذهب زميلي لعمله .....دقائق حتى جاء وجلس الى جانبي وكأنه سأل عني ومن أكون ، أو أنه مخطط لذاك اللقاء ....سلم ورديت عليه التحيه .
قال : الحياة صعبه ومتطلباتها كثيرة.
قلت : أجل ولكن الحمد لله على كل شيئ
قال : وماذا لوجاءك أحد وجعلك ثري بين ليلة وضحاها .
ابتسمت وقلت : نحن ليس في زمن المعجزات بعد التعب والعمل يأتي المال .
قال : أوا تسخر من كلامي ...؟ أنا سأجعلك ثريا في يوم واحد بمجرد مكالمة واحدة مع مسؤل كبير .
قلت : و لما تريد أن تثريني لم أطلب منك مساعدة ولم أشتكيك حاجتي !!!
قال : لسبب بسيط أنت تخرج من ثوب الفقر وأنا أنجح هذه السنه أنهي الجامعه ليسلمني والدي إدارة مصانعنا .
نظرت له بإستغراب شديد
قلت : كيف ؟
قال : كل اسئلة الإمتحانات و أجوبتها تأتيني بها أول بأول ما عليك إلا أن تحضرها لي .
وقفت من شدة الغضب وبإحتقار نظرت له .
قلت : كلا لا أريد مالك ابحث عن غيري لن اغضب الله وأزور ما لا يجوز .نظر الى أصدقائه ساخر مني فأسمعني أقسى الكلام ....وهددني أنني سأندم على رفضي .
لم أبالي لتهديده .....وباشرت بكتابة قصه جديدة ....لعرض مسرحي جديد ولنهاية تلك العام الدراسي ....في تلك السنه كان حفل تكريم الكتاب والمسرحين بحضور لجنة تحكيم وربما يلقى علينا ضوء لما أبعد .
سكت برهة ثم أستنشق هواءا بعد إطلاق زفرات وكأن في داخله مدخنة من الآهات وتابع حديثه بعد أن ارتشف جرعة ماء من القدح الذي أمامه .
قال : أنهيت القصه وسلمتها لعميد الجامعه ....وبدأنا بالتحضيرات لنهاية السنه و استعراض الحفل .
وجاء ذاك اليوم المشؤم ....حضرنا جميعا وبدء الإستعراض المسرحي .... وبالنهاية ندي على الناجحين ثم عارضي المسرحيه والعاملين عليها واسم كاتب الرواية .
تأوه و أكمل
قال : عندها صدمت جدا بذكر اسم ذاك الشاب الثري بكاتب الرواية التي خططتها أنا .....غضبت جدا و بسرعة كالبرق اتجهت الى حجرة العميد .... قبل أن أقول أية كلمة
نظر الي بحزن
قال : يا ولدي سامحني ...!! والد الشاب هددني بتلفيق لي تهمة تودي بي وراء الشمس وان أنسى تماما انني كانت عميدا لجامعة ما يوما يا بني أنت شاب سوف تأتيك الفرصة لكن أنا كلهم عامين واستقيل فلا أريد أن أنبَثق من مهنتي بفضيحة .
خرجت وكلي أسف على الغابة التي نعيش فيها القوي يأكل الضعيف والثري يتخطى على أجساد الفقراء و الفضيلة أصبحت رذيلة .
ولم يكفه ما فعله بي ولكن حاول بكل الطرق لكسب خطيبتي لصفه لم ينجح فقرر أن يجعلني أندم على كل شيئ جميل بحياتي
بكى عندما ذكر خطيبته و بصوت حزين يسترق بعض النبرات الناقمة خرجت من ثغره الآهاااااات متتالية يدمع و يردد ....ااااااه عليك يازمن .
لجأ للصمت قليلا ومسح دمعته ثم طلب مني كوب ماء أخر أحظرته له وواصل الكلام .
قال : يا بني كنت أحب خطيبتي جدا كانت مثلا للأخلاق جميلة جدا رقيقة المشاعر طيبة القلب ....بعد أن خرجنا من الجامعه نقصد بيوتنا كنا ننتظر الحافلة .... وإذا بسيارة تقبل نحونا بسرعة لا تقدر .... فقط ما أذكره أنني كنت ملقى على الأرض وأصوات كثيرة حولي و ممسكا بيد خطيبتي ....نظرت إليها صارخا و الدماء كبحيرة غارقين الإثنين فيها أصرخ و أصرخ و أكرر على مسامعها انهضي ما بك و وجهها و لم أرى منه سوى اللون الأحمر ظننتها تصغي إلي وضعت رأسها على صدري أستسمحها و أترجاها أن ترد علي .... لكن انادي من روحها الطاهرة فارقت الحياة قبل نقلها إلى المشفى .....عندها شهد الجميع ضده بالمحكمه حاول والده شراء ثمن برائته ولكنه لم يستطيع ....حكم على الشاب بالسجن المؤبد .
قلت : هذا جيد أخذ جزائه . وبارك الله بالحق.
المحامي الذي قام بالدفاع عني ذكرني بأن أخذ حذري
قال : يا ولدي .... أنت سمعت ما قاله والد الشاب بعد غضبه من الحكم ، حلف أمام القضاء بأن ينتقم لولده .
قلت : نعم سمعته
وبكل سذاجة ظننتها لحظة إِحتِدام وتهديداة في الهواء جراء الإنفال و وحسرته على فقدان ولده ، ظننته أنه سوف يعلم أن الله حق و ينتقم للمظلومين سوف يعزني بموت الحبيبة و يطلب السماح ... يا لغبائي
و ليك يا ولدي ما حدث من وحشية البشر وموت الضمائر و عمي الأبصار بالثراء الباطل .
تابع قائلا : في يوم من الأيام كنا أنا وأخي في رحلة برفقة الأصدقاء ... و في هذا الوقت أيضا ذهبت أختاي عند عمتنا الوحيدة لقضاء عطلة الصيف هناك على شاطأ البحر .
عمتي لا تنجب فكانت تتنظر العطل الدراسية بفارغ الصبر لتأخذنا عندها .
أنا و أخي خالفنا العادات و ذهبنا وحدنا مع رفاق الجامعة للنزهة ....بعد عودتنا .....خيم علينا فزع غريب قبل أن نقترب نحو بيتنا أحسسنا بأن شيئ غريب قد حدث أخذنا نعدو نحو المنزل حتى وصلنا
وما رأيناه شيئ لا تحتمله العينان .....بيتنا مقلوب رأس على عقب والدي ملقى على الأرض بأخر أنفاسه بعد اللكمات الحادة التي فتكت الكبد و فاختنق من الدم الذي جسمه .....أمي تبكي بكاءا مرير تلطم على وجهها و تشير إلى غرفة البنات .
دخلت حجرة أختي كالمجنون وكأنها صاعقة سلبت عقلي ، و أنا أصرخ و أسأل ماذا جرى ......احتضنتني وصرخت صرخة لم أسمع أقسى منها بحياتي .
قالت : عدنا للتو مع عمتي و رأينا هذا المنظر البشع أمي و أبي في حالة غثيان .
فسألتها عن عمتي .
قالت : ذهبت و زوجها لإحضار الإسعاف و رجال المباحث .
ثم تمتم و بكل حقد في عينين حمروان كالجمر من البكاء .. مرددا الكلاب الكلاب و يضرب يد في الأخرى ثم تابع الكلام .
قال : فسمعت صوتا صغيرا بكاء حزين فتحت باب الخزانه وإذا بأختي الصغرى بداخلها ترتجف خوفا مما حدث لوالداي .....بعد شهرين ماتت والدتي من المرض وشدة حزنها على والدي الذي توفي إثر الضربات على جسده .... و لم تشفى من الضربات على رأسها ...... فماتت بحسرتها بعد وفاة الوالدة اعتراتنا خيبة الأمل حتى ما وصلنا له من علم أرادنا به رفع شأن والدينا و أن نعبر لهم عن امتناننا لصبرهم وجهدهم الذي بذلوه في تربيتنا ، أردنا أن نمسح عنهم شيئا من غبار التعب الذي أحتملوه لأجلنا ، أردنا أن نرسم السعادة في قلبيهم بجني ثمار أعوام الهوان .
لكن كل هذا أخذه الرجل الثري و أوباشه في كعابهم بضربة قاضية سٌقلت عائلة بأكملها قتلو الحلم قبل أن يولد .
لقد علت دنيا الظالمين على جثث المظلومين وبنوا اعمدة قصورهم بعظام الفقراء .
من ثمً قرر أخي ترك البلاد والسفر بعيدا مصطحبا أختاي .....أما أنا فقررت أن أعيش هنا في هذه الغابه لأنها هي العدل ....الناس لا تجلب معها غير المصائب . الشيئ الذي كان يواسيني و يفرحني لي صديق يأتيني بأخبارهم كلما عاد في عطله لزيارة أهله لكن أخوتي لم تطئ قدمهم البلاد منذ ذاك الوقت .
أختي الكبرى أكملت دراستها و تزوجت ، و أنجبت طفلا وتعيش للأن في سلام و الصغرى أيضا تزوجت و أصبحت أما وحالتها جيدة أخي توفي و عنده ولدين و وصبية .
هذه هي قصتي ....أوا ترى صمتي ليس بمكانه !!
قبلت رأسه بعد أن أحسست باختناق شديد و ألم في قلبي لما سمعته ، داريت دموعي قدر المستطاع ، لم أكن أعلم أن عالمنا بهذه البشاعة
حزنت كثيرا على حكايته وقررت أن أزوره من الحين للأخر
من وحي خيالي
( تدفّق من حنايا الألم )
لمذكرات كاتبه
بقلم
بقلم .......... / خوله ياسين السمطي
مجلة ۞ أكَََـاديمـيـــة المـلـاذ الـأدبـيـــه ۞ ... رئيس التحرير أ/ خوله ياسين ...... رئيس مجلس الإداره أ/ ياسر السمطي
نشرت فى 30 سبتمبر 2015
بواسطة samaty
مجلة. ۞ أكَََـاديمـيـــة المـلـاذ الـأدبـيـــه ۞
مجله ۞ أكَََـاديمـيــة المـلـاذ الـأدبـيـــه ۞ رئيس التحرير أ/ خوله ياسين ... رئيس مجلس الإداره أ/ ياسر السمطي »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
91,408