عَنْتَرَةُ الخَلِيجِ
في قاعة دراسية هادئة هدوءًا باردًا قاتلاً، توجد المتردية، والنطيحة، والموقوذة، ومن أكله الدهر، وأتى به القهر، ممن هبَّ ودبَّ، بقلم وكرّاس، لا تكاد ترى أمامك إلا أجسادًا بلا حواس: العين زائغة، والأذن تائهة، واللسان مكتوم، والجسد مكلوم، والقلب حيران، والعقل غفلان، والكل منهك كسلان، دخلتُ يغلبني اليأس من ذلك المشهد البئيس، كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون، جهد تعليمي يُبذرُ في أرض جدباء، لكنْ سأمارسُ مهمتي الحياتية، أشرحُ، ثمَّ أشرحُ، ثمَّ أشرحُ، لساني تعِب، عقلي كلَّ، وما أتوقع إلا الصمتَ القاتلَ من تلك الخُشُبِ المُسنَّدةِ، والزمر المجمدة !
هل من خلاص ؟ متى ؟ كيف ؟ أين، أين ؟!!
أعقدُ لهم امتحانـًا تحريريـًا، فإذا بي أفاجأ بِورقةٍ بارزةٍ في خطِّها، وتنسيقِها، وفكرِها: فصاحة شاذَة، وبلاغة فاذَة، وكتابة هازَة. لمن هذه ؟! سألتُ..
هاتفي يجيب: أصبت دالتك، ووجدت ضالتك. انظر: مكتوب على الورقة:علي بن سالم بن سويلم الهاشمي... أين علي هذا؟
يشخص أمامي في ثبات، فإذا به طالب طُلَعة، يُقبل عليَّ بشكل حازم، وعقلٍ ثاقبٍ، ولسانٍ فصيحٍ، سؤول قؤول، يحاول أن يكون منطيقًا مفلقًا...
مظهر عُماني خليجي أصيلٍ، حاورني وحاورته، جادلني وجادلته، استنصحني ونصحته، حثثته على الإبداع، وعلى التميّز، فأبدعَ، وكانت له بَذْراتٌ أولى: بيت، ثم نُتْفة، ثم قطعة، ثمَّ القصيدة . يبدع وأعلق، نُمارس تلك العملية أسبوعيـًّا، إن لم يكن يوميـًّا:
أعطى الفصاحة عقله وحياته أحيا الجزالة نصُّه الدوار
ولسانه ذرب طليق ممتع بفـرادة وحـلاوة تختار
فصار الشاعر الفذّ البارز في كلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي، فذّ بين أقرانه، بل فذّ بين شيوخه، حتَّى شُهِر في عُرفِ أترابِه، ومُنتقدِي إبداعهِ بلقب:
عنترةَ الخليجِ
إنه شخصية:
عصماء باكرها النعيم، فصاغها بلباقة، فأجلها، وأدقها
ومن ثم جاء ديوانه" إني أحبك" باكورة طيبة، وقطفة رطبة سائغة للشاربين: أصالة، وفصاحة، وصدقا، ووفاء، وغيرة على ثوابتنا، ومقدساتنا...
في الدعوة الخضراء كان وميضها والسنة الفيحاء فيه نصيرها
هو طالب أنعم به من شخصية "إني أحبك" شعرها ونميرها
يفري خزعبلة بشعر محجة وبغصبة شعواء فيه نذيرها
شعر الأصالة شاده متنبيًّا فيه البلاغة قسها وجريرها
أشعاره جاءت شموع مفكر وشموس فقه قد أهل هديرها
إنه ديوان الطالب الشاعر، والشاعر العاشق، والعاشق الثائر، والثائر الوصاف، والوصاف الحكيم، والحكيم الأصيل، والأصيل الخليجي، والخليجي الهاشمي...، إنه نتاج غرس في بيت الشعر الزهيري الحولي المحكّك المنقح:
"زهيري"؛ لما فيه من حكمة وفلسفة وعقلانية مهيمنة...
"حولي" ؛ لأنها أشعار ظهرت في عمر زمني مقبول" خمس سنوات" تقريبًا .
"محكّك" ؛ لأنه عُرض على شعراء فحول، وأساتذة جهابذة، يكفي أن نذكر منهم الأستاذ الدكتور الحسن الأمراني، وهو من هو في ميدان الأدب والنقد، كما ألقي في كثير من المنتديات، والاحتفاليات، ولاقى ثناءً حارًّا، وتشجيعًا جماهيريـًّا بارعـًا .
و"منقح"؛ لأنه مرّ بمراحل كثيرة مع الشاعر، ومع منتقدي مشاعره، ولم يخرج إلى الساحة الثقافية إلا بعد فحصٍ ومحصٍ، وتشذيبٍ وتهذيبٍ، وتجديدٍ وتحديثٍ .
وللمقدمة بقية قادمة ...
د. صبري أبو حسين
نشرت فى 25 مارس 2015
بواسطة sabryfatma
الأستاذ الدكتور صبري فوزي عبدالله أبوحسين
موقع لنشر بحوثي ومقالاتي وخواطري، وتوجيه الباحثين في بحوثهم في حدود الطاقة والمتاح. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
337,391