بسم الله الرحمن الرحيم
تقنيات درامية في قصيدة غَرْناطة لنزار قباني
أ.د/صبري فوزي أبوحسين
أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بمدينة السادات
في البدء أقدم خالص الشكر إلى قسم اللغة العربية بجامعة باشن العالمية بأمريكا، والرابطة العالمية للتراث في منصة (إيفاد)، والأكاديمية الدولية للمخطوطات وعلم الأنساب، وجامعة سامراء، على هذه الدعوة الكريمة إلى هذه القراءة الخاصة في الشعر النزاري الساحر الآسر، والتي كانت تجمعًا إلكترونيا ماتعًا يوم الجمعة المبارك 11/2/2022م، ورائعته عن (غرناطة)، التي أبدعت سنة 1965م، ونشرت في ديوانه (الرسم بالكلمات)، وغرناطة تمثل- في عقل كل مثقف عربي ومثقفة عربية- معقل الإسلام والعروبة الأخير في الأندلس؛ فهو اختيار فني زكي فتي، يمتعنا ويسعدنا، ويحيي فينا الأندلس ويحيينا بها، حيث مرَّ على سقوط الأندلس ثلاثين وخمسمائة عام، بعد حصارها من قبل القوات الإسبانية الكاثوليكية فيما سمي أوربيًّا حروب الاسترداد أو الاستعادة! وما أصدق قول أمير الشعراء في نونيته الأندلسية:
رسم وقفنا على رسم الوفاء به نجيش بالدمع والإجلال يثنينا
لفتية لا تنال الأرض أدمعهم ولا مفارقهم إلا مصلينا
لو لم يسودوا بدين فيه منبهة للناس كانت أخلاقهم لهم دينا
وتكون الحياة الروحية أعمق ما تكون حين تأتي عن طريق السحر النزاري الحلال، خلال هذه القصيدة التي حركت فيَّ النهج الدرامي، لقراءتها؛ ففيها من تقنيات الدراما ما يجعلها جاذبة مؤثرة فينا! مما جعلني أخط هذه المقالة النقدية(تقنيات درامية في قصيدة غَرْناطة لنزار قباني)، والتي يمكن أن أعرضها على النحو الآتي:
<!--درامية العنوان
ـــــــــــــــــــــــــ
لعل شاعرنا اختار هذا المكان الأندلسي عنوانًا لرائعته، وكرر لفظها أربع مرت، فـ(غرناطة :(Granada) مدينة في منطقة (أندلوسيا( جنوب إسبانيا، وكانت تدعى إلبيرة حتى منتصف القرن الثامن الميلادي. وفي القرن الحادي عشر، نقل بنو زيري البربري العاصمة من مدينة إلبيرة إلى مدينة غرناطة. وهو اسم مشتق من الأصل اللاتيني( (granatu،(pomegranate) ، وكانت جميلة الشكل، فقد روي في سبب تسميتها، أنها تعني الرمانة. وقد سميت كذلك لجمالها، ولكثرة حدائق الرمان التي تحيط بها، وكذلك في معجم ياقوت حيث يقول: "إن معنى غرناطة "الرمانة" بلسان عجم الأندلس (الهسبانية) سمى البلد كذلك لحسنه. وقيل: إنها سميت كذلك لأنها أنشئت على البقعة التي زرع فيها الرمان لأول مرة عند نقله من إفريقية إليها، وقيل: إنها سميت كذلك؛ لأنها بموقعها وانقسامها على التَّلَّيْن تشبه بمنازلها الكثيفة الرمانة المشقوقة. وإنما قصد إليها نزار قصدًا:
-لأنها آخر معقل للمسلمين في الأندلس حيث سقطت في الثاني من شهر يناير/انون الثاني، سنة 1492م=سنة 897هـ، إذ يُعد سقوط غرناطة من أكثر الأحداث المهمة التي ميزت النصف الأخير من القرن الخامس عشر في التاريخ الإسباني؛ لأنه كان نهاية الحكم الإسلامي، الذي دام أكثر من ثمانية قرون، وليس سبعة كما يرى نزار!
-وغرناطة المكان الإسباني الذي به آثار واضحة دالة على الوجود العربي والإسلامي بها، حيث البقعتان الساحرتان: جنة العريف، وقصر الحمراء، اللتان اقتصر على ذكرهما نزار فقط من بين الآثار الأندلسية الفاتنة الباقية إلى الآن رغم محاكم التفتيش العنصرية ضد كل ما هو عربي إسلامي في الأندلس! مثل: مسجد قرطبة، ومسجد مدينة الزهراء، وقصر الجعفرية بسرقطسة، وفي مدينة إشبيلية نجد برج الذهب، ونجد مدينة الخيرالدة، وغيرها من الآثار العربية الإسلامية العتيقة الخالدة.
<!--الهيكل الحَدَثِي:
ــــــــــــــــــــ
هذه القصيدة عشرون بيتًا، بناها نزار من بداية في خمسة أبيات(1-5)، ثم أزمة في اثني عشر بيتًا(6-18)، ثم نهاية مفاجئة في بيتين (19-20). وهاك بيانها:
جاءت البداية الدرامية في خمسة أبيات، تعرفنا بطرفي القصة، ومكان حدوثها، هي:
في مدخل الحمراء كان لقاؤنا ما أطـيب اللقـيا بلا ميعاد
عينان سوداوان في حجريهما تتوالـد الأبعاد مـن أبعـاد
هل أنت إسبانية ؟ ساءلـتها قالت: وفي غـرناطة ميلادي
غرناطة؟ وصحت قرون سبعة في تينـك العينين.. بعد رقاد
وأمـية راياتـها مرفوعـة وجيـادها موصـولة بجيـاد
ففي هذه الأبيات نرى لقاء بين الشاعر وفتاة، ونرى مكانًا تاريخيًّا جزئيًّا حاضرًا، هو (مدخل الحمراء)، ومكانًا حديثًا يشار إليه، بلفظة(إسبانية)، ثم ذلك المكان التاريخي الفذ(غرناطة)! مما دفع الشاعر أن يستعيد قرون سبعة في نظره، وإن كانت ثمانية في التاريخ(92-897هـ)! وأن يتذكر الحكم الأموي القوي فيها، حيث نلحظ توظيف الاستحضار (أو الاسترجاع أو الخطف خلفًا)،(Flashback) حيث ينقطع التسلسل الزمني أو المكاني الواقعي (للقصة أو المسرحية أو الفيلم)؛ لاستحضار مشهد أو مشاهد ماضية، لتلقي الضوء على موقف من المواقف أو تعلق عليه ...وهذا التوظيف ساعد نزارًا ليحسن التخلص إلى (الحدث الصاعد) والمتأزم، في اثني عشر بيتًا، حيث نجد صراعًا رئيسًا بين واقع الفتاة وماضي الشاعر، حيث يقول متعجبًا ومستدعيًا:
ما أغرب التاريخ كيف أعادني لحفيـدة سـمراء من أحفادي
وجه دمشـقي رأيت خـلاله أجفان بلقيس وجيـد سعـاد
ورأيت منـزلنا القديم وحجرة كانـت بها أمي تمد وسـادي
واليـاسمينة رصعـت بنجومها والبركـة الذهبيـة الإنشـاد
وهنا نجد نزارًا -عبر تقاسيم هذه الحفيدة من سمار وأجفان وجيد- يقصد إلى استعادة (الواقع العربي السوري) الذي يعيشه نزار، حيث: وجه دمشقي، منزلنا القديم، حجرته في بيت أمه، ونبات الياسمين، وبركة ماء! ثم ينتقل إلى بيئة هذه الحفيدة التاريخية، قائلاً:
ودمشق، أين تكون؟ قلت ترينها في شعـرك المنساب ..نهر سواد
في وجهك العربي، في الثغر الذي ما زال مختـزناً شمـوس بلادي
في طيب "جنات العريف" ومائها في الفل، في الريحـان، في الكباد
حيث يندمج المكان المسؤول عنه (دمشق) بأعضاء الحفيدة السائلة/الإنسان، في تعابير نزار المخاطِب بها: شعرك المنساب، في وجهك العربي، في الثغر، ثم ينتقل إلى بيئته: (شموس بلادي)، ويقدم أدلة على التشابه الحادث بين دمشق العربية وبيئة الحفيدة مكانًا وماء ونباتًا: جنات العريف ومائها، والفل، والريحان، والكباد، ذلك النبات، الذي هو شجر من فصيلة البرتُقاليَّات، ناعم الورق والخَشَب، ثماره كبيرة القَدّ، مستطيلة الشكل، صفراء، طيِّبة الرائحة، دائمة الخضرة صيفا وشتاءً، لا تؤكل بل تُستعمل في صناعة المُرَبَّيات ...
وينتقل نزار إلى المنطقة التي يجيدها العلاقة مع الأنثى، حيث يقول:
سارت معي.. والشعر يلهث خلفها كسنابـل تركـت بغيـر حصاد
يتألـق القـرط الطـويل بجيدها مثـل الشموع بليلـة الميـلاد..
ومـشيت مثل الطفل خلف دليلتي وورائي التاريـخ كـوم رمـاد
إن هذه الحفيدة السمراء فاتنة بشعرها المنساب المنطلق، فاتنة بقرطها الذهبي، فاتنة بجيدها الجميل، ومن ثم كان كالطفل خلفها، تقوده وتدله، ويرى التاريخ آثارًا ترابية! كوم رماد، ثم استدرك قائلاً:
الزخـرفات.. أكاد أسمع نبـضها والزركشات على السقوف تنادي
قالت: هنا "الحمراء" زهو جدودنا فاقـرأ على جـدرانها أمجـادي
أمجادها؟ ومسحت جرحاً نـازفًا ومسحت جرحًا ثانيًـا بفـؤادي
حيث نجد جمال الفن(الزخرفات/الزركشات) وحيويته، في (أكاد أسمع نبضها)، وفي(تنادي)،
وهذه الحالة الحزينة الباكية جعلته يجمع بين المرض الجسدي(جرح نازف)، والمرض النفسي(جرحًا ثانيا بفؤادي)!
وكأني به يتناص تناصًّا غير مباشر مع قول أمير الشعراء:
لم نسر من حرم إلا إلى حرم كالخمر من بابل سارت لدراينا
لما نبا الخلد نابت عنه نسخته تماثل الورد خيريا ونسرينا
نسقي ثراهم ثناء كلما نثرت دموعنا نظمت منها مراثينا
كادت عيون قوافينا تحركه وكدن يوقظن في الترب السلاطينا
فهي آثار طيبة مجيدة أثرت في الشاعرين، ورأيا فيها الحياة تنبض، والأجداد يتحركون!
وتأتي النهاية ختامًا مفتوحًا، وردًّا حاسمًا، حيث يقول:
يا ليت وارثتي الجمـيلة أدركـت أن الـذين عـنتـهم أجـدادي
عانـقت فيهـا عنـدما ودعتها رجلاً يسمـى "طـارق بن زياد"
حيث كان نداؤها بوارثته، وإخبارها بأن الاثار التي تفخر بها آثار أجداده، لا سيما القائد الفاتح البربري طارق بن زياد! وإن كنت أرى أنه ختام مفاجئ، وختام ضعيف، ليس فيه منطقية، ولا يتطلبه سياق أو مقام، وأراه راجعًا إلى خواء فكري عن تاريخ الأندلس في عقل نزار ورؤيته، أو أنه بسبب قصده إلى سرعة الإبداع وإيجازه ليكون جمهوريًّا محفليًّا !
<!--درامية الحوار:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الحوار عنصر رئيس من عناصر أي عمل مسرحي شعرًا كان أو نثرًا، وقراءة هذه الدالية النزارية الأندلسية تدلنا على أن الحوار بنية مهيمنة فاعلة في النص كله بدءًا ووسطًا وختامًا، وأنه قد جاء متنوعًا بين حوار خارجي ثنائي بين المبدع وفتاة قصيدته، وحوار داخلي أحادي ذاتي خاص بالمبدع فقط، يأتي نتيجة حواره مع الفتاة تعليقًا على لفظة أو رؤية صادمة لديها! جاء الحوار الخارجي في البيت(3)، والبيتين(10-11)، والبيت(17)، وجاء الحوار الداخلي في الأبيات(4-8)، و(18-20)، ففي بداية اللقاء نجد نزارًا يتعرف على الفتاة قائلا:
هل أنت إسبانية ؟ ساءلـتها قالت: وفي غـرناطة ميلادي
حيث الحوار الخارجي المعتمد على أسلوب الاستفهام، والمشير إلى ثنائية من ثنائيات النص، وهي (الواقع) في سؤال المبدع بلفظة(إسبانية)، و(التاريخ) في جواب الفتاة بفظة(غرناطة)! ويعقب هذا الحوار الخارجي حوار ذاتي، في قوله:
غرناطة؟ وصحت قرون سبعة في تينـك العينين.. بعد رقاد
وأمـية راياتـها مرفوعـة وجيـادها موصـولة بجيـاد
فلفظة (غرناطة) دفعت الشاعر دفعًا إلى استدعاء القرون الإسلامية في الأندلس، والتي جعلها سبعة، وهي ثمان!، ولعله يقصد إلى قرون القوة، وأنه يرى أن قرنًا في الأندلس كان سبب الضياع والانهيار العربي والإسلامي في فردوسنا المفقود! كما أنه يشير إلى من كانوا سبب قوة الحكم العروبي والإسلامي في الأندلس(أمية) ذات الرايات المرفوعة بها عند عبدالرحمن الداخل وأولاده وأحفاده، والتي جيادها موصولة بجياده حيث إنه شامي سوري دمشقي أموي!
ويستمر نزار في مناجاته الداخلية وبوحه الخاص قائلاً:
ما أغرب التاريخ كيف أعادني لحفيـدة سـمراء من أحفادي
وجه دمشـقي رأيت خـلاله أجفان بلقيس وجيـد سعـاد
ورأيت منـزلنا القديم وحجرة كانـت بها أمي تمد وسـادي
واليـاسمينة رصعـت بنجومها والبركـة الذهبيـة الإنشـاد
يدفعه التاريخ دفعًا إلى تذكر واقعه إنسانًا نسويًّا(حفيدة/سمراء/بلقيس/سعاد) عبر قسماته الجسدية(وجه/أجفان/جيد)، ومكانًا حياتيًّا (منزلنا القديم/حجرة/وساد/البركة الذهبية)، ونباتًا(الياسمينة)!
ثم يأتي (الديالوج)الحوار الخارجي مرة ثانية في البيت الخامس عشر، حيث يقول:
ودمشق، أين تكون؟ قلت ترينها في شعـرك المنساب ..نهر سواد
حيث السؤال هنا منها، والجواب منه! السؤال منها حقيقي عن موقع دمشقه هذه! والجواب منه كعادته رومانسي حيث الشعر المنساب نهر سواد، والوجه العربي، والشموس، والطوق المتألق، ثم ينتقل إلى معالم أندلسية: جنات العريف ومائها، ونباتها من فل وريحان وكباد!
ثم جاء ختام القصيدة كلامًا تعريفيًّا منها بآثار بلادها وأمجادها، ثم مناجاة داخلية منه حيث الاستنكار أو الاندهاش في قوله(أمجادها؟!)، والحزن الطاغي في (مسحت جرحًا نازفًا)، و(جرحا ثنايا بفؤادي)، ثم كان هذا التمني منه!
يا ليت وارثتي الجمـيلة أدركـت أن الـذين عـنتـهم أجـدادي
ولأنه (نزار) كان يعيش في مونولوج داخلي، وليس حوارا خارجيًّا مباشرًا، وكأنه لا يعنيه أن يخاطبها بقدر ما يعنيه أن يخاطب نفسه أو يخاطب متلقي شعره!
<!--درامية المكان:
ــــــــــــــــــــــ
المكان عنصر رئيس فاعل في هذه الدالية السردية الأندلسية، حيث احتوت على خمسة عشر مكانًا متنوعًا، وقد جاء في العنوان، وجاء في المطلع، وجاء في الوسط، وجاء في الختام: في المطلع نجد في البيت الأول-إضافة إلى المكان الرئيس(قرطبة)- نجد مكان التعرف بين بطلي تلك الثنائية الدرامية في (مدخل الحمراء)، وفي السابع عشر(قالت هنا الحمراء زهو جدودنا!)، وصدقت في أن (زهو)؛ فهو أثر تاريخي فذ يعد من أشهر قصور الأندلس ، في آخر معاقل المسلمين بالأندلس “مملكة غرناطة ” ويعد هذا القصر من أكثر المعالم الفنية الأثرية التي تدل على عظمة فن العمارة الإسلامية وثرائه، وهو يحتوي على زخارف، وآيات قرآنية، تزين جميع جدرانه وأركانه، وسُمِّي هذا القصر بعليل النفوس! ,ولذا فهو يعد من أكثر الأماكن السياحية الأثرية زيارة في إسبانيا الآن، لا سيما من العرب والمسلمين الذين يتخذون منه مَبْكَى لهم، فيعود كل زائر منه بقصيدة أو مقالة أو خطبة عصماء وكفى!!.
وفي وسط السردية الدرامية نجد الأماكن العربية الواقعية الخاصة بوطن الشاعر(منزلنا القديم/حجرة/البركة/دمشق/السقوف/الحمار)، وكأني به يردد قول شوقي:
آهًا لنا نازحي أيك بأندلس وإن حللنا رفيفًا من روابينا!
ونقف هنا مع جنات العريف، التي هي قصر يقع شمال شرقي قصر الحمراء، وكان يتخذه ملوك غرناطة منتزهاً للراحة والاستجمام. وتشغل جنة العريف أطراف ربوة الشمس، حيث تنبع منها كل المدينة وأودية الخنيل ونهر دارو. وتعد المبنى الأكثر أهمية بين كل ضواحي الحمراء. وقد ذكرت في الشعر العربي القديم، ووصفت بكثافة أشجارها التي تحجب أشعة الشمس، وسحر مياهها وعذوبته ونقاء هوائها.
ومن عجب أن يبدأ نزار أندلسيته بـ(غرناطة) ويختمها بـ(الحمراء)، وهما أكثر مكانين تكررا في هذا النص! وكأني به يشير إلى الحالة الدرامية الخاصة بهذين المكانين، فهما موطن الصراع العربي الإسباني التاريخي! وهما المذكوران في لحظة السقوط الأندلس الحزينة المشجية!
وهكذا بدأت الدالية بالمكان التاريخي، وتوسطها المكان الواقعي، وختمت بالمكان التاريخي!
"جنة العريف" من إنشاء ثاني سلاطين النصريين (بني الأحمر) السلطان محمد الثانى (1273 - 1302)، وقام بإعادة تشكيلها إسماعيل الأول سنة 1319. و تقع جنة العريف أسفل مرتفَعٍ يُعرف باسم "ربوة الشمس"، ويفصلها عن الحمراء وادٍ ضيق، وعلى الرغم من أن زيارتها حاليا ما تزال مرتبطة بزيارة الحمراء، إلا أنها في الواقع تشكل مجموعة أثرية مستقلة تمامًا.
5- درامية الزمان:
ـــــــــــــــــــــــ
يأتي الزمان في رتبة أقل بهذا النص، حتى إن(التاريخ)، -هو مقصد أعلى في النص-صار وراء الشاعر كما عبر(كوم رماد)! ويتأرجح الزمان عنده بين ماض وواقع عربيًّا وإسبانيًّا، ولا حضور لمستقبل، بل إن الشاعر لينظر إلى تلك الفتاة الإسبانية بأنها(وارثته الجميلة) وليس مُغتَصِبَة أو مُغَيَّبة ومخدوعة ومُجَهَّلة ! وقد وظف الشاعر المكان ليشير إلى الزمان كما نرى في لفظات: إسبانية/غرناطة/دمشق، إضافة إلى ألفاظ: (القديم/ميعاد/ميلاد/ليلة/خلاله/التاريخ/هنا/أجدادي/أمية)،وإلى الأفعال(كان/ساءلتها/قالت/رأيت/ كانت بها/أين تكون/يتألق/سارت معي/ومشيت/أكاد أسمع/اقرأ على جدرانها/عانقت وودعت...
وأخيرًا:
يأتي (الصراع) في هذه الدالية نفسيًّا حضاريًّا شفيفًا، وليس خارجيًّا ظاهريًّا، فلم يتصارع الشاعر مع تلك الفتاة التي تتعصب لمجد تزعمه لقومها الأوربيين! إنها تجربة ذاتية تمثل لقاء من شاعر غزل بفتاة جميلة، أدى إلى قطع للواقع، واسترجاع للماضي، استرجاعًا سريعًا خاطفًا، مع فراق ووداع! وتحسر كنائي على الخروج من الأندلس، واعتراض نزاري هامس على مزاعم تلك الإسبانية! ولم نجد في الدالية جلدًا للإسبان فاعلي محاكم التفتيش العنصرية البغيضة بكل مقاييس البشر وأعرافها، ولم نجد إشارة إلى (الموركسيين) المعذبين المضطهدين، ولا إشارة إلى الإرهاب والإخراج أو التهجير القسري! كان أمام نزار أن يقول الكثير في ختام داليته، ولكنه قصر وتكاسل وفرط في كنز كبير من المشاعر والرؤى والأحداث والصراعات القائمة والمستمرة إلى قيام الساعة!