الدكتور محمد أبوموسى قارئ التراث العربي الأول في آننا 

بقلم: أ.د/صبري فوزي أبوحسين

 

هو محمد محمد حسنين أبي موسى، ولد في30  يونيو سنة 1937م، في قرية الزوامل بمركز دسوق في محافظة كفر الشيخ أقصى شمال جمهورية مصر العربية. وقد نشأ أستاذنا نشأة دينية أزهرية عتيقة في قريته، إذ نشأ -كما ينشأ الطفل آنئذٍ- على حفظ القرآن الكريم، حيث التحق بالأزهر الشريف وتدرج في مراحله الدراسية بداية من معهد دسوق الديني التابع للأزهر، وتدرج في سنيه التعليمية ومراحله الدراسية، حتى تخرج في كلية اللغة العربية عام (1963م)، ومن شيوخه: الأستاذ عبد السميع شبانة، ورفعت فتح الله، وأحمد كحيل، والشيخ الحجار، وامتحنه شفويًّا الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، والشيخ محمد علي النجار، محقق الخصائص واختبره  في النحو، كما تربَّى على كتب الكبار من علماء عصره وأدبائهم، وقد سُئل -حفظه الله - عن العلماء الذين يهتم بكتاباتهم ومؤلفاتهم فأجاب قائلًا: العلامة محمود شاكر، وكانت لي علاقة وصداقة معه، وهو من شيوخي وكان له اهتمام بالجيل الناشئ، بل كان بمجلس الكبار والوزراء يهتم بالجيل الواعد ويقدمهم على من حضر، ومنهم الرافعي والعقاد، مع أني أرفض كثيرًا من آراء العقاد، ولكن هناك فرق بين عمق علمه وتفكيره. وكان (الشيخ أبوموسى) من أوائل الكلية فعُيِّن معيدًا بها، وحصل على درجة التخصص (الماجستير) في البلاغة بتقدير (ممتاز) من الكلية نفسها عام(1967م)، وكان عنوان رسالته: (بلاغة المفتاح: دراسة وتعليق)، ثم حصل على درجة العالمية( الدكتوراه) عام (1971م) وكان عنوان أطروحته: (البحث البلاغي في تفسير الزمخشري)، وترقى في الوظائف العلمية بالكلية، فعُيِّن مدرسًا عام(1971م)، ورُقِّي إلى درجة أستاذ "مساعد" [مشارك] عام(1976م)، ثم رُقِّيَ إلى درجة (أستاذ) بالكلية نفسها عام (1981م) (<!--)، وأعير من جامعة الأزهر إلى غير جامعة عربية، فطار صيته، وذاع علمه، وانتشر أثره في أقطار عربية عدة، من خلال التدريس والمحاضرة والإشراف والتحكيم العلمي، في كبرى الجامعات العربية، جامعة بنغازي في ليبيا من عام1973م إلى1977م، وطبعت له هذه الجامعة كتابين هما ("التصوير البياني"، و"دلالات التراكيب")، ثم اختير للعمل عام 1977م أستاذًا زائرًا في  جامعة أم درمان الإسلامية في السودان لمدة ثلاثة أشهر، ثم أعير من جامعة الأزهر إلى جامعة أم القرى في السعودية في عام1981م، واستمر هناك حتى سنة1985م،  ثم عاد إلى جامعة الأزهر، حيث عُيِّن رئيسًا لقسم البلاغة والنقد عام1985م، واختير عضوًا في اللجنة الدائمة لترقية الأساتذة والأساتذة المساعدين بقسم البلاغة والنقد بجامعة الأزهر سنة1987م، ثم أعير مرة أخرى من جامعة الأزهر إلى جامعة أم القرى سنة 1994م، وهو يعمل الآن بالتدريس لمادة البلاغة في قسم الدراسات العليا بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر في القاهرة، وفي عام2012م اختير عضوًا في هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، وله دروس أسبوعية يلقيها في الجامع الأزهر، منتصف كل أسبوع يشرح فيها الكتب البلاغية التراثية لا سيما دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة للإمام عبدالقاهر الجرجاني...

إن النشأة الأزهرية الأصيلة الجادة التي رُزق بها (الشيخ)، حيث حصَّل من المعارف والعلوم العربية ما لم يحصله أحد من أبناء جيله! جعلته صريحًا جريئًا في آرائه وأفكاره، ودفعته إلى موقف حازم من الثقافة الغربية الوافدة، وموقفها من الحضارة الإسلامية، أو صلتها بها؛ فهو يراها تسعى بكل ما أوتيت من أسباب ومكر وسطوة وإغراء وإغواء، إلى القضاء على هوية الأمة المسلمة، ومسخ حضارتها، ومواريثها، أو تذويبها في حضارة الآخرين! ومن ثم يرفضها رفضًا قاطعًا، ويهاجم أية محاولة اتصال أو تواصل معها تقول على النقلة أو الملفقين؛ فهو ضد مستورديها، وضد المحاولين تعريبها، أو الإفادة من منجزها!  يقول: "ومما يستوجب دوام هذا التنبيه إلى هذا الخطر الذي يهدم وجدان الأمة أن أفكارًا ضارة وخاطئة قد انبثت في أوساط المثقفين، فصرفتهم عن ذوق هذا الأدب والإقبال عليه بنفس سليمة وصدر معافى، وهذا يجعل بقاء هذا الصرف أمرًا متوقعًا، وأن يظل الأدب مجهولاً، ومن ثم يكون بعيدًا عن محيط التأثير"(<!--):

يأبى طريقَ عِصابَةٍ مَفتونَةٍ                 يَجـــِدونَ كُلَّ قَـــديمِ علمٍ مُنكَرا

يقول الدكتور سلامة داوود في بحثه(ثقافة الناقد الأدبي في مؤلفات الشيخ محمد أبي موسي): "عُرف العلامة الدكتور محمد محمد أبو موسى بفن البلاغة وكان فيه إماما ، حتى إذا قيل «شيخ البلاغيين» كانت هذه الكلمة في زماننا كناية عنه لا تنصرف إلا إليه ؛ لأنه وهبها عمره ، وعكف عليها كما لم يعكف ذو علم في زماننا على علمه". 
وبالنظر في عناوين كتب (الشيخ)، ومقدماتها، وفهارس محتوياتها، نجد أن تآليفه تتنوع  إلى: آثار خاصة بالقرآن الكريم، وثانية خاصة بالنص النبوي الشريف، وثالثة خاصة بعلوم البلاغة، ورابعة دائرة في فلك النقد الأدبي، وخامسة ثقافية عامة. إنها –كما يقول الدكتور محمود توفيق- آثار تقرأ فيها نفسًا وعقلاً وقلبًا منشؤه ومرباه رياض بيان الوحي والكلمة الشاعرة النبيلة الماجدة. أنت تقرأ ثمانية عقود أنفقها الشيخ في استحضار العلم الشريف وخدمته في فسطاط الخير: الأزهر الشريف علما ورسالة وفعلا في الحياة، فكان الذي بين يديك(<!--). وبيانها الأَوَّلِي على النحو التالي:

تآليف (الشيخ) في دراسة النص القرآني والإعجاز البلاغي:

 وتتمثل في: (الإعجاز البلاغي: دراسة تحليليّة لتراث أهل العلم، طبع سنة 1404هـ=1984م)، و(من أسرار التعبير القرآني: دراسة تحليلية لسورة الأحزاب)، طبع سنة 1971م، و(البلاغة القرآنية في تفسير الزمخشري و أثرها في الدراسات البلاغية)، طبع سنة 1988م. و(آل حم: غافر – فصلت: دراسة في أسرار البيان، طبع سنة 2008م)، و(آل حم: الشورى - الزخرف – الدخان: دراسة في أسرار البيان، طبع سنة 2009م)، و(آل حم: الجاثية – الأحقاف: دراسة في أسرار البيان، طبع سنة 2011م)، و(الزُّمَر ومحمد، وعلاقتهما بآل حم: دراسة في أسرار البيان)، طبع في سنة 2012م، وفي كتاب (البلاغة والشعر) تحليل للأمثال في سورة النور، وقد عرض لدراسات خاصة بالنص القرآني، وبقضية الإعجاز في كتابه: (من الحصاد القديم).

ومن كتب (الشيخ) في البيان النبوي الشريف: (شرح أحاديث من صحيح البخاري: دراسة في سمت الكلام الأول، طبع سنة 2001م)، و(شرح أحاديث من صحيح مسلم: دراسة في سمت الكلام الأول، طبع سنة 2015م)...
وتتمثل آثار (الشيخ) البلاغية المتخصصة:

وتتمثل في:  (خصائص التراكيب: دراسة تحليلية لمسائل علم المعاني) طبع سنة 1974م، والتصوير البياني: دراسة تحليلية لمسائل علم البيان)، طبع سنة 1976م، و (دلالات التراكيب: دراسة بلاغية)، وهو تكملة لمسائل علم المعاني طبع سنة 1978م، و(مدخل إلى كتابي عبد القاهر الجرجاني) طبع سنة 1997م، و(مراجعات في أصول الدرس البلاغي)، طبع سنة 2005م، و (المسكوت عنه في التراث البلاغي)، طبع سنة 2017م. و(علم البديع عند الشيخ محمد محمد أبوموسى)، وهو مذكرة قديمة كان (الشيخ) قد درَّسها قديمًا لطلاب السنة الثالثة في كلية التربية جامعة المنوفية. وقد تولَّى استكمال هذه المذكرة، ورعى طبعها ضبطًا بالشكل وتصحيحًا للطباعة، وعلق حواشيها، فضيلة الأستاذ الدكتور محمود توفيق سعد - حفظه الله وطبعت سنة 2019م. وقد اشتمل كتابه: (دراسة في البلاغة والشعر)- الذي طبع سنة 1991م- على دراستين في البلاغة، هما: مدخل إلى دراسة مصادر عبد القاهر، الصورة في التراث البلاغي. وقد عرض لدراسات بلاغية قديمة وحديثة عند عبد القاهر، والعقاد، وغيرهما، في أبحاث له، نشرت في كتابه: (من الحصاد القديم) سنة 2018م.

ومن الآثار الثقافية العامة:

 محاضرة: (مناهج علمائنا في بناء المعرفة)، طبع سنة 1999م، وكتاب: (من مداخل التجديد) طبع سنة 2018م، طبع مجلس حكماء المسلمين، الذي عرض فيه لمفهوم التجديد وآليات التجديد، وضوابط في المجددين. وكتاب: (من الحصاد القديم، طبع سنة 2018م)، وهو مجموعة أبحاث ودراسات متفرقة للشيخ على مدار حياته، ومنها ما نشر منفردًا قبل ذلك،  وأرى أن هذا الكتاب خير كتاب يمثل المهايع الثقافية، والمناحي العقلية للشيخ؛ فهو مادة علمية دسمة متنوعة، جامعة بين التخصص البلاغي والنقدي للشيخ، والهم الإسلامي، والأصالة العربية، وتمجيد الكبار من علماء الأمة قديمًا وحديثًا. وقد عرض فيه أمجادًا ورؤى تراثية بكل عمق، ونقد واقعنا الثقافي بكل جرأة، وفكر في الأجيال التالية وفي قادم أيام الأمة بكل حرارة وإخلاص ووعي.    

ولا أدل على ذلك من تدبر عناوين تلك الدراسات والأبحاث، وهي: مناهج علمائنا في بناء المعرفة، علماؤنا وتراث الأمم، القفطي وتراث الأمم، المنهج الغائب في تراث عبدالقاهر، وموقف العقاد من التراث البلاغي، الخطابي وإعجاز القرآن،  إليه يصعد الكلم الطيب، والله متم نوره ولوكره الكافرون، يرفع الله الذين أوتوا العلم، أمثال سورة النور، أفلا يتدبرون القرآن، وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا، الدين والسياسة ومقدمات يجب أن تذكر، كلمات يجب التوقف عند استعمالها، البلاغة الغائبة، حتى لا ينقطع ميراث النبوة، أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب، على هامش منتدى إحياء التراث البلاغي، معذرة إليك يا شيخ الأصحاب، مهلا أيها الكبار، الشيخ أحمد الشرباصي رجل مضى ومثل مستمر، والذين هاجروا في الله، البلاغة القرآنية وتوضيح واجب، قراءة في مقدمات كتب القدماء، التراث حركة تأمل وإبداع، قيم منهجية يجب أن تعود، تصحيح مقولة في تاريخ الإسلام، حقائق غائبة، تجديد الخطاب الديني والحذر الواجب، تجديد الخطاب الديني والطريق الواحد، ضرورة سيطرة التوجيه الإسلامي في ديار الإسلام، ويلكم ثواب الله خير، التطرف والإرهاب ووجوب المراجعة، محمود محمد شاكر والفجر الصادق. ... هذا إضافة إلى مجموعة محاضراته العامة، والمتخصصة، ومقالاته(<!--) التي تعد كنزًا يؤرخ للحالة الفكرية في زماننا المأزوم!

-كتاب (من حديث يوسف وموسى في الذكر الحكيم):

كتاب صدر سنة 2021م، وفيه وصف سيدنا يوسف –عليه السلام، وبيان صورة مصر في عصره؛ حيث التعامل الراقي، والبلد المتحضر،•و مظهر التقدم وصناعة الأثاث ، والمتكآت، واستعمال السكاكين في تقطيع ما يؤكل في اجتماع نسوة المدينة، وكأننا في الحضارة المعاصرة، ... ومن خلال ما كانوا عليه من جمال وبهاء تدرك النعمة التي كان يعيش فيها نساؤنا على أرضنا منذ ثمانية وثلاثين قرنًا، وهذا من أهم مقاصد هذا الكتاب. ثم كان الحديث عن سيدنا موسي- عليه السلام- في الكتاب، وصورة مصر في زمنه، وقد أخذ المساحة الأكثر من هذا الكتاب؛ لأن حديث يوسف أنتج دخول بني إسرائيل مصر وظلوا بها قرابة الخمسة قرون، وحديث موسى أنتج خروجهم من مصر ...وختم الكتاب بما أسماه الشيخ أبوموسى: "وصایانا لقومنا:
فإني أتوجه إلى ربي راجيا قبول ما يرضاه من كتابي هذا، وأن يتقبله شكرًا مني لتوفيقي، وإعانتي من الله في عمله، وأن يتجاوز عن غفلاتي، وهو يعلم أني تحريت الصواب في كل ما كتبت، ثم هو يعلم أني لم أقصد إلا إلى خير أمتي، أمة الشهادتين، وخير أهلي الذين هم العرب، والمسلمون، والمصريون، وقد أكرمني ربي فلم يسكن في قلبي ضغينة لأحد، وأكرمني ربي فصرفني عن أن أكون عضوًا في أي حزب، أو أي جماعة، وأن يكون جهادي في قومي، هو أنني مسلم، وفي بلدي هو أنني مصري، مع أن المسألة واحدة، وإن كان ضيق الأفق يفصلها، أعني أنك حين تدفع الظلم، والاستبداد، والقهر، عن قومك، أنت مسلم، وانت مصري معًا؛ لأن مصلحة البلاد هي في الحق والعدل، والبر، والرحمة، التي أمر بها الإسلام، والذي ضد البلاد من الفساد، والنهب، و تفريق اللُّحمة الوطنية....، ليس من الوطنية وليس من الدين، حيثما كانت مصلحة البلاد، والعباد فَثَمَّ شرعُ الله، ودينُه، وصراطُه المستقيم"! 

رابعًا: تجارب (الشيخ) في مجال النقد الأدبي:

وهذه الكتب هي المصدر الأساس لهذا السياحة التحليلية؛ لأنها الأقرب إلى الدراسة الأدبية والنقدية، ولأنها تطبيقية على النص الشعري الكامل، وليس على الأمثلة أو الشواهد كما التآليف البلاغية الأخرى، وتتمثل في:

<!--(قراءة في الأدب القديم):

وقد طبع الطبعة الأولى سنة 1978م، وظل يطبع إلى أن جاء في اثنتين وتسعين وثلاثمائة صفحة، بها أربع مقدمات، تتناول مناهج الدرس الأدبي في عصرنا وما يعتورها من مزالق ومخاطر، وعلم تحليل النص في إرثنا الفكري، وحتميته، ومنهج العلامة محمود شاكر في القراءة والتحليل. ثم أخذ الشيخ يعيش مع روائع الشعر القديم ويحيينا فيها وبها، بدءًا بقصيدة: (بانت سعاد) [27-91]، ومرورًا بقصيدة الفرزدق(عزفت بأعشاش) [92-189]، وشاعر من قيس: عينية الحادرة، وقصيدة أخرى له[190-259]، وشاعرة من قيس:الخنساء[259-333]، ثم قدم مراجعة لعينية أبي ذؤيب وبناء الشعر على الحكايات [303]، ومرثية محمد بن كعب الغنوي ومذهب مغاير، ثم تناول في الكتاب شاعرًا آخر من قيس وهو النابغة[335-383]، وعقد موازنات بين قصيدتيه: الدالية والرائية، وموازنة بين النابغة والمرقش، ثم ختم بتطبيق مسالك المعاني على أبيات لربيعة بن مقروم الضبي[381]. ومن عجب أن (الشيخ) يسمي كتابه هذا: (قراءة في الأدب القديم)، وكله قصائد شعرية! كأني به جعل ما يكتبه من تحليل، وما يذكره من تنظيرات القدامى خلال كتابه أدبًا؛ فالكتاب مشتمل على أدب إنشائي هو الشعر، وأدب وصفي هو تحليلات (الشيخ)، ومنثورات الأسلاف.

وهو في هذا الكتاب يعطي أنموذجًا لكيفية القراءة الإحيائية للنص الشعري الواحد من نتاج المبدع...

<!-- (القوس العذراء وقراءة التراث):

وقد طبع سنة 1983م، ويعرض فيه الشيخ  لرسالة “القوس العذراء" للشيخ محمود شاكر من حيث هي منهج في قراءة التراث، والتمثل، والفهم، والاستخراج من معين الأدب العربي، وغاية بحث شيخنا (أبي موسى) فيها هو الكشف عما انطوت عليه هذه الرسالة من طريقة في استنطاق كلام القدماء واستخراج دلالاته، وتحليل إشاراته، وما استخرجه من تحت ألفاظ القدماء؛ ولتبعث الشماخ بن ضرار القيسي وترفعه فوق القمم العوالي في دوحة الشعر صداحًا شجي الغناء ثم تنطقه بالقول الفصل في قضية من أطرف القضايا، وهي انبثاق الجديد من غيب القديم، وإشاعة طرائق المفكرين المسلمين واجتهادهم وجهودهم في خلق المعرفة وقدراتهم الفائقة على تطويرها(<!--).. وليس على الاقتباس والاستيراد من الغرب الذي أبطل عقولنا في كل فرع من فروع المعرفة، ويخطط لحصارنا في دائرة الاستهلاك والتواكل والتماوت!.  وأرى أن هذا العمل النقدي خير مثال لما يُسمَّى: القراءة الثقافية والحضارية العالية والهادية في المكتبة العربية...

وفي كتابه: (دراسة في البلاغة والشعر)، طبع سنة 1991م، ثلاث دراسات في الشعر، هي: الصورة البيانية في شعر الأعشى، والبناء اللغوي في شعر الأعشى، والمرأة في تشبيهات الأعشى. وواضح أنها تناولت شعر الأعشى تناولات متنوعة بلاغيًّا، ولغويًّا، وبيانيًّا.

<!--(تقريب منهاج البلغاء لحازم القرطاجني):

 وقد طبع سنة 2005م، و(منهاج البلغاء وسراج الأدباء) لحازم القرطاجني(ت684هـ) من مصادر النقد الأدبي التراثي العتيقة والعميقة، والمزدانة بالغموض الشديد في كثير من أبوابها, فرأى (الشيخ) أن من واجبنا نحو أجيالنا أن نقرب لهم حقائق العلم, وعلى هذا الدافع قام هذا الكتاب فاستخلص أفكار (حازم) وقربها؛ فأكثر من كتبوا عن (حازم) قرأوا عنه ولم يقروه بسبب هذا الغموض, وقد تتبع هذا الكتاب أبواب حازم بابًا بابًا ومسألة مسألة، وشرحها، وبيَّن أسباب غموض لغة حازم، وقد عرض لطرائق اجتلاب المعاني, والمعاني الأصول، والمعاني التوابع, والصور الذهنية الحاصلة من تأليف الكلام, واختلاف هيآت المعانى وكيفياتها, والأحوال التي تعرض للمعاني, والمطالع والمقاطع وما يجب فيهما, والمعاني الكلية والمعاني الشخصية, وأنحاء الخطاب، ومدى التزام حازم المنهج، وتراجع حازم عن هذا المنهج, ومصادر القوانين البلاغية كما يراها حازم، ومعانى التخييل والمحاكاة، وأنه لا يخرج عن تجويد العبارة. وفى هذا الكتاب تلخيص ابن رشد لكتاب الشعر لأرسطو، وقد حصر تلخيصه في القوانين المشتركة بين البلاغتين, وقد بين الكتاب أن أكثر مباحث حازم في أبواب البلاغة التي ذكر ابن سينا أنها في شعر العرب، وليست في شعر اليونان, وأن الأثر الأكبر في حازم لابن سنان الخفاجي، ثم عرض الكتاب للمسائل البلاغية التي قالوا: إنها من كتاب الشعر لأرسطو، وبيَّن مصدرها في تراثنا القديم(<!--).

وقد تكون الكتاب من مقدمة وسبعة مباحث: المقدمة [3-25] عن الربط بين عصر حازم وعصرنا، وضرورة الولاء العقلي والروحي لأصول حضارتنا، والموقف الواعي من فكر الغير، والمبحث الأول عن طرائق اجتلاب المعاني وبناء بعضها على بعض[27-67]، والمبحث الثاني[69-104]، والمبحث الثالث عن: الأحوال التي تعرض للمعاني [107-145]، والمبحث الرابع عن المباني[ 149-193]، والمبحث الخامس عن  الأسلوب [197-224]، والمبحث السادس عن تلخيص كتاب الشعر لابن رشد[235-260]، والمبحث السابع عن موضوعات زعموا أنها من كلام يونان [263-295]. وواضح من هذه المفردات العلمية التي اشتمل عليها الكتاب أنه ليس تلخيصًا له، بل إنه يعد أول كتاب للشيخ أبي موسى في مجال قراءة مصادر النقد الأدبي العربي عند قدمائنا الماجدين، وأراه فاتحة خير، وباكورة سلسلة في هذا المجال الذي يحتاج أمثال ذائقة شيخنا وعقليته، ليعلن عن ومضاته المشعة، ولمحاته الفريدة التي تبني الباحثين في الدراسات البلاغية والأدبية، وتنير أمامهم الطريق.

- (الشعر الجاهلي: دراسة في منازع الشعراء):

 طبع سنة 2008م، في أربع وخمسين وستمائة صفحة، مكونًا من مقدمة وخمسة مباحث، المقدمة في دراسة الشعر الجاهلي[5-24] تناولت أفكار:الإعجاز البياني وتحدي جيل المبعث حقيقة لا يجوز أن تغيب، وعلم الجاهليين بصناعة الشعر، وأكاذيب في تاريخ النقد يجب أن تزول، وخطر تغييب روح الاجتهاد، ومحمود شاكر ونقد الحياة الفكرية، ووجوب قراءة مقدمات القصائد قراءة جديدة، وأبواب المعاني ومنازعها في الشعر الجاهلي، ومناقب الجاهليين التي دونها الشعر، والقرآن والشعر الجاهلي. وجاء المبحث الأول عن شعر امرئ القيس[25-204]، والمبحث الثاني عن شعر أوس[207-315]، والمبحث الثالث عن شعر زهير[219-424]، والمبحث الرابع عن شعر النابغة[427-486]، والمبحث الخامس عن: القوس، والشَّهدة والدُّرَّة[489-650].

وظاهر أن (الشيخ) ينزع في هذا الكتاب نحو النظرة الكلية إلى نتاج الشاعر، مع التركيز على تحليل روائع كل مبدع وودائعه، وبيان مهيعه، وميسمه وصفات إبداعه الخاصة، وآليات صنعته الفنية.

وواضح من خلال فهارس هذه الكتب أن الشيخ لا يعيش إلا مع النصوص الأدبية المحلقة العالية بدءًا من الجاهلية، ومرورًا بالمخضرمين، والإسلاميين، والأمويين، ولم يقف في أدب العصر الحديث إلا مع رائعة شيخه (شاكر) القوس العذراء. كما يظهر أن الشيخ يميل إلى النقد التطبيقي المنطلق من النصوص العالية، أكثر من النقد التنظيري المتمثل فقط في كتابه عن تقريب منهاج القرطاجني.

 

<!--من التراث النقدي: دراسة وتحليل:

كتاب صدر سنة 2020م، يقول عنه (الشيخ):" وهذا الكتاب يدور حول أمرين لا ثالث لهما: الأول : مناقشة كلام النقاد الثلاثة الذين ذكرتهم في الكتاب، وهم : ١- قدامة بن جعفر، (٢٦٠- ٣٢٧ه(‍، في كتابه "نقد الشعر"، وشغل مناقشته من هذا الكتاب، الصفحات (۲۱ - ۱۹۳). ٢- علي بن عبد العزيز الجرجاني (٣٢٢-٣٩٢ه)، في كتابه "الوساطة بين المتنبي وخصومه"، وشغل مناقشته من هذا الكتاب، الصفحات(١٩٤ – ٧٧٦(٣- وابن رشيق (المتوفى: ٤٦٣هـ) في كتابه "العمدة في محاسن الشعر وآدابه"، وشغل مناقشته من هذا الكتاب، الصفحات (٧٧٧ – ٩٠٧)، وكلام الأولين مختصر جدًّا؛ لأنهما كانا يعيشان في زمن: أبي الطيب المتنبي وابن جني وأبي علي الفارسي، وكان هذا الجيل يكفيه هذا الكلام المختصر، وتأخر الزمن بابن رشيق وعاش إلى منتصف القرن الخامس فأوجب عليه حال الجيل ما أوجب من البيان الزائد....  

 هذا، ويلاحظ على مؤلفات شيخنا كثرة المقدمات للكتب في طبعاتها العديدة، وكل مقدمة يوظفها في عرض الهم الثقافي الذي يعاني منه زمن كتابتها.

 كما يلاحظ غياب العناوين الفرعية؛ فالشيخ يعتمد تداعي التعابير والمعاني، وتناسلها، وكون التحليل مرتبطًا بفكرة أساسية أو نص شعري محدد الأبيات، مرتبها، ويكتفي بفهرس تفصيلي في ذيل الكتاب متأثرًا في ذلك الصنيع بشيخه: (شاكر).

كما يلاحظ على عقلية (الشيخ) وتعبيراته في عناوين الكتب وفي أسلوبه داخلها، هيمنة مصطلح (القراءة) في تحليله النصوص الشعرية، ومصطلح (الدراسة) في عرض مسائل العلم وكلام العلماء، وإذا كانت الدراسة العلمية في نص شعري استخدم مصطلح (الدراسة) كما في كتابه: (دراسة في البلاغة والشعر).

بارك الله في شيخنا عالمًا وعاملاً، داعيًا وهاديًا، قارئًا تراثنا قراءة العاشق، وقراءة الناصح، وقراءة المعلن عن كل أصيل وجميل ونبيل فيه.

<!--[if !supportFootnotes]-->

 


<!--[endif]-->

(<!--) راجع ترجمته في كتاب: علماؤنا وتراث الأمم ص7، إصدار مجلة الوعي الإسلامي، و حوار: العلامة اللغوي د.محمد أبو موسى لـ«الوعي الإسلامي- العدد566، أغسطس-سبتمبر2012م، وبحث: (فن صناعة العلماء عند أبي موسى)، للدكتور سعيد جمعة، المنشور في الؤتمر العلمي الدولي الثاني لكلية اللغة العربية بإيتاي البارود، ص537، طبع سنة 2016م، ومقال الأستاذ مصطفى شعبان: من أعلام اللغة المعاصرين:الأستاذ الدكتور محمد محمد أبو موسى، المنشور في مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية، على الرابط:http://www.m-a-arabia.com/vb/showthread.php

(<!--) قراءة في الأدب القديم ص 20.

(<!--) علم البديع عند الشيخ محمد محمد أبوموسى، من مقدمة الدكتور محمود توفيق، مبحث: كيف تقرأ الشيخ ص 17.

(<!--) نشر في الحوليات العلمية المحكمة في جامعات: الأزهر بمصر، وبني غازي بليبيا، وأم القرى بمكة المكرمة، وفي المجلات الدورية الشهرية: الوعي الإسلامي بالكويت، والثقافة العربية بليبيا، ومنبر الإسلام الصادرة عن وزارة الأوقاف المصرية، ومجلة الأزهر التي صار له فيها مقال شهري.

(<!--) القوس العذراء وقراءة التراث ص62، طبع مكتبة غريب سنة 1983م. وقصيدة (القوس العذراء)-ويسميها العلامة محمود شاكر ديوان القوس العذراء- أبدعت ونشرت في مجلة الكتاب في عدد فبراير سنة 1952م. وكتب عنها الأستاذ عادل الغضبان كلمة في التنويه بها. ثم نشرها العلامة محمود شاكر في كتاب سنة 1964م، فكتب عنها الدكتور زكي نجيب محمود كلمة نفيسة. وممن درس هذه القصيدة الخالدة الدكتور إحسان عباس في بحث له تناول شكلها الكلي، واستخدام الرمز فيها، والدكتور محمد مصطفى هدارة في بحث بعنوان: "القوس العذراء رؤية في الإبداع الفني"، وهما منشوران في كتاب تذكاري بعنوان:" دراسات إسلامية وعربية مهداة إلى أديب العربية الكبير محمود شاكر، بمناسبة بلوغه سن السبعين"ص3-15، ص457-478، طبع سنة 1982م. وقد ذكر العلامة (شاكر) رسالة شيخنا أبي موسى في حديثه عن القصيدة، في: رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، هامش ص19-20.

(<!--) راجع الرابط: https://www.abjjad.com/book

 

الأستاذ الدكتور صبري فوزي عبدالله أبوحسين

sabryfatma
موقع لنشر بحوثي ومقالاتي وخواطري، وتوجيه الباحثين في بحوثهم في حدود الطاقة والمتاح. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

327,181