جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
سيميائية العاطفة في ديوان أشجان الناي للشاعر محمد دياب غزاوي للأستاذ الدكتور صبري فوزي أبو حسين أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بمدينة السادات ومنسق مدرسة (شباب النقد الأدبي)، وعضو اتحاد الكتاب
يشهد الشعر المصري المعاصر، في العقد الثاني من هذه الألفية الآسرة الساحرة الغريبة العجيبة! حالة فريدة من الوهج والألق والتطور الغزارة، بفعل هذا التطور التكنولوجي المدهش، وذاك التواصل البشري السريع المثير، وقد نتج هذا الانطباع الأدبي لدي عن طريق معاشرتي الخاصة نتاج جملة من الشعراء الشباب الرقميين! الحاضرين بشاعرية عالية صاخبة، وبحيوية وانطلاق وإنجاز يحسب لهم، في واقعنا المعاش، وواقعنا الافتراضي(ذاك الفيس!) أمثال:علاء جانب، والسيد خليل أبوديوان، وعبدالحميد بدران، وعبدالوهاب برانية، والبيومي عوض، ومحمد سالمان، والسيد جلال، ومحمد حافظ، ومحمد الشرقاوي، وشريفة السيد وليلى العربي، ومحمد أمان، ومحمد ناجي، ومعهم محمد دياب غزاوي، شاعرنا في هذه القراءة الأولى في تجربته الشعرية الزاخرة الهادرة الفينانة، الشاجية، الوافية، المنطلقة في عدة عواطف ومشاعر لاسيما ما يخص أنثاه أو إناثه! في عمله الشعري الخامس! ذلكم الإنسان الطموح، الجامع لمعارف شتى، والمتنقل بين ثقافات إنسانية متنوعة: تربويًّا(حيث بكالوريوس تربية)، وأكاديميًّا(حيث ليسانس الآداب، في تخصص اللغة العربية)، ودينيًّا(حيث معهد الدراسات الإسلامية من وزارة الأوقاف)، هذا إضافة إلى دورات تدريبية لتطوير مهارات التنمية البشرية، والتعامل مع الحاسوب وتكنولوجيا التعليم، وتعليم العربية لغير الناطقين بها. وهو في كل هذا من الفائقين، المعلمين المطورين. وقد تخصص في عالم الدراسات الأدبية والنقدية المنداح، فدرس المعارضات النثرية، والقضايا النقدية في كتاب تراثي، وعني بشعر الحلاج، والطليق المرواني، ونهج البردة، جامعًا بين الشعر الأصيل المحافظ، والمنهج الحداثي المتطور، وقد نبغ الشعر لديه فجأة في عقده الخمسيني، فصدرت له دواوين ثلاثة: خلال عامي 2020/2021م، بدأها بهذا الديوان الطريف، ابن زمنه، وابن وباء عالمي، ومصور مشهد فاصل من حياته، والمعنون بـ: (الحب في زمن الكورونا)، ثم كان ديوانه الثاني(معزوفات تائهة)، ثم كان ديوان الثالث(تراتيل العشق)، وله ديوان رابع بعنوان(ترانيم البحر). وها نحن أولاء مع هذا الديوان الخامس(أشجان الناي) نعايشه ونفاتشه، ونسائله: ماذا يريد أن يضيف باحث عالم في ديوان الشعر الآني خلال ديوانه ذا؟! ماذا يريد أن يضيف صعيدي القلب والقالب إلى دنى الشعر الشاجنة؟ سؤالان كانا أمامي وأنا أقرأ هذا الديوان الطازج(أشجان الناي) لشاعرنا الصعيدي الأكاديمي: محمد دياب غزاوي! وكانت الإجابة تتسرب إلي من قصيدة إلى أخرى، وتعلن لي عن شخص آخر غير الذي أعرفه! أعرفه خلال لقاء مطول معه في رحاب مؤتمر دولي بكليتي كلية اللغة العربية بالزقازيق، فإذا به الباحث الدقيق المنظم المهندم الدقيق في لفظه وعلاقاته، الحركي النشط الميداني المحافظ قلبًا وقالبًا... لكنه في الديوان شخص آخر، يعيش أطيافًا من العواطف، ويعلن عن مكنونات ومكبوتات! وهكذا الشعر يكشف! وهكذا الشعر يبين! وهكذا الشعر يجلو البشر، يخرج مكنوناتهم، ويعلن عن مدفوناتهم! ها هو ذا في قصيدته مفتاح الشاعرية لديه(مذهبي في الشعر) يصدع قائلاً: وَلِهٌ أَنَا وَالشِّعْرُ يَجْرِي فِي دَمِي مُتَهَالِكٌ وَالنَّظْمُ كُلُّ كِيَانِي يَجْرِي الْقَصِيْدُ عَلَى لِسَانِي إِنَّهُ رُوْحُ الْحَيَاةِ وَنِعْمَةُ الْمَنَّانِ فَأَرُوْحُ فِي كُلِّ الْمَعَانِي سَابِحًا فِي لُجِّ حُبٍّ أَوْ هِجَاءِ الثَّانِي وَأُنُوِّعُ الْأَشْعَارَ مَدْحًا سَاخِرًا مُتَغَزِّلًا قَدْ هِمْتُ بِالْغِزْلَانِ مُتَصَوِّفًا فِي حُبِّ لَيْلَى وَالْأُلَى سَكِرُوْا الْقِدَاحَ بِكُلِّ قَلْبٍ حَانِ وَبِحُبِّ أَحْمَدَ قَدْ نَظَمْتُ مُتَيَّمًا وَالْعَيْنُ تَذْرِفُ بِالدَّمِ الْهَتَّانِ إنه يعوم في كل معنى أو حدث أو مشهد أو شعور يثيره ويستفزه ويهزه، ومن ثم يستفز قارئه ويهزه، شعري عاطفي: يبدأ من العاطفة، ويحيا معها، وينتهي بها، ويرسلها إلينا! يريد به أهل الحب، ويصدر عنهم: حَيَاةُ الْحُبِّ تَلْقَاهَا بِغَمْزِ الَّلحْنِ والشُّرْبِّ شَبَابٌ دَائِمٌ أَبَدًا وَوَجْهٌ نَاضِرٌ رَطْبِ وَقَلْبٌ نَاصِعٌ أَلِقٌ وَوَجْدٌ نَاشِئُ الْحُبِّ فَخُذْ مَا شِئْتَ مِنْ أَمَلٍ وَخُذْ مَا شِئْتَ مِنْ دَرْبِ فَهُمْ بِالْحُبِّ أَحْيَاءٌ وَغَيْرُهُمُ بِلَا قُرْبِ إنه ديوان يكاد يكون صادرًا عن شخص آخر، غير الذي أعرفه! هيكله يبنى من تجارب فيها عاطفة خاصة! عاطفة مثيرة! عاطفة صادقة، صادعة! فاعلة منفعلة! أو كما قال: فَالشِّعْرُ رُوْحٌ مِنْ رسول مَانِحٍ وَمِنَ الْخَيَالِ وَوَقْعِهِ أَرْكَانِي! إننا في هذا الديوان مع عاطفة إنسان عربي مسلم، مصري، صعيدي، أكاديمي، العلم غايته، والبحث مهنته! إنسان جاد رصين، محتشم، في علاقاته الاجتماعية والرسمية، يفجؤنا بتحول إلى العاشق الهائم المُثير المُثار، المحب، المحبوب، الإلف المألوف، العاشق المعشوق! يرى إنسانية عاطفة الحب وعالميتها وشموليتها، قائلا: الْحُبُّ كَأْسٌ وَكُلُّ النَّاسِ شَارِبُهُ يدعو إلى الحب وينصح بالحب، يقول مَنْ كَانَ شَيْخًا مَضَى أَوْ خَطَّ شَارِبُهُ : وَاللهُ فِي كَوْنِهِ بِالْحُبِّ يَنْظِمُهُ مَا الْكُرْهُ يَبْنِي وَلَا حِقْدٌ يُقَارِبُهُ وَالْقَلْبُ إِنْ تُلْفِهِ يَهْوَى بِلَا سَبَبٍ فَرَبُّهُ قَدْ قَضَى وَالْعِشْقُ يَغْلِبُهُ فَكُنْ رَقِيْقًا إِذَا خَاطَبْتَ ذَا مِقَةٍ فَقَلْبُهُ يَكْتَوِي وَالصَّبُّ مَأْرَبُهُ وَلَا تَكُنْ قَاسِيًا وَابْسُطْ يَدَيْكَ لَهُ وَخَفِّفِ الْوَطْءَ إِنَّ الْخَطْوَ يُرْهِبُهُ إِنَّ الْمُحِبَّ وَإِنْ جَلَّتْ مَسَاوِئُهُ فَالْحُبُّ يَنْفِي بِلَا شَكٍّ مَعَايِبَهُ يَا صَاحِ فَاعْشَقْ وَكُنْ فِي الْحُبِّ مُبْتَهِلًا فَالْعَشْقُ نَهْجٌ قَوِيْمٌ عَزَّ مَذْهَبُهُ فَاحْبِبْ وَلَا تَخْشَ فِي دُنْيَاكَ عَاذِلَةً وَكُنْ أَخَا ثِقَةٍ فِي الْوُدِّ تَنْسِبُهُ يبدأ الحبَّ، ويبدؤه الحبُّ، تُثيره الأنثى المتنوعة مرات، ويُثير الأنثى مرة أو اثنتين! ويثيره كل جميل ونبيل في الحياة، ويثيره كل إنساني، وبإجمال: عنتري الهوى مرات، ونزاري الهوى أخرى! ونواسي حسي اللغة حينًا، وعذري حينًا آخر! وذلك في غالب تجاربه! وبإحصاء تقريبي! في اثنتين وثلاثين تجربة من شعره الخليلي البيتي البالغ خمسين تجربة! فعاطفة الحب عاطفة مهيمنة على شاعرنا؛ فهو شاعر غَزِلٌ في المقام الأول. إنه ينطلق في هذا الديوان للحب، يتجرد من عقله، ويحيا في قلبه وبقلبه! يقول: وَالْعِشْقُ مِنِّي قَدْ بَدَا وَالْحُبُّ قَدْ أَعْلَنْتُهُ وَالْعَقْلُ رَاحَ مُوَلِّيًا وَالْقَلْبُ قَدْ حَضَّرْتُهُ فهل سيحقق هذه المعادلة الإبداعية الصعبة: التجرد من شخصية العالم المعلم التي يتلبس فيه العقل وبالعقل، فيصطبغ بالعاشق التي يتلبس بالقلب وفي القلب؟! وهذا من تسآلات الديوان المثيرة كل متلقيه! إنه ديوان يعلن ويعالن عن شعر رقمي، وعن شاعر رقمي، كان (الفيس) سببًا في إحدى تجاربه، وكان (الفيس) مكان نشر تجاربه في حالتها الأولى، ونالت هذه التجارب تلقيًا متنوعًا يحتاج دراسة نقدية خاصة! ومن ثم وجدنا له قصيدة عن هذا الفيس بعنوان (الفضاء الأزرق)! وليست العاطفة في هذا الديوان فقط! إذ يكاد يكون باحثنا وشاعرنا غزلاً، غارقًا في شعر الغزل والهيام صوفيًّا وأندلسيًّا في مجموع أبحاثه، وكذا يظهر هذا الغرق الغزلي في عنوانات دواوينه الأربعة السابقة، حيث ألفاظ: الحب/تائهة/العشق/ترانيم. بل إن هذه العاطفية والوجدانية لتهيمن عليه في مجموعتيه القصصيتين: المطبوعة، المعنونة بـ (العاشقان والخريف)، والمخطوطة المعنونة بـ(فراق الروح). ومن ثم نجد تقنيات الشعر الصوفي بادية في هذا الديوان معجمًا وتعبيرًا، استمع إليه واقرأ له معلنا هن هيامه في محبوبه: أَنْتَ نُوْرٌ وَأَنْتَ غَايَةُ دَرْبِي أَنْتَ نَجْمٌ فِي ظُلْمَتِي وَجُنُوْحِي أَنْتَ ما أَنْتَ أَنْتَ أَنْتَ نَعِيْمِي وَمَلَاذِيْ مِنْ شِقْوَتِي وَسُفُوْحِي وقوله في تجربة (لغة العاشقين): صَمْتِي وَصَمْتُ الْعَارِفِيْنَ كَلَامُ وَالْهَمْسُ فِي عُرْفِ الْهَوَى إِلْهَامُ وَالَّلفْظُ عِيٌ مَا تَبِيْنُ حُرُوْفُهُ وَالْحَرْفُ عَجْزٌ وَالسُّكُوْتُ مَرَامُ وَالطَّرْفُ بِالشَّارَاتِ وَحْيٌ مُنْزَلٌ وَالْغَمْزُ عِنْدَ الْعَاشِقِيْنَ سَلَامُ فقد كان للعاطفة في هذا الديوان تجليات عدة توترًا وفرحًا وترحًا وانفعالاً وطربًا وغضبًا، في متواليات عاطفية شتى! وهذا ما دفعني دفعًا إلى القصد إلى عنصر العاطفة وانتخابه من عناصر عملية الشعر؛ كي يكون محط نظري هذا الديوان الطريف الكاشف الدال! من خلال ما يسمى سيمياء العاطفة أو الهوى، فكانت مقالتي هذه(سيميائية العاطفة في ديوان أشجان الناي للشاعر محمد دياب غزاوي)، وأتنقل فيها خلال محطات أحاول أكون فيها جامعًا بين التنظير اللمحي والتطبيق النصي، على النهج الآتي: إلى نهج(سيمياء العاطفة): منذ تسعينيات القرن الماضي انتقل التحليل العلاماتي من (سيميائيات العمل والفعل) إلى (سيميائيات الأهواء الذاتية وسيميائية الانفعال والمشاعر الإنسانية) ودعا إلى أن (سيمياء العاطفة) تعد عطرًا ملازمًا للذات: مبدعةً أو مُتَلَقِيةً، فظهر- كما تقول مريم أجرعام في مقالتها الإلكترونية (سيمياء الأهواء)- ما يسمى (سيميائية الأهواء) التي تُعنَى بدراسة الانفعالات الجسدية والحالات النفسية، ووصف آليات اشتغال المعنى داخل النصوص والخطابات الاستهوائية، حيث تتوسط سيمياء العاطفة الذات وعالم الأشياء، فسيميائية العاطفة تنتج معاني مشفرة ومسجلة في الخطابات؛ وذلك مع ظهور المدرسة السيميائية الباريسية عن طريق ("كريماص وجاك فونتانيي")، في كتابه المطبوع سنة 1991م، والمعنون بـ:"سيميائيات من حالات الأشياء إلى حالات النفس"، حيث مقاربة العلاقة الرومانسية بين الذات والموضوع، ومحاولة قراءة ما يحدث في دواخل الإنسان من نزوع أو ميل أو هوًى ما، عندما يجد نفسه أمام بديل أو خيار أو مشكلة ما، ينتاب الإنسان ويغمر عقله، ويكتسح تمثلاته، وهو ضروري على نحو ما هو طبيعي، بل هو جزء من كيان الإنسان وحضوره الحياتي. وبعض النقاد يقوم بجرد الأهواء ويعمل على تصنيفها حسب طبيعتها ووظيفتها، وقوتها وضعفها، وعنفها وهدوئها، وجسَّد حدَّتها ومفعولها من خلال علائق القرابة والصداقة والعداوة والصراع، والوضعية الاجتماعية وظرفيتها، والأمراض المزمنة، والطموحات الفردية والاجتماعية، ولكن ينبغي إضافة إلى ذلك -كما يقول الدكتور جميل حمداوي- دراسة الأهواء دراسة معجمية دلالية وتركيبية ضمن متواليات وضمن مقاطع نصية صغرى وكبرى من خلال استقراء شكل المضمون بنيويًّا وسيميائيًّا.أو ما يسميه كريماص وفونتاني البعد العاطفي مجاورًا البعدين المعرفي والتداولي( ) . .. عاطفية العنوان: جاء العنوان الرئيس عتبة فنية دالة موحية؛ ونصه(أشجان الناي)؛ إذ يمثل هذا العنوان العبارة المفتاح في هذه التجربة، فهو مركب إضافي، مكون من لفظة (أشجان)، جمع تكسير للمفرد(شجن)، والذي يدور حول معنى كلي هو الاتصال والالتفاف، فهو من الفعل (شجن) شجنًا، أي: حزن فهو شجن، و(الشجَن): الغصن المشتبك، والشعبة من كل شيء، وفي المثل: "الحديث ذو شجون"، أي فنون وشُعَب تتداعى، و(الشجَن): الهم والحزن والحاجة الشاغلة، و(ج) أشجان وشجون. قال ابن فارس: الشين والجيم والنون أصل واحد يدل على اتصال الشيء والتفافه... ويقال للحاجة: الشجَن، فهو الحاجة حيث كانت، وإنما سميت بذلك لالتباسها وتعلق القلب بها; والجمع شجون. قال: " ذكَرْتُكِ حتّى استأمن الوحشُ والْتَقَتْ رِفاقٌ به والنفس شتَّى شجونُها والأشجان: جمع شجن. قال الراجز: إنى سأبدى لك فيما أبدى لى شجنان شجن بنجد وشجن لى ببلاد السند( ) وقال ابن القيم(ت751هـ):" أما الشجن فهو من أسمائه فإن الشجن الحاجة حيث كانت، وحاجة المحب أشد شيء إلى محبوبه. قد شجنتني الحاجة تشجنني شجنًا إذا حبستك، ووجه آخر أيضًا، وهو أن الشجن الحزن، والجمع أشجان. وقد شَجِن بالكسر فهو شاجن وأشجنه غيره وشجنه، أي: أحزنه، والحب فيه الأمران هذا وهذا( ). وأما لفظ(الناي) فهو لفظ معرب، يقصد به "آلة من آلات الطرب على شكل أنبوبة بجانبها ثقوب ولها مفاتيح لتغيير الصوت تطرب بالنفخ وتحريك الأصابع على الثقوب بإيقاع منظم وهي اليراع المثقب" ( ). وعندما نفكك هذا العنوان نقف أمام لفظتين: - لفظة(أشجان) التي تشير إلى التجارب الشعرية الخمسين، والتي توحي بالتنوع العاطفي والتنوع الفكري! وهي دالة على الاتصال والالتفات، اتصال بالعذارى على كل أصنافهن، والتفات إلى المثيرين من الأحياء حوله ازدهارًا أو انكسارًا! - لفظة(الناي) التي تشير إلى المبدع بجعل الناي معادلاً موضوعيًّا له أو إلى موهبته أو إلى وسيلة الإبداع وهو الإيقاع البيتي المنضبط، فالتجارب غنائية موقعة صدرت من عروضي قح... وهذا العنوان يدل على المذهب الرومانسي الذي يتلبس بالشاعر في معظم تجاربه، فهاتان اللفظتان تشيعان في الشعر الرومانسي، سواء في عناوين القصائد أو التجارب، ولا أدل على ذلك من عنوان ديوان الأستاذ العقاد(أشجان الليل) ومفهوم الشعر عند شاعرنا رومانسي ديواني: الشِّعْرُ نَبْعٌ مِنَ الرَّحْمَنِ وَالْقُدُسِ وَالْوَحْيُ فَيْضٌ بِلَا غَيْضٍ وَلَا يَبَسِ بِالشِّعْرِ نَتْلُوْ مَزَامِيْرًا بِلَا سُوَرٍ وَنَصْعَدُ الْأُفْقَ مِعْرَاجًا بِلَا فَرَسِ كَأْسٌ مِنَ النَّظْمِ تَرْوِي النَّفْسَ مِنْ عَطَشٍ والشاعر في عرف شاعرنا الناقد عاطفي في المقام الأول، يقول: فَتَهْدَأُ الرُّوْحُ مِنْ طَيْشٍ وَمِنْ فَلَسِ لَوْمَا رَأَوْكَ تُنَاجِي كُلَّ قَافِيَةٍ وَتَسْأَلُ النَّجْمَ عَنْ مَعْنًى وَعَنْ أُسُسِ وَتَحْمِلُ الْهَمَّ عَنْ دُنْيَا بِلَا شِيَمٍ وَتَذْرَعُ الَّليْلَ جَوَّالًا بِلَا عَسَسِ أَنْتَ النَّبِيُّ الَّذِي بِالْعِشْقِ تَأْسِرُنَا وَكُلِّ مَعْنًى بِلَا ظُلْمٍ وَلَا دَنَسِ يُوْحَى إِلَيْكَ بِكُلِّ الْحُبِّ مُنْطَلِقًا وَوَادِ عَبْقَرَ بِالْإِيْحَاءِ فِي قُدُسِ أَنْتَ الضَّمِيْرُ بِلَا تَاجٍ وَلَا زِيَفٍ لَكِنَّهُ فِي صَمِيْمِ الْقلْبِ وَالْحَدَسِ عاطفية الإهداء: أيا نجمًا تدلى في خيالي أيا بدرًا تلالا في مجالي أيا كل الألى في حسن خلق أيا فينووس يا كل المثالِ أحبك لا أُلامُ على هوايَ وكيف يُلام صب في الوصال؟! وأنتِ الحبُّ أنتِ الدَّلُّ أنتِ وأنتِ الكونُ بل كلُّ الغوالي! زوجتي الحبيبة اعترافًا بالجميل وامتنانًا بالفضل و نرى في نص هذا الإهداء أنه جاء معزوفة مكونة من أربعة أبيات شعرية وافرية الوزن لامية القافية مكسورتها، مردوفة بالألف وموصولة بالياء، تعلن عن عاطفة ثابتة نحو محبوبته الخاصة الدائمة، عن طريق عدة نداءات لتلك(النجم/البدر/فينوس) ومن هي(الحب والكون والغوالي) إلى زوجه اعترافًا وامتنانًا، وأظنه (إهداءً ديلوماسيًّا!)، صنعه الشاعر صنعًا؛ تلطيفًا وتخفيفًا، وتذويبًا لكل ما قد يظن من قارئة تلك التجارب المندفعة هيامًا وغرامًا ببنات حواء العجيبات المثيرات في نظر شاعرنا، واللاتي يراهن في كل صوب وحدب، وعلى كل شكل ولون! منزل الأشواق، يا فاتنة، الدواء، ذات النقاب، أهل الهوى، عيونك، كأس الحب، ليلى المريضة، أنت روحي، السيرك، سحر الجفون، محبوبتي، العشق/ الموت/ غمازتان/ أسطورة الجمال/ليل وصبح/ المليحة والكمامة/ فراشة/الملاك/الحور/أتنفس عشقًا/هيت لي/زبور الحسن/لا للفلانتين نعم للحب/محبوبتي الساحرة/لغة العاشقين/صورتها/أخت يوشع/من وحي العشق/وفي عينيك عنواني/سمراء. وتوجد ثماني عشرة (18) تجربة خارج حقل الرومانسية الغزلية! جاء هواها من انفعال شاعرنا مع مجتمعه العام والخاص على نحو دال على حيويته مع خارجه وعالمه، ففي حقل النبل العلمي نجد تجارب: (صانع الأمل/ طبيب الغلابة/ منظومة الإبداع/ سليلة القمرين/ العالم/ مولانا السعد)، وحقل التعليم في تجربتي: (معزوفة الوفاء/ دفعة كورونا)، وحقل الواقعية الأليمة الحزينة حيث الطبقة الكادحة المطحونة، وذلك في تجربتي: (شهيد التذكرة/صفعة الذل ومرارة الفقر). (الاستهواء) في أشجان الناي: يعرف (الاستهواء) عند منظري(سيميائية الأهواء) بأنه "المادة التي تتشكل منها الأهواء؛ فبدون استهواء لا يمكن الحديث عن الأهواء، وهو القوة الانفعالية الكامنة التي يستند إليها خطاب الأهواء لرسم عوالمه. إنه الصيغة الأولى للكينونة؛ فالذات العارفة قبل أن تحدد لنفسها مسارًا- يسميه (كريماص وزميله) التجسيد- فإنها لم تكن سوى شبه ذات أي ما يمكن أن يخبر عن أي إحساس سابق عن أي حدث أو شيء( )". ويتمثل(الاستهواء) هنا في تجربتنا(أشجان الناي) في مجموعة علاقات الذات المبدعة الحياتية التي شكلت أهواءه الخاصة البادية في تجاربه الخمسين البيتية. وهذه العلاقات تتبدى للمتلقي من خلال قراءة تصديرات الشاعر لبعض تجاربه، التي تبين الأشياء التي تفعل وتؤثر في الحالة النفسية للذات المبدعة. ويمكن أن نصنف هذا الاستهواء في الديوان المبحوث إلى أنماط عدة، هي: 1- (الاستهواء الإعجابي): وذلك في التجارب الغزلية والمدحية؛ ففي قصيدة (صانع الأمل) نجد هذا التصدير" مُهْدَاةٌ إِلَى السِّيْرِ مَجْدِي يَعْقُوْب, طبيب القلب العالمي" الدال على الإعجاب الشخصي من قبل المبدع تجاه تلك الشخصية المصرية العربية التي حققت حضورًا عالميًّا خاصًّا في مجال الطب، استحق به لقب الإنجليزي العالي(السير)، واللقب(طبيب القلب العالمي). وفي القصيدة نجد هذا (الاستهواء) باديًا في قوله: كَمْ مِنْ قُلُوْبٍ قَدْ شَفَيْتَ بِحَكْمَةٍ ج وَزَرَعْتَ حُبًّا لَيْسَ فِيْهِ خَفَاءُ ج مِنْ كُلِّ دِيْنٍ بَلْ وَقُطْرٍ قَدْ أَتَى ج يَشكُو الْمَرِيْضُ وَأَنْتَ مِنْهُ دَوَاءُ لَا تَسْأَلِ الْأَسْقَامَ أَيَّ دِيَانَةٍ ج عِيْسَى مُحَمَّدُ كُلُّهُمْ أَكْفَاءُ ج يَعْقُوْبُ أَنْتَ وَيُوْسُفٌ لَا يَنْثَنِي ج يَبْغِي الرِّدَاءَ وَعَيْنُهُ رَمْدَاءُ ج ثم يختم إعجابيته هذه قائلا: إِنِّي أُحِبُّكَ وَلْيَلُمْنِي الُّلوَّمُ فَالدِّيْنُ دِيْنُ اللهِ وَهْوَ رِدَاءُ مازجًا حقل الحب بحقل المواطنة بحقل الدين، رابطًا بينها ربطًا شعريًّا وعقليًّا سليمًا سديدًا.... وكذا شأنه في تجربته(طَبِيْبُ الْغَلَابَةِ) التي صدرها بقوله: "مهداة إلى الدكتور محمد مشالي, والذي ولد في محافظة البحيرة عام 1944, وقد تخرج في كلية الطب عام 1976, وظل يكشف على الناس بخمسة جنيهات, وكان كثيرا ما يُحْضِرُ العلاج أيضا لغير القادرين, وقد توفي في شهر يوليو 2020, وقد اشتهر في مصر والعالم كله بلقب" طَبِيْبِ الْغَلَابَةِ"! 2- (الاستهواء الوفائي): وتتمثل في تجارب شاعرنا المدحية الناحية منحى تقدير الفائقين المؤثرين في حياته تعليمًا وتوجيها وحبًّا وتقديرًا، سواء لشخصه أو شاعريته؛ إذ ينحو (الاستهواء) فيها منحى أعلي في علاقة الطالب أو الباحث الجامعي/الشاعر بأستاذه الممدوح في تجارب عدة من مجاله الجامعي؛ ففي تجربة شاعرنا السابعة العشرة المعنونة بـ(مَنْظُوْمَةُ الْإِبْدَاعِ) نجد هذا التصدير المعلن عن سبب الهوى ودافع طلبه:" وكتب إلي معالي البروفيسور طاهر الهادي أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة قناة السويس, عميد المعهد العالي للغات والترجمة بالسادس من أكتوبر, معلقا على إحدى قصائدي المصورة على الفيس بوك: "هَذَا هُوَ الْإِبْدَاعُ, وَهَذَا هُوَ الْأَدَاءُ, لَيْتَنِي كُنْتُ قَصِيْدَةً فِي فَمِكِ, شَاعِرَنَا الْأَغَرَّ". فقلت مرتجلاً, ثم منقحًا..." وهذا ديدن شاعرنا (غزاوي) في تجربة(الْعَالِمُ) التي صدرها بقوله:"إهداء إلى أستاذي ومعلمي الأستاذ الدكتور عبد الله التطاوي, أستاذ الأدب العربي, كلية الآداب, جامعة القاهرة, ونائب رئيس الجامعة الأسبق, ومستشار مصر الثقافي في العديد من الدول العربية, وأستاذي, ومن تعلمت على يديه البحث العلمي", فَقال فِي سَعَادِتِهِ مُعْتَرِفًا بِفَضْلِهِ, مُقِرًّا بِعَطَايَاهُ قصيدة تعد من طوال الديوان. وكان ذا شأن شاعرنا في تجربة(سَلَيْلَةُ الْقَمَرَيْنِ)، التي صدرها بقوله:"مهداة إلى الأستاذة الدكتورة مي يوسف خليف, أستاذ الأدب العربي بكلية الآداب, جامعة القاهرة, وقد تشرفت أن كنت أحد تلامذتها, ولسيادتها أياد بيضاء لا تنسى, وسعادتها ابنة المرحوم بإذن الله تعالى الأستاذ الدكتور يوسف خليف, وزوجة أستاذي معالي الأستاذ الدكتور عبد الله التطاوي".وهي أطول التجارب نفسًا وأكثرها رُؤًى.. وهذا أيضًا بادٍ في تجربة(عَاكِفٌ فِي مِحْرَابِ الْعِلْمِ) التي جعلها "مهداة إلى الأستاذ الدكتور عبد الرحيم الجمل, أستاذه, الأستاذ بكلية دار العلوم بجامعة الفيوم, ووكيل الكلية الأسبق" وينحو الاستهواء الوفائي منحى علاقة من الأعلى هنا وهو الشاعر إلى الأقل هنا وهُنَّ الطالبات؛ ففي تجربة(مَعْزُوْفَةُ الْوَفَاءِ) نجد هذا التصدير:"وشكرتني كل من نورهان أمين وآية سامي وهند محمود, الطالبات بالفرقة الرابعة, قسم اللغة العربية, كلية الآداب, بكلمات عذبة, وألفاظ رقيقة, تنم عن عظيم الامتنان, ومعنى الإخلاص, فقلت لهن, ولبقية الطلاب من دفعتهن..."فهذا الشكر الطالباتي هو الذي أحدث هذه العاطفة الوفائية عند شاعرنا الإنسان في مهمته العملية، والإنسان في شعره وشاعريته، ولا أدل على ذلك من قوله: قَالَتْ وَجَاءَ الَّلفْظُ عَذْبًا بَاسِمًا: أَنْتَ الْمُؤَدِّبُ حُزْتَ دُنْيَا أُكْمِلَتْ بِالْعِلْمِ وَالْإِيْمَانِ فِيْنَا نَبْضُهَا وَبِكُلِّ مَعْنًى لِلْعُلَا قَدْ أَثْمَرَتْ يَا (نُوْرُ) قَوْلُكُ فِي الْفُؤَادِ مَكَانُهُ قَدْ أَيْنَعَتْ أَصْوَاتُهُ بَلْ أَزْهَرَتْ فَاحَتْ بِكُلِّ الْوُدِّ فِي أَرْجَائِهَا وَبِكُلِّ مَعْنًى لِلْوَفَاءِ قَدِ انْطَوَتْ وَحُرُوْفُ لَفْظِكِ بِالْجَمَالِ غَنِيَّةٌ وَمِدَادُهَا بِالْحُسْنِ تَاهَتْ وَاسْتَوَتْ وَالطِّرْسُ يَرْقُصُ مِنْ بَهِي سُطُوْرِهَا وَخَمَائِلُ الْأُتْرُجِّ غَارَتْ وَانْزَوَتْ يَا(آَيَ) أَنْتِ حَيَّيَةُ وَذَكِيَّةٌ وَحَدَائِقُ الْأَلْفَاظِ مِنْ فِيْكِ احْتَوَتْ وَكَذَاكَ ( هِنْدٌ ) بِالْعَفَافِ تَجَمَّلَتْ وَبِكُلِّ مَعْنًى رَائِقٍ قَدْ عَبَّرَتْ وَتَقُوْلُ: أَنْتَ مُعَلِّمٌ قَدْ رَامَنَا نَعْلُوْ الثُّرَيَّا وَالْأَمَانِي أُجْمِلَتْ فَشَكَرْتُ كُلَّ صَنِيْعِهِمْ وَكَلَامِهِمْ يَا طَالِبَاتٍ لِلْمَعَانِي حَصَّلَتْ يَا (دُفْعَةً) أَسْقَيْتُهَا عِلْمَ الْأُلَى وَجَدَاوِلُ الْآَدَابِ مِنْكُمْ قَدْ رَوَتْ فظاهر مدى العلاقة الاجتماعية السامية بين الطالبات المعجبات والمقدرات المادحات(أَنْتَ الْمُؤَدِّبُ حُزْتَ دُنْيَا أُكْمِلَتْ) وهذا المعلم/الشاعر، الفاعل المنفعل، والآسر المؤثر! الصادع: (يَا (نُوْرُ) قَوْلُكُ فِي الْفُؤَادِ مَكَانُهُ)( فَشَكَرْتُ كُلَّ صَنِيْعِهِمْ وَكَلَامِهِمْ). ومثل هذا الاستهواء شكلا ومضمونًا ما جاء في تجربة(دُفْعَةُ كُوْرُوْنَا) التي صدرها شاعرنا بقوله:"مهداة إلى خريجي هذا العام من قسم اللغة العربية, كلية الآداب, جامعة الفيوم(2020), وفيها ذكرت بعض أسمائهم؛ تخليدا لهم, وحبا وكرامة".. 3- (الاستهواء المأساتي): وفي الديوان تجربتان اجتماعيتان من واقعنا الحزين الأليم المأساوي من طبقة البلوريتاريا الكادحة المطحونة، هما تجربتا (شَهِيْدُ التَّذْكَرَةِ) (صَفْعَةُ الذُّلِّ وَمَرَارَةُ الْفَقْرِ)، ففي تجربة(شَهِيْدُ التَّذْكَرَةِ)نجد هذا التصدير المؤرخ للاستهواء الفاعل للعاطفة: "استقل الشاب محمد قطار الصعيد، يبيع فيه سلاسل فضية رخيصة, ولم يكن في حوزته ثمن التذكرة التي ألح المحصل على استيفائها منه, وبعد أخذ ورد, فتح له المحصل باب القطار، وهو في أقصى سرعته, ليقفز منه الشاب العشريني, ومن ثم يهوي صريعًا تحت العجلات, تاركًا ألمًا ممضًّا, وجرحًا غائرًا على الأصعدة كافة؛ ليحكي قصة شعب بكامله يرزح تحت وطأة الفاقة, وشظف العيش, وقسوة المجتمع", فقال شاعرنا على لسانه ساردًا مأساته وقصته هذه التجربة الحزينة الشاجية المشجية، في أقصوصة شعرية فذة، تكتب للشاعر وديوانه بمداد؛ لما فيها من تكثيف، وصدق! وفي تجربة(صَفْعَةُ الذُّلِّ وَمَرَارَةُ الْفَقْرِ) نجد الشعور الصعيدي المصري ذاته، ونجد حرصًا من الشاعر على بيان سبب هواه وعاطفته، حيث يقول في التصدير:"بعد ضرب مصري بالكف على وجهه في دولة الكويت من أحد المواطنين الأجلاف هناك, قلت في ذلك, متحدثا على لسانه, بعد أن صوب الكثير سهامه نحوه لعدم رد الإهانة"، يقول: لَكِنَّ جِلْفًا وَابْنُ جِلْفٍ ذَلَّنِي وَهَوَى عَلَى وَجْهِي وَلَيْسَ يُبَالِي فَسَكَتُّ لَا أَسْطِيْعُ دَفْعَ مَذَلَّةٍ أَهْوَتْ بِكُلِّ كَرَامَتِي وَمَآلِي وَسَكَتُّ لَا أَسْطِيْعُ دَفْعَ مَذَلَّةٍ وَالْقَلْبُ يَقْطُرُ مِنْ دَمٍ يَرْثَى لِي يَا مَنْ تَلُوْمُ عَلَيَّ عُذْرًا لَا تَلُمْ قَدْ ضَاعَ عُمْرِي فِي وَغَى الْآَمَالِ أَنْتَ الَّذِي لَمْ تُكْوَ بِالنَّارِ الَّتِي حَرَقَتْ ثِيَابِي كُفَّ عَنْ أَمْثَالِي مَا حِيْلَتِي وَالْجِلْفُ يَهْوِي صَاعِقًا وَيَرُوْمُ كُلَّ كَرَامَتِي بِسِفَالِ هَبْنِي رَدَدْتُ عَلَى الْإِسَاءَةِ عَاذِلِي مَنْ ذَا الَّذِي يَحْنُوْ عَلَى أَطْفَالِي؟! ففي هذا النص إدانة لذلك الجلف المعتدي، وإدانة لمجتمع لا يعرف الحالة الاجتماعية والاقتصادية للضحية! من خلال معايشة صادقة للحالة الحياتية التي يعيشها الضحية وأمثاله في بلاد الغربة والكدح! 4- (الاستهواء الحجاجي): وذلك في تجربته (لَا لِلْفَلانْتِيْنَ نَعَمْ لِلْحُبِّ) يظهر محمد دياب الأستاذ الأكاديمي العقلاني المفكر المعلم الداعية الخطيب، حيث يقول في تصدير التجربة قائلا:"يحتفل الغربيون يوم الرابع عشر من فبراير من كل عام بما يسمونه" عيد الحب" أو "عيد الفلانتين", ومن ثم تنتشر القلوب الحمراء والدباديب في أرجاء البلاد تعبيرًا عن العشق, ويقوم المسلمون بتقليد الغرب في ذلك, فقُلْتُ مستهجنًا تلكم العادة, موضحًا وجهة نظري في الحب". وأخذ يعرف الحب إلى أن قال ناصحًا واعظًا: لَكِنْ حَذَارِ بِأَنْ تَهْوى بِمَفْسَدَةٍ تُقَلِّدُ الرُّوْمَ فِي عِشْقٍ بِلَا كَوْمِ إِنَّ ( الْفَلَنْتِيْنَ) رَمْزُ الْغَرْبِ مُتَّشِحًا ثَوْبَ الرَّذِيْلَةِ وَالْإِفْحَاشِ وَالْهِيْمِ فَابْعِدْ عَنِ الْأَحْمَرِ الْقَانِي بِكُلِّ أَسًى وَرُمْ لَهَا وَرْدَةً بَيْضَاءَ فِي تَوْمِ وَاحْبِبْ وَكُنْ وَمِقًا فِي الْعِشْقِ مُؤْتَلِقًا وَقَدِّمِ الرُّوْحَ إِخْلَاصًا بِلَا سَوْمِ وباد في هذا المقطع مدى خطابية الشاعر، ومن ثم كانت كلمات القافية قلقة غير مستقرة وفيها غموض إن لم يكن إبهامٌ! وذلك لغلبة الفكر والعقل على القلب والهوى! وفي تجربة (الشَّاي) نجد حجاجًا لأفضلية الشاي على باقي المشروبات، حيث يقول: أُحِبُّ الشَّايَ لَا أَبْغِي سِوَاهُ وَأَرْفُضُ قَهْوَةً أَوْ خَنْدَرِيْسَا وَأَبْعُدُ عَنْ قِدَاحِ الذُّلِّ دَوْمًا وَآَخُذُ عِبْرَةً مِنْهَا دُرُوْسَا إِذَا مَا الصَّحْبُ فِي طُرُقٍ لَقَوْنِي وَأَغْرَوْنِي شَرَابًا أَوْ كُؤُوْسَا فَلَسْتُ سِوَى احْتِسَاءِ الشَّايِ أَرْجُو سَعِيْدًا كُنْتُ يَوْمًا أَوْ يَئُوْسَا فَأَرْشُفُ مِنْهُ فِي أَوْقَاتِ سَعْدِي فَيُجْلِي الرُّوْحَ مِنِّي وَالنُّفُوْسَا فَأَنْظِمُ فِي خَيَالٍ مِنْ جَمَالٍ عُقُوْدَ الشِّعْرِ مِنْهُ أَوْ شُمُوْسَا فللشاي آثار إيجابية في نظر الشاعر، وله آداب في شربه وله أنواع، عددها خلال هذه السينية الاجتماعية الطريفة! وقد ختمها متظرفًا: وَنَشْرَبُ إِنْ شَرِبْنَا الشَّايَ (لِبْتُن) وَيَشْرَبُ غَيْرُنَا شَايَ (الْعَرُوْسَة) ومما يتصل بهذا الاستهواء قصيدته (عاصم) في ابنه التي أعلن فيها عن شعوره الأبوي قائلاً: أَبُنَيَّ حُبُّكَ فِي الْفُؤَادِ مَكَانُهُ لَا يَنْثَنِي وَهَوَاكَ عِشْقُ تَمَائِمِي لَا شَيْءَ يَعْدِلُ حُبُّ طِفْلٍ فِي الْوَرَى فَمَعِيْنُهُ زَادٌ لِكُلِّ عَوَالِمِ وأخذ يعظه موصيًا إلى أن قال: كُنْ كَيْفَ شِئْتَ فَأَنْتَ سَيِّدُ نَفْسِهِ لَا تَلْتَفِتْ لِمَقَالَةٍ أَوْ آَثِمِ هَذِي وَصِيَّةُ حَاضِرٍ فِي يَوْمِهِ وَلَرُبَّمَا قَدْ غَابَ بَعْدَ غَمَائِمِ فيسير السير نفسه في الشعر الوعظي الفكري الخطابي العقلاني...ويتصل بهذا الاستهواء حديث الشاعر عن الفصحى، فلا ريب في أن شاعرًا خرج من عباءة تخصص اللغة العربية في الجامعة المصرية، سيعنى بالفصحى وأهلها، فهذه تجربة فيها الرمز بالفصحى بعنوان (محبوبتي الساحرة): غَيْدَاءُ تَرْفُلُ فِي الْجَمَالِ وَتَنْجَلِي وَتَقُوْلُ أَهْلًا بِالْحَبِيْبِ الْأَوَّلِ فَأَقُوْلُ مَرْحَى بِالسَّعَادَةِ كُلِّهَا فَأَنَا الْمُتَيَّمُ بِالْجَمَالِ الْمُعْتَلِي مَا حِيْلَتِي فَالْفَرْعُ مِنْهَا أَلْيَلٌ غَابَتْ مَعَالِمُهُ بِدُوْنِ الْمِشْعَلِ وَالْبَدْرُ وَجْهٌ وَالشُّمُوْسُ ضِيَاؤُهَا وَالْحُسْنُ يَبْدُوْ مِنْ غَزَالٍ أَكْحَلِ وَالسَّهْمُ مِنْهَا قَاتِلٌ لَا يَرْعَوِي يَا وَيْحَ نَفْسِي مِنْ شَقَاءِ الْأَعْزَلِ وَالْغُصْنُ قَدٌّ فِي مُغَازَلَةِ الصِّبَا هَيْفَاءُ تَزْهُوْ فِي الْكَثِيْبِ الْأَهْيَلِ وَالْخَدُّ مِنْهَا بِالْوُرُوْدِ مُضَرَّجٌ وَالْجِيْدُ مِنْهَا الرَّحْلُ أَوْ كَالصَّيْقَلِ قَالَتْ هَلُمَّ إِلَى الْجِنَانِ بِصُحْبَتِي نَقْطِفْ ثِمَارًا مِنْ رِيَاضِ السَّلْسَلِ وَنَشُمُّ مِنْ كُلِّ الزُّهُوْرِ أَرِيْجَهَا وَنَهِيْمُ فِي الْمِحْرَابِ دُوْنَ الْمُنْزَلِ لَا شَيْءَ غَيَرُ السُّحْبِ يَعْلُوْ فَوْقَنَا وَالْأُفْقُ رَحْبٌ بِالْحُبُوْرِ الْأَجْزَلِ وقد أخذت الفصحى حظها من شاعرية شاعرنا، ودليل ذلك تجربته (مَوْلَانَا السَّعْدُ)، التي صدرها بقوله:" مهداة إلى شيخ العربية في عصرنا الأستاذ الدكتور سعد مصلوح حفظه الله"، وهذا شأنه مع قصيدته عن الدكتور عبدالله التطاوي، والدكتورة مي يوسف خليف وطالباته العربيات شهادة ولسانًا... ولأنه أستاذ الآداب العربية العتيقة فإننا نشم رائحة الشعر العتيق عند عنترة وعند ابن أبي ربيعة وعند البهاء زهير وعند ابن الفارض، وغيرهم. وهذا مما يثيره هذا الديوان التناص، والمرجعيات الإبداعية لهذه التجارب، تجربة بعد أخرى، لا سيما التجارب الغزلة؛ فإنها صادرة عن هوًى تراثي سلفي صوتًا ومعجمًا وعبارة وخاطرة وخيالاً وإيقاعًا، صدورًا امتصاصيًّا إشاريًّا... (آنية الاستهواء): التجارب التي سبقت الإشارة إليها كانت عامة لا تدل على معاصرة أو آنية، فلا زمان فيها أو مكان لها يدل على أنها بنت العصر الحالي. وليس معنى هذا خلو الديوان من هذا الاستهواء الآني؛ فمن معاصرة شاعرنا وآنيته في عواطفه قصيدته(المليحة والكورونا)، وقصيدته(الفضاء الأزرق) يبدأ قصيدته الغزلية الكورونية قائلاً: قُلْ لِلْمَلِيْحَةِ فِي الْكِمَامِ تَرَفَّقِي مَاذَا فَعَلْتِ بِشَاعِرٍ مُتَرَقِّقِ؟! إِنَّ الْكِمَامَةَ لِلْكُرُوْنَا تُقْتَضَى لَكِنَّهَا لِلْعِشْقِ حَتْمًا مَا تَقِي سُوْدُ الْكِمَامَةِ أَظْهَرَتْ حُسْنًا بَدَا وَالْكُحْلُ فِي عَيْنَيْكِ سِحْرٌ يَرْتَقِي ومع ذكر الشاعر كثيرًا من تفاصيل الجمال الجسدي لأنثاه المعشوقة، على النحو المهيمن في قصيدته (يا فاتنة)، حيث يقول متتبعًا أجزاء هيكلها وعناصر قوامها: خُمْصَانَةٌ وَالْخَصْرُ مِنْهَا نَاحِلٌ ج هِرْكَوْلَةٌ تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءِ مَمْكُوْرَةٌ وَالْغُصْنُ مِنْهَا يَنْزِوِي مُبْتَلَّةٌ تَغْدُوْ بِلَا إِصْغَاءِ عُطْبُوْلَةٌ وَالْجِيْدُ مِنْهَا مُسْتَوٍ مَرْمَارَةٌ هَيْفَاءُ فِي اسْتِثْنَاءِ ج رُعْبُوْبَةٌ تَكْوِي الْقُلُوْبَ مَحَاسِنًا بَرَّاقَةٌ فِي الَّليْلَةِ الَّليْلَاءِ بَهْنَانَةٌ وَالْعِطْرُ مِنْهَا ضَائِعٌ وَالْخَالُ فَوْقَ الْوَجْنَةِ الْحَمْرَاءِ عَيْنَاءٌ وَالْجَفْنَانِ سَهْمٌ مُطْلَقٌ وَالطَّرْفُ مِنْهَا قَاتِلُ الْإِغْضَاءِ فِي مُقْلَتَيْهَا سِحْرُ بَابِلَ مُخْتَفٍ وَالْغَمْزُ مِنْهَا الصِّلُّ فِي الْأَحْشَاءِ لَمْيَاءُ فِي الشَّفَتَيْنِ خَمْرٌ سَائِلٌ وَرُضَابُهَا سُكْرٌ بِلَا صَهْبَاءِ زَجَّاءُ وَالرِّمْشَانِ رُمْح ٌنَافِذٌ يَهْوِي بِكُلِّ الصَّحْبِ وَالْخُيَلَاءِ لَفَّاءُ وَالْقَدَمَانِ حُلْمٌ وَالِهٌ وَالَّليْلُ فَرْعٌ فِي فَمِ الْجَوْزَاءِ قَبَّاءُ وَالنَّهْدَانِ صَخْرٌ مَاثِلٌ وَالرِّدْفُ كُثْبٌ فِي رُبَى الْبَيْدَاءِ غَيْدَاءُ تَرْفُلُ فِي الْجَمَالِ مَلَاحَةً دَرْمَاءُ سَارِيَتَانِ فِي اسْتِعْلَاءِ غَرَّاءُ يُزْهِرُ فِي الظَّلَامِ بَرِيْقُهَا وَالْبَدْرُ يَخْفَى مِنْ سَنَا الْأَضْوَاءِ رُعْبُوْبَةٌ قَدْ أُكْمِلَتْ يَا وَيْحَهَا فَالْجِسْمُ مِنْ وَرِقٍ وَمِنْ إِرْوَاءِ وأحس في هذا النص غياب العاطفة وحضور التقليد للشعر العربي الغزلي الحسي العتيق، ودليل ذلك هذا المعجم التراثي الغريب العجيب، الذي يكاد يكون مختفيًا من الشعر المعاصر ومن متلقيه معًا! إذ تحتاج هذه القصيدة أستاذًا معجميًّا يبين لنا دلالة كل لفظة وإيحاءها! وليس الشاعر منفلتًا في عاطفته! حاشاه! ودليل ذلك قصته الشعرية(هيت لي)، التي يقول فيها: غَيْدَاءُ تَرْفُلُ فِي الْجَمَالِ وَتَنْجَلِي وَتَقُوْلُ أَهْلًا بِالْحَبِيْبِ الْأَوَّلِ فَأَقُوْلُ مَرْحَى بِالسَّعَادَةِ كُلِّهَا فَأَنَا الْمُتَيَّمُ بِالْجَمَالِ الْمُعْتَلِي ويأخذ في بيان أعضائها الجميلة إلى أن يقول: قَالَتْ: هَلُمَّ إِلَى الْجِنَانِ بِصُحْبَتِي نَقْطِفْ ثِمَارًا مِنْ رِيَاضِ السَّلْسَلِ وَنَشُمُّ مِنْ كُلِّ الزُّهُوْرِ أَرِيْجَهَا وَنَهِيْمُ فِي الْمِحْرَابِ دُوْنَ الْمُنْزَلِ لَا شَيْءَ غَيَرُ السُّحْبِ يَعْلُوْ فَوْقَنَا فما كان من شاعرنا إلا أن قال: وَالْأُفْقُ رَحْبٌ بِالْحُبُوْرِ الْأَجْزَلِ فَوَضَعْتُ فَوْقَ الرَّأْسِ مِنْهَا قُبْلَةً وَتَرَكْتُهَا تَبْكِي الْوِصَالَ بِمِكْحَلِ إِنِّي أُحِبُّكِ لَيْسَ ذَاكَ بِخَاطِرِي وَأَرَاكِ نُوْرًا فِي الْفُؤَادِ الْمُثْقَلِ لَكِنَّ رَبِّي شَاهِدٌ وَمُهَيْمِنٌ وَأَنَا أَخَافُ عِقَابَ يَوْمٍ مُقْبِلِ كُوْنِي الْعَفَافَ حَبِيْبَتِي يَا مُهْجَتِي أَمَّا الْحَرَامُ فَذَاكَ شَأْنُ الْأَرْذَلِ وهكذا يعلن شاعرنا عن محافظته وثباته وتحَرِّيه الحق والصدق والصون والعفاف في هذا الموقف الذي يخطط له البعض ويهدف إليه كل حين! وهكذا نلاحظ أن الشاعر خص قصائده الاجتماعية المناسبة بتصدير، أما قصائده العاطفية فقد خلت من التصدير، وهذا متوقع من إنسان صعيدي كلاسيكي، ابن الدراسات العربية التراثية الوقورة المحافظة! التوتير في أشجان الناي: التوتير مقولة ترتبط في هذا المجال بالقصدية، وتدل على قدرة الذهن على التوجه نحو الموضوع واستهدافه، وهذا ما يعنيه التوتير في حقل (سيميائيات الأهواء). إنه استهداف للكتلة الانفعالية والدفع بها إلى التجسيد في حقل التوترات المرئية، وهذه التوترات هي البدايات الأولى التي تقوم عليها أشكال التركيب المسؤولة عن تشكل الأهواء في انفصال عن الاستهواء واستنادًا إليها في الوقت ذاته. والتوتير هو الممر الضروري لولادة التكييفات، وهي الصيغ الأساسية التي تحدد علاقة الذات بعالمها( ). وهذا يتضح في مطالع قصائد شاعرنا، التي تشي بالعاطفة والمثير على التجربة منذ أول عبارة فيها، استمع إليه في مطلع أول نص(منزل الأشواق): يَا مَنْزِلَ الْأَشْوَاقِ أَيْنَ أَحِبَّتِي؟ أَيْنَ الَّذِيْنَ بِحُبِّهِمْ كَانُوْا الْمُنَى؟ فنحن أمام هائم بطلل أحبته، غارق في حبهم حتى صاروا المنى! وكذا نجد التوتر العاطفي ماثلاً في الإكثار من الألفاظ الدالة عليه كلفظ (الحب) الذي ورد ستا وخمسين مرة، وورد بمشتقاته المختلفة مائة وثمانيًا وأربعين مرة، في التجارب الخمسين، ولفظ (الحبيب) الذي ورد إحدى وعشرين مرة، ولفظ(محبوبتي) ورد أربع مرات، ولفظ (القلب) الذي ورد في التجارب الخمسين ثمانيًا وعشرين مرة، و(قلبي) خمس مرات، ولفظ(العشق) الذي ورد تسع عشرة مرة، وورد هذا اللفظ بمشتقاته(عشق/أعشق/عشقهم) ورد ستا وثلاثين مرة، ولفظ(الهوى) الذي ورد تسع مرات... وهكذا نجد هيمنة حقل العاطفة والوجدان على شاعرنا في ديوانه هذا، وأنه فعلاً متوتر عاطفيًّا... المصير في أشجان الناي: هو حاصل التوترات التي يأتي بها الانشطار الاستهوائي الذي يقود إلى خلق حالة عدم التوازن التي تمهد الطريق إلى بروز الدلالة، بمعنى أنه انتقال من حالة إلى أخرى، وهو مبدأ مدرج ضمن كل مظاهر الوجود( )". وبالنظر في هذا الديوان عن طريق قائمة عناوين قصائده ومناسبة إبداعها، ومضمونها يمكننا تتبع مجموعة توترات دلت على انشطاره استهوائيًّا بين الشاب العاشق لمحبوباته في غزلياته التي تجاوزت الثلاثين تجربة، والباحث الوفي لأساتذته(العالم/سليلة القمر/عاكف في محراب العلم)، والمصلح المقدر للمعمرين(صانع الأمل،طبيب الغلابة)، والمتألم للمنكسرين(شهيد التذكرة/كن رجلا/صفعة الذل)، وفي (كن رجلا) علاج نفسي وجداني لكل منكسر مهزوم! هذا إضافة إلى عقلانيات شاعرنا في تجاربه(الشاعر والوحي/مذهبي في الشعر/منظومة الإبداع/عاصم). وإن في الديوان بعض أبيات تدل على كون المبدع عالمًا، حيث التكلف للمفردات الغريبة والأجنبية، والوقوع في ضرائر وتجاوزات! أما بعد: فهذا ديوان الإنسان والأكاديمي والمعلم محمد فايز غزاوي، المسمى(أشجان الناي)، وهذه مفاتشة تمهيدية فيه عن طريق منهج(سيمياء الأهواء)، أرجو أن أكون قد وفقت في تطبيق بعض إجراءاتها. هذا، إن تجارب الديوان الخمسين لدالة على حياة الشعر البيتي الموروث، وقدرته على التعبير عن عواطف إنسان عصر التكنولوجيا؛ فقد جاءت هذه التجارب موحدة القافية، ومطلقة القافية، وقد بنيت القوافي على أحرف ذلل مطواعة (تسع نونيات/ثمان لاميات/سبع رائيات/خمس ميميات/اثنتان قافية/وواحدة عينية وواحدة يائية! وقد خلت التجارب من القوافي النادرة أو الحوشية. وقد جاءت ثلاث وأربعون تجربة في قوالب عروضية تامة(بنسبة86%)، وجاءت سبع في قوالب مجزوءة (بنسبة14%)، وصبت هذه التجارب في خمسة أبحر سيارة: الكامل(25تجربة/(بنسبة50%)، البسيط(15تجربة/(بنسبة30%)، والوافر(7تجارب(بنسبة14%)، والمتدارك (تجربتان)، والخفيف (تجربة)، مما يدل على هيمنة القوالب العروضية اللذيذة الراقصة في الديوان، وهي بلا ريب مناسبة للحالة العاطفية الوجدانية الغزلية الشائعة فيه! ولم تزد تجربة عن خمسين بيتًا إلا قصيدة(سليلة القمرين)! مما يدل على طبع في الإبداع، وسرعة في الإبداع، ورغبة في الإيجاز، فهي قصائد مناسبة لطبيعة التلقي المعاصر القائمة على السرعة والمباشرة والاختصار! ومن ثم فما زال في الديوان مناطق تستفز كل متلق وناقد وباحث، وتدعو إلى وقفات قرائية متنوعة معه وفيه... بارك الله شاعرنا وكتب له وبه كل إنجاز وإبداع! والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل! وإليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه