علائم الجودة في نتاج الأستاذ عبدالمجيد فرغلي الشعري

للدكتور صبري أبوحسين

إن القراءة العريضة الكلية في مجمل نتاج الأستاذ عبدالمجيد فرغلي[14/1/1932م-3/12/2009م]- ابن قرية النخيلة التابعة لمركز أبي تيج بأسيوط، والذي استمر مع إبداع الشعر ستين سنة أو يزيد- لَتُوقفنا على خصائص فنية ثلاثة بارزة تتبدَّى في شعره، كل خصيصة تمثل علامة جودة وفرادة وفوقية تُحسَب له وترفع مكانَه وتُعلي مكانتَه. هذه الخصائص هي: الغزارة الإبداعية، والتنوع الإبداعي، والابتكار الإبداعي.

أما الغزارة الإبداعية فهي مقياس كَمِّي؛ إذ يسجل كل قارئي شعر شيخنا من جامعين محققين، ودارسين باحثين أن شيخنا من أغزر الشعراء في النصف الثاني من القرن العشرين، ومن أطولهم نَفَسًا شعريًّا؛ إذ يبلغ مجمل إبداعه ثلث مليون بيت أو يزيد، ودواوينة تجاوز الأربعين ديوانًا، منها المطبوع ومنها المخطوط، فمن دواوينه المطبوعة(يقظة من رقاد) سنة 1955م، و(العملاق الثائر) سنة 1959م، و(أشواق) سنة 2000م، وديوان (عودة إلى الله)سنة 2006، و(مسافر في بحر عينين) سنة 2006م، و(القصائد العذرية في المعارضات الشعرية) سنة 2006م، و(المطارحات الشعرية بين التراث والمعاصرة بيني وبين أبي نواس)سنة 2006م، و(على برج الخيال) سنة 2007م، و(درة في اللهيب) سنة 2007م، و(محمد الدرة رمز الفدى) سنة 2007م، و(عاشقة القمر) سنة 2007م،و(رسائل الأشواق) سنة 2007م، و(من وحي الطبيعة) سنة 2008م، و(عبير الذكريات) سنة 2008م، و(أكتوبر رمز العبور) سنة 2008م، و(من أبطال الإسلام الخالدين) سنة 2008م.وقد صدر من دواوينه ديوان (وستبقى يا وطني حيا) سنة 2011م، وديوان (دموع تائب) سنة 2013م، وديوان (أصداء وأضواء) سنة 2014م، هذا إضافة إلى ملاحمه ومسرحياته!...  وما زالت هناك جملة دواوين ومجاميع شعرية وقصائد مخطوطة حبيسة أدراج أسرته.

إن هذه الكثرة الإبداعية دالة على شاعرٍ متمكنٍ أمكنَ من موهبته، تلك التي تطيعه في كل زمان ومكان، وفي كل حال ومقام، كما أنها كثرة دالة على هيمنة الشعر على شيخنا ليل نهار، صباح مساء، في معظم سني عمره، إذ ظل يبدع الشعر منذ سن الثانية والعشرين من عمره تقريبًا حتى آخر أنفاسه رحمه الله، إذ طلب منه أحد أصدقائه ارتجال قصيدة عن وردة بيضاء، فأبدعها على البديهة في عشرة أبيات، قبل وفاته بأيام، رحمه الله.

أما التنوع الإبداعي فهو مقياس فني؛ فشاعرنا عبدالمجيد فرغلي من الشعراء العرب المحدثين القلائل الذين أسهموا بشعرهم في أجناس الشعر العالمية الثلاثة[الغنائي/القصصي(الملحمي)/المسرحي(التمثيلي)].

 فله في الشعر القصصي (الملحمي) تسع ملاحم شعرية، طبع منها ثلاث، هي: ملحمة (الخليل إبراهيم) المكونة من أربعة عشر جزءًا، وفيها (64000)أربع وستون ألف بيت شعري، صدرت سنة 2006م! وملحمة(السيرة الهلالية) ملحمة شعرية باللغة العربية الفصحى من عشرة أجزاء، في (36000) ست وثلاثين ألف بيت شعري) صدرت سنة 2006م، وملحمة (نداء من القدس)(2580) في ألفين وخمسمائة وثمانين بيتًا شعريًّا، وهي من شعر المعارضات، عارض فيها الشاعر علي محمود طه في قصيدته(فلسطين)،  وهناك ست مخطوطة عن كبار حياة كبار الصحابة رضوان الله عليهم، جاءت تحت عناوين: ملحمة (أبي بكر الصديق)، وملحمة (عمر بن الخطاب)، وملحمة(عثمان بن عفان)، وملحمة (علي بن أبي طالب)، وملحمة (خالد بن الوليد)، وملحمة (سعد بن أبي وقاص)، رضي الله عنهم أجمعين.

أما الشعر المسرحي(التمثيلي) فلشيخنا عبدالمجيد فرغلي عشر مسرحيات تتنوع كمًّا وكيفًا، ومضمونًا: بين أعمال مدرسية ضمن ما يسمى المسرح المدرسي أو مسرحة المناهج منذ الخميسينيات حيث كان يعمل مدرسًا للمواد الاجتماعية واللغة العربية، فأبدع هذه المسرحيات لتكون وسيلة إبضاح تعليمية للطلبة، وهي: مسرحية(بين النفس والضمير)، ومسرحية(العروبة وعودة فلسطين)، وقد تم تمثيلها على مسرح الغنايم في 9/4/1959م، ومسرحية(حياة مصر الفرعونية)، في 247بيتًا، وقد نشرت في ديوانه(العملاق الثائر) المنشور سنة 1959م،، وأعيد نشرها في ديوان أصداء وأضواء ص607-630.  وكانت آخر مسرحياته التعليمية مسرحية(طومان باي) سنة 1973م، وعدد أبياتها 141 بيتًا، وهي مثبتة في ديوانه ىأصداء وأضواء ص595-606. .

 أما مسرحه الفني فيتمثل في مسرحيته(بيت تحت الإعدام) سنة 1985م وهي مسرحية من واقع الحياة، ومسرحيته(الفاو وغزو الكويت) سنة 1994م، التي وثق بها وأرخ للغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت، وفي سنة 1996م أبدع مسرحيته(رابعة العدوية أميرة العشق الإلهي)، وفي سنة 2001م أبدع مسرحيته(شروق الأندلس)، هذا إضافة إلى مسرحيتي(محمد الدرة رمز الفدا)، وهي من فصل واحد ومشهدين، وهي مثبتة في ديوانه أصداء وأضواء ص659-669 و(آدم وحواء في الجنة والأرض) في أغسطس سنة 2002م وهي مثبتة في ديوان أصداء وأضواء ص631-658، وعدد أبياتها 440 بيتًا شعريًّا.هذا إضافة إلى التنوع المضموني بين تجارب ذاتيات، وتجارب اجتماعية، و تجارب وطنية، و تجارب إسلامية، و تجارب عروبية، وتجارب إنسانية، و تجارب ثقافية، و تجارب أدبية، و تجارب نقدية...  

وهذا التنوع الإبداعي يدل على قدرات المبدع وميوله واتجاهاته، وأنه مؤهل بإبداعه ليطابق مقتضى الحال الثقافية الآنية، ويناسب الأذواق المعاصرة، وبذلك يلقى مزيدًا من القبول عند الجمهور؛ فالمبدع الحقيقي يرى في التوافق الفني مع المجتمع والعصر وسيلة إلى التحليق في الآفاق العليا التي ينشدها ويسعى في الوصول إليها، أما أن ينغلق المبدع في جنس واحد، أو اتجاه معين أو أسلوب مكرور، فذلك تمويت أو موت له، فالشاعر الكامل الناضج "إذا لم يكن شعره نمطًا واحدًا لم يمله السامع، حتى إن حبيبًا ادعى ذلك لنفسه في القصيدة الواحدة، فقال:

الجد ولهزل في توشيع لحمتها     والنبل والسخف والأشجان والطرب

وقد قال إسماعيل بن القاسم أبوالعتاهية:

لا يصلح النفس إذ كانت مصرفة   إلا التصرف من حال إلى حال(<!--)

كما أن هذا التنوع الفني يرتقي بشاعرنا إلى درجات الشعراء الفحول الأفذاذ المبرزين أمثال خليل مطران، وشوقي، وعزيز أباظة، وباكثير، وسليمان البستاني، وأحمد محرم وغيرهم.

أما مقياس (الابتكار الإبداعي) فهو مقياس نقدي؛ إذ إن مطالعة أي ديوان أو مجموع شعري مخطوط أو مطبوع لشيخنا توقفنا على جديد وطريف نادر، غير مطروق من قبل، وأود أن أشير هنا إلى مجموعة قصائد خمس، خصصها شاعرنا لتوثيق ظاهرة الإرهاب وتسجيلها وتحليلها، وهي قصيدة:(الإرهاب ظاهرة لها حل)، التي نظمت في 31/8/1993م، في اثنين وسبعين بيتًا)، وقصيدة(اعترافات إرهابي) التي جاءت في ستة وأربعين بيتًا، ونظمت في 6/4/1994م، و(قصيدة تسعة يقتلون) التي جاءت في واحد وعشرين بيتًا، ونظمت في 4/8/1996م، وقصيدة(دم الشهيد) التي جاءت في 164بيتا، ونظمت في 12/4/1993م، وقصيدة(قاتل) التي جاءت في تسعة وثلاثين بيتا، ونظمت في 18/11/1997م، من وحي حادث الاعتداء على سائحي مدينة الأقصر. وقد أثبتها ابن الشاعر في ديوان أصداء وأضواء ص229-247.    

ومن ثم نجد هذا القبول النقدي الواسع المتنوع لشعر شاعرنا عبدالمجيد فرغلي، في كل أنحاء المعمورة العربية، لاسيما في الجامعات الأصيلة، حيث أنجزت دراسات أكاديمية متنوعة بين رسائل ماجستير ودكتوراه، وأبحاث علمية متخصصة، لباحثين وباحثات في جامعة الأزهر الشريف ممثلة في كليات اللغة العربية بها، و في كليات دار العلوم، ثم كليات الآداب بمصرنا ثم المخابر البحثية في دولة الجزائر، ومركز البحث العلمي بدولة المغرب، ... وغير ذلك من مراكز البحث الأدبي والدرس النقدي بوطننا العربي العتيق... وما زال في هذا النتاج الشعري الزاخر الكثير الذي يستحق النظر والبحث والتحليل...

<!--[if !supportFootnotes]-->

 


<!--[endif]-->

(<!-- )العمدة2/105. 0

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 128 مشاهدة

الأستاذ الدكتور صبري فوزي عبدالله أبوحسين

sabryfatma
موقع لنشر بحوثي ومقالاتي وخواطري، وتوجيه الباحثين في بحوثهم في حدود الطاقة والمتاح. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

331,508