قراءة في البيان التأسيسي الأول لمدرسة الجن – فرع الشعر

الدكتور/صبري فوزي أبوحسين

أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بمدينة السادات

ينبغي لنا قبل الولوج إلى مدرسة الجن أن نعرف بمصطلح (المدرسة الشعرية) وأن نعرف بمؤسس هذه المدرسة، ثم ننطلق إلى قراءة البيان التأسيسي للمدرسة ومقاربته: 

أما (المدرسة الشعرية)  فاصطلاح حديث، يكاد يكون تعريبًا لمصطلح المذهب الأدبي، أو نقلاً له إلى ساحة نقد الشعر، ويُقصد به ذلك الكيان الثقافي الخاص الذي يتكون من رائد وأتباع، يجتمعون في إبداعهم على جملة من المبادئ الفنية العالية الخاصة، التي تتغيا نقل الإبداع إلى مرحلة جديدة غير معهودة، مرحلة تتجاوز المطروح على الطريق، المُلقَى على الجمهور والعامة. وشعرنا العربي عريق عتيق عبر الزمان والمكان والإنسان، مر بمدارس شعرية متنوعة، لعل أولاها (مدرسة عبيد الشعر) التي رائدها أوس بن حجر، وتابعه زهير بن أبي سلمى، وأتباعهما كعب ابنه والحطيئة وهدبة بن الخشرم، وكثير ونصيب، وغيرهم، تلك المدرسة التي يقول الجاحظ(ت255هـ/869م) عنها: "قال الحطيئة: خير الشعر الحَوْلي المحكَّك. وكان الأصمعي يقول: زهير بن أبي سُلمى والحُطَيئة وأشباههما عبيد الشعر، وكذلك كل من يجوّد في جميع شعره ويقف عند كل بيت قاله، وأعاد فيه النظر، حتى يخرج أبيات القصيدة كلها مستوية في الجودة. وكان يقال: لولا أن الشعر كان قد استعبدهم واستفرغ مجهودهم حتى أدخلهم في باب التكلف وأصحاب الصنعة، ومن يلتمسُ قهرَ الكلام واغتصابَ الألفاظ، لذهبوا مذهب المطبوعين، الذين تأتيهم المعاني سهلاً ورهوًا، وتنثال عليهم الألفاظ انثيالاً(<!--(. فهي مدرسة مغايرة، ذات طريقة خاصة، تتأنق وتتفنن وتحدث مجهودًا ذهنيًّا في الإبداع. وجدت في الجاهلية واستمرت في عصري صدر الإسلام وبني أمية، ثم تطورت في العصر العباسي من خلال ما سُمِّي (مدرسة البديع) التي أسسها أبوتمام، وسار في ركابها مسلم بن الوليد وابن المعتز وغيرهم من الشعراء المحدثين، ثم كانت (مدرسة اللزوميات) عند الشريف الرضي(ت406هـ/1015م) وأبي العلاء المعري(ت449هـ/1057م)، والتي خرج من رحابها (مدرسة البديعيات) في شعر عصر الدول المتتابعة، على يد صفي الدين الحلي( ت:750هـ/349م) وأضرابه، وهي قصائد في مديح النبي الخاتم -صلى الله عليه وسلم- مُحَلَّاةٌ في كل بيت من أبياتها بلون أو أكثر من ألوان البديع تصريحًا أو تلميحًا، وأقدم نماذجها " الكافية البديعية في المدائح النبوية " لصفي الدين الحِلِّي، التي تعد أول بديعية مكتملة في تاريخ (البديعيات)، وقد حرص على معارضتها والنسج على منوالها أكثر من سبعين شاعرًا، نظموا بديعياتهم على غرار ما فعله الصفي الحلي متخذين (البحر البسيط) وزنًا، و(الميم المكسورة) رويًّا و(مدح الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم) موضوعًا، وقد ضمنوا كل بيت من أبيات بديعياتهم شاهدًا على فن بديعي. وجاءت البديعيات بعده كلها قصائد مطولة وصل بعضها إلى ما يقرب من ثلاثمائة بيت، ونادرًا ما يأتي منها في أقل من سبعين بيتًا، ثم كان العصر الحديث، وقد كثرت مدارسه، بدءًا من مدرسة الإحياء وما بعدها من مدارس، فقد مر الشعر بأطوار وفقاً للمدارس الشعرية التي حملت لواء الشعر ووجهت زورقه، وهذه المدارس هي: (مدرسة الإحياء) ورائداها البارودي(ت1904م) إبداعيًّا، والشيخ حسين المرضفي(ت1889م) تنظيريًّا ، ومدرسة الديوان ورائداها عبدالرحمن شكري(ت1958م) إبداعيًّا، والعقاد(ت1964م) ومعه المازني(ت1949م) تنظيريًّا، ومدرسة أبوللو،    ورائدها أحمد زكي أبوشادي(ت1955م) تنظيريًّا ومن رادتها الإبداعيين إبراهيم ناجي(ت1953م)، ومدرسة الشعر الحر، ورائدها تنظيريا نازك الملائكة(ت2007م)، ومن رادتها الإبداعيين محمود حسن إسماعيل(ت1977م) وعلي أحمد باكثير(ت1969م) وصلاح عبدالصبور(ت1981م) ونزاز قباني(ت1998م)، ثم كانت مدرسة أو مدارس ما يسمى الحداثة التي يكفينا بيانًا لها قول رولان بارت (1915 – 1981): "إنها انفجار معرفي لم يتوصل الإنسان المعاصر إلى السيطرة عليه".وقول جوس أورتيكا كاست في كتابه(النزعة اللاإنسانية في الفن: ("إنها هدم تقدمي لكل القيم الإنسانية التي كانت سائدة في الأدب الرومنسي والطبيعي، إنها لا تعيد صياغة الشكل، بل تأخذ الفن إلى ظلمات الفوضى واليأس. ويقول أرفنك هاو في مقاله: (المدخل إلى فكر الحداثة": لم تأت الحداثة بأسلوبها الخاص المؤثر، وإذا أتت بذلك تكون قد انتهت كحداثة". وقول ليونيك تيرلنك: الحداثة بالنسبة إلينا العدمية والموقف المعادي للحضارة(<!--(". ومن سدنتها العرب الأديب السوري علي أحمد سعيد المعروف بأدونيس!

ثم جاء السيد خلف أبوديوان في أخريات القرن العشرين بهذه المدرسة المصرية الوليدة: مدرسة الجن الشعرية. إنه شاب دقهلاوي من جيل ثمانينيات القرن العشرين، لما يصل الأربعين من عمره؛ إذ وُلِد يوم الاثنين الثالث والعشرين من رجب للعام ألف وأربعمائة واثنان من الهجرة، 23/7/1402هـ= 17/5/1982م، يسمى (السيد علي محمد خلف) ويكنى (أبا ديوان)، تعلم التعليم العام، ثم انتقل إلى مدرسة الأصالة: دار العلوم، حيث التخصص في اللغة العربية وفروعها، والعلوم الإسلامية، حيث الأقسام العلمية الشاملة للُّغة والأدب، والشريعة الإسلامية، والفلسفة، والتاريخ والحضارة، فنال درجة الليسانس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة سنة 2003م بتقدير جيد جدًّا مع مرتبة الشرف، وكان الثالث على الدفعة، ثم تخصص في قسم التاريخ والحضارة، فعين معيدًا بقسم التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة منذ 23/3 سنة 2004م حتى 18/ 12/ 2013م، ثم انتقل إلى درجة مدرس مساعد التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة منذ 19/ 12/ 2013م حتى تاريخه؛ حيث نال درجة الماجستير في التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية من كلية دار العلوم جامعة القاهرة سنة 2013م بتقدير ممتاز، عن موضوع:(صورة مصر الحضارية في كتب الرحالة المسلمين من القرن الخامس حتى الثامن الهجريين). وهكذا قدر الله له أن يكون  مؤرخًا ومصريًّا جسدًا وعقلاً، تنوعت خبراته ومهاراته بين لغوية ونقدية وإبداعية وإدارية، إضافة إلى شاعريته الأصيلة، ورؤيته التنظيرية البديعة.وقد حصل في عام 2020م على شهادة العالمية(الدكتوراه) من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة عن موضوعه"( عادات الموت في مصر من بداية العصر الفاطمي حتى نهاية العصر المملوكي ( ٣٥٨-٩٢٣ه‍/٩٦٩-١٥١٧م) دراسة تاريخية).

 

وقد تنوعت تآليفه بين الكتب أو الأبحاث التاريخية ممثلة في (الدولة الأموية بين القيام والانهيار)، و (دولة المعز لدين الله الفاطمي)، و(أبو مسلم الخراساني (دراسة وتحقيق)، وسيرة علي الزيبق (تقديم وتعليق) وسيرة الزير سالم (تقديم وتعليق)، وألف ليلة وليلة (تقديم وتحقيق) وتاريخ الرومانيين لنجيب طراد (مراجعة وتقديم) والتقديم لدواوين شعرية، هي( ديوان أبي القاسم الشابي "أغاني الحياة" (تقديم ودراسة)، وديوان كثير عزة (تقديم ودراسة) وديوان جميل بثينة (تقديم ودراسة)، ثم كتاب (روائع الشعراء في الغزل والحب)، هذا إضافة إلى  مقال (منهجية التأريخ عند الدكتور عبد الله العسكر): مقال منشور بصالون غازي الثقافي- الكتاب السابع سنة 2007م.

وللشاعر ثلاثة دواوين صدرت حديثًا، هي:

1- كلمات آخر رجل عربي (ديوان شعر) سنة 2016.

2- أعراف (ديوان شعر) سنة 2018.

3- كلام الجن (ديوان شعر) سنة 2018م. ومثلها تحت الطبع.

وقد ظهر نبوغه الشعري من خلال حصوله على عدة جوائز في مسابقات متنوعة منها جائزة مسابقة القلم الحر للإبداع العربي في دورته التاسعة 2019م(شعبة شعر الفصحى) المركز الأول على مستوى الوطن العربي.  وجائزة المركز الثاني في كتابة الشعر العربي في مسابقة فؤاد طمان الشعرية تحت رعاية مؤسسة أخبار اليوم سنة 2006م. و جائزة المركز الثاني في الشعر العربي من المجلس الأعلى للثقافة بجمهورية مصر العربية في موسم ثقافي سنة 2008م، وجائزة جماعة الشعر بكلية دار العلوم في أكثر من موسم ثقافي.

و(أبوديوان) يلقب نفسه بالسلطان: سلطان الكلام،  وشاعر الثقلين، ومارد وادي عبقر، والشيخ الرئيس المجدد، ويُعرَّف عند جمهرة المثقفين برائد مدرسة الجن. وقد تابعه  جيل من الشباب الأصيل المثقف الواعي، الذين عددهم ووصفهم الباحث الجِنِّي عمرو الزيات بقوله: "كذلك صاحبنا أبو ديوان هو وحده – في رأينا – يمثل مدرسة الجن إبداعا ونقدا وجهدا ؛ رغم وجود مردة النثر ومردة الشعر، نذكر منهم ولي العهد ركن المدرسة الركين محمد ناجي، وسفير الجن بمدن القناة الشاعر على أحمد، وأمير السرد صنو نجيب محفوظ د. سيد شعبان، والأستاذ حمادة عبد الونيس، والأستاذ أحمد ركابي هريدي , وغيرهم كثير، أقول : يظل السيد خلف وحده مترجمًا عن مدرسة الجن وهو عنوانها، كما هو الحال مع العقاد ومريديه وتلاميذه"

ويقول الناقد محمد الشحات محمد:" ظهرت منذ خمس سنوات تقريبًا هذه المدرسة بريادة د. السيد خلف أبو ديوان (السلطان) وضمت “مردة في الشعر والنقد والسرد ، منهم الناقد الفذ عمرو الزيات (الوزير) ، د. سيد شعبان ، علي أحمد ، محمد ناجي ، وغيرهم ، حيث “اكتفت بالشدو على الوزن العروضي؛ سيما الصعب والمهمل من بحور الشعر العربي، فما كان الشعر تهريف مدع، تجدها والناس في سؤل من أين أتى هؤلاء؟ أحقا هم جن؟ أم تراهم يوحى إليهم من وادي عبقر؟ بل هي الحياة تبحث عن طاقة نور في حنادس الثقافة  والأدعياء المعجبين بنفسهم والمتهاوين في تقليد مميت"، وحول مدرسة الجن يقول مؤسسها الدكتور السيد خلف:“يتساءلون أين هي؟ وما يدري القوم بحديث ملء الأسماع وموضع الأفئدة تبدع في زحف وتشدو في محفل البيان إن في إذاعة أو في صحافة.  نرجوها بعثا فنيا يشمل العرب جميعا، نأتلف في معزوفة الحرف العربي، نذر التشظي والتفرق ونبحث عما يؤلف للعرب جديلة تزهو بها الأجيال القادمة.”

فالغاية من مدرسة الجن يتمثل في حالة إبداعية عالية، وحالة مبدعين مجيدين مغمورين، وأكاد أجاهر مع أمير الشعراء شوقي قائلا:

عَسى تأتونَنَا بمعلقاتٍ           نروحُ على القديمِ بها نُدِلُّ

لعلّ مواهباً خِفيتْ وضاعَتْ     تُذاعُ على يَدَيْكم تُسْتغَلُّ

المقاربة للبيان التأسيسي للمدرسة:

إن النظرة الشكلية في هذا البيان تدلنا على أنه مكون من ست صفحات،  وقد بدأ بالعنوان  الذي ئصه (البيان_التأسيسي_الأول_لمدرسة_الجن: فرع الشعر)، ويتكون من مقدمة تمهيدية، وأهداف المدرسة، ومنهج المدرسة إجراءً، ثم خاتمة، ثم توقيع مؤرخ نصه:   [السيد خلف(أبو ديوان): شاعر الثقلين- رائد مدرسة الجن: دار العلوم- القاهرة-31-3-2018م].

 أما النظرة المضمونية في هذا البيان فتدلنا على مفكر كبير، عنده غيرة على أدبنا العربي عامة، وشعرنا العربي خاصة، وعنده قراءة خاصة لمسيرته الحديثة، وعند نزعة قيادية إدارية، ورؤية مستقبلية لحالة الشعر والشعراء في رحابه وظلاله، يبدأ بيانه بهذا العنوان الدال على أنه بيان مدرسة أدبية أو فكرية عامة، والدليل هذه العبارة الاحتراسية(فرع الشعر).

ثم يبدأ بيانه بآية قرآنية دالة على شخصيته الجامعة الجاذبة العابدة الخاشعة(إن إبراهيم كان أمة قانتا لله). ثم تأتي الفقرة الأولى مصورة حلمه الرئيس:" حلمت منذ أواخر القرن العشرين بمدرسة شعرية تملأ ثغرات تراثنا الشعري، وتروي غلة الصادين بشربة سحر، لا يظمأ المحبون لفن العربية الأول بعدها أبدا، وصرحت بهذا الحلم مع بعض الأصدقاء، وعلى غير قناة فضائية ومحطة إذاعية من عقد وبضع سنين، وبدأت في رسم خطوات الحلم والتنظير له لتحويله إلى واقع جميل مرعب، هدما وبناءً محطمًا الأصنام (بيدي لا بيد عمرو) دون وضع الفأس على كبيرهم". فأبو ديوان رسول جديد في دنيا الفن والفكر والأدب، منذ شبابه الغض، رسول مندفع منبعث ثائر، مفكك للتقليدي المكرور. ثم يقدم البديل قائلا:" مدرسة يجد فيها الشعراء والغاوون_ على السواء_ ضالتهم، تجذب الآنفين، وتزيد المؤمنين يقينًا، تزيل ضمير الشعر التراكمي في التقليد الأعمى والمحاكاة المبتذلة، تنتصر للألفاظ بالمعاني، وتزين المعنى في ألفاظه المختارة بعناية، تدفع الشاعر للحديث عن الناس بلسانه وعاطفته، متقمصا دور البطولة، متخذًا من الجينات الإنسانية المشتركة مسرحًا للأحداث، مجسدًا المأساة في قالب ساخر، والملهاة في شكل ملحمي لا يخلو من الدراما، واستيفاء عناصر القص والحكاية". وأخذ أبو ديوان ينقض المدارس الشعرية مدرسة بعد أخرى إلى أن قال:"   لذا، ولغيره؛ وجدتُ الحاجة ملحة لغزو المعاجم العربية وتقديم كل شاعر معجمًا خاصًّا يثري شعره وثقافته وذوق الجماهير المتعطشة لجديد غير مبتذلٍ من كثرة تكراره، ودورانه في أفق محدود، منحسرا في ألفاظ بعينها، خاليا من الصور الماتعة والأخيلة الخصبة، والموسيقى الداخلية الساحرة، حتى صار كله_ إلا ما رحم عبقر_ نحتًا من نحت، وتقليدًا لتقليد، فغاب الطريفُ الأصيلُ عن المشهد الأدبي، إلى أن مجَّت الأذواق شعر المنتديات والصالونات، وشاع على ألسنة كثير من نقادنا زعمٌ : أنَّا في عصر الرواية".

فالمؤسس(أبو ديوان) يدعو أتباعه إلى العناية بالتأنق في عناصر الإبداع الشعري الأساسية من معجم لغوي، وإيقاع عروضي، وتصوير خيالي.

ثم كان التعهد بالانتخال والتدقيق في كل من ينتسب إلى هذه المدرسة:" أتعهد ألا يُطلَق لقب مارد إلا على الشاعر الذي يتمكن من أدواته، مقدما بعض النصوص التي تبين موهبته، وسيره على خطى المدرسة ومبادئها ملتزمًا بمنهجها ورؤيتها، أمينًا مع نفسه أمام الله ورائد المدرسة والناس".

وهذا فارق أساس بين مدرسة الجن وغيرها من المدارس فالانتساب إليها ليس تشريفًا وليس تكثيرا للسواد، بل لا يكون الانتساب إليها إلا تكليفًا بمزيد من التجويد والتنقيح والتثقيف والتأنق. وهذا النص يذكرنا ويرجعنا إلى مصطلح الفحولة، ذلك المصطلح العربي الأصيل الوارد في مدونتنا العربية منذ نهاية القرن الأول الهجري. " وقال الأصمعي: لا يصير الشاعر في قريض الشعر فحلاً حتى يروي أشعار العرب، ويسمع الأخبار، ويعرف المعاني، وتدور في مسامعه الألفاظ. وأول ذلك أنه يعلم العروض؛ ليكون ميزاناً له على قوله؛ والنحو؛ ليصلح به لسانه وليقيم به إعرابه؛ والنسب وأيام الناس؛ ليستعين بذلك على معرفة المناقب والمثالب وذكرها بمدح أو ذم"؛ فالشاعر الجني هو الشاعر الفحل.

نعم! ما أعظم التجديد الأدبي حين يقام على أساس من الوعي الثقافي والإدراك التام لوظيفة الشعر ومهام ومسؤوليات الشاعر، هذا ما تخلص إليه عندما تقرأ تجربة السيد خلف مع مدرسته: مدرسة الجن الشعرية!

 ثم ذكر المؤسس(أبو ديوان) جملة أهداف عملية من الدعوة إلى المدرسة، هي:

<!--التوسع في نشاطها لتضم اللغة والنقد والأدب مع الشعر.

<!--تقديم جيل جديد من المبدعين الحقيقيين في كل مجال.

<!--عمل أكاديمية تهتم بالموهوبين وتدعمهم جماهيريًّا وماديًّا.

<!--تشجيع روح التنافس الشريف والإبداع الخلاق خدمة للفنون والآداب.

<!--ضبط المصطلحات الأدبية والنقدية وتعريف الناس حد المنظوم والمنثور والشعر والشاعرية.

<!--الجزم فيما يسمى زورًا الشعر العامي؛ فالعامية ليست شعرًا، وكتابها ليسوا شعراء، وإن احترمت موسيقاهم.

<!--الارتقاء التدريجي بالملكة الشعرية والحس النقدي لدى الخاصة والعامة تذوقًا وابتكارًا.

<!--تدريس مدرسة الجن شعرًا ونقدًا سلبًا وإيجابًا بالمدارس والجامعات في مصر والعالم.

<!--التواصل مع الرعاة وعمل برنامج مسابقات شعرية على غير قناة فضائية.

<!--حصول مردة المدرسة على عضوية لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، وجائزة الدولة التشجيعية فالتقديرية.

<!--الفوز بجائزة نوبل في الآداب.

 12- أحقية رائد المدرسة وحده في اعتماد  المردة وإجازتهم، بعد موافقة مجلس أمنائها وهيئتها الاستشارية.

وكلها كما نرى أهداف مثالية سامية، تُعنى بحالة الشعر والشعراء، والنقد والنقاد معًا، وعندما نقرأ البيان الخاص بجماعة أبوللو -الذي كتبه الرائد المؤسس أحمد زكي أبوشادي- نجد  تقاطعًا بين المدرستين في بعض الأهداف لاسيما فيما يخص الحالة الأدبية والمادية للأدباء، والسمو بالحالة الشعرية، ونجد أن مدرسة الجن تنفرد عنها بحرصها على التميز والتفرد، وعدم قبول الأفراد تحت لوائها عشوائيًّا حيث فتحت أبوابها لكل نصير لمبادئها التعاونية الإصلاحية بطريقة عامة! ومن ثم اندرج تحتها الكلاسيكي والرومانسي والهجين! كما تنفرد مدرسة الجن بالتخطيط والعزم على التميز محليًّا وقوميًّا وعالميًّا...

وإن كان لي من إضافة على هذه الأهداف فهو هدف خاص بالرافد العربي الأصيل والأجنبي الوافد  للإبداع والتنظير، وليكن نصه:

<!--ترجمة الآثار الأدبية والنقدية المتميزة من اللغات الأخرى، ودراستها، وتوظيفها في ابتكار نظريات أدبية ونقدية؛ لتزود مسيرة الحياة الأدبية بالصالح المفيد، ولمناصرة النهضات الفنية في عالم الشعر والنقد.

<!--دراسة الآثار الأدبية والنقدية العربية القديمة في عصور الابتكار والتجديد، واستخلاص القيم الشعورية والجمالية والتعبيرية الصالحة للمعايشة والاستدعاء والتوظيف.

نريد من مدرسة الجن أن تكون عكاظًا جديدة يرتحل إليها الأدباء ويحلون فيها.

    منهج مدرسة الجن إجراءً:

<!--الانتصار  لعمود الشعر.

<!--الاتساق مع مناداتي بضرورة الولوج إلى عالم البحور المهجورة، أو غير المألوفة المعتادة لدى الشعراء، قِدمًا وحداثةً، ومنها المنسرح، والمقتضب، والمضارع، والمجتث،  والتجديد في كافة البحور .

<!-- الاهتمام باللفظ الطريف والمعنى البكر، في ثوب موشى بالموسيقى، وملون بالأخيلة.

<!-- طرق الأغراض الشعرية كافة، وبخاصة النقائض والمشاغبات والهجاء، والملاحم الإنسانية والتاريخية .

<!-- الاعتناء بالحروف المهملة على القوافي النادرة .

<!-- الاحتفاء باللزوميات الصعبة غير المسلوكة .

<!-- تدشين المساجلات الشعرية التي انتشرت على (الفيس بوك)، وعرفت أهل الفضاء الأزرق أن ديوان العرب لا يزال حيًّا، رغم المرض العربي، وأن ملكة الارتجال لا زالت مكونًا رئيسًا وجينًا سائدًا عند الفحول .

<!-- ظهور شخصية الشاعر وثقافته تلميحًا لا تصريحًا، غيرَ منكر لذاته، وغيرَ مضخم لها، ولا بأس أن تميع الأنا في الآخر ثم تعود.

<!-- توظيف تقنيات الأجناس الأدبية، وبخاصة المسرح في الشعر لفتح آفاق جديدة في الشعر المسرحي والمسرح الشعري.

إنها إجراءات ثمانية، كل إجراء يعد تحديًّا أمام كل شاعر ينتسب إلى هذه المدرسة، ويعد معيارًا أمام كل ناقد يقرأ منتجها. وهي متنوعة، وتكفل للإنتاج الشعري المنضوي تحتها الجودة والجاذبية والتأثير.

ثم يذيل المؤسس (أبو ديوان) بيانه التأسيسي ببيان النموذج الإبداعي الممثل للمدرسة والمعرف بها والمعلن عنها، يقول:"إن ذلك وأكثر ما التزمته في ديوانَيْ(كلام الجنّ)، و(مارد وادي عبقر) اللذين أضعهما في ميزان التاريخ، أتلمسُ بهما أشواكَ الوصولِ، إلى عتباتِ النصِّ المقدَّس، عبرَ خمور الغواية الأولى، في كئوس جمر المِلح اللدني، مستدفئا بثلوج الدمع، راقصا مع سلاف شهد رحيق الكرْم في شهوة الكلمات، مروِّضا كل العفاريت. فإن حققتُ ما قدِّر لي فبها ونعمت، وإن كانت الأخرى فحسبي أنِّني مهَّدْتُ الطريقَ، ولكْتُ الظَلامَ، وغزوتُ القوافي، وعَبَّدْتُ الحروفَ، ماردًا وإنسانًا"..

وبذلك جمع مفكرنا(أبو ديوان) بين التنظير والتطبيق، وأعلن عن أنها تجربة بشرية تحتاج قراءة من الآخرين وتقييمًا وتقويمًا...

ثم ختم السيد خلف(أبو ديوان) بيانه التأسيسي بتحديد زمانه ومكانه (دار العلوم- القاهرة-31-3-2018م)؛ ليعلن عن أصالته المكانية، وحداثته الزمانية، ومصريته شاعرًا وإنسانًا ومنظِّرًا. دام إبداعه وتوهجه وتوسعت مدرسته.

والله من وراء القصد.

<!--[if !supportFootnotes]-->

 


<!--[endif]-->

(<!-- ) البيان والتبيين، ج2، ص 13.

(<!-- ) راجع المدارس الشعرية في القرن العشرين للدكتور أحمد الخاني على رابط موقع الألوكة:https://www.alukah.net/literature_language/0/52906/#ixzz6LIHYAhRB وللدكتور عدنان رضا النحوي اهتمام بتلك القضية في كتابه الأدب الإسلامي إنسانيته وعالميته ص 296 وما بعدها، وكذا في كتابه: الحداثة من منظور إيماني د. عدنان النحوي صـ.27.0

 

المصدر: سلسة مقالات متفرقة معدة للنشر في مجلة المدرسة. تتضمن التعريف بالمدرسة ورائدها الدكتور السيد خلف أبو ديوان.

الأستاذ الدكتور صبري فوزي عبدالله أبوحسين

sabryfatma
موقع لنشر بحوثي ومقالاتي وخواطري، وتوجيه الباحثين في بحوثهم في حدود الطاقة والمتاح. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

327,120