المركز التاسع محمد عبدالله سعيد ... السعودية عن قصته موعد السابعة

موعد السابعة
(قصة قصيرة)

*وصلت إلى المكان المحدد قبل الموعد بـ 15 دقيقة ، تماما كما يفعل الرجال عندما يكون لهم موعدا مع الجنس اللطيف فقط (!) ، بينما يحضرون بعد الموعد بساعة على الأقل إذا كان الطرف الآخر شخصا مثلي ، كنت أفكر عن السبب أو الأسباب التي دعتها إلى طلب مقابلتي للمرة الأولى وبهذه السرعة وهذا الإصرار الغريب .. المكان الذي اختارته هي للقائنا يبدوا هادئا ورومانسيا ومن ذوي النجوم الخمسة كما يقولون وقد أعدت طاولا ته بشكل أنيق ومرتب ومنعزلة نوعا ما.. وما كادت الساعة تشير إلى السابعة – وهو الموعد المحدد – حتى دخلت إلى المكان وتقدمت نحوي يتقدمها النادل الذي أرشدها إلى مكان جلوسي ، فوقفت أحييها ثم قدمت لها الكرسي الذي يقع في الجهة المقابلة من الطاولة التي أجلس إليها ، ورحت أتأمل وجهها الجميل الذي تكسوه مسحة من البراءة والرقة والحياء .
- "مساء الخير".. قالتها برقة وعذوبة ، ثم راحت تنظر إلى وتتفحص وجهي وشكلي وكأنها في صدد إصدار حكم ما على شخصي المتواضع وان لم تستطع إخفاء تعبيرات الإعجاب التي ارتسمت على محياها ، بينما كنت أنا منشغلا في طلب كأسين من عصير الليمون الطازج وهو شرابي المفضل في فصل الصيف.
نظرت إليها وقلت لها معاتبا :-
- " أراك تقلدين الإنجليز بالحضور في الموعد المحدد دون تأخير"
ابتسمت فأنشق فمها الصغير عن مجموعة من الدرر البيضاء الجميلة ، وسرعان ما أطبقت شـفتاها حينما لاحظت اتجاه نظراتي ، فقلت لها : " الطريقة الوحيدة التي تستطيعين بها إخفاء هذه الدرر الجميلة هو أن تمكثي صـامتة طول الوقت "..فضحكت هذه المرة وتساءلت :
- " أهذه مجاملة أم غزل ؟! فأجبت دون تردد :
- " هذا إحقاق للحق وإطراء ليس أكثر" .. تبسمت ثم أجابت على كلامي السابق عن الإنجليز :-
- " على الأقل نقلدهم في شيء مفيد وليس في أشياء ضارة " ، ثم أردفت ولا تزال الابتسامة مرسومة على وجهها :
- " الصدق والالتزام بالوعد هي من عادات المسلمين التي أورثناها للغرب وأورثونا أسوا عاداتهم " 

ابتسمت وأنا اؤمي لها بالموافقة على ما ذكرته ، ثم أخرجت سيجارة واستأذنتها في إشعالها فوافقت وهي تتمتم بدعوات أن يبعدني الله عن التدخين الضار ووافقتها على ذلك بقولي " آمين..آمين" .

عادت من جديد تحدق بي ، وأنا أنتظر منها أن تذكر سبب طلبها مقابلتي ووجدت أنه ليس مناسبا أن أوجه لها سؤالا مباشرا كهذا ، ولكنها أنقذتني من السؤال عندما قالت :
-" لا أدري من أين ابدأ ولا كيف ابدأ ولكنني طلبت مقابلتك لموضوع هام وأرجو أن تكون محل ثقتي واعتزازي بك كصديق قبل كل شيء "…

فهززت رأسي موافقا ومؤكدا ، لكنها صمتت حتى يفرغ النادل من تقديم عصير الليمون الطازج ، وما إن غادر المكان حتى استرسلت وقد حولت نظراتها إلى المنديل الموضوع على الطاولة وراحت تداعبه بأناملها الرقيقة :
- " أعتقد أن ما نفعله نحن هو خزي وعار ، وأن علينا أن نفعل شيئا إيجابيا يتناسب مع مبادئنا وقيمنا وأخلاقنا ومعتقداتنا .. أليس كذلك ؟"….

لم أفهم ولكني قلت بدون تفكير : " بلى " ، ثم أردفت :
- " إلى متى نظل هكذا صامتين ؟..ألم يحن الوقت لكي نعبر عن مشاعرنا وأحاسيسنا فعلا وقولا ؟ "
لم أجب ، اكتفيت بهز رأسي علامة الموافقة ، وهي تقول :
- " أليس من الأفضل أن نخلع عنا ثيابنا ونبدلها بثياب أخرى ؟ "
تلعثمت ولم أدري ما أقول ورحت أتفقد ثيابي وأتحسسـها ، لكنها أضافت :
- " أعتقد أن علينا أن نخلع الأقنعة التي نضعها على وجوهنا ، وأن لا نخجل ولا نحس بأي حرج عند التعبير عن مشاعرنا الفياضة " .. 
استمر صمتي ، بينما كانت تسترسل في الحديث :
- " إلى متى سوف ندس رؤوسـنا في الرمال ؟ "
قلبت شـفتاي الصغيرتين علامة الاستفهام والاستغراب ، فأجابت على سؤالها :
- " أنا أقول لك.. " .. ثم صمتت بينما شعرت بقشعريرة تنتاب أوصالي ولكني تماسكت وتظاهرت بالهدوء وأنا أسـألها أن تقول لي ، فقالت :-
- " عندما لا يكون هناك أي فرق بين الرجل والمرأة ..وحينما يكون أمرا طبيعيا أن تبدأ المرأة أو يبدأ الرجل " .

زادت القشعريرة في جسمي ووجدتني أتلعثم واذوب خجلا ، فرفعتُ كأس العصير ووضعته بين شفتاي المطبقتين حتى أبللهما ومن ثم أفرغت كل ما يحويه الكأس داخل جوفي الذي بدأ ناشـفا وحارا حرارة صيف الرياض .. سـألتني وهي تبتسم :
- " أتريد واحدة أخرى ؟ "
- صرخت : " ماذا ؟ ".. قالت : " أقصد كأسا أخرى من العصير " … ففهمت وحركت رأسي علامة النفي ، فأكملت حديثها قائلة :
- " أنا لا أنكر الدور الذي يقوم به الرجل ، ولكن عليكم معشر الرجال أن لا تنكرون الدور الذي تقوم به المرأة "… أجبتها وأنا اؤمي برأسي :
- " نعم نعم ..لا أحد يستطيع أن ينكر دور المرأة ".. 
ثم تنهدت وحمدت الله سرا أنني استطعت إكمال العبارة ، ولكنها طرحت سؤالا آخر :
- " كيف نستطيع أن نمحو هذا الخزي وهذا العار ؟ هل تعرف ؟ "

وأحسست وللمرة الأولى في حياتي بأنني بليد ولا أفهم أي شيء تماما.. فسألتها مستنكرا :
- " أي خزي وأي عار ؟…أنا لا أفهمك تماما !! "

تنهدت وكأنها تندب حظها العاثر :
- " يا أخي .. ماذا بك ؟..هل انقطع الاتصال معك كما يحدث مع النت "..ثم ضحكت بصوت عال ، بينما أنني لم أضحك لأنني كنت فعلا خارج شبكى الاتصال أو هذا ما بدا لي ، وكأنها أشـفقت علي ، فقالت :
- " الخزي والعار مما يحدث في فلسطين ونحن نتفرج ..أليس واجبا علينا مساندة إخواننا وأطفالنا أبطال الحجارة ؟ ..أليس من واجبنا مساعدتهم معنويا وماديا..لماذا هذا الصمت الرهيب ؟ أين الدول الإسلامية ..أين قياداتنا المسلمة ؟ أين المسلمون ..أينهم ..قل لي بربك ".

وأحسست بأنني قد صحوت من غيبوبة ، وأدركت أنني كنت في واد آخر .. فضحكت ، وكنت بحاجة فعلا إلى أن أضحك ، فلم يعجبها موقفي الضاحك :-
- " هذه ليست نكتة يا سيدي.. هذه حقيقة ، فعلى أي شيء تضحك ؟ "..قلت :
- " أضحك على ما وصلنا إليه في عالمنا الإسلامي والعربي ..إن شر البلية ما يضحك أليس كذلك ؟"

فضحِكت ، وضحَكت وكانت سهرة إسلامية جميلة مع إخواننا في فلسطين لم أندم عليها أبدا

qwertyuioasdfgh

مع تحيات جريدة أخبار نجوم الأدب و الشعر رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير الشاعر / خالد بدوي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 39 مشاهدة
نشرت فى 27 ديسمبر 2015 بواسطة qwertyuioasdfgh

أخبار الشعراء والادباء العرب

qwertyuioasdfgh
جريدة لنشر كل اخبار الشعراء والادباء واجمل ما كتبت اقلامهم رئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير الشاعر / خالد بدوى »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

87,632