المركز الثالث أحمد الباشا ... سوريا عن قصته الحذاء
الحذاء:
ألقى بنظرته الأخيرة على مرآته وهو يردّدُ أغنيةً طالما ردّدها بلحظات سعادته، بدت عليه علاماتُ الرّضا والطمأنينة،تضمّخَ بقليلٍ من العطر؛ كاد أن يلفّهُ الزّهو و الغرور؛وهو يتمعّنُ هندامَه الجديد؛ لولا أن وقعت عيناه على مشطه المهجور. بضعُ شعراتٍ على جانبي صلعته لاتتطلب وجود مشطٍ بهذه الجودة..وما يحزُّ في نفسه أكثر هو حذاءُهُ المتجعّد و المهترئ الذي يشبه كل شيء إلا أصناف الأحذية ..كلما طلاه أكثر زادت بشاعته وتكشّف زيفه؛ بالكاد تتماسك أجزاءُه المهترئة الذي يحاول إخفاءها بالطّلاء الزّائد ولكن دون جدوى ..طمأن نفسه :ربما تخفي وسامته وهندامه الجديد هذا الحذاء اللعين ..ولم يبق من الأيام إلا قليلها حتى يأتي دور شراء حذاء جديد فهو يدّخرُ بعضاً من راتبه كل شهر لشراء لباسه ،فهذا الشهر اشترى مما ادّخره سترةً جميلةً مناسبةً لسروالٍ كان قد ابتاعه الشهر الفائت.
دلف على درجه مسرعاً يلجُ في زقاقٍ ضيقٍٍ مختصراً المسافة إلى مكان عمله؛ما أن دخل غرفته حتى تكوّمت حوله العيون وتدافعت عليه الألسن:
-الله الله ،ما هذا الجمال ؟!ً ً
-(بتجنن..!)
-منظرك يليق بالإدارة أكثر من المدير ذاته..لا ..بل إطلالتك كإطلالة وزير.
تشاغل عنهم..بلملمة بعض الأوراق الملقاة بفوضوية على طاولته،انتقى بعضاً منها،ودخل غرفة المدير،سرعان ما خرج مودعاً لهم بيده المبتسمة ..
في شارعٍ عريضٍ جالت عيناه ذات اليمين وذات اليسار؛ لم يكن يرى إلا محلات الأحذية يتمعّنُ بشهوة فيها للحظات قبل أن يتابع سيره.
أمام معرضٍ للسيارات وقف يريحُ قدميه ،تغلغلت عيناه داخل الجدران الزجاجية تستمتع المنظر،ماهي إلا لحظات حتى خرج إليه شاب من المعرض :
--تفضل سيدي ..عندي أحدث السيارات ...
-أسعارنا تشجيعية...
وتسمّر أمامه ملحاً وهو يدلّل بمعرضه وبسياراته المتنوعة وأسعاره المتميّزة.
بينما كان واجماً كتمثالٍ يبتسمُ ،استطاع البائع إدخاله بقوة إلحاحه..
في الدّاخل أشار له :تلك الحمراء آخر موديل ..وهذه السوداء أحدث سيارة في البلد..وبينما يستأنف شرحه مجتهداً، إذ تزحلقت عيناه صدفة إلى الحذاء المتجعّد والمهترئ؛ توقّفَ مشدوهاً،واستبدل لهجته بصوتٍ مرتفعٍ لايخلو من الطّرد:
-(بطّلنا نبيع...مع السلامة..افرقنا.. )
في الخارج كان الضباب كثيفاً يحجبُ الرؤية ؛رعدٌ وبرقٌ ،رياحٌ عاتيةٌ..
اضطرابٌ مخيفٌ في تحرّكات الناس،الجميع يقهقه، يسخر من الحذاء
حتى هو وقف وحملق به ملياً وانحنى يفكه.