المركز الخامس مكرر المنجى حسين بنخليفة ... تونس عن قصته على الصراط 
على الصّراطِ
. وأراني كباقي الخلق عريانا ، لا يواري سوءتي أيُّ رداءٍ ، أكادُ أُغمِض العينين خجلاً ، لكنّ هولَ ما رأتْ عينايَ رَفَعَ عنهما الجفونَ ، الكلُّ يحشُرُني و يدفعُني ، وهذه الأمواجُ من العراةِ يتدافعونَ بلاَ إرادةٍ كيْ يمرُّوا على الصراطِ ، جسرٌ تعلّقَ بين طودين بلا أسلاكٍ و لا أعمدةٍ أراهَا ، النارُ قد اشتعلتْ في عمقِ الوادي السَحيقِ تعلن بهديرها غضبًا دفيناً ، ألسنتها تكاد تلفح وجوهنا. من البعد أرى الناس يَتَهاوُونَ ، فليسَ على حافتَي الصراطِ ما يحميهم من السقوطِ ، رأيتُ آلافًا من الوجوهِ عرفتُها ، منهم من مات قبْلِي ، ومنهم من تركتُهُ يقتبسُ من نورِ الحياةِ . هذا جاري مرّ في الدنيا بصمتٍ فلا أرى له أثرًا يذكرني به ، إلاّ ملمحاً للوجه اختبأ في الذاكرةِ ، هذا معلمي نحتَ في عقلِي حروفٌ ما انمحتْ ، فهلْ يسقُطُ من علّم الحرفَ في الهولِ السحيقِ ؟ ، وصديقٌ التقينا في محطةٍ من العمرِ ، ثمَّ افترقْنَا ، كيْ نمرَّ بالمحطاتِ الجديدةِ . وهذا سياسيٌّ كانَ يطلُّ علينا في التلفازِ كلّ مساءٍ ، كيْ يُمطِرُنا بابتساماتٍ ، وكلماتٍ توهِمُنا أنّ القادمَ أفضلُ . تشبَّثَ قبْلَ السقوطِ ، داسَ عليه الناسُ بالأقدامِ ، وهم يتصارخُون : كما دستَ علينا في الدنيا بأكاذيبِك ، و أطعمْتنا الذلَّ و الجهلَ ألوانًا و أشكالاً. ومن حولِي امرأةٌ ذهبَ البريقُ من وجهِها ، تسأَل جارتَها في الزحامِ : ــ هل تُسقِطنا أعْمَالنا التي اقْترَفْناها ؟ ــ أصْمُتِ لا تفضحِينا على رؤوسِ الأشهادِ . و رأيت إمامَ مسجدِنا ، بالكادِ عرفتُه لولا كثافة لحيته المميزة بالحمرة في أطرافها، فغيابُ عمامته الكبيرة فضحَ قبْحَ صلْعتِه ، كان يعلّمُنا أنّ الصراطَ نمُرُّ عليه بأعمالنا لا بأرجُلِنا ... غابَ عني ، لا أعرِفُ هل هوى مع الهاوين ؟ أم حملَهُ موجُ العراةِ بعيدًا عن ناظرَيّ . و امرأة بشعرِها المنفوشِ تجرُّ زوجَها من ساقِه لترمِيهِ من فوقِ الصّراطِ، وهي تصرخُ : ــ يا خائنًا...يا خائناً... يُحاوِلُ أن يُفلتَ منها : ــ ألا يكفيك أنّكِ قتلتِنِي في الدنْيا ؟؟ . وأرى صديقا كان يتعبني بأفكار تنكر كلّ شيء جاء به وحي السماء ، كان يرتجف وهو يقترب من حافة الصراط قبل السقوط ، ناديته:" فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا " دفعتني الجموعُ ، حتى أوصلتْنِي لحافَّةِ الصّراطِ المعلَّقِ ، فرأيْتُ الجحيمَ يستعرُ، و ألسنَة النيرانِ تكادُ تقولُ : هلْ مِنْ مزِيدٍ ؟، تشبَّثْتُ بقطعةِ قماشٍ بيضاءٍ مرميةٍ تحتَ الأقدامِ ، لعلّها تنجيني من السقوطِ ، رأيتُ زوجَتِي تمسِكُ بطرفِها ، و الخوفُ قد صبغَ على وجهِهَا اصفرارًا ، وهي تصرخُ: ــ ما به يا دكتور يحاولُ سحبَ اللِّحَافَ عنْهُ ؟ ! ــ لا تخافِي ، قريبًا يذهبُ عنه تأثيرُ المخدرِ .. العمليةُ ناجحةٌ

qwertyuioasdfgh

مع تحيات جريدة أخبار نجوم الأدب و الشعر رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير الشاعر / خالد بدوي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 39 مشاهدة
نشرت فى 27 ديسمبر 2015 بواسطة qwertyuioasdfgh

أخبار الشعراء والادباء العرب

qwertyuioasdfgh
جريدة لنشر كل اخبار الشعراء والادباء واجمل ما كتبت اقلامهم رئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير الشاعر / خالد بدوى »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

87,568