أُخرج من الصندوق أيها المتقاعد
لماذا يتردد المقبلون على التقاعد من الخروج من الصندوق ؟ اهو الخوف من المجهول , أم هو بسبب قلة التخطيط والتدبير؟, آم هو حب المألوف وكراهية التغيير. فالبعض منهم يتمتمون بتلك الكلمات المشهورة والمحفوظة "ماذا يمكن أفعل بعد أن أتقاعد عن العمل !" كأن العمل والحياة تنتهي بالتقاعد , إن هذا لأمرٌ عُجاب !.
كان من المفترض أن تخطط لتقاعدك قبل بلوغك تلك المرحلة بسنوات , فقد قضيت خمس وعشرين سنة أو أكثر في خدمة وطنك إما في قطاع خاص أو عام , فأنت تملك معلومات وخبرات عمرها من عدد سنين عملك. وإذا أنت لم تخطط بعد فالفرصة لم تذهب بعيدة عنك فهي مازالت بين يديك, فهناك دائما وقت للتخطيط و للعمل المفيد والنافع سواء كان لنفسك أو للآخرين , وقد قال الرسول عليه الصلاة السلام "إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليفعل". نعم أنت تملك الوقت كله حتى آخر لحظة من عمرك , ولست تدري متى سيكون أفضل أيام إبداعك وتوهُجك. لقد أبدع مايكل انجلوا ورسم أعظم لوحاته عندما بلغ الثمانين من عمره.
وكانت المعمرة الفرنسية جان لوي تمارس ركوب الدراجة الهوائية حتى بلغت المائة !. ولقد قال أبو جعفر الطبري وهو يومئذ شيخ كبير لتلاميذه اليافعين , هل لكم في كتابة
التفسير, فقالوا في كم ورقة يكون, فقالا: في ثلاثين ألف ورقة !, فقالوا : إذا تنقضي الأعمار. فأجابهم بعزم الشباب " لقد ماتت الهمم" فكتبه مختصرا في ثلاث آلاف صفحة !. وهناك من بدء حياته الفعلية بعد أن تجاوز سن التقاعد المبكر بثمانية أعوام , فصار رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية , إنه إبرا هام لنكولن. إن الإبداع لن يسألك يوما كم هو عمرك !.
انظر إلى مرحلة ما بعد التقاعد على أنها نافذة جديدة تطل منها على بحر الحياة, فلابد انك تعلمت واكتسبت مهارات وخبرات بعد أن قضيت سنوات في البذل والعطاء. يقول الدكتور جوزيف ميرفي (احد مناصري حركة الفكر الجديد) " سواء كنت في الخامسة والستين أو الخامسة والتسعين , فعليك أن تدرك شيئا مهما , وهو أنه لديك الكثير لتقدمه للآخرين ".
فلا تطل المكوث داخل ذلك الصندوق , واخرج إليهم بتجربة أو مقال أو كتاب , أو ربما موسوعة من النصائح والتجارب , فهناك جيل ينتظرك بلهفه وحنين وشوق لجني المعرفة. فأنت أيها المتقاعد أشبه بمكتبة مملوءة بكنوز من المعارف والمعلومات , فإذا لم يستفيد منها غيرك, فأنت للأسف مكتبة بلا عنوان.
أن أعمارنا لا تحسب بعدد السنين , ولكن بما ننقشُهُ في لوحة الحياة , فهذا هو الخُلد في الدنيا.