الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم فيما بلغ عن رب العزة
حقت محبتي للمتحابين فيّ ، وحقت محبتي للمتواصلين فيّ ، وحقت محبتي للمتناصحين فيّ ، وحقت محبتي للمتزاورين فيّ ، وحقت محبتي للمتباذلين فيّ ، المتحابون فيّ علي منابر من نور يغبطهم بمكانهم النبيون والصديقون والشهداء
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم قال فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا قال فيسألهم ربهم وهو أعلم منهم ما يقول عبادي قالوا يقولون يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك قال فيقول هل رأوني قال فيقولون لا والله ما رأوك قال فيقول وكيف لو رأوني قال يقولون لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدا وتحميدا وأكثر لك تسبيحا قال يقول فما يسألوني قال يسألونك الجنة قال يقول وهل رأوها قال يقولون لا والله يا رب ما رأوها قال يقول فكيف لو أنهم رأوها قال يقولون لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا وأشد لها طلبا وأعظم فيها رغبة قال فمم يتعوذون قال يقولون من النار قال يقول وهل رأوها قال يقولون لا والله يا رب ما رأوها قال يقول فكيف لو رأوها قال يقولون لو رأوها كانوا أشد منها فرارا وأشد لها مخافة قال فيقول فأشهدكم أني قد غفرت لهم قال يقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم إنما جاء
لحاجة قال هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم
عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن الرسول (ص) ' ليبعثن الله اقواما يوم القيامة في وجوههم النور على منابر اللؤلؤ يغبطهم الناس ليسوا بأنبياء و لا شهداء. قال : فجثا أعرابي على ركبتيه فقال : يا رسول الله حلهم لنا نعرفهم . قال : هم المتحابون في الله من قبائل شتى و بلاد شتى يجتمعون على دكر الله يدكرونه'
فيقول تعالى: "التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ..." [التوبة:112].
واختلف المفسرون في معنى (السائحون) في الآية على أقوال، ولعل أقوى هذه الأقوال وأرجحها أنهم الصائمون، وهو المروي عن أبي هريرة، وابن مسعود، وابن عباس، وعائشة وسعيد بن جبير، ومجاهد، والحسن، والضحاك، وعطاء، وقتادة. وبه قال أكثر العلماء، كالطبري وابن قتيبة، والزجاج، والزمخشري، والبيضاوي، وابن كثير، وابن باز، ومن أدلة هذا القول:
ما جاء عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "(السائحون): هم الصائمون". رواه ابن جرير (12/11).
عن عبيد بن عمير قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن السائحين فقال: "هم الصائمون". رواه ابن جرير (12/10) وغيره، وقال ابن كثير: "وهذا مرسل جيد".
وأخرجه ابن جرير (12/11)، وابن مردويه من حديث ابن مسعود –رضي الله عنه-.
وقال ابن عباس –رضي الله عنهما-: "كل ما ذكر الله في القرآن ذكر السياحة هم الصائمون" رواه ابن جرير (12/13).
وما يقوي هذا القول أنه هو المروي الثابت عن الصحابة –رضي الله عنهم-.
وقيل: هم المجاهدون، وبه قال عطاء لما أخرجه أبو داود (2486) أن رجلاً قال: يا رسول الله، ائذن لي في السياحة. قال: "إن سياحة أُمتي الجهاد في سبيل الله تعالى". والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع.
وقد يقال: إن هذا أيضاً داخل في معنى الآية، فيكون معنى السياحة: الصيام، والجهاد لمن يجب عليه؛ لأن الله قال: "عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ ... سَائِحَاتٍ" [التحريم:5] ومن المعلوم أن النساء لا جهاد عليهن.
ومن الأقوال في الآية: أنهم طلبة العلم، أو المهاجرون، والله أعلم.
أما السياحة الآن فهي بمجردها لا تعتبر عبادة، إلا إذا اقترن بها ما هو عبادة، أو تعين على العبادة؛ كأن يسافر ليتفكر في عجائب صنع الله وبديع مخلوقاته، فيقوى إيمانه، وتنشط نفسه للعبادة، مع البعد عن إضاعة الأوقات، أو الانزلاق فيما لا يحل للمرء أن يأتيه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)
(التائبون). .
مما أسلفوا , العائدون إلى اللّه مستغفرين .
والتوبة شعور بالندم على ما مضى ,
وتوجه إلى اللّه فيما بقي ,
وكف عن الذنب ,
وعمل صالح يحقق التوبة بالفعل كما يحققها بالترك .
فهي طهارة وزكاة وتوجه وصلاح .
(العابدون). .
المتوجهون إلى اللّه وحده بالعبادة وبالعبودية ,
إقراراًبالربوبية . .
صفة هذه ثابتة في نفوسهم تترجمها الشعائر , كما يترجمها التوجه إلى الله وحده بكل عمل وبكل قول وبكل طاعة وبكل اتباع .
فهي إقرار بالألوهية والربوبية للّه في صورة عملية واقعية
(الحامدون). .
الذين تنطوي قلوبهم على الاعتراف للمنعم بالنعمة ;
وتلهج ألسنتهم بحمد اللّه في السراء والضراء .
في السراء للشكر على ظاهر النعمة ,
وفي الضراء للشعور بما في الابتلاء من الرحمة .
وليس الحمد هو الحمد في السراء وحدها ,
ولكنه الحمد في الضراء حين يدرك القلب المؤمن أن اللّه الرحيم العادل ما كان ليبتلي المؤمن إلا لخير يعلمه ,
مهما خفي على العباد إدراكه
(السائحون). .
وتختلف الروايات فيهم .
فمنها ما يقول:إنهم المهاجرون .
ومنها ما يقول:إنهم المجاهدون .
ومنها ما يقول:إنهم المتنقلون في طلب العلم .
ومنهم من يقول:إنهم الصائمون
(الراكعون الساجدون). .
الذين يقيمون الصلاة ويقومون بالصلاة كأنها صفة ثابتة من صفاتهم ;
وكأن الركوع والسجود طابع مميز بين الناس لهم
(الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر). .
وحين يقوم المجتمع المسلم الذي تحكمه شريعة اللّه ,
فيدين للّه وحده ولا يدين لسواه ,
يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في داخل هذا المجتمع ;
ويتناول ما يقع فيه من أخطاء وانحرافات عن منهج اللّه وشرعه . .
ولكن حين لا يكون في الأرض مجتمع مسلم ;
وذلك حين لا يكون في الأرض مجتمع الحاكمية فيه للّه وحده ,
وشريعة اللّه وحدها هي الحاكمة فيه ,
فإن الأمر بالمعروف يجب أن يتجه أولاً إلى الأمر بالمعروف الأكبر ,
وهو تقرير ألوهية اللّه وحده سبحانه وتحقيق قيام المجتمع المسلم .
والنهي عن المنكر يجب أن يتجه أولاً إلى النهي عن المنكرالأكبر
(والحافظون لحدود اللّه). .
وهو القيام على حدود اللّه لتنفيذها في النفس وفي الناس .
ومقاومة من يضيعها أو يعتدي عليها . .
ولكن هذه كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ,
لا يقام عليها إلا في مجتمع مسلم .
ولا مجتمع مسلم إلا المجتمع الذي تحكمه شريعة اللّه وحدها في أمره كله ;
وإلا الذي يفرد اللّه سبحانه بالألوهية والربوبية والحاكمية والتشريع ;
ويرفض حكم الطاغوت المتمثل في كل شرع لم يأذن به اللّه . .
والجهد كله يجب أن ينفق ابتداء لإقامة هذا المجتمع .
ومتى قام كان هناك مكان للحافظين لحدود اللّه فيه . .
نشرت فى 9 نوفمبر 2011
بواسطة princess
عدد زيارات الموقع
1,742,487
ساحة النقاش