الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد،
فإن القرآن الكريم وما يحتويه من وفرة بلاغية وعلمية وقصصية، لدليل على أنه معين لا ينضب لكل من أراد العلم والاستنارة وفهم معاني الحياة. ولا شك أن القرآن الكريم هو المعجزة التي لا زالت تتدفق بما فيها من حجج وبراهين.
الألوان
والألوان التي ذكرت في كتاب الله هي معجزة بحد ذاتها، يقول سبحانه وتعالى:"وَمِنَ آيَتِهِ خَلقُ السَّمَواتِ والأرْضِ واختِلَافُ ألسِنَتِكُم’ وأَلْوَانِكُم’إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ للعالِمِينَ " ( سورة الروم آية 22 )، فاللون هو إحساس وليس له وجود خارج الجهاز العصبي للكائنات الحية، وهو التأثير الفسيولوجي الناتج على شبكية العين، سواء كان ناتجاً عن المادة الصباغية الملونة أو عن شعاع الضوء الملون. والعين على درجة كبيرة من الحساسية خاصة للون الأخضر، وتنعدم هذه الحساسية عند نهايتي الأحمر والبنفسجي، فالعين قادرة على إدراك أقل اختلاف في اللون ويمكنها أن تميز من 200 إلى 250 لون.
وإذا كنا نرى لكل شيء لوناً خاصاً فالعلم يقول إن هذه الأشياء لا لون لها، ولكنها تمتص بعض إشعاعات الطيف وتعكس البعض الآخر، فيكتسب هذا الشيء لون الإشعاع الذي يعكسه وكما يبدو على سطوح الأشياء، ونحن نقصد هنا كنه اللون "Hue" وهو الصفة التي تفرق بين لون وآخر " وتشير أسماء الألوان إلى ذلك الكنه، فنقول هذا لون أصفر، أو ذاك لون أحمر أو أزرق .... الخ
الألوان في القرآن
1ـ ورد لفظ ألوان ومشتقاته في سبع آيات فقط من القرآن الكريم وهذا العدد يطابق عدد ألوان الطيف، فقد ذكر لفظ ألوان وهو جمع كلمة (لون) في القرآن الكريم في مواضع سبعة أيضاً ولكن في ست آيات، كإشارة من المولى عز وجل إلى الأطياف اللونية السبعة المعروفة التي يتكون منها الضوء الأبيض، وكإشارة واضحة على أن الجسم الأبيض يمتص عدد " ستة" من الأشعة الملونة ويعكس شعاع ملون واحد فقط!
2ـ جاء ذكر لفظ الأبيض مرة واحدة فقط دلالة على أنه مصدر الألوان، إن البياض هو قمة الصفاء والنقاء والطهر والوضوح والقبول عند الله، والسواد هو قمة القتامة والإعتام والموت، وهما يتتابعان في آية واحدة للتعبير عن التباين الشديد بين لونين متناقضين أقصى التناقض لإبراز المعنى."....وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ...... " ( البقرة 187 )
3ـ جاء ذكر لفظ الأسود مرة واحدة، " أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ " ( فاطر 27 )
4ـ جاء ذكر اللون الأصفر بلفظ صفراء مرة واحدة، واللون الأصفر يرتبط بالجدب وقرب الهلاك والمرض فهو يأتي معبراً عن كونه نذير لفقدان الحياة والحيوية والعدم والحطام، قال تعالى" وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَّظَلُّوا مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ " ( الروم 51 )
. وعلى العكس عندما يكون شديد النصوع مشوب باللون الأبيض ( فاقع ) فأنه يعطى السرور والراحة للنفس. بقوله سبحانه وتعالى: قال تعالى " قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ بأنها " ( البقرة 69 )
5ـ جاء ذكر لفظ اللون الأخضر مرة واحدة، واللون الأخضر لوناً مختار من ألوان الجنة، يدل على النعيم وبه أحيا الأرض بعد موتها بما يعني الحياة بما فيها من معاني للاستقرار والراحة، وأتى أيضاً بما يحمل دلالة الخصوبة، ولقد اهتم القران الكريم بهذا اللون أكثر من غيره. قال تعالى" مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ " ( الرحمن 76 ) ولا شك أن المادة الخضراة التي تصدر من الكولوروفيل هي أصل من أصول الحياة على الأرض. وحديثاً أجروا تجارب لاستخدام الألوان في علاج بعض الأمراض، وذلك بجعل المريض يرتدي ثوباً من لون معين أو يجلس في غرفة حوائطها وفرشها من نفس هذا اللون، ويقوم بتركيز نظره لفترة محددة عليه في الوقت الذي يحصر فيه ذهنه ويتأمل مكان الألم الذي يعانيه، فكان مما اكتشفوه أن اللون الأخضر بالذات يحد من انتشار الجراثيم والبكتريا ويخفف الآلام ويقاوم الإنهاك والشعور بالتعب، فيشعر صاحبه بأريحية وسعادة ويشفي من الأمراض الميكروبية، وبذلك عرفوا السر في استخدام الفراعنة للون الأخضر في مقابرهم لحفظ المومياوات من البكتيريا. وصدق الله العظيم في قرآنه الكريم عندما جعل اللون الأخضر لون لباس أهل الجنة ولون فرشهم ليلفتنا إليه وإلى وجوبية التشبه بهم في ملابسنا وفرشنا في الدنيا لعلنا نذوق جزءاً من سعادتهم .
6ـ جاء ذكر اللون الأزرق مرة واحدة فقط، واللون الأزرق في القرآن الكريم جاء ليعطى دلالة عن الحزن العميق والشعور بالإشراف على الموت والكآبة الشديدة " يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا " ( طه 102 )، وهو على العكس تماماً من اللون الأزرق الفاتح والذي يعرف في ألوان الطيف باللون الأزرق النيلي، والذي يرمز إلى المحبة والرومانسية.
7ـ جاء ذكر اللون الأحمر مرة واحدة فقط باللفظ " حمر"، وهو اللون الوحيد الذي اقترن بلفظ "ألوان " وذلك في قوله عز وجل:" وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ".في حين أتى لفظ "وردة" كمرادف للون الأحمر مرة واحدة أيضاً، ليصبح المجموع مرتان. واللون الأحمر هو لون النار بما تحتويه من قوة وإثارة وسخونة شديدة.
خاتمة:
يتضح من هذا نظرة القرآن الكريم للألوان من حيث تنوعها، وأصلها، ومصدرها، ومالها من قدرة على التأثير في النفوس، وهو ما يطلق عليه عادة دراما اللون. وتوضيح ما إذا كان هناك ارتباط بين ما يظهر من ألوان نتيجة المواد التي تستعمل في التلوين وما يظهر منها نتيجة للتحليل الضوئي من حيث المصدر الرئيسي والتكوين.
ويتضح أيضا مدى أهمية اللون ـ وهو أحد أهم عناصر التشكيل ـ في حياة البشر، وكيف أن القرآن وضح تلك الأهمية، وأتت بعض آياته لإعلاء قيمة اللون والزخرفة. فلقد اهتم العلماء بدراسة الألوان، وبيان أثرها على الإنسان، وأثبتوا في ظل تجارب علمية وعملية: أن اللون له موجات تؤثر في أفكار الإنسان، كما أنها تؤثر في حركته الجسمية، وأصبح للألوان في ظل النهضة العلمية علم له أصول واتجاهات، تقوم على أسس من الدراسات المختلفة والبحوث المتنوعة . قال تعالى:"وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ " (سورة النحل آية13)
المصدر:
الألوان في القرآن " رؤية فنية ومدلول " للدكتور الأستاذ أشرف فتحي عبد العزيز. جامعة قناة السويس
نشرت فى 9 نوفمبر 2011
بواسطة princess
عدد زيارات الموقع
1,746,817
ساحة النقاش