الحمد لله نستعين به ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل الله ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا..

 

مواصفات الزوج والزوجة

 

 

في بداية كل حلقة أتناول قصة أو حكاية تذكرنا بالمودة والرحمة والسكن، ونرى كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم والإسلام حريص على قضية الحب، ويزايد علينا فيها الغرب أحياناً ومن لا يحبون الإسلام ويتهمونا بأن الإسلام ينفر من علاقات الحب الراقية الجميلة، ومن أجمل الرسائل التي وصلت إلى الموقع تعليقاً على قصة زينب، وفاطمة بنات الرسول الذين عاشوا قصص الحب النقي الطاهرالعفيف تحت مظلة الزواج والأسرة.

ونستخدم القصة لمزيد من الحب.

سنتناول قصة كنا قد ذكرناها سابقاً في حلقة جابر بن عبد الله، لنتذكر دائماً شعارنا عودة الحب إلى البيوت.

 

بينما النبي كان عائداً من غزوة ذات الرقاع ومعه الجيش، وكان سيدنا جابر بن عبد الله متأخراً عن الجيش.. وكان الصحابة قد بلغ منهم التعب والعناء ويريدون أن يصلوا إلى منازلهم طلباً للراحة بعد هذه الغزوة ..

فعندما أصبحوا على أبواب المدينة، بحث الرسول صلى الله عليه وسلم عن جابر فوجده قد تأخر عن الجيش، فعاد النبي أدراجه ووصل إلى جابر بن عبد الله ويدور الحوار الراقي الجميل جداً بينهما..

يقول النبي: كيف حالك يا جابر..

قال: بخير يارسول الله..

هل تزوجت يا جابر..

نعم يارسول الله..

هلا بكراً ياجابر

قال: لا يارسول

قال النبي:ولما ياجابر

قال:مات أبي يوم أحد وترك تسع بنات فأردت أن أتزوج أمرأة تخدمهم..

فقال له النبي: أتعلم ياجابر عندما نعود إلى المدينة فلن ندخلها

قال: لما يارسول الله..

قال النبي: حتى تعلم زوجتك بقدومك فتعد لك النمارق (المساند وتهيء له القعدة الجميلة)

فهل نرى النبي صلى الله عليه وسلم وحرصه على إسعاد الزوجة التي كانت بالتأكيد تنتظر بفارغ الصبر عودة زوجها الذي غاب عنها منذ شهر، وحتى لا يفاجئها زوجها بالدخول عليها من غير أن تستعد له..

ويريد أن يكون أول لقاء في منتهى السعادة، فنبي الأمة ومعلمها ومن يتنزل عليه القرآن قضيته إسعاد الزوجة التي تنتظر عودة زوجها الذي كان غائباً عنها لفترة شهر في الجهاد، فهل نرى أن معنىعودة الحب للبيوت شعاراً أوصى به النبي ..

فالنبي أراد أن تعلم زوجة جابر بقرب وصول زوجها حتى تتهيأ وتستقبله بأبهى وأجمل صورة وخصوصاً أنها مسؤولة عن تربية تسعة بنات .

 

أما موضوع اليوم هوعن اختيار شريك الحياة، وأوجههه إلى الشباب وبالأخص إلى الأباء والأمهات..

اختيار شريك الحياة يمر في أربعة مراحل.

المرحلة الأولى: حدد مواصفاتك

المرحلة الثانية: كيف تبحث عن هذا الشريك؟

المرحلة الثالثة:الاستخارة والاستشارة

المرحلة الرابعة: موافقة الأهل، وهذه أصعب مرحلة..

 

تحديد المواصفات:

مقدمة

كيف يكون الاختيار، وتحديد المواصفات ؟ فأنا لو أردت اختصار الموضوع سأذكر لك المواصفات الصحيحة كذا وكذا وأحدد لك كيف تختار، ولكني رأيت أنه لا بد أن يكون هناك مقدمة، ولماذا خلقنا الله.

إن الله خلق البشرية من أجل إعمار الأرض على منهجه تبارك وتعالى..

وقوله "وإذا قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة..." سورة البقرة آية 30 ، أي تعمير الأرض كما يريد الله تبارك وتعالى.

وهنا يأتي السؤال ما هي العلاقة بين هذا المنهج وأن فلان سيتزوج بفلانة..

فالجواب أننا لم ننتبه أن أول من كلف بإعمار الأرض كانت أسرة، وأول تكليف وأول عِمارة للأرض بدأت برجل وامرأة متزوجين آدم وحواء، وأول تكليف إلهي، وأول خطاب، وأول تبشير بالجنة كان لأسرة.. وأول ضمان للسعادة كان أيضاً للأسرة "..ياآدم اسكن أنت وزوجك الجنة.." سورة البقرة آية 35

فأول عمران للأرض كان عن طريق الأسرة، ثم إن الله عزّ وجل لو أراد لكان بدأ بخلق قبيلة كاملة دفعة واحدة، فهو على كل شيء قدير، ولكنه أراد أن يبدأ بالأسرة أولاً، ويعلمنا أن عمارة الأرض مرتبطة بالأسرة..

فلذلك كان أول كلام إلهي نزل على أسرة، ولذلك جاءت الآية "يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم..." سورة الحجرات آية 13

فالبداية أسرة، ثم تكاثر النسل وتعددت الأسر، وجاءت المجتمعات. فالخلق خُلق من أجل بناء الأسرة، وعمارة الأرض، والرجل والمرأة مسؤولان عن عن بناء هذه الأسرة.

 

وبين الله لنا الهدف من هذه الأسرة وبعد أن يتكاثر النسل وتتكون المجتمعات والشعوب يأتي مراد الله :إن أكرمكم عند الله أتقاكم، أن يحقق الزواج تقوى الله..

ربما هناك من كان تائهاً عنه هذا المعنى، فالزواج الهدف منه تحقيق مراد الله في تقواه..

سأعطيكم بعض الأمثلة كيف يتم اختيار شريك الحياة، فالصورة التقليدية أن يكون جيداً ومن غير تحديد للمواصفات التي يتمناها في داخله، أو من يبحث عن فتاة أنيقة وجميلة، والفتاة إذا سألتها سيأتي ردها بأنها تريد أن ترتبط بمن يكون أميناً ويحافظ عليها وأيضاً من غير تحديدها لمواصفات معينة، أو من تريده أن يكون جميل الصورة والخ.. أو من تبحث عن مثقف وطموح ومتدين ومن يتحمل المسؤولية.

فهذه نماذج لشباب لا يعرف هدفه بالتحديد.. وهناك المتدين يريدها متدينة ولكن لا بد أن تكون جميلة فهو يريد أن يغض بصره حتى الموت.

ولكن الحق يقال أن البنات دائماً أسهل في اختياراتهن من الشباب سواءً المتدين أو الغير متدين.

وهناك من يريد أن يطبق فقط قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فاظفر بذات الدين فينحصر اهتمامه فقط في المتدينة ولا يهتم بأي أمر آخر سواءً كان في نسبة الجمال أو في المستوى الاجتماعي..

فهذه كلها نماذج نراها في حياتنا. أما إذا أردنا أن نرى ماذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضوع فلنرى هذا الحديث، وأتمنى على الشباب أن يحفظوه ولا بد أن هناك الكثير ممن يعرف هذا الحديث:

تنكح المرأة لأربع، لجمالها، ومالها، وحسبها، ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك..

فيجب توضيح ماذا يقصد النبي بهذا الحديث: فالمرأة تنكح لأربعة أسباب شهيرة أو أساسية أو متداولة ومعروفة بين الناس يتم الزواج بناءً عليها..

فأنا أشعر وأنا أسمع هذا الحديث كأنني أستمع إلى نصيحة أب، فكيف وهو حديث النبي صلى الله عليه وسلم .. فهو يوجه النصحية إلينا كيف يتم الاختيار، فهناك من يأخذ بشطر الحديث فيبحث عن صاحبة المال، وآخر يبحث عن الجمال أو الحسب، ومن يبحث عن صاحبة الدين .. فالنبي يوصيك بأن تظفر بذات الدين أي لاتفرط بصاحبة الدين،

وتربت يداك أي ضع يدك في التراب وستخسر إن لم تتزوج بصاحبة الدين..

وحديث النبي صلى الله عليه وسلم موجه للاثنان الشاب والفتاة..

وهذا ليس بالحديث الوحيد للرسول صلى الله عليه وسلم الذي يوصي فيه باختيار الزوجة الصالحة، والحديث التالي:

الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة..

فهل نرى أن أجمل شيء في هذه الدنيا المرأة الصالحة..

اسمع قول الله عزّ وجل "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الإخرة حسنة" سورة البقرة آية 201

فالعلماء قالوا بأن حسنة الآخرة هي الجنة، وحسنة الدنيا لانراها للرجل إلاّ المرأة الصالحة..

وبالنسبة للمرأة الرجل الصالح..

النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه.. أو دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير..

وهذا يؤكد على أن تكون الأولوية لذات الدين..

فأنا أنصح شبابنا وبناتنا بالبحث عن صاحب أو صاحبة الدين، وهذا ليس فقط نصيحة الرسول بل أيضاً تجارب الحياة التي أثبتت أن السعادة لا تتحقق إلاّ أن يكون شريك الحياة صاحب دين..

كان هناك من سأل أحد العلماء لمن يزوج ابنته، فأشار عليه أن يزوجها لصاحب الدين، فلو أحبها أكرمها، وإن كرهها فلن يظلمها..

فمسؤولية إعمار الأرض لا تتحقق إلاّ باختيار من يساعدك على تحقيق إرادة الله على أعلى ما يكون.

 فنحن نتمنى أن يتم الاختيار المناسب، ونصيحتي للفتاة إياك أن تتزوجي ممن لا يصلي، أو من يرتكب الكبائر، أو من يشرب الخمر..

وللشاب أيضاً إياك أن تتزوج بمن لا تصلي، وهناك من العائلات من يرضون أن يزوجوا ابنتهم بغير المتدين على أمل أن يتغير في المستقبل وهذا خطأ كبير، وإذا تم هذا الزواج فكيف بالأولاد بعد ذلك الذين يرون أن أباهم يشرب الخمر، أو أن أمهم لا تصلي، ثم سيتحمل الزوج مسؤولية الأولاد في اختياره لأمهم، وكذلك المرأة في اختيارها لزوجها أمام الله ..وهذا أول سؤال يوم القيامة عن هذا الاختيار..

فهناك حدود لا يجب التنازل عنها، والدين لا بد أن يأتي في المرتبة الأولى، فلذلك لا بد أن نصحح هذا المفهوم ونغرسه في أنفسنا..

فالمشكلة أن من يسمع حديث الرسول يحرص على أن يظفر بذات الدين ولكن في نفس الوقت يريدها جميلة جداً، فهذا يؤكد أن ترتيب الأولويات جاء فيها الجمال في المرتبة الأولى..

فأنا أوجه كلمتي إلى الشباب لماذا لا تقومون بكتابة وترتيب أولوياتكم عند الإقبال على الزواج.. ويجب أن ننتبه لأمر مهم أن النبي عندما قال:فاظفر بذات الدين.. لم يقصد أن ندع الأمور الثلاثة التي ذكرت في الحديث.. فهو يقصد أن يكون الدين رقم واحد ولا يمنع أن تكون جميلة أو ذات حسب وغنى..

عمر بن الخطاب في موقف له يبين لنا أن الدين لا يتعارض مع ما ذكرناه، كان أراد أن يتزوج من السيدة أم كلثوم بنت أبو بكر الصديق فذهب إلى السيدة عائشة يستشيرها في هذا الأمر وهي أختها..

فالسيدة عائشة وافقت على ذلك وذهبت لأختها السيدة أم كلثوم تعرض عليها طلب سيدنا عمر وكان أمير المؤمنين.. فجاء رد أم كلثوم: وما أفعل بعمر ذلك رجل خشن العيش، شديد الغيرة لا يملأ رأسه إلاّ الرعية، وأنا شابة أريد من يصب عليّ الحب صباً ويكون عابداً لله..

فالسيدة عائشة حاولت أن تقنعها كي تتزوج بسيدنا عمر، ولكن أم كلثوم قالت لها:والله إن لم تتركيني لأصرخن أمام قبر رسول الله أني لا أريد عمر بن الخطاب..

فالسيدة عائشة احتارت كيف سترد على سيدنا عمر بن الخطاب برفض أختها الزواج منه، فاستعانت بسيدنا عمرو بن العاص حتى يبلغه برد السيدة أم كلثوم.

فذهب عمرو بن العاص إلى سيدنا عمر وقال له:يا أمير المؤمنين ألا تتزوج؟

فقال : نعم .. سيحدث

فقال عمرو: من

قال سيدنا عمر: أم كلثوم بنت أبي بكر

فقال عمرو:مالك وهذه الجارية مات أبوها منذ شهور ستبكي لك في الليل والنهار تنعي أباها..

فنظر إليه سيدنا عمر وقال له: أحدتثك عائشة؟

فقال: نعم

فقال:إذاً لا داعي لهذا الأمر..

فسيدنا عمر بذكائه عرف رفض أم كلثوم الزواج منه.

ثم إن السيدة أم كلثوم تزوجت طلحة بن عبيد الله، أحد الصحابة، كان غنياً وتاجراً وفي نفس الوقت من العشرة المبشرين من الجنة..

فهذا لا يعني أنك إن اخترت المتدينة فستعيش في الكأبة..

وهناك من الشباب من يتساءل هل يجب أن أختار المتدينة أو أنه يستطيع أن يتزوج بالمتحررة ثم بعد الزواج يساعدها على أن تتدين ويأخذ ثوابها..

والفتاة أيضاً نفس الشيء..

فمن يسأل هذا السؤال ليس من أولوياته أو أولوياتها الدين، وهذا تفكير الشباب المتدين أيضاً..

فالموضوع إن الإعلام وضع صورة أن المتدينة كئيبة وغير جميلة، وأنها مغلقة على نفسها، فهذا المفهوم خاطئ، ولله الحمد شهدت السنوات الأخيرة شباب وفتيات متدينين من عائلات غنية، ومراكز اجتماعية مرموقة...

فلو فرضنا أن هناك من يريد أن يرتبط بفتاة غير متدينة ولكنها على خلق وجمال، فيأتي السؤال هل هي على استعداد أم لا .. وهل هناك خطوات عملية لهذا الاستعداد بأن تكون مقبلة على التدين وتبدأ فعلاً بالتنفيذ، وهناك من تقول بأنها تحب دينها وتتأثر وتبكي إن حدثتها في أمور الدين، ولكن البكاء لا يكفي، ولا بد من البدء بالتنفيذ. فلا يكفي سرعة التأثر ولكن المهم البدء بسرعة التنفيذ.

فاسمع كلام رسولك ومن يوجه لك نصيحته كأب: اظفر بذات الدين..

واظفري بذي الدين فهو الذي سيحافظ عليك وسيكرمك إن أحبك ولن يظلمك إن لم يحبك..

ونماذج الظلم للمرأة قد كثرت في مجتمعاتنا في هذه الأيام.. ولذلك 

فتحديد المواصفات مهمة جداً والتدين يجب أن يكون من الأولويات،

ورفض الارتباط بمن لا يصلي أو من يرتكب الكبائر أو من يشرب الخمر.

 

هذا كله كان في تحديد المواصفات، وهناك أمر آخر في هذا الموضوع وهو:

التكافؤ الاجتماعي

هناك مشكلتان، مشكلة المتدينين، ومشكلة الناس الآخرين.

مشكلة المتدين أن يكتفي بأن تكون من سيتزوجها صاحبة الدين ولا يهمه الفرق في المستوى الاجتماعي أو المادي أو العائلي..

النوع الثاني الاهتمام أولاً بالمستوى المادي والاجتماعي، أما بالنسبة للتكافؤ الديني فهذه حرية شخصية،

فالنموذجان غير صحيحين، فالتكافؤ يشمل أربعة أمور، تكافؤ ديني، واجتماعي، وثقافي، ومادي..

ولا بد أن يحدث التكافؤ الاجتماعي والثقافي، وهاتان نقطتان مهمتان جداً، ثم إن الإسلام يحرص على هذين العنصرين وأكده كثير من العلماء، وعندنا حادثة شهيرة في هذا الموضوع..

السيدة زينب بنت جحش إحدى زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، كانت قد تزوجت من زيد بن حارثة وكان عبداً وأعتق.. وهي كانت من أشراف قريش، فهي كانت تشعر بهذا الاختلاف.

ورغم أن كلا منهما كانا من الصحابة، وزيد بن حارثة مات شهيداً.. ثم إنها بعد ذلك تطلقت من زيد وأصبحت زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم ولو كان هناك فيها عيباً لم يكن النبي ليتزوجها.. ولكنها لم تستطع أن تستمر في هذا الزواج وذلك للفرق الاجتماعي بينها وبين زيد..

وهكذا نرى بأنه لا بد أن نأخذ بعين الاعتبار مسألة التكافؤ الاجتماعي.

 

سيدنا عمر بن الخطاب له كلمة جميلة جداً يقول: لا أرى لذوات الأحساب من النساء إلاّ الأكفاء..

وإذا كان خصّ سيدنا عمر النساء بكلمته هذه لأنه من الصعب على المرأة أن تتزوج من كان دونها في المستوى الاجتماعي..

فنحن لا نقول أن المستوى الاجتماعي يجب أن يكون متساوياً فهذه مغالاة، ولكن أن يكون متقارباً، أو أن يكون الفرق ليس كبيراًحتى لو كان هناك فرق بسيط تقدر بقدرها في توفر الأمور الأخرى.. ولكن أن يكون الفرق متفاوتاً جداً فالإسلام لا ينصح بهذا الزواج وهذا رأي جمهور من العلماء.

حتى إن سيدنا عمر بن عبد الله يقول أيضاً في هذا الموضوع: يتزوج الأعراب من بعضهم البعض ويتزوج الإماء من بعضهم البعض حتى يتزوج الحي من الحي والقبيلة من القبيلة. فهو يقصد التساوي في مستوى القبائل فالمستوى الاجتماعي والثقافي من الإسلام.

أما المستوى المادي فلا يؤخذ بعين الاعتبار إن توفر التكافؤ الاجتماعي والثقافي.

وكذلك لا بد من التكافؤ الديني، فإن كان هناك متدينة وقضيتها خدمة الإسلام لن ينفع زواجها ممن هو بعيد عن الدين ومن لا يصلي أو يعيش حياته على الهامش وقضية الدين بعيدة عن ذهنه. ويأتي الأهل ويجبرونها على إتمام هذا الزواج الذي لا بد أن تعصف به المشاكل أو يتعرض للفشل.

النقطة الثالثة الفرق في العمر:

بدأت هذه الظاهرة تنتشر كثيراً، ونظرة الإسلام في هذا الأمر،  ونحن لا بد أن يكون مرجعنا الأساسي في ذلك إسلامنا وديننا، فإذا أخذنا حالة أن تكون المرأة أكبر من الرجل فنحن لدينا حالة في الإسلام السيدة خديجة وقد تزوجت بالنبي وكانت تكبره بخمسة عشر عاماً، ولكن هذه الحالة مرتبطة بمستوى نضج النبي صلى الله عليه وسلم ولأي درجة وصل.

فعلماء النفس يؤكدون أن نمو المرأة فسيولوجيا وذهنياً حتى سن الثانية والعشرين أعلى من نمو الرجل في نفس هذه المرحلة من العمر. والثابت أن المرأة تسبق الرجل في النضوج في هذا العمر وهكذا لا يصلح زواج الرجل ممن هي أكبر منه.

من الممكن أن ينجح هذا الزواج ولكن بشرطين، أن تكون المرأة من النضج والعقل، وأن تستوعب هذا الأمر، ولا يتملكها إحساس بأنها تكبر زوجها فيؤدي ذلك إلى شعورها بأنها من تقود، وأن يكون الرجل ناضجاً بحيث يستطيع أن يأخذ دوره في تحمل مسؤولية أسرته وأن لايشعر بأنه صغير في مقامه في التعامل معها، فإن تحقق هذان الشرطان فسينجح هذا الزواج.

وهكذا نرى كيف تزوج النبي بالسيدة خديجة ويكاد يكون استثناء لا يقلد بهذه الصورة وذلك لصعوبة وجود النضوج الفكري والعقلي إلاّ في حالة النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم إذا حدث العكس أن تتزوج المرأة ممن يكبرها بثلاثة عشر سنة أو أكثر وعلماء النفس يرون أن السن الأمثل للزواج أن يكون الفرق في السن لا يتجاوز من ثلاث إلى ثمان سنوات أو حتى عشر سنوات، لكن إن كان الفرق بين عشرين إلى خمسة وعشرين سنة فسيكون عبارة عن جيلين مختلفين.

وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم عندما تقدم أبو بكر الصديق للزواج من ابنته السيدة فاطمة ، وسيدنا عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان رفض النبي هذا الزواج وذلك للفارق الكبير في العمر، وزوجها لسيدنا علي بن أبي طالب الذي كان يكبرها فقط بخمس سنوات.

ولكن ما يلاحظ الآن في أيامنا، وقد رأيت هذه النماذج، فهناك فتيات قبلن أن يتزوجن ممن في نفس عمر والدها، وإني أرجح السبب في لجوء الفتيات إلى هذا الزواج لأن نسبة الشباب الذين يقبلون على الارتباط قد خفت كثيراً لأنهم لا يريدون أن يتحملوا هذه المسؤولية رغم قدرتهم على الزواج، فالشباب الآن يريدون أن يتزوجوا فقط ولكن ما يتطلبه هذا الزواج من مسؤوليات وعبء يريدون أن يلقوه على عاتق زوجاتهم، حتى الاهتمام بالأولاد أصبحت مسألة جانبية، وتكون المرأة هي المرأة والرجل في نفس الوقت وتتحمل كل المسؤوليات، لذلك لجأت الفتيات إلى الزواج بمن هم تقريباً في أعمار أبائهن من أجل أن يكون الرجل ناضجاً وتكون له القدرة على تحمل المسؤوليات..

فهذا واقع لنسبة من الشباب ولا نعممها، فهناك الكثير من الشباب من يريد أن ينجح ويخدم بلده، والشباب المتدين المسؤول وهي نسبة غير قليلة..

فأنا أوجه كلمتي إلى بناتنا، إياك والزواج ممن يكبرك كثيراً، فالدنيا تتطورولا بد أن يكون هناك اختلاف في التفكير والعقلية ستكون مختلفة.

 

هذا كان في تحديد المواصفات، وأؤكد عليكم البحث عن صاحب الدين أو صاحبة الدين..

ولكن يبقى شبهة، هناك من يقول أنه بحث عن صاحبة الدين ولكن حدثت المشاكل الكثيرة التي لا تطاق، فلا بد أن ننتبه لأمر هام فنحن لا نقصد التدين أن يكون فقط في المظاهر وإنما نتكلم عن التدين الحقيقي الذي ينعكس على الأخلاق والسلوكيات..

ولذلك سيدنا عمر بن الخطاب عندما جاءه رجل فسأله عن شخص إن كان يعرفه فأكد له أنه على معرفة جيدة به ومدحه، ولكن عندما سأله إن كان قد تعامل معه مادياً، أو إن كان سافر معه، فأجاب الرجل بالنفي.

فقال سيدنا عمر: لعلك رأيته في المسجد يرفع رأسه ويتمتم بالقرآن هكذا ويفعل من الصالحات هكذا.. أنت لا تعرفه..

فالبحث عن الأخلاق والسلوكيات والمتدين أو المتدينة الحقيقية، فاظفر بها أو اظفري بمن يساعدك على دخول الجنة وإرضاء الله فهذا يأتي في الترتيب رقم واحد، ولا يعني هذا إلغاء التكافؤ الاجتماعي والثقافي وأن تبحث عن الحب،  وأن تحوذ على إعجابك ومسألة الجمال لانقلل من دورها فالنبي حديثه واضح ولكن ما قصدناه هو المبالغة في الشروط التي تجعلك مذبذباً في كل شيء، ولكن لا بد بالبحث عن المتدين المناسب أو المتدينة المناسبة.

 وكما قال النبي صلى عليه وسلم: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، والنبي فصل بين الدين والخلق رغم أن الخلق جزء من الدين ولكن في مسألة الزواج ذكرهما الواحد تلو الآخر ليبن لنا أمراً مهماً وهو أن لا تكتفي بالمتدين بل أيضاً لا بد أن يكون أيضاً حسن الخلق .

فالموضوع كبير ويحتاج إلى تفاصيل ولكن أردنا أن نوجه الشباب ونساعدهم في مسألة ترتيب الأولويات. وأن تضع أمامك أن أغلى شيء أن تظفر بذات الدين، وابحث بعد ذلك عن الشكل المقبول وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم:إذا نظر إليها سرته..

ونلخص كل ذلك في ثلاث نقاط أولا: الدين، ثم الشكل المقبول، والتكافؤ الاجتماعي والفكري..

وهكذا تحقق الهدف من وجودك ويكون السبب في دخولك الجنة وإرضاء الله تبارك وتعالى..

فإذا توفرت هذه الأمور لابد أن تكون النتيجة النجاح والاستقرار..

أتمنى أن أكون ساعدتكم في تحديد المواصفات..

 

البحث عن شريك الحياة

سنجد المشكلة الكبيرة عندما ندخل لأرض الواقع، البنات في سن ال 30 أو ال 35 كيف ستجد هذه المواصفات التي تحدثنا عنها فمن الصعب أن تجد شريك الحياة، فالفتاة جميلة وعلى خُلق ولكن لم تتزوج  وهذا يعود لثلاث أمور: إما تعقيدات مادية، أو شباب غير متحمل للمسؤولية أو أن الفرص أصبحت ضعيفة جداً، فالذي يحدث أن الفتاة بعد تخرجها تدخل في ميدان العمل، فهي رفضت بناء علاقات قبل الزواج، وفي مجال العمل فهو عبارة عن مجتمع صغير لا يتعدى العشرين أو الخمس وعشرين  شخصاً وإذا كانت كل فتاة تعمل وتريد أن تتزوج فالاختيار أصبح مجاله محدوداً ، وفي الأخير الفتاة تريد أن تتزوج وخاصة من يصلون إلى هذه المرحلة من العمر .. ولا أريد أن يفهم من كلامي بأنني أعيب على من تسعى أن تتزوج عن طريق مجال عملها أو حتى عن طريق الانترنت فهي في الآخر تبحث عن الحلال  وهذه هي الوسائل الوحيدة المتاحة أمامها.. ولكن ماقصدته ما هو الحل الأفضل الذي يعينها على أن تحسن الاختيار..

فما الذي حدث في أيامنا هذه حتى تواجه الفتاة كل هذه الصعوبات في إيجاد الشريك المناسب؟ وتضطر الفتاة على أن تتعرف على الشاب في الجامعة وتستمر هذه العلاقة قبل الزواج على أمل أن تتزوج، ولكن لا ننسى الحلقة السابقة وكيف أن أكثر هذه العلاقات ونسبتها تصل إلى 99% قبل الزواج لا تستمر أو تتوج بالزواج..

 

فما هو البديل؟

 

فلنرجع خطوة إلى الوراء وإلى الجيل السابق، فأمهاتنا كيف كان يتم زواجهن، والفرص كانت أصعب من اليوم، فلم يكن هناك جامعة ولا مجالات عمل. فالجواب كان هناك أمراً لم يعد موجوداً هذه الأيام..

كان هناك شبكة علاقات عائلية، كانت العائلة متماسكة وليس مثل ما يحدث في أيامنا هذه، هل نرى كيف عدنا للأسرة وهي الهدف من هذه الحلقات، كانت علاقات الناس وارتباطها ببعضها قوياً، والأقارب، والجيران وعلاقاتهم ببعضهم البعض، كل ذلك كان يجعل الفرص أكبر أمام الشباب والبنات للزواج.

فما هو البديل الإسلامي عن علاقات قبل الزواج أو ما نسميه بالصحوبية فالبديل هو العلاقات القوية المترابطة للأسرة ببعضها البعض وحولها شبكة علاقات قوية، الأقارب والجيران وسكان المنطقة الواحدة كلهم على علاقات ببعضهم البعض.

كل هذا كان يسهل أمور الزواج، فالشاب كان مجال الاختيار أمامه واسع جداً،أما الآن فنحن نفتقد كل هذه العلاقات، والواحد منا لا يعرف حتى ما اسم جاره، وضاعت حتى علاقات الأقارب، فالكثير من الأبناء لا يلتقون بأبناء خالاتهم أو أبناء عماتهم وهكذا..

 

شبكة العائلة والتي كان النبي يحرص عليها ويجمع العائلة ثم يقول لهم: إجلسوا حتى أدعو لكم..

فالنبي صلى الله عليه وسلم في حديث له:مازال جبريل يوصيني بالجار ..

كانت علاقة الجار بجاره قوية ومترابطة، وحتى بالنسبة للأصدقاء كان الأب والأم يحرصون على هذه العلاقات وتبادل الزيارات مع أبناءهم وبناتهم في جو أسري نقي ومؤدب، ويتم التعارف وتكون فرص الزواج أكبر وأسهل لأبنائهم..

حتى المسجد كان له دوراً في هذه الارتباطات الأسرية والتعارف فالرجال والنساء كانوا يذهبون للصلاة في المسجد وهكذا تبدأ شبكة علاقات أخرى بين الناس ويتبادلون الزيارات ويسهل ذلك الفرص أمام الشباب والفتيات للزواج.. 

ولكن للأسف كل هذا لم يعد موجوداً، وقلدنا المجتمع الغربي القائم على الانعزالية والفردية، واضطرت الفتاة أو الشاب للجوء إلى المصاحبة لتجد فرصتها أو يجد فرصته لكي يتزوج..  

أما الآن فالوضع مختلف، فالأب عندما لم يقم بدوره ويجمع العائلة وهذه مسؤوليته بعزل عائلته عن من حواليه، والبديل أصبح الزواج عن طريق الانترنت وترسل البنت بياناتها بعد أن كان الأب له دوراً هاماً في اختيار من يناسبها.

فالإسلام أكرم المرأة وأعزها وخاصة في موضوع زواجها ..

فيجب إعادة شبكة علاقات العائلات ببعضها البعض وأوجه كلامي أيضاً لمن يعيشون في الغرب فهم ايضاً مطالبين بتقوية شبكة العائلة، وأن يزوروا بلادهم مرات عديدة حتى يتم التعارف بأقاربهم وجيرانهم، ثم أين دور الأخ الذي يحسن اختيار أصدقاءه وتكون هناك فرصة لأخته أن تتزوج بمن يناسبها.  

في النهاية ليس عندي حلول مسكنة ولكن الحل إعادة علاقاتات العائلات القوية المتماسكة، وأوجه كلامي إلى الأباء والأمهات ..

اهتموا بفتياتكم حتى لا تعرض البنت نفسها لمن يتزوجها..

اهتموا بما يحرصعليه ديننا بالمحافظة على العلاقات الأسرية وعلاقات الجار بالجار وعلاقة الأقارب

كلمتي الأخيرة أوجهها إلى الآباء، أتمنى أن لا تعيشوا في عزلة، وأن تعود هذه العلاقات كما كان عليه آبائنا وأجدادنا. وهذا هو الأمل حتى تتزوج فتياتنا وشبابنا زيجات يعود فيها الحب إلى البيوت.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

 

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 787 مشاهدة
نشرت فى 24 مايو 2011 بواسطة princess

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,740,127