لم يكن من السهل على شاب قليل الخبرة وقليل المعرفة بمصر وطبيعتها أن يصل إلى ما وصل إليه محمد علي، مهما كانت قدرته أو ذكاؤه إلا إذا كان يستند إلى قوة تخطِّط له وتعينه على تحقيق أهدافه، وتسخره في نفس الوقت لتحقيق أهدافها، وبخاصة أنه كما ذكر عن نفسه (لا يصلح للولاية وليس من الوزراء ولا من الأمراء ولا من أكابر الدولة). وهذه الصفات حقيقية له مهما كان غرضه من قولها، ولهذا نجد أنفسنا أمام العديد من التساؤلات..



لماذا ثارت الفرقة الألبانية بالذات التي يحتل فيها هو الرجل الثاني دون بقية الفرق العثمانية، وأبعدت "خسرو باشا" عن الولاية تحت دعوى تأخر رواتبهم؟ ولماذا اندفع العلماء لتعيين قائد القوة الألبانية الثائرة طاهر باشا "قائمقامًا" ينوب عن الوالي المطرود ثم يُقتل بعد عشرين يومًا؟ ولماذا يطرد الوالي الجديد أحمد باشا بعد توليه بيوم واحد فقط؟ ولماذا يساعد محمد علي خورشيد باشا في تولي الولاية ثم ينقلب عليه؟ وكيف استطاع محمد علي أن يفي برواتب الجند وبخاصة بعد استيلاء المماليك في الصعيد على مخصصات الأهالي هناك؟ ولماذا..؟ ولماذا..؟ جوانب كثيرة يكتنفها الغموض!!!



وتشير كثير من الأدلة إلى أن هذه القوة -التي لم تكن ظاهرة- هي الحركة الماسونية التي انبعثت في مصر سنة 1798م على يد رجال الحملة الفرنسية حيث مهد لها نابليون، ثم أسس خلفه كليبر ومعه مجموعة من ضباط الجيش الفرنسيين الماسونيين محفلاً في القاهرة سمِّي محفل إيزيسي، وأوجدوا له طريقة خاصة به هي الطريقة الممفيسية أو الطريقة الشرقية القديمة. وقد تمكن هذا المحفل من أن يضم إليه بعض الأعضاء من المصريين وإنْ كانوا قلة، ثم انحلَّ هذا المحفل رسميًّا في أعقاب اغتيال كليبر سنة 1800م، وظل أعضاؤه يعملون في الخفاء وبسريَّة.



ويشير المنشور الأول الذي وزَّعه نابليون على المصريين إلى أنه قد سعى لنشر هذه الأفكار منذ بداية وصول الحملة، فيذكر فيه (قولوا لهم -أي المصريين- أن جميع الناس متساوون عند الله، وأن الشيء الذي يفرقهم عن بعضهم هو العقل والفضائل والعلوم فقط). ويبدو تزعم الحملة الفرنسية للفكر الماسوني واضحًا منذ بدايتهم، ولقد حاولوا فرض العادات الخبيثة التي استهجنها المسلمون في مصر كالبغاء والسفور وتشجيع النساء من الحرافيش ونساء الهوى على ارتكاب المحرمات بشكل علني واضح، حيث يعدُّ هذا الأمر من بين أساليب انتشار الماسونية.



وتوحي بعض الدلائل على أنهم -أي الفرنسيين- قد نجحوا في ضم المصريين من المشايخ والعلماء -من بينهم الشيخ حسن العطار- إلى المحفل الماسوني الذي أسسه كليبر سنة 1800م، فبعد أن هرب الشيخ حسن العطار إلى الصعيد في أعقاب قدوم الحملة كغيره من العلماء ثم عاد إلى القاهرة على إثر دعوة الفرنسيين للعلماء، اتصل على الفور برجال الحملة ونقل عنهم علومهم، وفي نفس الوقت تولى تعليمهم اللغة العربية. وقد اندمج إلى حد كبير في علومهم، وكثيرًا ما تغزل في أشعاره بأصدقائه منهم. ولقد دعت هذه الأمور أن يوصف العطار بأنه من دعاة التجديد. وقد توثقت صلة الشيخ العطار بمحمد علي بعد توليه الولاية، وأصبح من الركائز التي يعتمد عليها محمد علي في خطواته التجديدية في مصر، وهو أمر يشير إلى وجود صلة بين محمد علي والمحفل الماسوني المصري الذي تأسَّس إبان الحملة الفرنسية.



كما أن تطور الأحداث يشير إلى تشبُّع محمد علي بالأفكار الماسونية التي كان مهيَّأ لها بحكم تكوينه الطبيعي، فيُنقل عنه قوله وهو يفاوض الفرنسيين على مسألة احتلال الجزائر: (ثقوا أن قراري... لا ينبع من عاطفة دينية، فأنتم تعرفونني وتعلمون أنني متحرِّر من هذه الاعتبارات التي يتقيد بها قومي... قد تقولون إن مواطني حمير وثيران وهذه حقيقة أعلمها).



وقد شهد عصر محمد علي تأسيس أكثر من محفل ماسوني في مصر، فقد أنشأ الماسون الإيطاليون محفلاً بالإسكندرية سنة 1830م، على الطريقة الإسكتلنديَّة وغيرها كثير

المصدر: كتاب (الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط) للدكتور علي الصلابي

  • Currently 68/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
19 تصويتات / 663 مشاهدة
نشرت فى 16 يوليو 2011 بواسطة peaceland

ساحة النقاش

peaceland

وصلتني الرسالة وبارك الله فيكم ونحن في انتظار استقرار الوضع السياسي والامني وان شاء الله يكون لنا جميعا دورا في خدمة وطننا الحبيب - حفظ الله مصر تحياتي

sameh farouk maklad فى 24 يوليو 2011
peaceland

ان شاء الله تتحسن ظروف البلاد وسوف اخبركم قبل الموعد باذن الله تحياتي لكم

sameh farouk maklad فى 21 يوليو 2011

sameh farouk

peaceland
Civil.eng.Sameh.farouk -,Irrigation and Environmental Affairs- - -Environmental Affairs Consultant-international.NGO Diploma in Economics of, ,irrigation systems and water projects ,-General mannager of Egyptian engineers Syndicate »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

47,783