نسمات مديحة حسن

شعر / خواطر / قصة قصيرة / وطنيات

العبودية لغة : الإسترقاق ، وهو خلاف الحرية والإستقلال ، ويعني وقوع الشخص تحت قهر داخلي أو خارجي . والعبودية اصطلاحاً : هي نظام يقضي بتملك الإنسان لأخيه الإنسان ، بما يتبع ذلك من تحكم في حياته ، وفي آراءه ، وحريته ، وتصرفاته ، وقابليته للبيع والشراء ، والعمل لحساب مالكه ، سواء في الزراعة ، أو التشييد والبناء ، أو الأعمال المنزلية ، أو للأغراض العسكرية أو السياسية أو الإقتصادية .
وتاريخياً رافق نظام العبودية الإنسانية لفترات طويلة من عمرها . ولم يتغير مفهوم العبودية ـ كما ورثته الحضارات والأمم عن بعضها البعض ـ إلا بقدوم الإسلام الذي حرر الإنسان من كافة صور العبودية ، عبودية البشر للبشر، وقدم مفهوماً خاصاً لها ، وهو العبودية لله وحده .
ولم تنتبه الأمم والشعوب غير الإسلامية إلي أهمية التخلص من هذا النظام إلا في أواخر القرن الثامن عشر ، ومطلع القرن التاسع عشر ـ أي من مائتي سنة فقط ـ فكانت دولة الدنمارك من أولي الدول التي ألغت تجارة العبيد ، تلتها في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية ، والمملكة المتحدة ، حتي عقد مؤتمر فيينا ، وانتهي إلي عقد معاهدة بوقف هذه التجارة .
والعبودية لم تنته بهذه الإتفاقية ، وإن كانت قد انتهت في صورتها التقليدية ، وهي امتلاك الإنسان لأخيه الإنسان . لأن للعبودية أبعاداً أخري . يقول البروفسور كاتاسونوف : ” العبودية هي فعلاً ، مفهوم متعدد الأبعاد ” . فهناك البعد الإجتماعي / الإقتصادي ، وهناك البعد الروحي / الفكري . وهي عبودية يجري فرضها علي الإنسان ، من حيث يدري أومن حيث لا يدري ، من خلال الهيمنة الإعلامية ، والتأثير الدعائي النفسي . وقد صدر منذ سنوات كتاب مترجم إلي العربية ، وصادر ضمن سلسلة عالم المعرفة ، معنون بـ : ” المتلاعبون بالعقول ” ، وكتاب آخر في نفس السلسلة ، معنون بـ : ” قصف العقول ” ، وكلاهما يوضح كيفية تلاعب الشركات والكيانات الإقتصادية الضخمة في هذه المساحة ، إلي الحد الذي ذهب فيه البروفسور كاتاسونف إلي القول بـ : ” أن الرأسمالية والعبودية وجهان لعملة واحدة .
وقد ذهب الفيلسوف الفرنسي رجاء جارودي إلي القول أن : ” السياسة الكبري هي كيفية إعداد شعب إعداداً جيداً للعبودية من اليمين أو من اليسار ، عن طريق الشاشة الصغيرة وهو يبتسم في سعادة وغفلة ! وإذا كان من السهل حكم الشعب الجاهل فما أسهل ذلك عن طريق التلفزيون ” .
ومن هنا يمكن القول أن العبودية الجديدة قد جاءت عبر التلفزيون من خلال برامجه الإخبارية أو الحوارية أو الوثائقية أو الترفيهية . ومن خلال الأفلام المنتقاة للعرض عبر الشاشة الصغيرة ، أو الأعمال الدرامية ، أو مسرح التلفزيون . الهدف الرئيس هو جعلك تلتصق بالشاشة طوال الوقت ، أو معظم الوقت ، بحيث يصبح ذلك أولي أولوياتك في الحياة ، فتتخلق الهيمنة علي الإدراك والوجدان ، من خلال الصور والظلال والألوان والموسيقي والصوت وسرعة الحركة وخلق التوقعات ، ولا يبقي أمامهم سوي مرحلة النزوع ، التي تأخذ بالإنسان إلي القول أو الفعل أو كلاهما .
وحين يصل من وراء الشاشات إلي هذه النقطة مع من هم أمام الشاشات ، يكونوا قد وصلوا إلي بُعد من العبودية في غاية العمق ، يمكنهم من خلاله الإنتقال بجمهور المشاهدين من اليمين إلي اليسار أو العكس ، أو الإرتفاع بهم إلي أعلي ، أو الهبوط بهم إلي أسفل . وذلك من خلال إعلام مخطط ومدروس ، وله أهدافه ومراميه ، وراءه خبراء في كل مجال .
فإذا عرجنا إلي إعلامنا العربي من خلال هذه الإطلالة ، فحدث ولا حرج ، عن مدي ما يعانيه الإعلام العربي من علل وآفات وعشوائية ، جعلته ، وجعلتنا معه ، نقع ـ لا شعوريا ـ في براثن العبودية الجديدة .

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 43 مشاهدة
نشرت فى 22 يوليو 2018 بواسطة nsmat

مديحة حسن كاتب وشاعر

nsmat
شعر / خواطر / وطنيات / قصة قصيرة / اخري »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

188,594