نسمات مديحة حسن

شعر / خواطر / قصة قصيرة / وطنيات

authentication required

زمان ــ يا سادة يا كرام ــ كانت النصيحة تشترى بالنفيس من المال , لذلك اشتهر بين العرب المثل : ( النصيحة بجمل) , فيشترونها ويعتقدون ان تجارتهم رابحة , اما هذه الايام فهي تجارة كاسدة , ولا تجد من يأخذها ولو بأرنب , لكنني وعلى طريقة : الكيّس من اتعظ بغيره سأقدم لكم نصيحتي بالمجان , لا اريد منكم جزاء ولا شكورا , وهي نصيحة نابعة من تجربة مريرة خضت غمارها , وانتم احرار في النهاية : تأخذونها أم تضربون بها عرض الحائط , ذنبكم على جنبكم , والمثل يقول : ما احد يتعلم من كيس غيره . 
اما النصيحة ــ يا دم سعد بني ابيكم ــ فتعرفون اننا مازلنا في فصل الشتاء , ومازال الجو باردا , رغم ما يظهر احيانا من دفء , فلا تغرنّكم الايام الخداعات , فتتخففوا من البستكم الثقيلة وتجلسوا على مقاعد وثيرة , تشاهدون التلفاز , وخاصة نشرات الاخبار , فتسهى عيونكم , فيحدث لكم ما حدث لمحدثكم ذات مساء , ماذا حدث ؟ سأقول لكم وامري الى الله , بعد ان تصلوا على سيدي رسول الله: 
قبل ايام جلست ذات مساء على مقعد مريح في الصالة , على نغمات موسيقى هادئة , صادرة عن صوبة (مدفأة ) الكاز الفوجكا امام الشاشة , استمع الى خطاب دولة رئيس وزرائنا الاكرم , والذي يبشر فيه المواطنين بقرب خروجهم من عنق الزجاجة في منتصف العام 2019 . سرح فكري في قصة كنت قراتها في كتاب الف ليلة وليلة بعنوان (الصياد والزجاجة ) , تقول الحكاية ان صيادا فقيرا عاثرا معترا اعتاد التبكير الى شاطئ البحر , فيلقي شباكه ويعود في نهاية اليوم ما قسم الله له , فيبيعه ويشتري لعياله الخبز والطعام ومستلزمات البيت , حامدا الله وشاكرا لأنعمه , رغم كفاف العيش وضنك الحياة وضيق ذات اليد . وفي يوم من الايام القى الرجل شبكته فخرجت فارغة , القاها مرة اخرى فخرجت له زجاجة (قنّينة) قديمة محكمة الاغلاق , ومختومة بختم نبي الله سليمان عليه السلام , فرح الرجل كثيرا حيث ظن ان فيها من كنوز وجواهر نبي الله سليمان عليه السلام . حمل الرجل الزجاجة بيده وصاح : افرحي يا ام العيال وداعا للفقر , وسرح فكره سأفض الخاتم , وافتح الزجاجة واخرج الجواهر , وسأنطلق للسوق فابيع احداها , واملا السلة باللحم والخضار والفاكهة والحلوى , وبعض الملابس الجديدة وللأولاد وامهم , وافرحي يا ام العيال , وابتسم وهو يقدم الفستان الحريري المطرز لزوجه التي عانت معه ما عانت من شظف العيش وخشونته , وتخيلها وهي تلبسه فتبدو اجمل النساء . ثم اكمل : وغدا سأكتري اشهر البنائين والنقاشين والعمال ليبنوا لي قصرا اكبر واجمل من قصر السلطان , وعلى تلة مقابلة له , وافرحي يا ام العيال . وسأحضر افخر الاثاث والخدم والحشم , واملؤه بما لذ وطاب من الطعام , واعمل كل يوم وليمة , ادعو اليها علية القوم , فيعلموا انهم ليسوا اكرم مني , وافرحي يا ام العيال . ثم اخذ يعالج الزجاجة حتى فتحها , فاذا دخان كثيف يخرج من عنقها , وضحكات خشنة تشبه الرعد , اخذ يتكاثف فاذا هو مارد يطاول عنان السماء . ارتعب الرجل وارتعدت فرائصه وقال : بسم الله ! من انت يا سيدي ؟ قال بصوته الاجش القوي : انا ملك ملوك الجان الازرق , حبسني ملككم سليمان في هذه الزجاجة لأني اختلست من اموال الدولة , فأقسمت من يومها ان اثار من ذريته ولو بعد حين , واول واحد القاه سأقتله شر قتله , فهيء نفسك فانت مقتول لا محالة . قال الصياد وهو يرتجف : يا سيدي انا انسان مسكين ولي عيال ينتظرون عودتي لأشبع بطونهم , قال المارد : لقد اقسمت ولا بد من تنفيذ القسم , احس الصياد ان لا مجال امامه الا استخدام الحيلة مع هذا المارد المتعجرف اللص فقال : لي عندك يا سيدي طلب وبعدها اقتلني , قال المارد : الا العفو , اطلب . قال الصياد : انا لا اصدق ان هذا الحجم كله كان في هذه الزجاجة . الظاهر انك خرجت من الارض قال المارد : بل من الزجاجة . قال الصياد : ليتك يا سيدي تريني كيف وسعت الزجاجة كل هذا الحجم المهول , وبعدها نفذ حكمك . قال المارد : نحن الجان منحنا الله خاصية التشكل كما نشاء أتحب ان ترى ؟ قال الصياد : يا ليت يا سيدي , فما كان من المارد الا ان تحول الى دخان , وبدا يدخل في الزجاجة , فلما اكتمل دخوله اغلق الصياد الزجاجة بإحكام , ثم قال له : اقتلني شر قتلة ان انا اطلقت سراحك , ثم القى بالزجاجة في عرض البحر . 
وكأنني سهوت ! فرأيت فيما يراه النائم وكأن منتصف عام 2019 قد حل , وان دولته قد جمع الناس ليزف لهم بشرى الخروج من عنق الزجاجة , وانه سيلبي كل مطالب الشعب , فليطلب كلٌ ما يشاء . قام احدهم فقال : يا دولة الرئيس اتمنى ان تنثر الحب على رؤوس الجبال كما فعل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه , حتى يشبع الطير ويسمن , فانا احب الصيد السمين وقد نسيت طعمه , قال دولته : لقد اوتيت سؤلك يا هذا , ثم وامر وزير الزراعة ان ينفذ الامر . وامر للرجل ببندقية صيد بعتادها . قال اخر : اما انا فأتمنى على دولتكم منحي سيارة سوداء كسيارات الوزراء والنواب , وان يكون وقودها على نفقة الدولة , فانا لا اقدر على ملء خزانها , واعلم ان وقودها في الشهر بعيشتي سنة . قال دولته : وانت ايضا لقد اوتيت سؤلك , ثم امر وزير التجارة والصناعة تنفيذ الامر بمساعدة وزير الطاقة . قال ثالث : اما انا فأريد ان اتزوج ابنة احد الاثرياء ولا اقدر على طلبات اهلها من مهر وشبكة وثياب واثاث . قال دولته : ابشر انت وكل الشباب امثالك , سيكون زواجكم وفرحكم على نفقة الدولة . ثم امر وزير التنمية الاجتماعية تنفيذ الامر بمساعدة وزير الاوقاف . قال رابع : اريد يا دولة الرئيس بيتا يشبه بيت احد مدراء الهيئات الحكومية المستقلة . قال : ولك ذلك ايضا . ولا ادري كيف تسللت فكرة الى راسي , واي شيطان خبيث اوحى لي بها , فوقفت وقلت : سيدي ارجو ان يسعني حلمك , اما انا فطلبي مختلف قليلا , قال : اطلب يا هذا ولا تخف , فالكل اليوم طلبه مجاب , قلت : يا سيدي لنا خمسون سنة ونحن في عنق الزجاجة . اتمنى على دولتكم ان لا تبخلوا علينا ان نراكم تدخلونها ولو يوما واحدا . وكأنني سمعت نفس صوت المارد , برق ورعد وهرج ومرج وجلبة وتدافع , والكل اطلق ساقيه للريح , لأفيق مذعورا ادافع الأخبثين , ولولا قرب الحمام ــ اكرمكم الله ــ وجاهزيته لحصل ما لا تحمد عقباه . طبتم وطابت اوقاتكم .
اما النصيحة ــ يا دم سعد بني ابيكم ــ فتعرفون اننا مازلنا في فصل الشتاء , ومازال الجو باردا , رغم ما يظهر احيانا من دفء , فلا تغرنّكم الايام الخداعات , فتتخففوا من البستكم الثقيلة وتجلسوا على مقاعد وثيرة , تشاهدون التلفاز , وخاصة نشرات الاخبار , فتسهى عيونكم , فيحدث لكم ما حدث لمحدثكم ذات مساء , ماذا حدث ؟ سأقول لكم وامري الى الله , بعد ان تصلوا على سيدي رسول الله: 
قبل ايام جلست ذات مساء على مقعد مريح في الصالة , على نغمات موسيقى هادئة , صادرة عن صوبة (مدفأة ) الكاز الفوجكا امام الشاشة , استمع الى خطاب دولة رئيس وزرائنا الاكرم , والذي يبشر فيه المواطنين بقرب خروجهم من عنق الزجاجة في منتصف العام 2019 . سرح فكري في قصة كنت قراتها في كتاب الف ليلة وليلة بعنوان (الصياد والزجاجة ) , تقول الحكاية ان صيادا فقيرا عاثرا معترا اعتاد التبكير الى شاطئ البحر , فيلقي شباكه ويعود في نهاية اليوم ما قسم الله له , فيبيعه ويشتري لعياله الخبز والطعام ومستلزمات البيت , حامدا الله وشاكرا لأنعمه , رغم كفاف العيش وضنك الحياة وضيق ذات اليد . وفي يوم من الايام القى الرجل شبكته فخرجت فارغة , القاها مرة اخرى فخرجت له زجاجة (قنّينة) قديمة محكمة الاغلاق , ومختومة بختم نبي الله سليمان عليه السلام , فرح الرجل كثيرا حيث ظن ان فيها من كنوز وجواهر نبي الله سليمان عليه السلام . حمل الرجل الزجاجة بيده وصاح : افرحي يا ام العيال وداعا للفقر , وسرح فكره سأفض الخاتم , وافتح الزجاجة واخرج الجواهر , وسأنطلق للسوق فابيع احداها , واملا السلة باللحم والخضار والفاكهة والحلوى , وبعض الملابس الجديدة وللأولاد وامهم , وافرحي يا ام العيال , وابتسم وهو يقدم الفستان الحريري المطرز لزوجه التي عانت معه ما عانت من شظف العيش وخشونته , وتخيلها وهي تلبسه فتبدو اجمل النساء . ثم اكمل : وغدا سأكتري اشهر البنائين والنقاشين والعمال ليبنوا لي قصرا اكبر واجمل من قصر السلطان , وعلى تلة مقابلة له , وافرحي يا ام العيال . وسأحضر افخر الاثاث والخدم والحشم , واملؤه بما لذ وطاب من الطعام , واعمل كل يوم وليمة , ادعو اليها علية القوم , فيعلموا انهم ليسوا اكرم مني , وافرحي يا ام العيال . ثم اخذ يعالج الزجاجة حتى فتحها , فاذا دخان كثيف يخرج من عنقها , وضحكات خشنة تشبه الرعد , اخذ يتكاثف فاذا هو مارد يطاول عنان السماء . ارتعب الرجل وارتعدت فرائصه وقال : بسم الله ! من انت يا سيدي ؟ قال بصوته الاجش القوي : انا ملك ملوك الجان الازرق , حبسني ملككم سليمان في هذه الزجاجة لأني اختلست من اموال الدولة , فأقسمت من يومها ان اثار من ذريته ولو بعد حين , واول واحد القاه سأقتله شر قتله , فهيء نفسك فانت مقتول لا محالة . قال الصياد وهو يرتجف : يا سيدي انا انسان مسكين ولي عيال ينتظرون عودتي لأشبع بطونهم , قال المارد : لقد اقسمت ولا بد من تنفيذ القسم , احس الصياد ان لا مجال امامه الا استخدام الحيلة مع هذا المارد المتعجرف اللص فقال : لي عندك يا سيدي طلب وبعدها اقتلني , قال المارد : الا العفو , اطلب . قال الصياد : انا لا اصدق ان هذا الحجم كله كان في هذه الزجاجة . الظاهر انك خرجت من الارض قال المارد : بل من الزجاجة . قال الصياد : ليتك يا سيدي تريني كيف وسعت الزجاجة كل هذا الحجم المهول , وبعدها نفذ حكمك . قال المارد : نحن الجان منحنا الله خاصية التشكل كما نشاء أتحب ان ترى ؟ قال الصياد : يا ليت يا سيدي , فما كان من المارد الا ان تحول الى دخان , وبدا يدخل في الزجاجة , فلما اكتمل دخوله اغلق الصياد الزجاجة بإحكام , ثم قال له : اقتلني شر قتلة ان انا اطلقت سراحك , ثم القى بالزجاجة في عرض البحر . 
وكأنني سهوت ! فرأيت فيما يراه النائم وكأن منتصف عام 2019 قد حل , وان دولته قد جمع الناس ليزف لهم بشرى الخروج من عنق الزجاجة , وانه سيلبي كل مطالب الشعب , فليطلب كلٌ ما يشاء . قام احدهم فقال : يا دولة الرئيس اتمنى ان تنثر الحب على رؤوس الجبال كما فعل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه , حتى يشبع الطير ويسمن , فانا احب الصيد السمين وقد نسيت طعمه , قال دولته : لقد اوتيت سؤلك يا هذا , ثم وامر وزير الزراعة ان ينفذ الامر . وامر للرجل ببندقية صيد بعتادها . قال اخر : اما انا فأتمنى على دولتكم منحي سيارة سوداء كسيارات الوزراء والنواب , وان يكون وقودها على نفقة الدولة , فانا لا اقدر على ملء خزانها , واعلم ان وقودها في الشهر بعيشتي سنة . قال دولته : وانت ايضا لقد اوتيت سؤلك , ثم امر وزير التجارة والصناعة تنفيذ الامر بمساعدة وزير الطاقة . قال ثالث : اما انا فأريد ان اتزوج ابنة احد الاثرياء ولا اقدر على طلبات اهلها من مهر وشبكة وثياب واثاث . قال دولته : ابشر انت وكل الشباب امثالك , سيكون زواجكم وفرحكم على نفقة الدولة . ثم امر وزير التنمية الاجتماعية تنفيذ الامر بمساعدة وزير الاوقاف . قال رابع : اريد يا دولة الرئيس بيتا يشبه بيت احد مدراء الهيئات الحكومية المستقلة . قال : ولك ذلك ايضا . ولا ادري كيف تسللت فكرة الى راسي , واي شيطان خبيث اوحى لي بها , فوقفت وقلت : سيدي ارجو ان يسعني حلمك , اما انا فطلبي مختلف قليلا , قال : اطلب يا هذا ولا تخف , فالكل اليوم طلبه مجاب , قلت : يا سيدي لنا خمسون سنة ونحن في عنق الزجاجة . اتمنى على دولتكم ان لا تبخلوا علينا ان نراكم تدخلونها ولو يوما واحدا . وكأنني سمعت نفس صوت المارد , برق ورعد وهرج ومرج وجلبة وتدافع , والكل اطلق ساقيه للريح , لأفيق مذعورا ادافع الأخبثين , ولولا قرب الحمام ــ اكرمكم الله ــ وجاهزيته لحصل ما لا تحمد عقباه . طبتم وطابت اوقاتكم .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 35 مشاهدة
نشرت فى 27 فبراير 2018 بواسطة nsmat

مديحة حسن كاتب وشاعر

nsmat
شعر / خواطر / وطنيات / قصة قصيرة / اخري »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

192,098