نسمات مديحة حسن

شعر / خواطر / قصة قصيرة / وطنيات

كان ياما كان , في قديم الزمان وسالف العصر والاوان , بنية صغيرة عمرها ست سنوات اسمها عيوش , تعيش مع امها وزوج امها , بعد وفاة والده البنية , كانت عيوش صبية جميلة و وجها بشبه البدر ليلة تمامه , ينضح بالحيوية وحب الحياة , ضرب المثل بشعرها فكان اهل القرية يقولون : (مثل شعر عيوش ما بتلاقوش) , كان اسود شبيه الليل , سميك ومتهدل على كتفيها كتهدل شعر اذناب الخيل . تعيش في قرية على تلتين متقابلتين , يفصل بينهما واد عميق كثيف الاشجار مليء بالوحوش التي كانت لا تخرج الا ليلا , بحثا عن فريسة , او شاة ضلت طريقها وسط الاشجار الملتفة , واشتهر بين الناس ما كانوا يطلقون عليه وحش الوحوش , الذي كان يصدر اصواتا مرعبة , وربما سطا على زرائب مواشي القرية والتهم بعض حلالهم . 
في يوم من الايام اشتاقت عيوش لرؤية جدتها , وقضاء لية في احضانها . كانت الجدة تسكن في التلة الثانية من القرية , قالت الام : يا ابنتي ! المسافة بعيدة والوقت عصرا , وبيننا وبين جدتك الواد العميق , اخشى ان تتوهي في طرقاته فتغيب الشمس , فيخرج عليك وحش الوحوش فتبيتي طعاما لأولاده . قالت الصغيرة : لا تخافي يا امي انا اعرف الطريق جيدا , وسأقطع الوادي قبل الغياب . وافقت الام مكرهة تحت الحاح ابنتها فملات لها سلة من خيرات البيت , فحملتها وانطلقت تقفز بمرح وتغني : جدتي يا جدتي . 
دخلت الصبية الصغيرة غابة الوادي لكنها تاهت في مساربها , نظرا لكثافة الاشجار والتفافها , فادركها المساء , فخافت وتقرفصت خلف شجرة كبيرة , ظنا منها انها ستحميها من وحش الوحوش الذي ما لبث ان شم رائحتها فادركها وامسك بها , وقال : انت طعام اولادي هذه الليلة رغم انك صغيرة ونحيفة , لكن لا بأس يتقوتون بك , لحين اجد ما يشبعهم , قالت وفرائصها ترتعد : ايها الوحش الطيب انا فتاة صغيرة , اذا اكلتني لا اشبعك ,ارحمني واوصلني الى جدتي . فال : لا فأولادي جياع , اريد ان اشبع بطونهم . قالت عيوش : ما رايك ان توصلني الى بيت جدتي وانا اضمن لك شاة سمينة من عندها , طمع الوحش بالشاة السمينة , فوافق على عرضها واوصلها الى بيت الجدة . نادت عيوش : جدتي جدتي انا عيوش , معي وحش الوحوش افتحي , واعطني شاة لأعطيها له ليطلق سراحي . ردت الجدة من الداخل : اين انت من عيوش ؟ عيوش الان في حضن امها نائمة , انت اكيد وحش الوحوش تقمصت صوت عيوش . وعبثا حاولت الصبية اقناع الجدة , فنفذ صبر الوحش وجرها من شعرها نحو الغابة . استجمعت الصبية قواها مرة اخري , وطلبت منه ان يوصلها الى بيت امها هذه المرة وتضمن له الشاة السمينة , وافق مرة اخرى طمعا بالشاة فأوصلها الى بيت امها , فنات : امي امي انا عيوش , معي وحش الوحوش افتحي , واعطني شاة لأعطيها له ليطلق سراحي . ردت الام من الداخل : اين انت من عيوش ؟ عيوش الان في احضان جدتها , لا اصدقك , انت اكيد وحش الوحوش تقمصت صوت ابنتي عيوش . قال الوحش : أرأيت ؟ لم يصدقوك ولم يكلفوا خاطرهم النظر من خرم الباب . قالت والياس بدا يدب في اوصالها : لنحاول مع عمتي ارجوك , ذهبت الى عمتها وطلبت نفس الطلب وتلقت نفس الاجابة . قال الوحش : قلت لك لن يصدقوك , يكفي فقد نفذ صبري . قالت : محاولة اخيرة ارجوك ولن تخسر شيئا , اوصلني لبيت خالتي , قال هذه فرصتك الاخيرة , اما ان تصيب واما ان تخيب . وقفت عيوش على باب الخالة ونادت بصوت متهدج يجهش بالبكاء : يا خالتي ! انا عيوش , معي وحش الوحوش افتحي , واعطني شاة لأعطيها له ليطلق سراحي . ردت الخالة : اين انت من عيوش ؟ عيوش الان في احضان امها , لا اصدقك , انت اكيد وحش الوحوش تقمصت صوت ابنة اختي عيوش . عند ذلك لم ينتظر الوحش وسخبها الة مغارته في الوادي . 
في الصباح لم تعد عيوش , تعالى النهار ولم تصل , خافت الام على ابنتها وساورها القلق فانطلقت الى بيت الجدة تسالها عنها . قالت الجدة لم تأت ولكن سمعت في الليل صوت الوحش يقول : انا عيوش , فحسبت انه يخدعني لأفتح له , وانا عجوز لا اقوى على مقاومته . قالت الام هذا والله صوت عيوش الذي سمعت , فانطلقت على غير هدى الى الغابة تبحث عنها على امل ان تجدها , لكنها وجدت شعرها منفوش وملابسها ممزقة في قعر الوادي . فجلست تصيح وتولول : يا حسرتي على بنتي عيوش وعلى شعرها في الوادي منفوش . سمعها الوحش فتناولها , فكانت وجبة مشبعة .
في اليوم التالي ساور الجدة القلق على ابنتها وحفيدتها , فانطلقت الى الوادي فوجدت شعور ابنتها وحفيدتها ,فجعلت تولول وتصيح : حسرتي على عيوش وام عيوش , شعورهم في الوادي منفوش , سمعها الوحش فتناولها ايضا , في اليوم الثالث ذهبت العمة لاستطلاع الامر فلم تجد عيوش ولا امها , فانطلقت ايضا نحو الوادي فوجدت شعور عيوش وامها وجدتها , فأخذت تصيح وتولول فكان مصيرها كمصيرهن , وهكذا حصل مع خالتها فكان مصيرها كسابقاتها . وما زال افراد العائلة يذهبون واحدا واحدا , الوحش يلتهم فردا فردا واكوام الشعور والملابس الممزقة تتكدس حتى ملأت جنبات الوادي . وطار الطير والله يمسيكم بالخير .
ويقال ـ يا دام سعدكم ــ ان الوحش تعاقد مع قرية مجاورة ليدفن فيها النفايات السامة , حفاظا على بيئة نظيفة في الوادي . فهمكم كفاية . رحم الله الشهيد بن الشهيد احمد نصر جرار . طبتم وطابت اوقاتكم .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 51 مشاهدة
نشرت فى 11 فبراير 2018 بواسطة nsmat

مديحة حسن كاتب وشاعر

nsmat
شعر / خواطر / وطنيات / قصة قصيرة / اخري »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

176,580