جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
تصوروا ــ ايها السادة الافاضل ــ فئة من ابناء هذا الوطن , يعيشون بين ظهرانينا , يحملون الارقام الوطنية تماما كما نحملها , يحملون الهوية وجواز السفر , يكفل لهم القانون ــ حسب قانون الجنسية ــ حياة كريمة , ينتفعون بخدماته ومكتسباته , تماما كما ننتفع , يتراكض خلفهم نوابنا ايام الانتخابات , ثم يقلبون لهم ظهر المجن , تماما كخبز الشعير ( مأكول ومذموم ) , غير عابئين بعذاباتهم وهمومهم اليومية , ولا بمعاناتهم واحزانهم . يعيشون على هامش الحياة , يفترشون الارض ويلتحفون السماء , خيمة بالية متهالكة هي كل ما يملكون , لا تقيهم حرارة صيف ولا برد شتاء , احلامهم على قدر بساطة عيشهم , غرفة اسمنتية تسترهم , ومدرسة تأوي اطفالهم من حياة التشرد والحرمان . يجاورون القصور طمعا بالفتات وشربة الماء , وان امكن الكهرباء , ترحلهم البلديات قصرا حيثما وجدتهم بحجة انهم يشوهون المنظر الحضاري للمدينة , او بسبب احتجاج بعض اصحاب القصور , الذين مازالت عندهم بقايا وخزات من ضمير على تواجد الخيام بجوار القصور .اناس فرضت عليهم قسوة الحياة والفقر المدقع والنظرة الدونية من المجتمع الى التشرذم والتقوقع , رغم مرور حوالي اكثر من 250سنة على تواجدهم على ارض الوطن , عاشوا متنقلين بين فلسطين والاردن وسوريا ولبنان , ثم عندما صنعت الحدود (السايكسبيكية ) بقي كل جزء منهم في الدولة التي وجد نفسه ضمن حدودها . من هم هؤلاء ؟ وما قصتهم , وكيف اهملتهم الحكومات ؟ وما الافكار الموروثة عنهم لدى المجتمع , وما مطالبهم ؟ تعالوا نكشف المستور بعد ان تصلوا على طه الرسول :
اولا ادين بالشكر لقناة الحقيقة الدولية , التي كشفت الغطاء عن عالمهم , ذهبت اليهم في رحالهم , وحاورتهم واظهرت كثيرا من الافكار المغلوطة التي توارثناها عنهم . بثت الحلقة على مدار ساعة ونصف , نقلت عذاباتهم ثم لم يتغير شيء , الحكومة تصم اذنها ووسائل الاعلام الرسمي اكثر صمما , اظنكم عرفتم من هم انهم الذي وصفهم عرار رحمه الله بقوله :
بين الخرابيش لاعبد ولا امة ولا ارقاء في اثواب احرار
انهم الغجر او بلغتنا الدارجة (النور) او التركمان . سبعون الفا او يزيدون قليلا حسب ارجح الروايات , موزعون بين محافظات الوسط والشمال , اغلبهم ممن تحسنت احوالهم استقروا فبنوا البيوت وسكنوها , وتركوا حياة التشرد والترحال , ومع ذلك فان المجتمع مازال ينظر لهم النظرة الدونية , اهل رقص وغناء , وتسول وسرقة و(....) , علما ان الدوائر الامنية لم تسجل حتى الان اية حادثة اختلاس او سرقة او خيانة بطلها من هذه الفئة .
يؤرّخ لوجود النّوَر في الأردن منذ ما يقرب من 250 عاماً. تقول الروايات التاريخية ان أصولهم تعود إلى ولاية (بيهاد) الهندية التي أرسل ملكها في القرن الخامس الميلادي إلى صهره ملك الفرس عشرة آلاف مطرب وعازف مع نسائهم وأبنائهم، بناء على طلب الأخير لذي أراد إسعاد شعبه بإقامة حفلات الرقص والغناء ، ثم طردهم لتبدأ رحلة التشتت والرحيل غير المنقطع .
والنور او الغجر في الاردن نوعان : النوع الاول هم التركمان الذين مازالوا يحتفظون بلغتهم الاصلية , وهي مزيج بين التركية والهندية والاردية , وهؤلاء اقل اندماجا مع المجتمع , لهم عاداتهم واعرافهم , وغالبيتهم اصحاب الخيم البالية , والمناظر التي نشاهدها , ينبشون الحاويات بحثا عن ربطة خبز او بعض الخردوات لبيعها , لينفقوا على عوائلهم , وهم مطاردون من قبل البلديات , دون البحث عن وسيلة تنقذهم مما هم فيه ,
اما الفئة الثانية فيطلقون على انفسهم (بنو مرة ) . نسبة لقبائل بني مرة العربية , الذين شردهم الزير سالم , وحكم عليهم ألا يركبوا الخيل , وألا يذوقوا طعم الراحة والأمن والاستقرار, اثناء حرب البسوس الشهيرة , وهذا امر مشكوك في صحته لأنهم لم يُذكروا في عهد الدولتين الاموية والعباسية , ولو وجدو لانصهروا مع القبائل العربية المهاجرة ابان الفتح الاسلامي , وهم اكثر اندماجا مع المجتمع , عملوا سابقاً في مهن ظلت حكراً عليهم كصناعة السكاكين وجلخها وصناعة محفار الكوسا وفخاخ العصافير وطلاء النحاس وتلميعه وتركيب اسنان الذهب والفضة والعظم... مهن انقرضت أو أوشكت على الانقراض , لكنهم استقروا وعلموا ابنائهم وشغلوا وظائف في الدولة والقطاع الخاص , وبقي منهم النزر اليسير ممن مازالوا يعيشون في الخرابيش متنقلين , لغتهم قريبة من لغتنا , الا انهم رغم كل ذلك مازالوا يعانون من النظرة الدونية لهم , لدرجة عدم مقدرة احدهم الافصاح بانه من اصل نوري .
والمتنقلون من النوعين قرابة عشرة الاف فقط , لا تهتم بهم الحكومة , ولا تمد لهم يد العون , وحتى التنمية الاجتماعية لا تصلهم , بحجة انهم متنقلون يصعب احصاؤهم , الحكومة تسمع دبيب النملة السمراء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء , وتعجز عن احصاء عشرة الاف انسان , وتحديد من يستحق منهم المساعدة , رغم امتلاكهم الهويات والرقم الوطني , في حكومات الربط الالكتروني .
التعليم الزامي ــ ايها السادة ــ يجبر وزارة التربية والتعليم الزام الاهل بقوة القانون احضار ابنائهم للمدارس , ومع ذلك لا يتلقى ابناؤهم أي نوع من انواع التعليم بسبب هذه النظرة الدونية , وبسبب عدم الاستقرار .
هؤلاء ــ يا دام عز حكوماتكم ــ هم النور , وهذه هي معاناتهم , وكل ما يطلبوه بيت يؤويهم ومدرسة لأبنائهم , الا تقدر الحكومة ان تمن عليهم بقطعة ارض تبني لهم عليها بيوتا ان اقتضت الحاجة, وتؤمن لهم عملا مناسبا وتفتح لأبنائهم مدرسة يتلقون تعليما يؤهلهم للانخراط مع المجتمع , وتنهي حياة التشرد والتقوقع والتسول , وبعدها تقطع يد من يتسول منهم , فتقضي على المظاهر غير الحضارية , التي لا تليق بالأعين الحساسة لأصحاب القصور في البيادر وعبدون . طبتم وطابت اوقاتكم .