نسمات مديحة حسن

شعر / خواطر / قصة قصيرة / وطنيات


نسمع ونري ونقرأ ــ ايها السادة الكرام ـــ عن سرقات من كل الانواع والاشكال والالوان , من سرقة بيضة او رغيف خبز لإشباع بطن جائعة , الى سرقة عرق الفقراء والمساكين المسحوقين وجهودهم , الى سرقة مقدرات الوطن ومكتسبات الامة , وتهريبها الى بنوك بني الاصفر والازرق والاحمر . وقد تُسرق اوطان وقد تباع , ويساوم عليها ويتاجر بها . حد السرقة في الشرع معروف , وان كان لا بطبق الا على من سرق رغيفا ليملأ بطون صغاره , بدلا من ان يطعمهم بقايا موائد اللئام , او يقتلهم اذا لم يقدر على اشباعهم . كل هذا سمعنا به وقرأنا عنه , لكن الذي ما سمعنا به في ابائنا الاولين : هو سرقة الاحلام والآمال والطموح . هل هناك سرقة تسمى سرقة الاحلام والآمال ؟ وكيف تكون ؟ وما حدّ هذه السرقة في رايكم ؟ ما رايكم ان نتحرى واقعنا الاجتماعي والاقتصادي والسياسي , فقد نجد الاجابة على اسئلتنا السابقة , ثم بعد ذلك نحكم هل هذه تسمى سرقة ام لا , وما عقاب السارق في مثل هذه الاحوال . اقول : صلوا على خير الانام :
المشهد الاول ـــ يا دام عزكم ـــ : طفلة في عمر الزهور , تصفف لها امها خصلات شعرها , وتتركه ينساب عقيرتين خلف ظهرها , تلوحان كأنهما في سباق مع الاحلام , وتلبس مريولها الازرق المنمنم وتحمل كتبها , وتنطلق الى مدرستها كفراشة لعوب , تطير بخفة من روض الى روض , ومن زهرة الى زهرة , لا تفارق البسمة شفتيها , وزهر الطفولة على خديها , تحلم بحياة ملؤها التفاؤل والامل , وبغد مشرق تنهي فيه دراستها , وتتخرج من جامعتها وتخدم في وطنها , تتزوج وتنجب البنين والبنات , وتربيهم خير تربية . تعود من المدرسة لتجد الزغاريد في انتظارها , هي لا تعرف السبب , تقول لها امها : مبارك عليك يا حبيبتي , جاءك السعد والهنا , في الداخل عريس قادر ومقتدر , سيجعلك ست الستات . العريس الموعود الذي لم تلد مثله الولادات في مثل سن والدها , رجل انعم الله عليه فاستغل ماله في اغراء الاهالي بالمال , من اجل نزواته . المسكينة لا تعطى الفرصة لتبدي رايها , وهي وليست اصلا في سن يؤهلها لذلك , لتجد نفسها بين عشية وضحاها تساق كالشاة الى المجزرة . وقد شاهدت وسمعت وقرات كثيرا عن مثل هذه الحالات , اذكر منها الطفلة اليمنية الذي تناقلت وسائل الاعلام قصتها , فهي في الحادية عشرة زوجت برجل ثمانيني فاستشهدت ليلة زفافها . اليس هذا بالله عليكم سرقة للأحلام وسحقا للطفولة ؟
المشهد الثاني : طفل في مقتبل العمر , يحلم بمستقبل واعد , مجد ومجتهد تضطره الاجتماعية او المادية الى ترك المدرسة , ليجد نفسه صبيا لدى احدى الورش , ليكسب دراهم معدودة , يساعد في اطعام بطون خاوية , فتكون النتيجة ضياع مستقبله واحلامه واماله وطموحاته , ويتعلم لغة جديدة من عمالها , رغم ان القوانين تمنع عمالة الاطفال , لكنها لا تضع بديلا لذلك . تصوروا ــ رحمكم الله ــ طفلا بين مجموعة من الكبار , اين ذهبت طفولته واحلامه واماله , اليس هذا من باب سرقة الاحلام .
المشهد الثالث : شاب طموح مجد مجتهد باحث عالم , يُقدّر له انجاز بعض الاختراعات التي تفيد الوطن وترفع اسمه عاليا , في عصر العلم والتكنولوجيا والاختراعات والاكتشافات , فيجد من العراقيل والمثبطات والمساومات الشيء الكثير, فلا يرى مشروعه النور في بلده , ولا ينال براءة الاختراع , بل يقاوَم ويحاسب ويلاحق ويعاقب ويغيّب عن وسائل الاعلام , فيدفن حلمه ويقتل طموحه , او يهرب باختراعه للخارج ليُبتزَ ايضا هناك , فمن لم يحمه وطنه ويكن حنونا عليه لا يعطف عليه الغرباء ,فيُقضى على طموحاته واحلامه واماله , الا يعد هذا سرقة احلام . 
مشهد رابع : رجل اعمال شريف طموح مجد , يريد ان ينفذ مشروعا اقتصاديا في وطنه ,يخدم الوطن ويشغّل فيه عددا من طوابير العاطلين عن العمل يعيلون عددا من الاسر , ويبيع السلعة لأبناء الوطن بنصف ثمن المستورد منها , فيتعارض ذلك مع اطماع المستفيدين المتنفذين , فيقفون له مثل الشوكة في الحلق , وتوضع اما مه عراقيل الترخيص , ورخص استيراد المواد الخام , مما يجعله يغادر البلد بأمواله , ليستثمرها في بلد قوانينها اسهل . فكم من مشاريع في بلاد بني عرب لم تنفذ بسبب الروتين والبيروقراطية , والعراقيل المقصودة وغير المقصودة . فهل سرق طموح هذا الرجل , وما عقاب السارق .
ما رايكم ــ يا دام مجد ابائكم ــ ان ندخل في العمق شوى , ويا خوفي من الحديث في العمق , على كل لا يصيبنا الا ما كتب الله لنا :
المشهد الاول : امة تسلط سيدها على رقاب شعبه , فقتل وعذّب وشرّد وهدّم , سرق وباع مقدرات الوطن وانفقها على شراء الذمم والمواقف . ليجد الوطن نفسه كرة تتقاذفها الاجل والايدي , الا تعد هذه سرقة احلام امة والقضاء على طموح ابنائها , لتجد نفسها بحاجة لمئات السنين لتعود وتلحق بركب حضارة فاتتها اصلا . 
مشهد ثان : شعب بكامله يجد نفسه محاصرا ومحاربا , الكل تامر عليه , والكل حاصره وساند محاصريه , والكل يبتعد عنه ويتنصل منه كبعير اجرب . لا لشيء الا لانه يطالب بحقه ليعيش بعز وكرامة على ارضه , واعملوا خناجرهم في ظهره كي لا يُسمع صوته . والطامة الكبرى ان هؤلاء هم ـــ بتخاذلهم ورعونتهم وسوء تخطيطهم وادارتهم للأمورــ السبب المباشر في عذابات هذا الشعب , ثم يتنصلون من تبعات ما حل بهم من الهزائم اليس هؤلاء جميعا ــ من حاصروه ومن ساندوا محاصريه ومن خذلوه ــ مسؤولين ومساهمين في سرقة احلامه واماله .
في طفولتنا ــ يا دام عزكم ــ كنا دائما نردد نشيد بلاد العرب اوطاني , ونحلم بالوحدة العربية من محيطها الى خليجها , وكبُرنا لنري الفرقة تزداد يوما بعد يوم , ليجد الواحد منا نفسه يقف بالساعات على شباك ختم الجوازات , ليعْبُر من بلد عربي لآخر . في وقت يعبر مواطنو دول الاتحاد الاوروبي كل دول الاتحاد بالهوية فقط . الا يعتبر هذا سرقة لحلم امة انتظرت وجدتها قرنا من الزمان وما زالت تنتظر . من يسرق الاحلام ؟ ومن يقتتلها. اقول ــ ايها السادة الكرام ــ هل حقا سرقت احلامنا ؟ وهل يحاسب القانون من يسرق الاحلام ؟ طبتم وطابت اوقاتكم

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 30 مشاهدة
نشرت فى 22 أكتوبر 2017 بواسطة nsmat

مديحة حسن كاتب وشاعر

nsmat
شعر / خواطر / وطنيات / قصة قصيرة / اخري »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

162,692