جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
حـســـن زايـــــد .. يـكـتـب :
جــزيـــرة الـــوراق
قصة جزيرة الوراق قصة درامية موجعة . شأنها في ذلك شأن أي قصة درامية . فيها شخوص ، ولكل شخص منها دور يؤديه في إطار هذه القصة ، سواء كان دوراً ثانوياً هامشياً ، أو دوراً رئيسياً محورياً فاعلاً . ومسرح أحداث هذه القصة ـ البقعة المكانية ـ هي جزيرة الوراق . وحركة الأشخاص داخل هذه البقعة الزمانية تتم داخل حيز زماني معين . هذه القصة بعناصرها الثلاثة ـ الأشخاص والأماكن والزمن ـ تدور في إطار عام شامل من الجو المحيط ، بكل أبعاده ، وتداعياته ، وعلاقاته المتشابكة المعقدة . هذا الإطار العام هو مصر . وهو إطار ملتهب في الظروف الراهنة ، حيث أنه يواجه ظروف أمنية خارجية ، هي أقرب إلي الحروب ، إلا أنها حروب غير معلنة ، لو لم تواجهها الدولة لأتت علي الدولة من القواعد ، وخرسقفها علي رؤوس من فيها . كما أنه وبنفس القدر يواجه حروباً داخلية ، أشبه بحرب العصابات داخل البلاد ، تقوم بها عناصر إرهابية تكفيرية من أصحاب الفكر الراديكالي المتطرف . حيث تقوم هذه العناصر ـ بتحريض وتمويل جهات خارجية ـ بأعمال تفجير وتحريق وتقتيل ، وأعمال إغتيالات للشخصيات العامة . وكذا فإنها تواجه ظروفاً أمنية داخلية تتمثل في وجود توترات مجتمعية تسعي إلي إيجادها وتكريسها ، والنفخ في نيرانها ، جماعات الإشتراكيين الثوريين، ونشطاء السبوبة الذين طفوا علي السطح مع أحداث يناير 2011م ، وسياسيو المناسبات من هواة تكدير المياه ، وتعكيرها ، والصيد فيها . وهي مجموعات وعناصر تستهدف إنهاك الدولة ، وإرباكها ، والسعي للضغط عليها بالتوترات الإجتماعية الخشنة التي يفتعلونها ، بزعم أن وراءها احتياجات إجتماعية ، لها الأولوية القصوي في سلم أولويات الوطن ، وذلك خدمة لأغراض قد تكون أجنبية ، وقد تكون داخلية ، وقد تكون خليطاً بينهما يحقق الغرضين معاً . والنموذج الأقرب لذلك ما حدث في جزيرة الوراق . فهذه الجزيرة في مجري نهر النيل ، ما بين محافظتي القاهرة والجيزة ، وهي من أملاك الدولة الواقعة داخل حدودها الإقليمية ، وأي اعتداء عليها يعد اعتداءًا علي أملاك الدولة ، التي هي ملك الشعب . والدفاع عنها منوط به أجهزة الدولة المعنية . وهي في ذلك ترد الإعتداء عن المجتمع ، وتعيد الحق لأصحابه . وفيلم المظلومية الذي أراد البعض إخراجه وتصويره وتصديره للمجتمع ، فيلم هابط لا يرقي إلي مستوي المشاهدة . ولابد أن نتفق علي مجموعة من المباديء حتي لا تضيع منا أصول المناقشة العلمية الرصينة . الأول ـ أن وضع اليد علي أملاك ، هي أخذ ممن لا يملك ، ما لا يستحق . وهو اغتصاب لحق الغير في هذه الأملاك ، والإغتصاب مجرم قانوناً . الثاني ـ أن حقوق الدولة ـ التي هي حق المجتمع ـ لا تسقط بالتقادم ، وإن تعاقبت عليها الأجيال . الثالث ـ إن تعارضت المصلحة العامة مع المصلحة الخاصة ، تتقدم المصلحة العامة ، لأن مصلحة المجتمع تتقدم مصلحة الفرد . ومن هنا قد يجري نزع الملكية الخاصة للمصلحة العامة ، مع دفع التعويض المناسب لصاحب الملكية المنزوعة . الرابع ـ أن مقاومة السلطات العامة الحارسة لمصالح المجتمع جريمة يعاقب عليها القانون . الخامس ـ أن الإستيلاء علي أملاك الغير دون وجه حق ، يستلزم التعويض المناسب عن مدة وضع اليد ، يؤديها لصاحب الملك . الخامس ـ أن السكوت عن الفساد في وقت الفساد فساداً ، ويبقي الفساد فساداً مهما طال الزمن ، حتي تعاد الأمور إلي نصابها . السادس ـ الحاجة والعوز ، كما الغني والسلطة ، لا يجبران الحرام حلالاً ، وإنما يظل الحرام حراماً ، يجوز تناوله بقدر الحاجة ، والحاجة تقدر بقدرها . فإذا اتفقنا علي هذه المباديء الستة ، فتعالي معي ننزلها علي أرض الواقع ، في حالة جزيرة الوراق . فسنجد أن من فيها وضع يده علي أملاك الدولة ، أي أنه أخذ ما لا يستحق . وأن أخذه لما لا يستحق ، لا يسقط حق الغير في أملاكه بالتقادم ، أي أنه له أن يستردها في أي وقت يشاء ، وأن فترة وضع اليد ، تستوجب التعويض العادل ، عن المنفعة الفائتة لصاحب الحق . وأنه لا يجوز الإحتجاج بفوات الوقت دون مطالبة ، كما أنه لا يجوز الإحتجاج بالفقر والعوز ، بنفس القدر الذي لا يجوز فيه الدفع بالغني والسلطان ، لأن كليهما لا يجبرا الحرام حلالاً . وقيام السلطة العامة باسترداد الأملاك العامة للدولة حق ، والتصدي لهذه السلطات جريمة يعاقب عليها القانون ، والإعتداء عليها بالسلاح والطوب والحجارة خروج علي السلطة العامة للبلاد . وهذا ما حدث في قضية جزيرة الوراق . فهل يمكن القول بالتعاطف معهم علي المستوي الإنساني ؟ . بالقطع لا ، لأنهم قد تم إنذارهم أكثر من مرة ، والمثل الدارج علي ألسنة المصريين ، وورثوه ، وآل أليهم جيلاً بعد جيل ، يقول : " وقد أعذر من أنذر " . وقد دلت التجارب علي أن التراخي في التنفيذ ، تفضي بالضرورة ، إلي استمراء بقاء الوضع علي ما هو عليه ، دون تنفيذ . وحالة جزيرة الوراق ، ليست حالة وحيدة يمكن تمريرها أو ابتلاعها ، وإنما هناك العديد من الحالات المثيلة . هذا بخلاف أراضي طرح النهر الممتدة من أسوان إلي دمياط ورشيد . فهذه المساحات ضائعة باستثماراتها لصالح جيوب واضعي اليد دون بقية أبناء الشعب ، هذا بخلاف انعدام استثمارها علي نحو رشيد ، وما تخلفة من مجاري وصرف صحي في بطن النيل ، مصدر مياه الشرب والري الوحيد لدي المصريين . والنظير لمثل هذه الجزر ، جزيرة الزمالك ، أرقي أحياء القاهرة ، بأنشطتها واستثماراتها ، التي تدر عائداً يصب في الخزانة العامة للدولة . وتبقي المشكلة المعلقة في عنق الدولة من زاويتين ، الأولي ـ توفير البديل المثيل لواضعي اليد الذين سيتم إخلائهم .الثانية ـ الإعتراف بأصحاب الحق ، المقنن بموجب مستندات تمليك ، موثقة ومعترف بها ، دون مطاعن عليها .