جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
سجلنا في مقال سابق ، أن البرادعاوية " نسبة إلي محمد البرادعي وأتباعه " تمثل نوعاً من الكوميديا السوداء في تاريخ مصر الحديثة . إلا أن مساحة المقال لم تسعفنا في الإتيان علي أوجه القبح الطافحة في هذه الكوميديا . ولعل أولي درجات القبح هي الكذب البين الذي يمارسه رجل تبوأ موقع نائب رئيس الجمهورية في فترة الوقائع المكذوبة التي سردها في بيانه وما زال الشهود علي فصولها أحياء يرزقون . لأن الكذب هنا ليس مجرد كذب عابر ينمحي بمجرد انصراف صاحبه من أمامك . إنه الكذب الذي يزيف الوعي والتاريخ ، أو علي الأقل يشوش عليهما . إنه الكذب الذي ينبني عليه مخططات تستهدف اغتيال مستقبل وطن تحت مزاعم الإصلاح . كذب يمد إحدي يديه لمخططات أجنبية شيطانية تستهدف وجود الوطن ، ومقدرات الأمة ، واليد الأخري تقبض علي خنجر مسموم للإجهاز علي هذا الوطن . إنه انكشاف لقاع بئر الخيانة الذي سقط فيه البرادعاوية ، وانغمسوا في مستنقعه من أخمص القدم إلي منابت شعر الرؤوس . أنا لا أحب التخوين لمجرد الإختلاف في وجهات النظر ، كما لا أحب وبنفس القدر ، أن تتحول الخيانة إلي وجهة نظر ، ولا أن يكون هناك فرق أو تمييز بين خائن وخائن ، لأن الخيانة في اعتقادي ملة واحدة . فعندما يأتي البيان بعد ثلاث سنوات ، ومتزامناً مع دعوة مشبوهة ، لوهم " ثورة الغلابة " ، فلابد أن يكون خلف الستار واحداً ـ شخصاً أو جهة أو جهازاً أو دولة ـ يحرك أحبال العرائس اللاعبة علي مسرح الأحداث . وتفوح من أجسادها وملابسها وأحشائها روائح الخيانة . إن صدور بيان البرادعي ، وفي عقبه بيان الإخوان ، يدلل علي وجود الإمريكان خلف الستار . خاصة أن البيانين قد جاءا قبيل فاعلية 11/ 11 الخاصة بثورة الغلابة ، وكذا ـ إنجاز ما يسد خانة لا زالت فارغة في أجندة الإدارة الراحلة من البيت الأبيض . وقد جري بناء ذلك ، علي خلفية فوز هيلاري كلينتون بالرئاسة ، لأن أحداً من هذه الأطراف لم يتوقع الزلزال الذي أحدثه انتخاب ترامب رئيساً . وقد كان المستهدف الدفع بالبرادعي إلي صدارة المشهد السياسي مرة أخري ، ومن وراءه الإخوان ، بعد احتراق كل أوراق اللعب في أيديهم ، وربما يكون هذا الموقف قد فرض عليهم فرضاً . ولو قرأنا نصوص بيان البرادعي لأدركنا أن هذا الرجل يرضع خيانة . في النقطة الأولي يقول : " عندما دعت القوات المسلحة ممثلي كافة القوي السياسية الي اجتماع بعد ظهر ٣ يوليو ٢٠١٣ كان المفهوم انه اجتماع لبحث الوضع المتفجر على الارض نتيجة مطالب الجموع الغفيرة المحتشدة فى كل أنحاء مصر منذ ٣٠ يونيو اجراء انتخابات رئاسية مبكرة، نظرا للاستقطاب الحاد فى البلاد الذى اصبح يهدد الوحدة الوطنية " . وبهذا النص يتجاهل حملة التوقيعات برفض حكم الإخوان ، والمظاهرات التي انبعثت في أرجاء البلاد مطالبة بسقوط حكم المرشد . والمناشدات من الجماهير لوزير الدفاع بالنزول والحسم . ونداءات جبهة الإنقاذ وعلي رأسها البرادعي نفسه المطالبة بإزاحة مرسي ، وتشكيل مجلس رئاسي . والبيانات التي كانت تصدرها القوات المسلحة لجميع الأطراف بالتزام ما من شأنه الحفاظ علي وحدةالوطن ، وتماسك المجتمع في مواجهة مخاطر الإستقطاب الحادة التي تموج فيه . حتي حان موعد 30 يونية الذي كان محدداً للتظاهر ضد نظام حكم المرشد . وقد خرج مرسي بخطاب الشرعية الشهير ، الذي كان بمثابة إعلان حرب علي كل من شأنه المساس بنظام الإخوان . حينئذ صدر بيان القوات المسلحة بشأن حماية إرادة الشعب المصري ، واحترام اختياراته . أما النص الذي أورده ـ وسكت عنه مريدوه من شهود الفترة ـ فإنه يشي بأن القوات المسلحة تصرفت من تلقاء نفسها . وفي النقطة الثانية يقول : " عندما فوجئت في بداية الاجتماع ان رئيس الجمهورية كان قد تم احتجازه بالفعل صباح ذلك اليوم من قبل القوات المسلحة دون اى علم مسبق للقوى الوطنية . وهو الامر الذى أدى الى عدم مشاركة رئيس حزب الحرية والعدالة- الذى كانت قد تمت دعوته- فى الاجتماع . أصبحت الخيارات المتاحة محدودة تماماً وبالطبع لم يعد من بينها إمكانية اجراء استفتاء على انتخابات مبكرة " . وهنا تثور عدة تساؤلات مشروعة : الأول ـ هل كان يصح إجرائياً وأمنياً عقد هذا الإجتماع في ظل وجود مرسي رئيساً للجمهورية ؟ . الثاني ـ هل لو علمتم باحتجاز مرسي كان الأمر سيختلف وسيتم الإجتماع علي اي حال ؟ . أم أنكم كنتم ستنسحبون من الإجتماع احتجاجاً علي ذلك ، وتكشفون الغطاء الشرعي المتدثرة باهدابه القوات المسلحة ؟ . ولماذا لم تفعلوا ذلك ، وحضرتم الإجتماع ؟ . وهل تعتقدون أن من لديه النية لاستئصال شأفة الإخوان من الحياة السياسية وغيرها ، يتوجه بالدعوة إلي رئيس حزبهم لحضور الإجتماع ؟ . لقد وقع مكتب الإرشاد فيما أفقده رشده ، وأخل بتوازنه ، فتصور أن استجابته للدعوة سيورطه في إضفاء شرعية علي الإجتماع ، وقد يلزمه بما لا يريد الإلتزام به ، في حين أن حضوره كان سيضع المؤسسة العسكرية لو كانت نيتها الاستيلاء علي الحكم في حرج . ثم إن مرسي / مكتب الإرشاد قد رفض حكاية الإنتخابات الرئاسية المبكرة في خطاب الشرعية الشهير . ومن هنا لا يصبح لكلام البرادعي معني إلا في إطار الكذب والخيانة وتزييف الوعي . وللمقال بقية إذا كان في العمر بقية .