نسمات مديحة حسن

شعر / خواطر / قصة قصيرة / وطنيات

 

تفاجأت الأوساط الإعلامية والسياسية في مصر ، بالبيان الذي أصدره محمد البرادعي ، ونشره علي صفحته علي الفيس بوك ، زاعماً فيه أنه يسرد الحقائق في سياقها السليم خلال الفترة من 14 يوليو ، إلي 14 اغسطس 2013 م من تاريخ مصر . وذلك في مواجهة حملات الإفك والتزوير والإنحطاط الأخلاقي ، التي مارستها بعض وسائل الإعلام ضده . والواقع أن كل رفاقه قد كذبوه فيما أورد في بيانه ، الذي تخلي به عن تويتاته ، التي كان يطل بها من نافذته الأوربية ، علي شعب مصر في وادي النيل ، كي ينغص بها عليه حياته . وقد حاول البعض النيل من البيان ، وتكذيب وقائعه ، وتفنيد كلماته ، وتتفيهها ، فضلاً عن النيل من شخصيتة بكشف كذبه ، وتهافته ، وضعفه ، وعدم قدرته علي تحمل المسئولية ، منذ أن طل علي الشعب المصري بقرونه ، منذ عهد مبارك ، إلي يوم خروجه من مصر ، غير مأسوف عليه . وأنا لست مع هذا الإتجاه في التفكير ، لأن الأمور لا تؤخذ علي هذا النحو من التسطيح . إذ أن الأمر جد لا هزل فيه ، في توقيته ، ومقاصده ، لأن البرادعي في رأيي لا يعمل بمفرده ، ولا يتحرك بقناعاته الشخصية ، كما يزعم ، ولا انطلاقاً من مباديء يدعيها . فالبرادعي يلعب داخل برواز محدد ، قد فصل له تفصيلاً ، كي يمارس من خلاله الدور المسند إليه . فدعونا من دهشة المفاجأة ، ودعونا من تسطيح الأمور ، وتعالوا نبحث في زوايا البيان عن خباياه ، وما يخفيه بين سطوره . وقد استهل بيانه بالهجوم علي وسائل الإعلام ، متهماً إياها بالكذب والإنحطاط الأخلاقي ، وهو بهذا الهجوم يهدف إلي تحييد هذه الوسائل ، بتحجيم مصداقيتها لدي الرأي العام ، فيتحقق له خلو الساحة من منافس يدحض أكاذيبه ، ويفند مزاعمه ، ويُفَشِّل مقاصده ، ويقضي مبكراً علي مساعيه . ثم ينفرد هو بعقلية المواطن ، مقدماً نفسه لها باعتباره قديساً ، سيقوم بسرد بعض الحقائق ، ووضعها في سياقها السليم ، بمنأي عن الإفك والتزوير الذي توسلت به هذه الوسائل ، في تعاملها معه . وهو بذلك يحقق ثلاث مقاصد : الأول ـ عدم قبول المواطن لكل ما عرضت له وسائل الإعلام في السابق . الثاني ـ المصادرة مقدماً علي كل ما تعرض له هذه الوسائل من دفاعات ، أو محاولات لتفنيد أكاذيبه ، والرد عليها . الثالث ـ تحقق المصداقية الكاملة له بخلو الساحة ، إلا من كلماته ، وحقائقه المزيفة . وقد كان البرادعي حصيفاً بما يكفي حين تحدث عن بعض وسائل الإعلام ، وليس جميعها ، تجنباً لأخطاء التعميم ، من باب صيانة الإحتمال ، إذ ربما تكون هناك وسيلة صادقة ، فيكشف صدقها كذبه . أما التبعيض فإنه يترك الباب موارباً ، لصيانة هذا الإحتمال ، فيظن كل صادق ، أنه يقصد غيره ، ولا يقصده ، فيصح كلامه رغم فساده وكذبه . إلا أنه قد فاته أن التبعيض يعني في نفس الوقت وجود وسائل إعلامية مبرأة من تلك التهم ، أي أنها لا كاذبة ولا منحطة ، ولا تلتجيء إلي الإفك والتزوير . ومن ثم ـ ووفقاً لكلام البرادعي ذاته ـ فهي مؤهلة أخلاقياً ومهنياً لسرد الحقائق ، ووضعها في سياقها الصحيح ، فأين هي هذه الوسائل المفارقة للوسائل الكاذبة المنحطة ؟ . ولماذا لم تخرج علينا بالحقائق الموضوعة في سياقها الصحيح . وإن كانت موجودة ، وتكلمت ، وأسمعت من في القبور ، فما هي الحاجة إلي بيان البرادعي ؟ . وما هي دواعيه ؟ . ولماذا الآن ؟ . بالقطع الأمر ليس عبثياً من البرادعي ومن معه ، أن يبعثوا بهذا البيان / الرسالة ، وليس تزجية لوقت الفراغ الذي يتصور البعض أن البرادعي يعانيه ، ولا رغبة ملحة ، طفحت علي البرادعي فجأة ، دفعته إلي تقديم قرابين الصفح والغفران ، لجماعة الإخوان الإرهابية ، ولا رداً لجميل سابق أسدته الجماعة له ، سواء قبل الثورة أو بعدها ، علي نحو ما تحدث عنه البعض . فلو كان البرادعي اهلاً لكل ذلك ، فما الذين يعمل معهم ، ولحسابهم ، بعابثين ، أو لاعبين . وهذا ما يقتضي منا تناول الأمر علي نحو جدي ، وبأسلوب ونهج مختلف . ولنبدأ بآخر سؤال : لماذا الآن ؟ . لأن التصور العام أن مصر قد أصبحت دولة مأزومة ، بالضغوط التي تتعرض لها داخلياً وخارجياً ، وقد تدفع الأزمة شعبها إلي الخروج علي النظام المراد إسقاطه . والأمر في حاجة ملحة إلي تنسيق الجهود . فداخلياً يجري الضغط بجماعات الإرهاب في سيناء والدلتا ، والضغط بالعملاء الإقتصاديين ، الذين يعمدون إلي تفريغ الأسواق من السلع والدولار ، بما يؤدي إلي إرباك الحكومة ، بحرب اقتصادية غير تقليدية ، لا تصلح لمواجهتها الأفكار والنظريات العادية ، وتتعطل معها قوانين السوق ، بحيث يعجز الجهاز المصرفي ، ويصاب بالشلل في ظروف الدولة العادية ، فما بالنا بدولة تعيش ظرفاً استثنائياً طارئاً . وهذا الجو الإقتصادي الخانق سيدفع المصريين بالضرورة إلي ما يعرف في علم النفس بالإستهواء ، وهو الميل إلي التقليد ، ومجاراة السائد ، وهذا سيخلق تياراً عاماً يعطي الإنطباع بالتجويع والإفقار المتعمد . أما من جهة الخارج فيجري ضرب الإقتصاد بضرب السياحة ، والتشكيك في سلامة الصادرات ، ولملمة الدولار من المصريين بالخارج بأسعار تعجيزية لا تقاوم ، والضغط علي الدول الخليجية ؛ لإيقاف دعمها المادي والسياسي للدولة المصرية . فإذا تواكب هذا مع الدعوة المجهولة لثورة " الغلابة " في 11 / 11 / 2016 م ، فلا ريب أن الثمار ـ في توهمهم ـ قد طابت ، وحان قطفها . ويتأتي ذلك في ظل إدارة أمريكية عجزت ـ بفعل 30 يونية ـ عن انجاز ما صبت إليه في المنطقة رغم ما أنفقته من مليارات الدولارات . ولاريب أن البيان يستهدف منح بعض المصداقية لكل دعاوي الإخوان الباطلة والمتوهمة ، ومحاولة غسلها من الأدران ، وتجديد فكرة المظلومية في أذهان الناس ، وتصوير ما حدث في 3/7 باعتباره انقلاباً عسكرياً . هذا فضلا عن حث تابعيه من الليبراليين علي اللحاق بركب دعوة ثورة " الغلابة " ، والتنسيق مع الجماعة الإرهابية في هذا الإطار . ويبقي السؤال الأهم ... ولماذا الإخوان يا سيد برادعي ؟ . والإجابة : لأن الرهان الأمريكي كان عليهم منذ البداية ، ولم يكن علي غيرهم .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 25 مشاهدة
نشرت فى 7 نوفمبر 2016 بواسطة nsmat

مديحة حسن كاتب وشاعر

nsmat
شعر / خواطر / وطنيات / قصة قصيرة / اخري »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

191,896