نسمات مديحة حسن

شعر / خواطر / قصة قصيرة / وطنيات

الـرســــالـة الأولــي :
زوجتي العزيزة :
لن أقدم بين يديك أعذاراً ، أو مبررات . وإنما أقدم لك حبي . قد أكون خشناً في التعبيرعن نفسي أحياناً ، وقد أبدو مستفزاً . غيرتي عليك تقتلني ، فأنا أغار عليك من زوجك السابق ، رغم أنه توفي منذ سنوات ، وأغار عليك من جمالك اللافت . تلك الغيرة تدفعني إلي الإحاطة بك ، وحجبك عن العيون المتلصصة . قد يفسر ذلك من جانبك أنه رغبة في التملك ، والنملك خانق بطبعه . إلا أنه ليس كذلك بالنسبة لي . هو بالنسبة لي حب . إذا قلت لك بأنني لم أكن أحب زوجتي السابقة ـ التي توفيت منذ سنوات ـ سأكون كاذباً ، لأنني كنت أحبها ، ولكنه حب الإعتياد والتلطف والرغبة في الحياة . ثم رحلت عني ، وما بيننا سوي الإحترام والود . وما كنت أفكر في الزواج إلا بعد أن رأيتك . برؤيتك تولدت بدواخلي أحاسيس ومشاعر لم أجدها من قبل . لم يقف زواجك السابق حجر عثرة في طريق حبي لك ، وتعلقي بك . ولا أسائلك عن حبك لزوجك ، لأنه مضي وانقضي ، وما بقي منه سوي الذكري الطيبة الجديرة بالإحترام . تقدمت لطلبك للزواج ، فتمنعتي ، وكلما زاد تمنعك ، كلما اشتعل بداخلي أوار الرغبة في الوصول إلي قلبك ، والإرتباط بك . حاصرتك من كل جانب بعواطفي وأحاسيسي ، ودفعت في طريقك بكل من يملك سلطة الضغط النفسي عليك للقبول . حتي قبلت الزواج مني . إياك أن تظني أن ما قدمته من هدايا لك ، كان لشراء ودك ، أو الهيمنة علي قلبك . إنها فقط تعبيراً عن حبي ، ولو وجدت ما أبذله غيرها ما بخلت . لا أملك ترف الإستغناء عنك . أنا أحتاج إلي الحب ، وأبحث عنه بداخلك ، وأملي أن أعثر عليه . أعلم أنك ما زلت تشعرين بالغربة في بيتك . غربة المكان والزمان والشخص والأحداث والعلاقات ، وهذا ما يدفعك إلي التزام الصمت ، والميل إلي العزلة ، والهروب من الواقع . وانا ألتمس لك العذر في كل ذلك ، ولا أطلب منك إحداث أي تغيرات فجائية في حياتك رغماً عنك . فقط لي رجاء وحيد ، ألا تتركي البيت ، وتهجريني ، وأن نحتمل معاً آلام كسر القيود والأغلال ؛ لأنني في أشد الإحتياج إلي وجودك في حياتي .
زوجك المخلص 
الـرســــــالة الــثــــانــيــــة :
حبيبي الغالي :
الحياة بدونك فوق الإحتمال . كنت أظن أن العلاج منك تركك ، والزواج بآخر كفيل بنسيانك . ثم اكتشفت ـ بعد فوات الآوان ـ أنني أخطأت في حقك ، وأخطأت في حق نفسي . ولا أدري ماذا افعل . وأنت من دفعني إلي ذلك دفعاً ، رغما عني . طلبت مقابلتك ورؤيتك ، فتعللت بالأعذار ، فتصورت أنك تتسلي بي . فعاقبتك بزواجي من غيرك ، آملة أن أحيا حياتي مع من أحبني ، من دونك ، وربما صادف في قلبي هوي ، فأحبه ، فاكتشفت أني عاقبت نفسي قبل أن أعاقبك . صورتك تنطبع علي الأشياء والناس ، في كل ركن وزاوية ، وفي كل لحظة ، من نوم أو يقظة . أجدني أهرب منك إليك . كم تمنيت لو لم أكن ، وارحت واسترحت . أذكر أنك قلت لي عن ظروفك القهرية ، التي تحول دون زواجنا ، وكنت في البداية قد قدرتها ، لأن حبنا ولد كبيراً طاغياً ، ظننته كفيلاً وحده بالحياة ، وكفيلاً بإشباعنا حتي التخمة ، وري عطشنا حتي الثمالة ، وقد كان كذلك ، حتي ظهر هذا الرجل في حياتي ، باغياً بوجاهته وغناه ومكانته ، مستبداً متسلطاً في طلب الود والزواج ، دافعاً بكل المغريات المادية والعاطفية في طريقي ، نازعاً مني كل أسلحة المقاومة والرفض . ساعتئذ تكلمت معك ، جددت طلبي بمقابلتك ورؤيتك ، كأني أعتذر لنفسي عما يترتب علي رفضك المبطن بالأعذار والعلل ، وكنت أعلم أنها لا زالت قائمة . ولكن هذه المرة لن أقدرها ، لأنني لا أري أي عذر ذلك الذي يضيع أعظم حب . أذكر أني تجاهلتك ، تجاهلت رسائلك ، تجاهلت مهاتفاتك . كنت أعلم أن ذلك يقتلك ، وأنا بدوري مقتولة بين أحضان رجل غيرك ، يتنعم بي من دونك . أعيش شهر عسل في أحضان زوج جديد ، أحضان الشوك والألم والدموع الحبيسة ، المغلفة بابتسامة مصطنعة ، تكسو وجهي البلاستيكي ، كوجه الدمي . أخفيت عنك الأمر خوفاً عليك وخوفاً علي نفسي ، وخوفاً من فقدك وضياعك مني . بعد فترة من القطيعة ، وجدتك تخاطبني عبر الشبكة العنكبوتية ، فقررت أن أخبرك . توقعت منك أن تثور وتزمجر وترعد وتزبد ، وانتظرت العاصفة الإعصارية تضربني منك بعنف . كان ردك صادماً . سمعت كلماتك بعيون دامعة . رد بارد يُنَظِّر للسعادة ، والحياة الزوجية ، وتمنيات التوفيق . أنا أتميز من الغيظ ، وأنت ترد بعقل بارد ، وإن كان النحيب المصاحب لكلماتك ، يفضح الدموع المنهمرة التي لا أراها ، والدموع وحدها لا تكفي ، فانفجرت في وجهك ، متهمة إياك بالتسبب فيما وصلنا إليه . كان كل همي ألا أفقدك ،آملة إصلاح ما تكسر . نسيت أن أخبرك باستعدادي الفوري ، بنهو حياتي مع هذا الرجل من أجلك ، فقط أسمع منك كلمة ، تعيد إليَّ الأمل في الحياة . فقط يرتبط اسمي باسمك ، ولو لم أرك إلا مرة في كل سنة . فهل تمتلك من الحب ما يدفعك إلي إجابة طلبي ؟ .
الـمــخــلـــصــــة
الــرســــــالـة الــثـــالُــثــــــة :
حـبـيـبـتـي :
رغم ما حدث ، سيظل حبك محفوراً ، بالحديد والنار ، علي جدران قلبي ، عنواناً . رغم أن قرارك بالزواج ، صدر عنك أنت ، وألقيت علي عاتقي مسئولية قرارك . أنا لا أتنصل من كوني أحد الأسباب ، نتيجة موقفي الذي يبدو سلبياً ، وإن كان معروفاً لك ، ومتفق عليه مسبقاً . ظروفي تحول دون الإرتباط الرسمي بك . إلا أن ذلك لا ينفي وجود ميل بداخلك للزواج ، دفعك إلي الإرتماء في تلك الأحضان ، حتي ولو كانت شوكية . القرار ليس فجائياً ، وإنما مسبوق بتفكير عميق ، فاضل بين الخيارات ، التي أحدها بالضرورة إقصائي من دائرة إهتمامك ، وتفكيرك بالكلية ، وقد كان هذا اختيارك ، فهل يمكن تصور أن القرار صدر كرد فعل من جانبك علي ألاَّ فعل من جانبي ؟ . ولا لوم عليك فيما ذهبت إليه ، فتلك ضرورة حياة لك ، وحاجة في النفس لا تقاوم ، ولك كل العذر . وليس معني ذلك فقدانك لي ، وإنما أنا أحبك إلي آخر العمر ، بنفس القدر ، لأنني أحببتك بداية دون تفكير في الإرتباط الرسمي بك . وقد أبدو متناقضاً ، ولكن من يعرف من أين يتدفق نهر الحب في عروقي ، إنه يتخلق مع خلاياي السابحة في جسدي ، كما تخلقت الروح ، مصدر الحياة . ورسالتك تشي بحل للأزمة الخانقة التي انزلقنا إليها ، أن أعلن فقط رغبتي في الإرتباط بك . ويبدو من العرض أنك لم تقرئي كتاب حبنا جيداً . لأن اعتذاري بداية ، لم يكن لياً لذراعك ، وإنما ظروف فعلية ، وأي متغيرات طارئة لن تنهي هذه الظروف . فليس من بين أولوياتي هدم بيتي فوق رأسي ، وضرب أسرتي بإعصار تسونامي يذهب بها إلي حيث لا أدري . والآن تعقدت المشكلة أكثر بهدم بيتين ، وضرب أسرتين . فإن كان الحب قدراً ، فإن الأخلاق اختياراً . ولن أدفعك إلي هدم بيتك ، ولن أوفر لك الذريعة ، والمبررات ، والأعذار للإقدام علي ذلك ، ولن أسمح لنفسي بما أنهاك عنه . أتمني لك ، ما كنت أتمناه لك ، لو كنت معي ، وزيادة .
الـمــخــــلــــص
الـرســــــالـــــة الــــرابـــــعــــــة :
زوجــي الـــعـــــــزيــــــز :
لا تعلم مدي السعادة التي غمرتني ، إثر قراءة رسالتك إليَّ . لقد أزلت من داخلي كل سوء الفهم ، الذي حال دون التقارب الحميمي الواجب بيننا . وأضأت لي الجوانب الرمادية في شخصيتك . وباتت خطوط شخصيتك مقروءة لي ، بفهم ووعي . وقد تفهمت الآن بعض تصرفاتك ، بعد ما افصحت لي عن دوافعك التي تقف وراءها . وآمنت بأن ما بدر منا من توتر فائت ، ناتج طبيعي لاحتكاك حياتين مختلفتين عن بعضهما البعض، في محاولة لإحداث التداخل ، والإندماج ، بين عناصرهما المتوافقة ، وتعديل وتليين العناصر المتنافرة ، حتي تندمج حياتينا ، وتصيران حياة واحدة . ولا ريب عندي أنه أثناء محاولاتنا تلك سيتخلق الحب . واعلم أنني ما تزوجتك إلا لكي نعيش ونبني ، لا لكي نموت ونهدم . أنا في انتظارك .
مــحـــبـــوبــتـــك

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 31 مشاهدة
نشرت فى 12 أكتوبر 2016 بواسطة nsmat

مديحة حسن كاتب وشاعر

nsmat
شعر / خواطر / وطنيات / قصة قصيرة / اخري »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

191,897