جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
المعارضة السياسية تعني وجود فئة أو جماعة من الناس ، تنتظم في إطارحزبي معلن ، ومرخص له بالعمل داخل إطار الدولة ، تعارض النظام القائم في توجهاته وسياساته ، علي خلفية وجود رؤية وتوجه وسياسة مختلفة لدي هذا الحزب . وبالقطع لا توجد معارضة دائمة ، ولا تأييد دائم . ففي إطار اللعبة الديمقراطية كما نفهمها ، تكون الأدوار متبادلة . فأغلبية اليوم ، كانت معارضة الأمس ، وستكون معارضة الغد ، وفقاً لإرادة الجماهير ، ورغباتها وتوجهاتها ، التي تحكم الصندوق الإنتخابي . ورغم تحفظي علي الديمقراطية باعتبارها النموذج المثال الذي يحقق كل ما تصبو إليه البشرية من مشاركة الشعوب في الحكم ، أو حكم الشعوب لنفسها بنفسها ، لأنها أصبحت آلية شكلية ، تحتفظ بجمال الشكل ، دون أدني اعتبار للمضمون أو المحتوي . فنتاجها ليس بالضرورة هو الأفضل والأجمل ، بل إنها قد تفرز الأسوأ والأقبح . ومع هذا التحفظ تبقي هي الآلية الأفضل التي توصلت إليها البشرية في أنظمة الحكم السائدة . والديمقراطية في مصر بدأت من أواخر القرن التاسع عشر. واستمرت حتي منتصف القرن العشرين . إلا أنها كانت أشبه بديمقراطية الأقلية ، التي تحدث عنها أفلاطون في جمهوريته ، حيث قصرها علي الطبقة الأرستقراطية من النبلاء والفلاسفة . فقد كانت ديمقراطية الصفوة دون عامة الشعب . وتلك كانت ديمقراطية مصر ما قبل الثورة . فلما جاءت ثورة يوليو اعتمدت نظام الحكم الشمولي ، أو نظام الحزب الواحد ، بعد أن حلت أحزاب ما قبل الثورة . ثم عادت الأحزاب السياسية إلي مصر في الربع الأخير من القرن العشرين . وبعودتها لم تعد الحياة النيابية إلي سابق عهدها ، حيث اقتصر التواجد الحزبي علي التواجد الديكوري ، إما بفعل النظام القائم ، أو بقصور في الأداء الحزبي ، سواء علي مستوي القواعد الجماهيرية ، والكوادر الحزبية ، أو علي مستوي التوجه الأيديولوجي الواضح ، الذي يمثل المرجعية الفكرية الفاصلة بين حزب وآخر . ومن هنا تربع الحزب الوطني الديمقراطي علي سدة الحكم في مصر لأكثر من ثلث قرن ، مع أنه لم يحدث فارق موضوعي في وضع مصر يجعل الشعب المصري يتمسك به في أي مواجهة انتخابية من خلال الصناديق . ومن هنا يمكننا القول بأنه لا توجد في مصر معارضة حقيقية بالمعني السياسي الذي قصدته الأنظمة الديمقراطية في الغرب . والموجود من الأحزاب السياسية التي تمتلك برنامج سياسي متميز ، نجد أنها تقف في مواجهة النظام كأعجاز نخل خاوية . وقد انكشفت هذه الأحزاب ، وبان عوارها ، وانكشفت سوءاتها ، وتأكد اضمحلالها وخواءها ، في أعقاب ثورة يناير 2011م ، عندما تهاوي الحزب الوطني ، وأصبح عاليه أسفله ، تحت مطرقة أصوات الشباب غير المنتمين حزبياً في معظمهم . ولا يفترق الأمر كثيراً إذا نظرنا لحال الحزب الوطني في مواجهة الشباب ، وحال الأحزاب السياسية المصرية في مواجهة أحزاب جماعة الإخوان وتوابعها . إذ وجدنا هذه الأحزاب تتقزم ، وتضمحل ، وتخبوا ، في مواجهة هذه الأحزاب . هل معني ذلك أن نقضي علي المعارضة قضاءًا مبرماً حتي نستريح منها ، ونعيش دولـــة الصـوت الواحد ، تحت هذه المبررات ؟ . بالقطع لا. ولكن المعارضة التي نقصدها هنا هي المعارضة الوطنية . والمعارضة الوطنية هي تلك المعارضة التي تعارض وفي ذهنها وقلبها ووجدانها الوطن . تعارض وهي في يدها السياسة البديلة لسياسات النظام القائم . وهي تعارض ليس لمجرد المعارضة وفـقـط . لأن المعارضة للمعارضة هي نوع من الشوشرة والـتـشـويـش علي وعي المواطن المصري ، وتفسد أكثر مما تصلح ، والله لا يصلح عمل المفسدين . وإن كان يتعذر اتهام من يعارض للمعارضة بالعمالة . أما العملاء فسلوكهم مفضوح وواضح . فالعميل تجده متربصاً ، متنمراً ، بكل ما يتعلق بتفكيك الدولة المصرية ، والتشويش عليها ، والشوشرة علي انجازاتها ، وتضخيم سلبياتها ، واستفزاز الناس للثورة عليها ، وهدمها ، والنيل من كرامتها وشرفها ، وتعريتها والتشهير بها ، ليس معارضة للنظام ، أو النكاية به ، أو المكايدة له ، وإنما مستهدفاً الدولة بكاملها . وبعض من يزعمون أنهم من معارضي النظام ، يتوهمون أن الشعب لا يدرك الفرق بين المعارضة والعمالة . ويحاولون تذويب الفوارق بينهما ، ثم الزعم بأن النظام يضيق علي المعارضة ، ويحاول خــنــقـــها ، ومطاردتها . ليس لمجرد استعداء الغرب علي الوطن،لأن مسألة الإستعداء قد تم تجاوزها بعداء علني وسافر ودون خجل ، وإنما فقط إيجاد الــذريــعـة والمبرر للغرب كي يتدخل بشكل خشن في مواجهة الدولة المصرية ، ليس استناداً إلي وقائع فعلية ، وإنما وقائع مختلقة ومفبركة في معظمها ، وإن كانت الوقائـع الفعلية ليست مبرراً للتدخل في شئون الدول ، وفرض الوصاية علي قراراتها، وفرض سياسات بعينها عليها ، مما ينتقص من سيادتها ، لـيـس انـتـصاراً لحقوق الإنسان ، وإنما تجارة بها ، وتحويلها الي عصا غليظة تضرب بـهـا الدول والأنظمة التي تخرج عن الجماعة ، وتشق عصا الطاعة ، وتـعـلـن نفسها دول شبت عن الطوق ، وبلغت سن الرشد . نقول لهؤلاء العملاء ، يا أغبياء لا تعروا أمكم مصر ، حتي ولو كانت مريضة ، وملازمة للفراش ، بل اقطعوا من جلودكم واستروها .