جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
رمز من رموز النضال الفلسطيني عبر الاجيال , مثّلت الثورة الفلسطينية المجيدة وجسدت الانتفاضات المباركة , و وقفت شامخةً في المحافل الدولية وعلى منابر الامم المتحدة , لتصبح رمزا للحق الفلسطيني المغتصب , والنضال الفلسطيني المشروع والامل الفلسطيني المرتقب . يعرفها القاصي والداني , ويرفعها المتضامنون مع القضية الفلسطينية في كل بقاع الارض . صماء بكماء لكنها عبرت عن القضية اكثر مما عبر عنها ذوو الاقلام البارعة والخطب الرنانة . حملها القائد الرمز الشهيد ابو عمار على راسه , وجاب بها الافاق , واوصلها الى المحافل الدولية , رافضا التخلي عنها رغم كل المغريات والتهديدات , وبقيت ملازمة له الى ان غُيّب الثرى , فحملها من بعده ابناؤه من اشبال الانتفاضات المباركة , انها القامة العملاقة ( الكوفية الفلسطينية ) , رمز نضال شعب سُلبت حقوقه على مرأى ومسمع ومؤازرة من يتغنون بالديمقراطية ويتشدّقون بحقوق الانسان , وعلى راسهم قطبا الظلم والطغيان ( بريطانيا وامريكا) . فما اصل الكوفية ؟ وكيف اصبحت رمزا للنضال الفلسطيني ؟ تعالوا ــ يا دام عزكم ــ ننبش كتب التراث علنا نجد ضالتنا المنشودة , بعد ان تصلوا على الحبيب .
الكوفية (هي غطاء للراس ) يوضع فوقها عقال اسود او مقصب يثبّتها , اصبح فيما بعد يرمز للرجولة والشهامة والنخوة , تنسب الكوفية الى مدينة الكوفة في العراق الاشم , يقال ان اصولها سومرية , حيث كان السومريون أصحاب أول حضارة في المنطقة العربية الحالية ، وقد كانت حرفتهم الرئيسية هي الصيد ، وافتخاراً بها قاموا بوضع تلك الخطوط السوداء المتقاطعة فوق كوفياتهم ، والتي ترمز إلى شباك الصيد . ويقال ان اول مصنع انشئ لصناعة الكوفية البيضاء او متشابكة الخيوط ؛ من سوداء وحمراء وخضراء , كان في مدينة الكوفة بالعراق , ثم انتقل الى الموصل , وانتشرت بعدها صناعة الكوفيات لتشمل الصين وبلاد الغرب كألمانيا وايطاليا .
انتشرت الكوفية بمسمياتها المختلفة ( الحطّة , الشماغ , والغُتْرة ) في بلاد المشرق العربي كالشام والعراق والجزيرة والخليج . في العهد العثماني أُلزِم موظفو الحكومة في المدن بلبس الطربوش , وشيئا فشيئا انتشر الطربوش في المدن وبقيت الكوفية او الحطة لباس اهل القرى والبوادي .
ارتبطت الكوفية الفلسطينية ــ بخيوطها المتشابكة السوداء ـــ بالنضال الفلسطيني ابان ثورة 1936 ضد الانتداب البريطاني على فلسطين , والتي تعدّ ثورة الريف الفلسطيني ( اهل القرى) بامتياز , فكان الثوار يلبسونها على عادتهم , ويتلثمون بها لكي لا يعرفهم الجنود الانكليز, فاخذ الجنود يتعقبون ويعتقلون كل من يلبس الكوفية على انه من الثوار . تنبّه قادة الثورة لذلك فأهابوا بسكان المدن احتضان ثورتهم وذلك بلبس الكوفية ليختفي الثوار بينهم , وشجعوا التجار على بيعها بثمن يقْدر عليه الكل . تشجع التجار واخذوا ينادون على بضاعتهم ويتندرون بما اشتهر :
(حطة وعقال بخمسة قروش , والنذل لابس طربوش) .
ليستيقظ العساكر البريطانيون ذات يوم فيجدوا أن الطرابيش قد اختفت ، وأن معظم الشعب صار يرتدي الكوفية والعقال ، والتي نظم فيها الشعراء الشعبيون أغانٍ لا زال الكثير منها، إلى يومنا هذا ، يجري على ألسنة الفلسطينيين : شباباً وشيوخاً ، نساء ورجالاً ، بل وحتى الأطفال منهم.
يا ابو عقال وكوفية والسمرة العربية
وكذلك : علّي الكوفية علّي ولولح فيها وغني عتابا ودحية وسامر فيها
لتصبح مع الايام رمزا لثورتهم التي عمّت سائر مدن وقرى الوطن الحبيب (فلسطين) .
في عام 1965 انطلقت الثورة الفلسطينية المجيدة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية وحركة التحرير الفلسطينية ( فتح) , واتخذ الزعيم الفلسطيني الكبير يا سر عرفات ــ طيب الله ثراه ــ الكوفية شعارا للثورة ولبسها على راسه على شكل خارطة فلسطين . من يومها بدأت الكوفية الفلسطينية تظهر في المؤتمرات والقمم العربية والعالمية على راس الزعيم المناضل ابو عمار , حتى وصلت نهاية المطاف الى الامم المتحدة .
بدأت الكوفية تلفت انظار شعوب العالم ابان الانتفاضة المباركة , فقد تلثّم بها شباب وبنات واطفال الانتفاضة الباسلة , وبدأت شاشات التلفزة تبثُّ صور مقاومة شعب اعزل الا من الحجارة , يقاوم اعتي قوة في هذا الزمن العجيب طلبا للحرية , وصاروا ويرون همجية الالة العسكرية الصهيونية , التي صُدّرت للعالم على انها ارقى وارق وارحم قوة احتلال واكثرها تحضرا , وبدأت ثقة الشعوب بالدعاية الصهيونية تهتز , وقناعاتها تتغير وتخالف حكوماتها , فبدأت الوقفات التضامنية مع الشعب الفلسطيني , واخذوا يبحثون عن الكوفية التي ظهرت في التلفزة لارتدائها , تعبيرا عن تضامنهم مع اهلها . مما حدا بألمانيا وايطاليا ان تفتحا مصانع لتصنيعها وبيعها , فهي بضاعة رائجة بالنسبة لهم بغض النظر عن موقف حكومتي البلدين من القضية برمتها .
تنبه اليهود لهذا الامر فحاولوا تشويه هذا الرمز بأية وسيلة , ولما عجزوا صنعوا كوفية تحاكي النموذج الفلسطيني , لكن باللون الازرق وعلى اطرافها العلَم الإسرائيلي , الا انها لم تلاق رواجا في بلاد الغرب , ولم تحل محل الكوفية الفلسطينية الرمز , ولم تشوه صورتها , ولم يلبسها احد , فاضطرت الى سحبها من الاسواق , والاكتفاء بلبسها من قبل المتطرفين من بني صهيون .
وبعدُ ــ ايها السادة الافاضل ــ اقول : اذن فالكوفية ذات الخيوط السوداء الان رمز النضال الفلسطيني بثورته وانتقاضاته ومقاومته المباركة . اما شرقي النهر على ارض الحشد والرباط فللكوفية شان اخر: فعندما انشئ الجيش العربي الاردني الباسل , لبس أشاوسه الكوفية الحمراء ( الشماغ ) ووُضِعَ تاج العزة ( الجيش العربي) على العقال , ليصيح الشماغ الاحمر رمزا للعزة والكرامة العربية والقوة والمنعة والاباء . لقد عانقت الكوفية السوداء الشماغ الاحمر في موقعة باب الواد في فلسطين عام 1948 , والتي خلّصت بيت المقدس من براثن الصهاينة ولولا الهدنة لسقطت تل ابيب بأيديهم . وعانق الشماغ الاحمر الكوفية السوداء على ارض الكرامة في غور الاردن عام 1968 , والتي كسّرت مخالب جنود الاحتلال بعد تفرعنهم وانتصارهم عام 67 . وستبقى الكوفية تعانق الشماغ في كل موقعة من مواقع البطولة والفداء , رغم كيد الكائدين وتامر المتآمرين وتخاذل المتخاذلين , ولن يستطيع ابن امرأة ــ كائنا من كان ــ , ومهما جد في الطلب ان يقطع اواصر الدم بين الشعبين الشقيقين , فالشعوب هي من يصنع التاريخ وليس الافراد او الساسة .
اقول : خائن ومتامر وعميل من يفرق بين ذرة تراب في ارض القدس الطهور واختها في عمان عاصمة الحشد والرباط . وخائن ومتامر وعميل من يفرق بين حبة رمل على شاطئ ام الرشراش ( ايلات) واختها على شاطئ العقبة . خائن ومتامر وعميل من يفرق بين شجرة زيتون في ارض الجليل المناضلة واختها في جبال عجلون الشماء . طبتم وطابت اوقاتكم .