أتعجب من صراع الإنسان المحموم نحو عطايا الدين والدنيا معاً؛ من كَر وفر لتحقيق المال والجاه، للفوز بالمناصبوالمراكز؛ من تسابق وتناحر في صلاة أو عُمْرَة أو حج من أجل نيل رضا الرب! وأتعجب أكثر أنه في سعيه هذا يتصارعويتقاتل، يتآمر ويتحازب، يريدها مكاسب غير منقوصة في الدنيا والآخرة، عطايا غير مشروطة في السماء وعلىالأرض.. لا يفكر برهةً أن انتصاره هزيمة لمستسلمين، وأن مكاسبه خسارة لمعدومين، وأن عطاياه منع لمستحقين.. لا ينتبهأنه انتصر قهراً وكسب سحتاً وسعى نحو الآخرة آثماً مذنباً!.. أهى أنانية مفرطة تتطلب التهذيب؟ أم شرور دفينةتستوجب التطهير؟، أم مُخلَّفات وشوائب تحتاج إلى المراجعة والتفنيد؟

في السراء والضراء، الخير الوفير، وفي الغنى والفقر المنح الكثير، وفى الصحة والوهن الحمد الجزيل، لكننا قليل مانعتبر.. يقول ابن عطاء الله السكندري: «ربما أعطاك الله فمنعك، وربما منعك فأعطاك، وإذا كشف لك الحكمة في المنع،عاد المنع عين العطاء» فالنعم الوفيرة قد تكون مصدر شرور وفتن، ابتلاء ونقم؛ ومنعها خير ونفع ومغنمُ، ففى منع النعمةعين العطاء، والرضا بقضاء الأقدار من أرفع درجات اليقين.

يقول السكندري: «متى فُتح لك باب الفهم في المنع، عاد المنع عين العطاء»، ثم يعود ليقول: «لا يكن تأخر أمد العطاء معالإلحاح في الدعاء موجباً ليأسك؛ فهو ضمن لك الإجابة فيما يختاره لك لا فيما تختاره لنفسك، وفى الوقت الذي يريد، لافي الوقت الذي تريد.»

فأمرنا جميعاً خير، سواء كنّا في ضيق أو فى يسر. يقول ابن عباس: «أول من يُدعى إلى الجنة يوم القيامة الذينيحمدون الله تعالى على كل حال.» ويقول عبد الله بن مسعود: «لأن ألحس جمرة أحرقت ما أحرقت، وأبقت ما أبقت أَحبإلى من أن أقول لشىء كان ليته لم يكن، أو لشىء لم يكن ليته كان.» وها هو الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) يقول:«عجبا لأمرِ المؤمنِ إِن أَمره كله خير وليس ذَاكَ لأحد إلا للمؤمنِ إن أَصابته سراء شكر فَكان خيرا له وإِن أَصابته ضَراءصبر فَكَانَ خيرا له.» كما يقول (صلى الله عليه وسلم): «من سعادة ابن ادم رضَاه بِما قضَى الله له، ومنْ شقاوة ابن آدمتركه استخارة اللَّه، ومنْ شقاوة ابن آدم سخطُه بما قضى الله له».

ليتنا نعتبر أن فى العطايا قد يكمن الابتلاء الدفين، وفى المنع قد يكمن الخير الوفير. ليتنا نحتسب ونحن نلهث خلفطموحاتنا ورغباتنا ألّا يكون ذلك بالافتراء على الآخرين فنظلم أنفسنا ونخسر العالمين، وليكن قول السكندرى ماثلاً،حاضرا: «ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك».

المصدر: حكم ابن عطاء
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 120 مشاهدة
نشرت فى 21 فبراير 2023 بواسطة nezarramadan

ساحة النقاش

نزار رمضان حسن

nezarramadan
مدرب تنمية بشرية بالمملكة العربية السعودية / مدرب معتمد في الكورت من معهد ديبونو بالأردن / متخصص رعاية موهوبين وهندسة التفكير/ مستشار في حل المشكلات الأسرية والشبابية / معهد اعداد دعاة / عضو شبكة المدربين العرب /مدرب في نظرية سكامبر/مدرب في نظرية تريزمن معهد ديبونو بالأردن / دبلوم برمجة لغوية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

391,333