حالة من الغضب والتعاطف العربي والدولي لقتل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقا، ضمن فيديو تداولته وسائل الإعلام المختلفة موثقا بالصوت والصورة يظهر فيه عناصر من التنظيم وهم يحرقون الكساسبة حيا داخل قفص حديدي.
هذه الحالة أحدثت انفصاما في التعاطي العربي والدولي ، مع الحادثة، على الرغم من أنها ليست غريبة على المشاهد العربي، والذي ارتكب بعض من حكامه مجازر حرق وإبادة جماعية لنساء وأطفال وشيوخ، دون أن يحرك ساكنا.
لم يختلف المراقبون كثيرًا أن عملية إعدام الكساسبة بهذا الشكل المؤلم تبدو وحشية وفظة ومستنكرة، إلا أنهم سلطوا الضوء على ازدواجية المعايير الدولية في التعامل مع القضايا الإنسانية، حيث يأتي إعدام الكساسبة حرقًا بعد عدة أشهر من حادثة مماثلة قام خلالها مستوطنون صهاينة باختطاف الطفل محمد أبو خضير وإحراقه حيًا.
في التقرير التالي، سلطت” ساسة بوست” الضوء على بعض من الدول في العالم تعيش حتى اللحظة أصنافا مختلفة من التعذيب والاضطهاد والحرق والتنكيل، في ظل انعدام الصوت والتعاطف معها.
أولا: بورما
لطالما ارتكب البوذييون البورميون أبشع وسائل التعذيب والاضطهاد بحق المسلمين” الروهنجيا” في بورما، تمثلت معظمها في إبادتهم جماعيا حرقا، وتشريدهم، وتعذيبهم، أمام مرأى ومسمع العالم العربي والدولي، دون أن يحرك ساكنا.
كل ما يفعله البوذيين ضد فئة قليلة محاصرة من المسلمين في بورما، يأتي في سياق منع انتشار الإسلام في المنطقة، حيث لا يزالون يقتلون ويحرقون ويعذبون بصمت، دون أدنى تعاطف معهم.
حتى أن أحوال المعذبين في “الروهنجيا” بعد الانتخابات التي جرت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2010م لم تتغير، بل تزداد سوءًا، في ظل مخطط إخراج المسلمين من منطقة “أراكان”، وبالفعل نجحت هذه الممارسات في تهجير 3ـ 4 مليون مسلم حتى الآن ومئات آلاف القتلى.
وواجه المسلمون في بورما الاستعمار الإنجليزي بقوة مما جعل بريطانيا تخشاهم، فبدأت حملتها للتخلص من نفوذ المسلمين باعتماد سياساتها المعروفة “فرق تسد” فعمدت على تحريض البوذيين ضد المسلمين، وأمدتهم بالسلاح حتى أوقعوا بالمسلمين مذبحةً عام 1942م فتكوا خلالها بحوالي مائة ألف مسلم في أراكان.
آخر حملات الإبادة كانت في بداية عام 2013, حينما أحرقت ودمرت القوات البوذية المسلحة قرى المسلمين، وطاردت الفارين منهم في الحقول والبساتين, وخلفت ورائها خمسمائة قتيل, وأكثر من ألفي جريح, ثم تكرر الهجوم بعد شهرين, على سكان مدينة “تونجو” لتتكدس الجثث فوق بعضها البعض في صور مروعة بثتها الفضائيات غير الإسلامية في أكثر من محطة.
إذن هي مأساة حقيقية لشعب مسلم لم يسمع به عامة الناس، ولم يثأروا له, ولا يزال يتعرض للتشريد والتعذيب والموت والإبادة بأبشع الأساليب الوحشية, من دون أن تتحرك المنظمات الدولية والإسلامية لنجدته, وحتى الحكومات.
ثانيا: أفريقيا الوسطى
تشهد جمهورية أفريقيا الوسطى منذ عدة أشهر عمليات وصفت بـ”التطهير الديني” ضد المسلمين على أيدي ميليشيات مسيحية، أدت إلى مقتل المئات ونزوح الآلاف خوفا من عمليات القتل العشوائية، الأمر الذي استدعى إرسال فرنسا قوات -اتهمت فيما بعد بالانحياز ضد المسلمين- لمساعدة قوات حفظ السلام الأفريقية، وسط تنديد واسع من المنظمات الدولية.
آخر ما جرى في أفريقيا الوسطى هو إقدام مسيحيون من مليشيا “أنتي بالاكا” على حرق شاب مسلم وهو حي، مما دفع مسلمين غاضبين للقيام بأعمال انتقامية أسفرت عن مقتل سائق سيارة أجرة وفق إفادات لشهود عيان، وعلى أثر ذلك بدأت حالة من التوتر بأحياء بانغي عاصمة أفريقيا الوسطى.
وأثار وصول الجثة المتفحّمة إلى حي المسلمين ببانغي موجة احتقان وغضب عارمة، فأوقفت الحشود الغاضبة أول سيارة أجرة وطعنت سائقها وراكبيها الاثنين، قبل أن تضرم النيران في السيارة.
ثالثا: فلسطين
لعل أبرز حادثة حرق عايشها الفلسطينيون مؤخرا هي إقدام بعض من المستوطنين الإسرائيليين على خطف الفتى محمد أبو خضير من أمام منزله فجرا في مدينة القدس المحتلة، وحرقه حيا، في تموز الماضي.
انتفض الفلسطينيون وحدهم، في معظم مدن الضفة المحتلة وقطاع غزة، بينما بات الموقف الرسمي الفلسطيني والعربي وحتى الدولي خجولا حيال ذلك، دون فتح أي تحقيق مع إسرائيل.
ليست حادثة أبو خضير وحدها في فلسطين، بل شملت الحروب الثلاثة الأخيرة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة أصنافا من الحرق، خاصة في الحرب الأولى عام 2008-2009 والتي استخدمت فيها سلاح الفسفور الأبيض” لأول مرة، وما نتج عنه من حرق الجثث وتفحمها.
رابعا: مصر
في مصر وتحديدا عقب شهر من الانقلاب على الرئيس محمد مرسي في الثالث من تموز/يوليو عام 2013 فضت الشرطة المصرية -مدعومة بقوات من الجيش- اعتصامين مؤيدين للرئيس مرسي رابعة العدوية والنهضة بالقاهرة بعد أكثر من 48 يوما قضاها المعتصمون هناك، مما خلف آلاف القتلى والجرحى.
حينها غرقت مصر منذ فضت قوات الأمن اعتصامي رابعة والنهضة في بحر من الدماء، ليسقط عقب ذلك مئات المصريين في التظاهرات التي قوبلت بعنف من قبل قوات الأمن التي اعتقلت الآلاف منهم.
لكن، أبرز ما ارتكبه الجيش المصري بحق المعتصمين هو حرق جثث بعضهم جماعات، بعد أن تم دهسهم بـ”الجرافات” والمدرعات، وسط صمت عربي ودولي حيال ما جرى للمعتصمين في الميدانين، والاكتفاء بالدعوة إلى ضرورة تغليب لغة الحوار.
مستشفى رابعة الذي ما يزال شاهدا على ما اقترفه الجيش المصري من حرق جثث المصابين داخله بعد أن أشعلوا النيران داخله، لتخرج جثث متفحمة تناقلتها وسائل الإعلام العربية والدولية آنذاك.
خامسا: سوريا
منذ أن بدأ الصراع في سوريا منتصف آذار/مارس 2011 والجاري حتى اللحظة، العديد من مجازر الإبادة والحرق والتعذيب تجري على قدم وساق بحق أطفال ونساء سوريا، حتى أن بلدات ومدن وقرى أبيدت عن بكرة أبيها دون أن يسمع لها إدانة، أو حتى ضجيج كما يجري حاليا بحق الطيار الأردني الكساسبة.
ولعل أبرز ما يتعرض له الأطفال على يد النظام السوري الضرب بأسلاك معدنية وسياط وهروات خشبية ومعدنية والصعق بالكهرباء، بما في ذلك صعق أعضائهم التناسلية وخلع أظافر اليدين والقدمين، والعنف الجنسي الذي يشمل الاغتصاب أو التهديد به والإيحاء بالإعدام والحرق بالسجائر والحرمان من النوم والحبس الانفرادي وتعذيب أقارب أمامهم.