لقد حبانا الله عزَّ وجلَّ بدين عظيم، وهدانا إلى صراط مستقيم، فيه الغُنيةُ والكفاية، وبه السعادة والهداية، منه الأمن والسلام، وإليه الحبُّ والوئام، من أقبل عليه أعزَّه الله بقدر ما تمسَّك وأخذ، ومن أعرض عنه أذلَّه الله بقدر ما ترك وجحد.
وقد أكمل الله دين الإسلام، فلا نفتقر بعده إلى رأيِ مخترِع ولا هوى مبتدِعٍ ولا تصويت مقنِّنٍ مشرِّع، وإن النعمة قد تمَّت بالإيمان، فاكتملت الفرحة وتمَّ السرور، قال تعالى: {ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإسْلاَمَ دِيناً}[المائدة:3].
وقد مكر اليهود والنصارى بالأمة الإسلامية، في محاولة للقضاء على قيمها ومبادئها الأخلاقية، فبذلوا في سبيل ذلك أعزَّ أوقاتهم وأنفسَ أموالهم، وسخّروا لذلك العقول والطاقات، وسطَّروا المناهج والمخططات، ولقد أصابت سهامهم، وأثخنت رماحهم، كيف لا؟! والسنة الكونية تقرِّر أن من جدَّ وجد، ومن زرع حصد. ولذلك صرنا اليوم نرى مظاهر ما كنا نراها بالأمس القريب، صرنا نرى الجرأة على الدين والتبجّح بالمعاصي، ناهيكم عن التشكيك في ثوابت هذه الأمة، وزعزعة مبادئها وأصولها.
وها هي جيوش المعتدين تَكِرّ من جديد، وتروّج لعيد ما أمكَرَه من عيد، عيدٍ سموه بغير اسمه تدليسًا وتلبيسًا، سمّوه باسم شريف، ليروج على التقي النقي العفيف، سموه عيد الحب وهو في الحقيقة عيد الخنا والرذيلة والعهر، ينشرون الرذائل في أثواب الفضائل، وهذه سنة إبليسية قديمة، فضحها الله في كتابه، وكشف أمرها لعباده، فقال عن مكر إبليس بأبينا آدم وأمنا حواء: {وَقَاسَمَهُمَا إِنّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّـٰصِحِينَ}[الأعراف:152].
قصة عيد الحب
جاء في الموسوعات عن هذا اليوم ( يوم عيد الحب ) أن الرومان كانوا يحتفلون بعيد يدعى "لوبركيليا" في 15 فبراير من كل عام، وكانوا يقدمون القرابين لآلهتهم المزعومة، كي تحمي مراعيهم من الذئاب، وكان ذلك اليوم يوافق عندهم عطلة الربيع؛ حيث كان حسابهم للشهور يختلف عن حساب الناس اليوم.
وفي أول عهد الدعوة للنصرانية أصدر الإمبراطور "كلايديس الثاني" قرارا بمنع الزواج على الجنود، وكان هناك راهب نصراني يدعى "فالنتاين" تصدى لهذا القرار، فكان يبرم عقود الزواج خُفيةً، فلما افتضح أمرُه حُكم عليه بالإعدام.
وفي السجن وقع في حب ابنة السجّان، وكان هذا سرًّا؛ لأنَّ شريعة النصارى تحرّم على القساوسة والرهبان الزواج وإقامة علاقات عاطفية، ولكن شفع له لديهم ثباتُه على النصرانية، حيث عَرض عليه الإمبراطور أن يعفوَ عنه شرط أن يترك النصرانية ويعبُد آلهة الرومان، ويكون لديه من المقربين ويجعله صهراً له، إلا أنه رفض هذا العرض وآثر النصرانية، فأٌعدم يوم 14 فبراير عام 270م ليلةَ عيد الرومان، ومن ذلك الحين أطلق عليه لقب القديس.
وبعدما انتشرت النصرانية في أوربا أصبح العيد ( عيد الحب ) يوم 14 فبراير، وسمي بعيد القديس فالنتاين، إحياءً لذكراه، لأنه فدى النصرانية بروحه، وقام برعاية المحبين كما زعموا.
هذه هي قصة العيد، ومع ذلك وللأسف الشديد غُرِّر بكثير من الشباب والفتيات لضعف إيمانٍ من بعضهم وجهلِ وغفلة من آخرين، ونقص توجيهٍ وإرشادٍ من الدعاة الناصحين، غُرّر بهم فاغترّوا بهذا العيد، وراحوا يحتفلون به ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ومن مظاهر الاحتفال بـ عيد الحب لبسُ الفساتين الحمراء، وانتشار الورود الحمراء، وتبادل التهاني والتحيات، والهدايا والبرقيات، وتذكر الزوجات والخليلات، بل عَدُّوا ذلك من علامات الإخلاص في الحب، وأن من لم يهنِّئ زوجته في ذلك اليوم، أو لم يهد لها هدية فليس بمخلص لها في حبها، فإلى الله المشتكى.
فكيف يرضى مسلم لنفسه ولمن يعول ويرعى أن يحتفل بـ عيد الحب المزعوم؟!
كيف يرضى أن يحتفل بعيد القسيس "فالنتاين" الذي كان يسبّ الله صباحَ مساء ويقول: "إنه ثالث ثلاثة، وإنه اتخذ صاحبة وولدًا"؟، تعالى الله عما يقول الأفاكون علوًا كبيرًا.
أيُّ حبٍّ هذا الذي يحتفل به أعداء الإنسانية بل أعداء أنفسِهم؟
فكم أبادوا من قرى، وقهروا من شعوب؟!
كم نهبوا من أموال ودمَّروا من ممتلكات؟!
اضطهدوا الإنسان باسم حقوق الإنسان، وقتلوا الأنفس باسم الدفاع عن النفس!.
أين الحبُّ عند من يصنع أسلحة الدمار وعتاد الفساد، ثم يجرِّبها على أضعف العباد وأفقر البلاد؟!
متى عرف الحب من سفك دماء الأبرياء، ويتَّم الأطفال ورمَّل النساء، وأخذ البريء بجريرة المشبوه فضلا عن المسيء؟! إنه ما عرف العدل حتى يعرف الحب!
فكيف يُتَصوَّر حبٌ ممَّن خرق البنود والعقود، ونقض الوعود والعهود، وتجاوز المواثيق والأعراف، فهل تلد الأفاعي إلا الأفاعي؟!
حكم الاحتفال بعيد الحب
جاء التحذير في كتاب ربنا وسنة نبينا من اتباع سنن الكافرين، وبالتالي من مشاركتهم في أعيادهم ومنها:
قول الله تعالى في وصف عباد الرحمن : {والذين لا يشهدون الزور}[الفرقان:72].
قال ابن سيرين: "هو الشعانين" (عيد من أعياد النصارى). وقال مجاهد: "أعياد المشركين". وروي نحوه عن الضحاك.
2- وقوله: {لكل أمة جعلنا منسكاً هم ناسكوه}[الحج:67].
3- وقوله تعالى: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا}[المائدة:48].
قال ابن تيمية: "الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله سبحانه لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا، وقال: لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه كالقبلة والصلاة والصيام فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج، فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره, ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروطه. وأما مبدؤها فأقل أحواله أن يكون معصية وإلى هذا الاختصاص أشار النبي بقوله: "إن لكل قوم عيدا وإن هذا عيدنا[1]" [2]"
الأعياد من خصائص الأديان:
جاء في حديث عائشة أن النبي قال: "يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا"[3].
وفي حديث عقبة بن عامر مرفوعًا: "يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب"[4].
قال ابن تيمية: "هذا الحديث وغيره قد دل على أنه كان للناس في الجاهلية أعياد يجتمعون فيها، ومعلوم أنه لما بعث رسول الله محا الله ذلك عنه فلم يبق شيء من ذلك، ومعلوم أنه لولا نهيه ومنعه لما ترك الناس تلك الأعياد ..... وهذا يوجب العلم اليقيني بأن إمام المتقين كان يمنع أمته منعًا قويًا عن أعياد الكفار ويسعى في دروسها وطموسها بكل سبيل".[5].
كما أنه جاءت نصوص كثيرة في الأمر بمخالفة الكافرين واجتناب أفعالهم الدينية والدنيوية:
1- قال النبي : "إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم"[6].
2- وقال : "خالفوا المشركين؛ أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى"[7].
3- وقال : "صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود،صوموا قبله يوماً أو بعده يوماً"[8].
علة النهي عن التشبه بالكافرين:
من الحكم العظيمة التي من أجلها نهى الله عن التشبه بالكافرين أن مشابهتهم تورث محبتهم وموالاتهم، وذلك ينافي الإيمان.
قال ابن تيمية: "لو اجتمع رجلان في سفر أو بلد غريب وكانت بينهما مشابهة في العمامة أو الثياب أو الشعر أو المركوب ونحو ذلك لكان بينهما من الائتلاف أكثر مما بين غيرهما، وكذلك تجد أرباب الصناعات الدنيوية يألف بعضهم بعضاً ما لا يألفون غيرهم".
هذا في المشابهة في الأمور الدنيوية، فكيف بمشابهتهم في الأمور الدينية؟ لاشك أن إفضاءها إلى المحبة والموالات أكثر وأشد.
وبعد أخي الحبيب وأختي الكريمة أما يكفينا ما شرعه لنا رب العالمين وسنه لنا إمام المرسلين ؟!
يقول وهو ينهى الأنصار عن الاحتفال بعيديهم في الجاهلية: "إن الله قد أبدلكما خيراً منهما: يوم الأضحى وعيد الفطر"[9].
الحب في شريعة الإسلام
إن الحب عند المسلمين معنى عظيمٌ شريف، يقول ابن القيم رحمه الله: "فبالمحبة وللمحبة وجدت الأرض والسموات، وعليها فطرت المخلوقات، ولها تحركت الأفلاك الدائرات، وبها وصلت الحركات إلى غاياتها، واتصلت بداياتها بنهاياتها، وبها ظفرت النفوس بمطالبها، وحصلت على نيل مآربها، وتخلصت من معاطبها، واتخذت إلى ربها سبيلاً، وكان لها دون غيره مأمولاً وسؤلا، وبها نالت الحياةَ الطيبة وذاقت طعم الإيمان لما رضيت بالله ربا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولاً"[10].
ولقد ضرب قدوتنا وحبيبنا المصطفى أروع الأمثلة للحب، فهذه الصديقة بنت الصديق تحكي لنا وفاءَه الصادق المستمر لخديجة فتقول: ما غرت على امرأة للنبي ما غرت على خديجة، هلكتْ قبل أن يتزوجني بثلاث سنين، لِما كنت أسمعه يذكرها، وفي لفظ: من كثرة ذكر رسول الله إياها، وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها -أي صديقاتها- منها ما يسعهن[11]، هذا هو الحب الراسخ الذي يدل على صدقه العمل الصالح.
ومن حرصه على هذه المعاني العظيمة دلَّ أمَّته إلى ما يحقِّق لهم الحبَّ فيما بينهم، وأعظم من ذلك أنه جعل دخول الجنة معلقا على تحقيق هذه الخصلة الكريمة، فقال: "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟! أفشوا السلام بينكم"[12]، وقال مبينا سببا آخر لتحقيق الحب: "تهادوا تحابوا"[13] ، وقال: "إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه"[14] في أحاديث كثيرة تبيِّن حرصه الشديد على إفشاء الحب في المجتمع، والحث على الأسباب المعينة عليه، والتحذير من كل ما يضعفه أو يذهبه.
بل إنَّ المسلم تمتد عاطفته لتشمل حتى الجمادات فهذا جبل أحد يقول عنه عليه الصلاة والسلام: "هذا أحد جبل يحبنا ونحبه"[15].
والعجب العجاب أنك ترى ترى هؤلاء الأفاكين المبطلين، وحلفاءهم من ضعفة النفوس والمنافقين، وأذنابهم من المخدوعين المغرورين، يستغلون هذا الاسم بدهاء، ويستخدمونه بمكر، ويطلقونه كذبًا وزورًا على العلاقات الغرامية، والأحلام الوهمية التي سرعان ما تتبخر في أرض الواقع، وتخفق في أرض التجربة.
إننا والله في زمان انقلبت فيه الموازين واختلت فيه المقاييس والتبست الحقائق، وسميت فيه الأشياء بغير أسمائها؛ فسمي الفسوق والخنا والفجور والزنا حبًا، وسميت العفة والحياء والحشمة والوفاء مرضًا، وسميت العلاقة الزوجية الكريمة والحياة الأسرية النبيلة عبئا وقيدًا، وسمي قطع الطريق وقتل الأبرياء جهادًا، وسمي الجهاد الحق، الجهاد في سبيل الله ونصرة دينه وإعلاء كلمته، سمي إرهابًا، وسمي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اعتداءً وتدخلا في الشؤون الخاصة، وسميت التقاليد البالية والعادات الدنية تراثًا وثقافة، وسمي التمسك بالدين وإحياء السنة رجعية وتخلفًا، وسمي تقليد الكفار ومشابهة الفجار رقيًا وتقدمًا، وسمي الرقص والغناء والمجون والبغاء فنًا، إنها –والله- لمن أشراط الساعة ولا حول ولا قوة إلا بالله.