جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
من الاستبصارات الهامة خلال الثورة أني اكتشفت سببا جديدا يضاف لأسباب الكذب .. فكنت بالأمس القريب اعلم أن السبب في الكذب أمران هما : الخوف من العقاب ؛ و بالتالي نلف و ندور و نطرح كل الأكاذيب الممكنة أملا في الافلات بفعلتنا التي تستوجب العقاب و العواقب المؤلمة لنا ..
و ثاني هذه الأسباب هي الرغبة في الوصول لصورة شخصية في أعين الآخرين لا يمكننا الوصول لها في الواقع ؛ فنقع في " الفشر " و نتحدث عن أفعال عظيمة فعلناها و مواقف نبيلة وقفناها .. و للحق كنت أتعاطف نوعا مع هذه الشخص المصاب بأنيما حادة في تقدير الذات للدرجة التي لا يمكنه احتمالها فيضخم هذه الذات كذبا و زورا .. و اعرف أنك ربما تقول لا تهاون مع كاذب .. و لكني كنت انظر له من زاوية أنه بحاجة لعلاج فهو التعاطف مع المريض الذي يحتاج للتعافي ..
و ربما كان أخف وطأة من النوع الثالث من الكذب - المكتشف أثناء الثورة - و هو الكذب المقصود حتى أسير الآخرين وفق ما أريد و أرى .. فانقل جزءا مبتورا مضللا من الحقائق ؛ أو انقل معلومة في غير سياقها حتى تفهمها كما أريدك أن تفهمها فاوجهك لما أريدك أن تفعله ..
و هذا النوع من الكذب ذات العيار الثقيل الذي تمارسه وسائل الإعلام المضللة و الذي يمارسه الساسة للوصول لمآربهم ؛ فحين تذكر حقيقة واحدة و هناك حقائق أخرى ؛ حين تذكر حقائق في سياق خاطىء أو مبتور فأنت توجهني عنوة لما تريد لعقلي أن يتعامل معه .. و أحسب أن هذه جريمة لابد أن نجد قانون يعاقب عليها ..
و ربما يمارس هذه النوع أيضا من الذكب " بنية طيبة " بعض الدعاة حين يرون للصواب وجها واحدا ؛ و حين يعتقدون أنهم فقط ملاك الحقيقة المطلقة ؛ و حين يتوهمون أنهم الوحيدون القادرون على تقدير المواقف و على التصرف و الفهم .. متناسين تماما أن رب العباد خلق عقلا لكل العباد ؛ و لهذا العقل احترام و قداسة لا يجوز المساس بها حيث أن " الحفاظ على العقل " أحد مقاصد الشريعة الأساسية..
و هذا النوع من الكذب ليس حسن النية مطلقا فغالبا يريد صاحبه تحقيق مكاسب شخصية و استخدام الآخرين للوصول لهذه المكاسب .. بل يصل الامر أنه يريد التماس التصيديق و التأييد لما يفعل .
و المؤسف أننا أثناء تربية أولادنا نقع أحيانا في هذا النوع المتغطرس من الكذب " دون أن نسميه كذبا بالطبع " ؛ فنذكر لأولادنا الحقائق التي نريدهم أن يعرفوها فقط ؛ و نحاول أن ننقل جزء من الحقيقة بطريقة مؤثرة موجهة حتى يفعلوا ما نريدهم أن يفعلوه فقط ..
واعلم أنه لا يقدر على غير هذا إلا المؤمن فعلا بالحرية ؛ و القادر على ممارستها و الفاهم للمعنى الواسع العميق للصدق .. فإن تركت المعلومات حرة فالبطبع قد يختار الآخرون ما لا أريدهم أن يختاروه ؛ و قد اكتشف أني على خطأ و هو مؤلم للنفس لا محالة ؛ و قد أجد أني لست هذا الصوت المسموع و هو أيضا مؤلم و لا شك ..فلنراجع صدقنا و مداه ؛ و لنراجع قدرتنا على ممارسة الحرية و افساح الحرية للآخرين .. و أحسب أن : " حيث يوجد الصدق توجد الحرية ! "
نيفين عبدالله
مدير مركز أجيال للاستشارات و التدريب الأسري
ساحة النقاش