نظرات

موقع اجتماعي سياسي و تربوي ونفسي يهتم بالطفل وتربيته وقصصه

مازال الرئيس السابق حسنى مبارك بعيدا عن دائرة الاتهام فى قضية قتل المتظاهرين فى أحداث ثورة 25 يناير، بالرغم من القرائن التى تفيد بأنه لا يمكن أن يكون بمنأى عنها، ولا تقتصر هذه القرائن على ما ورد فى تقرير لجنة تقصى الحقائق المشتركة بين المجلس القومى والمنظمة العربية لحقوق الإنسان متضمنا اتهام مبارك ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى بالمسؤولية عن إطلاق الرصاص الحى خلال أحداث ثورة 25 يناير، هذا فضلا عن الاتهامات المتعلقة بحجم ثروته وما قد يكون مهرَّبا منها إلى الخارج.

ولذلك صار مثول مبارك أمام تحقيق شفَّاف واجباً دون إبطاء، كما أصبحت إحالته إلى المحاكمة وجوبية إذا أسفر هذا التحقيق عن أنه ليس بعيدا عن دائرة المسؤولية عن قرار إطلاق النار على المتظاهرين، أو أنه أثرى بطرق غير مشروعة أو هرَّب أموالاً إلى الخارج.

فليس شرطا أن تكون هناك أدلة حاسمة على ذلك، وإلا انتفت الحاجة إلى المحاكمة التى تنتهى إلى الإدانة أو التبرئة، فالمهم هو القضاء على «التابو» الخاص بشخص الحاكم أو رئيس الجمهورية، وإزالة القداسة الزائفة عن هذا المنصب، وتأكيد أن شاغله هو موظف عام يختاره الناس عبر الانتخابات ولهم الحق فى مراقبته ومحاسبته ومساءلته وعزله وطلب محاكمته، وتثبيت مبدأ أن أى رئيس لن يكون فوق القانون وأن حصانته ترتبط باحترامه هذا القانون خلال فترة رئاسته وتنتهى بعدها.

وفضلا عن أن هذا هو الحق والعدل، فمصر ليست أقل من إسرائيل التى حُوكم رئيسها السابق موشيه كتساف متهما فى قضيتى اغتصاب وتحرش، وحُكم عليه قبل أيام بالسجن سبع سنوات مع الشغل وعامين آخرين مع وقف التنفيذ وغرامة مالية.

لم يضعه منصبه الرفيع فوق القانون بالرغم من أنه لم يُتهم بقتل مئات وإصابة الآلاف فقد بعضهم البصر، بل جعل محاكمته أكثر وجوباً، وجاء فى حيثيات الحكم ما ينبغى أن يتأمله جيدا من يملكون القرار بشأن محاكمة مبارك: (إن المتهم رمز من رموز إسرائيل، ولذلك فإن ارتكابه هذه الأفعال أثناء توليه منصبه الرفيع يزيد من خطورة أفعاله).

والحال أن تحدى إحالة مبارك إلى المحاكمة من عدمه يتجاوز شخصه، ومنصبه الذى تخلى عنه أو أُرغم على تركه، والقضية التى تتوفر قرائن على أنه أحد أركانها، إن لم يكن الركن الرئيسى فيها. فهذه قضية تتعلق بمستقبل مصر ونظامها السياسى الجديد ودور رئيس الجمهورية فيه.

فالتحدى الأساسى هو ترسيخ معنى أن الرئيس، أياً يكون، إنما هو بشر يخطئ ويصيب، وأن الناس ينتخبونه ليعمل من أجل أن تكون أوضاعهم أفضل وبلدهم أرقى، لا ليصبح «إلهاً» يستعبدهم، وأن من يأتون به يستطيعون محاسبته ومساءلته وعزله ومحاكمته.

فالمسألة، هنا، لا تتعلق بمبارك شخصيا ولا صلة لها بأى ميل لدى البعض إلى الانتقام منه، إنها مسألة مبدأ لا يمكن أن تكون مصر القادمة جديدة إلا إذا أصبح راسخا، وهو أن الرئيس رمز للدولة ولكنه ليس الدولة نفسها.

وهذا مبدأ أساسى فى العلاقة بين المواطن وأجهزة الدولة كلها، وليس فقط بينه وبين الرئيس، وتبدو أهميته بالغة على صعيد إعادة بناء جهاز الأمن الذى أفسده الولاء لنظام وشخص وليس لوطن ودولة وشعب، فقد روى بعض شباب الثورة أنه فى مناقشات عارضة دارت مع ضباط شرطة يوم 25 يناير وفى اليومين التاليين، قال بعض هؤلاء إنهم متعاطفون مع المطالب ولكنهم أقسموا قسم الولاء للنظام، وهذا خلط فادح بين الدولة الثابتة ونظام الحكم المتغير.

وحين يُختزل النظام فى فرد، يصبح من يوالون هذا النظام حراسا لحكمه يضعون أنفسهم فى خدمته، وهذا هو ما فعله قادة جهاز الأمن والكثير من ضباطه، ولكن الجيش تصرف بشكل مختلف تماما، لأنه يدرك الفرق بين الدولة والوطن من ناحية والنظام الحاكم ورئيسه من ناحية أخرى، بخلاف قادة جيوش فى بلاد عربية أخرى قال قائد إحداها (اليمن) قبل أيام إن (قوات الجيش والأمن ستظل وفية للقسم الذى أداه كل أفرادها أمام الله والوطن والقيادة السياسية ممثلة فى فخامة الرئيس).

فلا قسم لرؤساء ولا فخامات فى الدولة الديمقراطية التى نصبو إليها اليوم، بل لدولة حرة ووطن عزيز كريم. هذا إذا أردنا أن نبدأ عصراً جديداً حقاً تستعيد فيه مصر مكانتها ودورها لتعود هى الدولة الإقليمية الكبرى التى لا يصح أن تبقى إسرائيل متفوقة عليها. فمن أهم عناصر هذا التفوق نظام يقوم على استقلال كامل للقضاء ومساواة تامة أمام القانون (بين اليهود بالطبع وليس مع عرب 1948). وهذا هو ما عبر عنه نتنياهو يوم إصدار الحكم على كتساف بقوله إنه يوم حزين للدولة، ولكنه يوم يفرض الاحترام، لأن النظام القضائى أكد مجدداً مبدأ المساواة بين الجميع أمام القانون.

فهل نتطلع إلى أن يكون أحد أيام مصر المقبلة من هذا النوع؟

المصدر: د. وحيد عبدالمجيد ( المصري اليوم ) / العنوان من ( نظرات ) العنوان الحقيقي ( محاكمة مبارك والدرس الاسرائيلي )
  • Currently 34/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
11 تصويتات / 468 مشاهدة
نشرت فى 2 إبريل 2011 بواسطة nazrat

ساحة النقاش

محمدمسعدالبرديسي

nazrat
( نظرات ) موقع إجتماعي يشغله هم المجتمع سياسيا وتربويا بداية من الاسرة الى الارحام من جد وعم وخال الى آخره , الاهتمام السياسي أساسه الدين النصيحة و يهتم بالثقافةبألوانها ويعد الجانب النفسي والاهتمام به محور هام في الموقع كذلك الاهتمام بالطفل ثقافة وصحة »

ماذا تود البحث عنه ؟

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

618,876

مصر بخير

                         
* الشكر واجب للسيد العقيد هشام سمير  بجوازات التحرير , متميز في معاملة الجمهور على أي شاكلة ..

* تحية للمهندس المصري محمد محمد عبدالنبي بشركة المياه