ظهر هذا الكتاب ضمن سلسلة الأعمال العلمية التى تصدر عن مشروع مكتبة الأسرة، وهو مجموعة من المقالات والدراسات سبق أن نشرها الكاتب فى مصادر عدة، يقدم الكاتب من خلالها صورة متوازنة عن بعض جوانب تكنولجيا المعلومات، وقد حاول فى سبيل ذلك أن ينأى عن الحديث الشائع عن تكنولوجيا المعلومات الذى ساده طابع الانبهار بالجوانب التكنولوجية وغابت عنه الجوانب الاجتماعية الأخرى.
ويؤكد الكاتب فى تقديمه للكتاب على أن تطور المجتمع الإنسانى شهد أننا قد أسأنا استخدام التكنولوجيا وجعلنا منها سلاحًا فى يد القوى يرهب به الضعيف، وأداة لاتساع الفجوة بين من يمتلكها ومن يفتقد إليها. ما أعظم الفرص والآمال التى تبشر بها هذه التكنولوجيا وما أعظم التحديات الجسام التى تنطوى عليها كذلك.
وقد خرج الكتاب فى اثنى عشر فصلاً، الفصل الأول منها بعنوان : تكنولوجيا المعلومات وعالمها الجديد، ويؤكد الكاتب فى هذا الفصل على أن الثورة التكنولوجية وليدة التلاقى الخصب لثالوث عتاد الكمبيوتر Hardware والبرمجيات Software وشبكات الاتصالات، وعلى مدى نصف القرن الأخير ارتقت هذه التكنولوجيا خلال سلسلة من النقلات النوعية صوب الأصغر والأسرع والأكفأ والأهم من ذلك صوب الأرخص والأسهل استخدامًا. فقد ارتقى الكمبيوتر من كونه آلة حاسبة ضخمة لمعالجة البيانات والأرقام، إلى آلة لتخزين المعلومات ومعالجتها واسترجاعها، وبفضل الذكاء الاصطناعى إلى آلة معالجة المعارف. كما تحدث فيه المؤلف عن الذكاء الاصطناعى والواقع الخيالى والإنترنت، وكيف أن تكنولوجيا المعلومات تختلف اختلافا جوهريًا عما سبقها من تكنولوجيات نظرًا لتعاملها مع جميع عناصر المجتمع الإنسانى المادية وغير المادية.
وقد خلص الفصل إلى أن مصير العالم فى قبضة المحتمل ورهنًا بقدرة الإنسان على أن يسيطر بعقله على ما صنعته يده، وأن البشرية تمر حاليًا بمرحلة المخاض العسير لمجتمع المعلومات تتنازعها الآمال والمخاوف، فالبعض ينذر بقوة تكنولوجيا المعلومات فى حل مشاكل البشر على كثرتها واختلافها بل امتصاص الآثار السلبية التى نجمت عن التكنولوجيا الصناعية، والبعض ينذر بفجوة رقمية ساحقة تصدع كيان المجتمع الإنسانى وتفصل بين من يملك المعرفة ومن لا يملكها، وهى موضوع الفصل الثانى بعنوان : الفجوة الرقمية من منظور عربى.
والفجوة الرقمية مصطلح نشأ فى الولايات المتحدة الأمريكية، وكان لهذه النشأة أثرها الواضح فى تحديد مفهومها ومؤشرات قياسها وكذلك الحلول المقترحة بشأنها، ويشير الكاتب إلى أن هذا المصطلح يدل على الفروق بين من يملك المعلومات ومن يفتقدها، وبين من يسهم فى صنع تكنولوجيات المعلومات والاتصالات واستغلالها ومن يتم استبعادهم كليًا أو جزئيًا من حلبة السباق المعلوماتى. ثم يتناول الكاتب الدورة الكاملة لعملية اكتساب المعرفة ويحددها فى : النفاذ إلى مصادر المعرفة، واستيعاب المعرفة، واستخلاص المعرفة وتنظيمها، وتوظيف المعرفة، وتوليد المعرفة الجديدة، وإهلاك المعرفة القديمة أو إحلالها بالجديد.
ثم يتطرق هذا الفصل إلى الفجوة الرقمية فى العالم العربى سواء بين العالم العربى وأقاليم العالم الأخرى، أو بين البلدان العربية وبعضها البعض، أو الفجوة على مستوى كل بلد عربى على حدة. وفى نهاية الفصل يثير الكاتب السؤال التالى: هل ستقضى تكنولوجيا المعلومات على التنوع الحضارى لتسحق خصوصيتنا وقيمنا وهويتنا وعلى رأسها اللغة العربية؟ فالفجوة الرقمية يمكن أن تؤدى إلى فجوة لغوية تهدد ثقافتنا وهويتنا، ويمكن القول أنه لا سبيل لسد الفجوة الرقمية التى تفصل بين عالمنا العربى والعالم المتقدم دون تهيئة اللغة العربية للقاء حاسم مع تكنولوجيا المعلومات، وهو الأمر الذى يتطلب بداية إدراك التحديات والفرص التى ينطوى عليها عصر المعلومات وعولمته وهو موضوع الفصل الثالث وعنوانه اللغة العربية وعصر المعلومات والعولمة : التحديات والفرص الذى استهله الكاتب بحديث عن أهمية اللغة فى مجتمع المعلومات وعلاقة الكمبيوتر باللغة، ثم تناول الأبعاد اللغوية لتحديات عصر المعلومات، حيث ينطوى مجتمع المعلومات على العديد من التحديات التربوية والثقافية والاقتصادية والسياسية والعلمية والتكنولوجية، كما تناول مصير اللغة فى عصر المعلومات من وجهة نظر المتشائمين والمتفائلين، حيث يرى المتشائمون أن الإنترنت مقبرة اللغات، أما المتفائلون فيؤكدون أن عصر المعلومات هو عصر ازدهار اللغات وكسر الحواجز اللغوية وأن الإنترنت وسيلة لإحياء اللغة وحماية لغات الأقليات. ويشير الكاتب إلى أن مشكلة الانقراض اللغوى صنيعة تكنولوجيا المعلومات لا يمكن حلها دون اللجوء إلى هذه التكنولوجيا ذاتها التى يمكن أن تستغل كأداة فعَّالة فى إثراء التنوع اللغوى من خلال الترجمة الآلية، وبرامج تعليم اللغات وتعلمها، ونظم البحث المتعدد اللغات فى بنوك المعلومات، ودعم الدراسات التقابلية بين اللغات، واستكمال البنى الأساسية للغات.
أما الفصل الرابع فقد خصص للحديث عن الإنترنت كشبكة تحوى فى جوفها كل تكنولوجيات المعلوماتية السابقة لها، فقد اندمجت فيها ثلاثية الكمبيوتر والاتصالات والتليفزيون ثم انضم إليها الجيل الثالث من الهواتف النقالة، وكل عنصر من عناصر هذا الاندماج الرباعى يحمل فى طياته قدرة تكنولوجية هائلة. ثم يتطرق الكاتب فى هذا الفصل إلى الحديث عن خدمات الإنترنت مستعرضًا مجموعة من الآمال والمخاطر التى تنطوى عليها هذه الشبكة مؤكدًا أن هذه القائمة دائمة التوسع فهى تستضيف كل يوم تناقضًا جديدًا.
ويتناول الفصل الخامس : صناعة البرمجيات العربية ويبدأها بأهمية صناعة البرمجيات أهم مقومات مجتمع المعلومات بلا منازع، وساحة السباق الساخنة التى ستشهد تنافسًا حادًا بين الكبار للهيمنة على السوق العالمى لاقتصاد المعرفة من جانب، ونضالاً مريرًا من قبل الدول النامية سعيًا للحاق بعصر المعلومات من جهة أخرى. ثم يتناول الفصل تطور البرمجيات من حيث التطبيق ثم الوضع الراهن لصناعة البرمجيات العربية وكذلك التحديات التى تواجه هذه الصناعة على مستوى العالم العربى وأخيرًا الفرص المتاحة أمام صناعة البرمجيات العربية.
وامتدادًا للحديث عن الإنترنت وآثارها على إنسان هذا العصر يتناول الفصل السادس : العقل العربى فى مواجهة إعصار المعلومات، وكيفية مواجهة العقل العربى لهذا الإعصار المعلوماتى وفى هذا الصدد لا يقدم الكاتب أجندة محددة وإنما يقوم بتحديد أوَّلى لبعض المطالب الأساسية للتصدى للظاهرة على مستوى إرسال المعلومات أى نشرها إلكترونيًا وكذلك على مستوى استقبالها أى استرجاعها وتوظيفها وإعادة استخدامها، كما يتناول الفصل الوسائل التى توفرها تكنولوجيا المعلومات لتنمية المهارات الذهنية الأساسية للتعامل مع المعلومات.
وينتقل الكاتب إلى الحديث فى الفصل السابع عن تربية عصر المعلومات معترفًا أن أهل التربية هم أدرى بشعابها إلا أن الكثيرين منهم ما زال عازفا عن أن يخوض فى حديث تربية عصر المعلومات، ولكن الكاتب يحاول المساهمة فى سد هذا الفراغ فيتحدث عن التربية وإشكالياتها وفكرها ثم توجهات الفلسفة التربوية لعصر المعلومات متمثلة فى غايات أربع لابد أن توفى بها التربية وهى : إكساب المعرفة والتكيف مع المجتمع، وتنمية الذات والقدرات الشخصية، وضرورة إعداد إنسان هذا العصر لمواجهة مطالب الحياة فى ظل العولمة.
وينتقل الفصل الثامن إلى النشر الإلكترونى العربى ويبدأه الكاتب بالإشارة إلى الهوة التى تفصل بين اللغة العربية واللغة الإنجليزية، وما لهذه الهوة من انعكاسات على التواجد الإعلامى على شبكة الإنترنت. ولاشك أن تزايد أهمية النشر الإلكترونى عربيًا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتزايد أهمية اللغة فى عصر المعلومات. وينتقل الفصل بعد ذلك إلى التحديات اللغوية للنشر الإلكترونى ثم المراحل التى يتكون منها النشر الإلكترونى من منظور لغوى وهى مرحلة اقتناء المحتوى، ثم مرحلة إعداد الوثيقة الإلكترونية، وتشمل عمليات الإعداد والتدقيق الهجائى والنحوى وعمليات الفهرسة الآلية والاستخلاص وترشيح الوثيقة وتأمينها وإعادة صياغتها، ثم المرحلة الرابعة وتشمل عمليات دعم المستخدم متمثلة فى قراءة النص أوتوماتيكيًا والبحث عن الوثيقة وتحليل مضمونها ومقارنة النصوص آليًا. ويتناول هذا الفصل أيضَا المعالجات اللغوية المطلوبة لدعم عمليات النشر الإلكترونى المختلفة مثل المعالج الصرفى الآلى، ونظام الإعراب الآلى، والمشكِّل التلقائى، ومعالج الدلالة العربية. وفى نهاية الفصل يوصى الكاتب بإجراء بحوث عديدة فى مجال اللغة واللغويات الحاسوبية وعلم اجتماع المعرفة وعلم نفس المعرفة وعلم الذكاء الاصطناعى وهندسة المعرفة وهى كلها فروع معرفية مازالت البحوث العربية قاصرة فيها للغاية.
ويتمحور الفصل التاسع حول الطفل العربى وتكنولوجيا المعلومات. فمصير المجتمعات فى عصر المعلومات رهن بنوعية البشر التى يمكن أن تنتجها من خلال تضافر مؤسساتها التعليمية والإعلامية والعلمية والثقافية، وهذه النوعية من البشر تتوقف على مدى نجاح هذه المجتمعات فى تربية الطفل بحيث يمكنه مواجهة تحديات عصر المعلومات. يتناول الفصل فروع تكنولوجيا المعلومات من منظور تربية الطفل العربى، وإيجابيات تكنولوجيا المعلومات على تربية الطفل العربى وسلبياتها.
وينتقل الكاتب فى الفصل العاشر إلى موضوع آخر وهو الترجمة العلمية والترجمة الآلية : المنظور العربى. وهذا الموضوع فى غاية الأهمية فى عالمنا العربى نتيجة للانفجار المعرفى ولكون عالمنا العربى متلقيًا للمعرفة العلمية أكثر منه منتجًا لها. ويتوقع الكثيرون أن تلعب تكنولوجيا المعلومات دورًا أساسيًا فى الترجمة العلمية، ويقصد بهذا الدور الترجمة الآلية فلا أمل فى ملاحقة حركة النشر العلمى المتسارع بهذا القدر اليسير من المترجمين البشريين. ويشير الكاتب إلى أنه يجب النظر إلى الترجمة العلمية على أنها منظومة متكاملة تشمل أربعة عناصر هى : المصادر الأجنبية للترجمة العلمية، والمترجم العلمى العربى، والناشر العلمى العربى، والمتلقى العربى. أما عن الترجمة الآلية فيتحدث الكاتب فى هذا الفصل عن تطور الترجمة الآلية ومستوياتها، ومدى التخصص الموضوعى لنظم الترجمة الآلية، وأخيرًا علاقة تكنولوجيا الترجمة بالفروع الاخرى لتكنولوجيا المعلومات.
ويتحدث الكاتب فى الفصل الحادى عشر عن الوجه الآخر لتكنولوجيا المعلومات وصاغه تحت عنوان : العنف والإرهاب فى عصر المعلومات، ويتناول هذا الفصل الصور المختلفة لعنف عصر المعلومات وإرهابه فى عصر المعلومات، ويتناول هذا الفصل الصور المختلفة لعنف عصر المعلومات وإرهابه سواء من حيث الأساليب أو وسائل التصدى أو آثارهما المباشرة وغير المباشرة على الفرد والمجتمع.
أما الفصل الثانى عشر والأخير فهو بعنوان ثقافة الإنترنت وتحديات التنظير الثقافى. ويركز على الحدود الفاصلة بين التقانة والثقافة وهو مسعى صعب يضاعف من صعوبته تلك السرعة المتزايدة التى تتطور بها التقانة والثقافة معًا. فتقانة المعلومات بصفة عامة والإنترنت بصفة خاصة أبعد ما تكون عن التحديد القاطع، كما أن إشكالية الثقافة تتعرض هى الأخرى لهزات عنيفة سواء على مستوى التنظير أو من حيث الدور الذى تلعبه داخل المنظومة المجتمعية. ويناقش هذا الفصل ثقافة الإنترنت والملامح البارزة لصورة الثقافة العربية على الإنترنت حاليًا.
وفى ختام هذا العرض الموجز للموضوعات التى تضمنها كتاب نبيل على "تحديات عصر المعلومات" نستطيع القول بأن الكاتب قدم للقارئ العربى مجموعة من القضايا والموضوعات المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات ومجتمع المعلومات باهتمام شديد يوازى أهمية قضايا مجتمع المعلومات فى الوقت الحاضر، ولا ننسى أن نقدم الشكر الكثير لمكتبة الأسرة على إقدامها على نشر هذا الإصدار ضمن سلسلة الأعمال العلمية هدية للجيل الحالى من الشباب.
المصدر: عرض د. سهير عبد الباسط عيد مدرس المكتبات وعلم المعلومات بكلية الآداب – جامعة بنى سويف نبيل على. تحديات عصر المعلومات.- [القاهرة] : الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2003.- 274ص : ايض؛ 24 سم.
( 2005-04-06 )
نشرت فى 10 مارس 2012
بواسطة nassirmoussi
نصير موسي
نصـــير موســــي تكنولوجيا جديدة وانظمة المعلومات الوثائقية »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
403,090
ساحة النقاش