<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]--><!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]--><!--<!--
الخطبة الأولى :الجامعة الرمضانية
الحمد لله عظّم بعض الشهور قدرًا، وأطلع لها في سماء الفضائل فخرًا، ونشر فيها أعلام نعمه نشرًا، ودعا الناس لعبادته طُرًا، أحمده تعالى بكمالاته التي بهرت العقول بهرًا، وأشكره على نعمه التي لا نحيطها عدًا ولا حصرًا، ونتضرع إليه أن يكفينا ما أهمنا دنيا وأخرى، ونرجوه أن يجلل ذنوبنا مغفرة وعيوبنا سترًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرفع العالمين قدرًا، وأوضحهم فخرًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان وسلّم تسليمًا كثيرًا. أما بعد, فيا أيها الناس: اتقوا الله ربكم في سائر الأوقات واشكروه على ما أنعم عليكم به من مواسم الخير والبركات، وما خصكم به من أسباب الفضل وأنواع النعم السابغات، واغتنموا مرور الأوقات الشريفة والمواسم الفاضلة بعمارتها بالطاعات وترك المحرمات تفوزوا بطيب الحياة وتسعدوا بعد الممات . أما بعد :- فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله سبحانه، إذ بها تشرف النفس ويثقل الميزان، ويعلو القدر، ويعظم الجاه، ويحصل القرب من الباري جلّ شأنه، فما خاب من اكتنفها، ولا أفلح من جفاها،ولا جَرَم عباد الله فإن العاقبة للتقوى)فَاتَّقُواْ اللَّهَ يا أُوْلِى الأَلْبَـابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(المائدة:100 فاتقوا ربكم في جميع أوقاتكم، وراقبوه في سكناتكم وحركاتكم، واعلموا أن الله فضَّل بعض الأوقات على بعض، وجعلها متَّجراً ربيحاً لعباده المؤمنين.
أيّها المسلمون: يوم غد السبت يوم السادس والعشرون من هذا الشهر شهر شعبان يتوافد بعون الله ورعايته مئات الآلاف من الطلاب والطالبات من أبنائنا وبناتنا فلذات أكبادنا إلى المدارس والمعاهد والجامعات بمختلف مستوياتها ودرجاتها وتخصصاتها ،إنهم يتوجهون لينالوا العلم وفي أيديهم وعلى ظهورهم حقائب الغد المختبي،هذا الغد المجهول الذي لا يعلمه إلا الله ربّ العالمين،إنهم يتوجهون إيذانا ببدء عام دراسي جديد،ونسأل الله عز وجل أن يكون هذا العام الدراسي عام يمن وخير على طلابنا وطالباتنا وعلى المجتمع كله، كما نسأله سبحانه أن يجعل هذا العام عاماً مباركاً، وأن يجعله عام عزة ونصرة للإسلام والمسلمين0
أيها المسلمون : وكما ستفتح المدارس أبوابها لاستقبال الطلاب والطالبات0للدراسة والتعليم لعدة أشهر فان هناك جامعة كبرى ستفتح أبوابها بعد أيام قليلة بإذن الله0لينتظم المسلمون فيها0والتي تفتح أبوابها كل عام لمدة شهر واحد ) أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ (البقرة: من الآية184 لتستقبل أفواج الصائمين في كل أرجاء المعموره0 فمع ضجيج الحياة وزحام الدنيا، مع النزوات العابرة ،والشهوات العارمة تأتي جامعة رمضان، لتعيد للقلوب صفاءها، وللنفوس إشراقها، وللضمائر نقاءها ، فيجول رمضان في أرجاء النفس ليغرس بذور الخير والصلاح 0فهل ترى نحيا فندرك هذه الجامعة ونلتحق بها؟ وإذا التحقنا بها هل نخرج منها مع الفائزين أو الخاسرين؟ إنها الجامعة الرمضانية . جامعة التعليم والمعرفة، والنفحات الإيمانية والشذرات القرآنية .. رمضان جامعة وكليات يانعة، للتعلم والدراسة وإعداد للنفوس والطاقات، فيها برامج للدعاة وأخرى للطائعين والعصاة، إعداد للنفوس وتهيئة لعبادة الملك القدوس. ففي هذه الدورة الشرعية في الجامعة الرمضانية تكسب المسلم بعد أن يكمل العدة قدرة على المراقبة والمحاسبة لذاته ،وكيف يصدق مع الله ، وكيف يخلص العمل لوجهه جل وعلا .
وبهذا يستلهم المسلم من هذه المراقبة ما يعينه على نهج الخير والفضيلة ، وما يعينه على اجتناب الباطل والرذيلة ، وتمنحه قوة خاصة ، وإرادة صلبة ضد شهوات نفسه وغرائزها وأهوائها ، وتبني في داخله سدا منيعا يحميه من وساوس الشيطان وهمزه ونزغاته . وكل من ضعفت إرادته فلم يصم ، وتكاسل فلم يقم ، فهو مكبل بالشهوة ، عبد للهوى ، سرعان ما تجره الشياطين إلى منحدر لا يستطيعون منه القيام ،ولا هم ينصرون
أتـى رمضـان مدرسة العباد *** لتطهير القلوب من الفساد
فـأدّ حقوقـه قـــولاً وفعــــلاً *** وزادك فـاتخـــذه للميعــــاد
فمن زرع الحبوب وما سقاها *** تأوه نـادمًا يـوم الحصــــاد
فما ينتهي موسم الدراسة فيه ..وتظهر النتائج فيكون الملتحقين فيها ما بين شقي وسعيد، وفائز وخاسر .. قد يتخرج الصائم من هَذِهِ الجامعة فِي هَذَا الشهر فيكون من الناجحين .. الفائزين بالرحمة والغفران، والعتق من النيران جعلنا الله وإياكم منهم والصنف الآخر الراسبين ..الخاسرين بسبب الغفلة والبطلان،والذنوب والعصيان ..نعوذ بالله من ذلك .. نعم من الناس رابحون وخاسرون .. وناجحون وفاشلون ..في جامعة رمضان يدرك الرابحون أهمية رمضان وفضله وجلالته، فيعمروه بالخيرات والصالحات، ويتقاعس الخاسرون فيرهقوه بضروب اللهو والسفه والضياع، فيحصدوا الخيبة والندامة والحرمان. ما سمع الرابحون:قول النبي r (إذا جاء رمضان فُتِّحت أبواب الجنة) سبحت أرواحهم في الطاعة والخير، فتوّجوها بمحاسن الخصال وفضائل الأعمال.قال رسول الله r: (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه) وفي الحديث الآخر(ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه) أخرجه البخاري ومسلم
فما أعظم البشارة! وما أسهل العمل المطلوب لها! وهل في المسلمين أحد عاقل لا يهمه أن يغفر له ما تقدم من ذنبه أو لا يغفر؟! وهل في المسلمين أحد عاقل يريد أن يلقى ربه غدًا ولو لم يغفر له من ذنوبه شيء؟! ولكن هل هذا هو كل ما في رمضان أم هناك أشياء أخرى غير هذا؟! أما من ضيع رمضان وأهمله وقصر فيما شرع له فأولئك هم الخاسرون، ولا مرية في خسرانهم وشقاوتهم – نسأل الله العافية –ولكن كيف بمن تحرى الخير في رمضان فأحياء ليله بالقيام، وعمر نهاره بالصيام، وجعل يتلو القرآن آناء الليل، وأطراف النهار، ابتغاء ذلك الوعد النبوي الصادق، والله لا يخلف الميعاد؟ هل فيهم خاسر أيضًا؟! أيخسر منهم أحد وقد كان منه مثل ما ذكرنا؟، نعم فيهم خاسرون كثير استفادوا من رمضان قليلاً،وخسروا فيه كثيرًا،ولكن أكثر الناس لا يعلمون،)وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَـٰشِعَةٌ *عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ *تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً( الغاشية:2-4.فمع عملها وتعبها هي في النار – عياذًا بالله من ذلك –فأي خسارة أعظم من تلك الخسارة. 0ان واقع كثير من الناس يقضون أوقاتهم في لهو غير مباح نهارهم نائمين، و ليلهم هائمين نتمر بأهم أشرف اللحظات بين بيع و شراء وألاسهم والبناء أشغلتهم دنياهم عن دينهم و فاتهم أعظم أمر ينجيهم من الموبقات و فاتهم فرصة التعرض للنفحات والفوز بالدرجات العلا من الدرجات فيا له من محروم و يا له من مطرود من كان هذا حاله فاحذر كل الحذر أن تكون من الغافلين وممن أهمل نفسه فلم يكرمها بكرامة رمضان ولم يجهد نفسه بالسجود للملك الديان فأصبح يقلب كفيه على ما فاته من الأجر العظيم، طوبي لمن لربه أجاب، و عمل صالحا و أصاب ،وويل لمن أدرك رمضان فخرج و لم يغفر له ولم يعتق من النار بل كان رمضان زادا له إلى النار وإن كان قد صام و لم يكن له من صيامه إلا الجوع و العطش فياذا الجود والإحسان يا كريم يا منان بلغنا رمضان واجعلنا ممن صامه إيمانا واحتسابا ولا تحرمنا فيه من فضلك واعتقنا فيه من النار 0
غدًا توفى النفوس ما عملت ***ويحصد الزارعون ما زرعوا
إن أحسـنوا أحسنو لأنفسهم *** وإن أسـاءوا فبئس ما صنعوا
فواجب على كل مسلم ومسلمة منَّ الله عليه ببلوغ شهر رمضان ، أن يغتنم الفرصة ويقطف الثمرة ، فإنها إن فاتت كانت حسرة ما بعدها حسرة ، وندامة لا تعدلها ندامة كيف لا وقد قال المصطفى r في محاورته مع جبريل عليه السلام : (من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له ، فدخل النار ، فأبعده الله ، قل آمين ، فقلت آمين ) أخرجه البخاري
أيها المسلمون: إذا كان الناس يستقبلون المواسم بشراء الكماليات ويعدون العدة بكل إمكاناتهم 0وخاصة استقبالهم لشهر رمضان 0حيث فهم الناس اليوم الصوم فهماً خاطئاً حتى زلت الأقدام عن حقيقة الصوم ، فنكست الطباع ، وغيرت الأوضاع ، وأصبح الناس في ضياع ،عندما اختلت موازين فهم صيام شهر رمضان ، تدفق الناس جماعات وفرادى إلى الأسواق ،وتنقبت النساء في الأسواق وأثناء الخروج إلى المساجد،وغصت الأسواق والمحلات التجارية بالمسلمين،وكأنهم في شهر الأكل والشرب ،بل وكأنهم قادمون على شهر مجاعة ،فسبحان الله كيف يستعد المسلمون لشهر الخير والنفحات0وان لم تصدق فزر غدا أو بعده سوقا لترى التسابق الى الاستعداد له كأنهم قد انذروا ، يأكلن ماقدم الله لهن إلا قليلا مما يشترون، وفي المخازن يجمعون، ثم بعد قليلا مما يأكلون ،يكرمون برميلا أخضرا بعد الصلاة 0 إنها كفر النعمة وبطر العيش وغفلة الناس عن سؤال الله غدا 0( مالك من أين اكتسبته وفيما أنفقته) 0فيجيب أنفقته في البطون وفي صناديق النفايات0 نعم أيها الإخوة المؤمنون يذكرني رمضان في وقتنا الحالي بالآية رقم (مائة واثني عشر من سورة النحل) نسأل الله أن لا يعاقبنا بها انه جواد كريم فشهر رمضان ليس موسما لشراء مالذ وطاب من الموائد و صنوف المطاعم والمشارب 0
عباد الله: إن شهر رمضان موسمٌ من مواسم التجارة مع الله، شهرٌ عظيم تفتح فيه أبواب الرحمة والخيرات، وتغلق أبواب الجحيم، وتكفَّر السيئات، فينبغي لنا اغتنامه وعدم التفريط فيه، فما هو إلا أيامٌ قلائل يفوز بها العاملون، ويربح المتقون، ويخسر فيها المذنبون، ويُحرم منها المفرِّطون، من اتَّجر فيه مع مولاه نال ما يتمناه، وفاز بمغفرة ما تقدم من ذنبه وعتق رقبته من النار. وإن الصيام سبب موصل إلى الجنة وبلوغ رمضان فضل من الله و منه يجب تقبلها بالشكر والثناء والبذل والعطاء من نفوس صابرة محتسبة شاكرة مطمئنة.وتنيب إلى ربها و تتوب و تغفر الذنوب و تتستر العيوب في رمضان يفتح الباب للطالبين و تعد المنازل للراغبين ويعتق من النار كثير من المسلمين و تصفد مردة الشياطين فالغفلة عن القلوب تقشع والعيون من خشية الرحمن تدمع و قلوب المشفقين تلين و تخشع والعاقل لغير جنة الفردوس لا يرضى أو يقنع لهذا روض نفسه فترك شهوته و زم نفسه عن معصية الله أقلع و أمضى نهاره بالصوم و ليله يمضي و هو يسجد و يركع و يدعو ويبتهل و يخضع و يمني النفس بفرحتيها فقد علم بنص النبي r (إن للصائم فرحتان فرحة عند فطره و فرحة عند لقاء ربه) فما أعظم الفرح حين تلقى مولاك و هو عنك راض و يعلم أنك جعت فلم تأكل وأنت قادر على أن تأكل و عطشت فلم تشرب وأنت قادر على أن تشرب و لكنك راقبته و علمت انه عليك رقيب و عليك حسيب فتركت كل ذلك من أجله فقال لك الصيام لي وأنا أجزي به فتولى بنفسه جزاءك وترك له لا لغيره ثوابك وعطاءك فأبشر وأمل وحلق بروحك عاليا مع من في السماء يسبحون الليل والنهار لا يفترون وتب إلى الله توبة نصوحا واعقد العزم على فعل الفضيلة وترك الرذيلة وصم بجميع حواسك عن المفطرات في نهاره و اترك جميع المنكرات في ليله فان من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه و شرابه.
أيّها المسلمون،: تذكَّروا سعةَ رحمة الله وعظيمَ فضله وحلمِه وجوده وكرمه، حيث قبِل توبةَ التائبين، وأقال عثرةَ المذنبين، ورحم ضعفَ هذا الإنسان المسكين، وأثابه على التّوبة، وفتح له أبوابَ الطهارة والخيرات، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي rقال: (إنَّ الله تعالى يبسط يدَه بالليل ليتوبَ مسيء النهار، ويبسط يدَه بالنهار ليتوبَ مسيء الليل) رواه مسلم والتّوبة من أعظمِ العبادات وأحبِّها إلى الله تعالى، من اتّصف بها تحقَّق فلاحُه وظهر في الأمور نجاحُه، قال تعالى: ) فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (القصص:67 وكفى بفضلِ التّوبة شرفًا فرحُ الرّبّ بها فرحاً شديداً، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: (للهُ أشدُّ فرحاً بتوبةَِ عبدِه من أحدِكم سقَط على بعيره وقد أضلّه في أرض فلاة) رواه البخاري ومسلم وفي الحديث الآخر الذي يرويه الإمام مسلم: (للهُ أشدّ فرحاً بتوبةِ عبدِه من أحدِكم أضلَّ راحلتَه في فلاة، عليها متاعُه، فطلبَها حتى إذا أعيَى نام تحت شجرة، فإذا هي واقفةٌ على رأسه، فأخذ بخطامها، فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربّك، أخطأ من شدّة الفرح) ، فاللهُ أشدّ فرحاً بتوبة عبدِه من هذا الذي أضلّ راحلتَه.
فيا أخي المسلم : قبل استقبالك لشهر رمضان طهر قلبك، وأترك التشاحن والتقاطع، فإن ذلك ـ أي التشاحن والتقاطع ـ يقطع قبول العبادة، والله يرفع عمل كل إنسان إلاّ المتشاحنَين، فإنه يقول انظروا هذين حتى يصطلحا.وأي صوم صامه ذلك القلب المليء بالشحناء والبغضاء والحسد والغيظ على عباد الله، أليسوا جميعاً عباد الله إخواناً، جمعتهم ملة واحدة، وشريعة واحدة، أليس الله قد حذرنا مغبة التفرق والتقاطع، أليس النبي r بين أن الله لا ينظر إلى عمل المتشاحنَين، فلم يفرح برمضان صاحب القلب الأسود؟! ولم يستبشر بقدوم رمضان من لن ينظر الله إلى صيامه أو قيامه؟! كم كان معنا في العام الماضي، أناس انتقلوا إلى ربهم، وهم اليوم من الموتى، لم يدركوا رمضان هذه السنة، فهل نستشعر هذه الحقيقة، هل نستشعر هذا الفضل من رب العالمين علينا، بأن جعلنا ندرك هذا الشهر، وأعطانا فرصة أخرى لكي نعود إليه، ونترك معاصينا وراءنا، ولا نعود إليها بعد رمضان، كما يفعل غالب الناس هداهم الله. بالأوزارِ0كلَّنا يُدعى إلى التوبة النصوح، وكلنا مطالبٌ بالتغيير للأحسن، وكلنا يكره التناقض، فلنجعل من رمضان فرصةً للمراجعة والمحاسبة والتوبة والإنابة، ففي الشهر عونٌ على الطاعة وفرصٌ لا تعوض، ومكاسبٌ جلية للدنيا والآخرة، ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه، وغداً يكشف الستار ويتبين من تأخر ومن فاز وحينها لا ينفع الندم ، و )لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ ( الأنعام: من الآية158 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ( التحريم:8 بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم وبهدي سيّد المرسلين، أقول ما سلف، وفي ما عند الله عِوَض لي ولكم من كلّ خلف، فاستغفروه توبوا إليه، إنه كان حليماً غفوراً.
الخطبة الثانية :الجامعة الرمضانية (1)
الحمد لله الذي خصّ شهر رمضان بمزيد الفضل والإكرام، أحمده وأشكره على إحسانه العام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهٌ تفرّد بالكمال والتمام، شهادةً مبرّأةً من الشرك والشكوك والأوهام، أرجو بها النجاة من النار والفوز بدار السلام، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أفضل من صلى وصام، وأتقى من تهجّد وقام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه هداة الأنام، ومصابيح الظلام، وسلم تسليماً كثيراً أما بعد: فاتقوا الله تعالى أيها المسلمون، واستقبلوا شهركم بالتوبة والاستغفار وهجر الذنوب ورد المظالم وإخلاص العبادة لله وحده وإتباع السنة والعزيمة المقرونة بالهمة الصادقة للظفر بخير هذا الشهر الكريم وإظهار الفرح والاستبشار به والحذر من التذمر والتسخط، )قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ( يونس:58.فالتّوبةُ والاستِغفار من أولى ما تُستَقبَل به مواسمُ الخير، فكيف نلقَى الله تعالى وندعوه ونَرجو خيرَه وبِرَّه وإِحسانَه ونحن مثقَلون بالأوزار 0فتوبوا إلى الله أيها المسلمون، وأقبلوا إلى رب كريم، أسبغ عليكم نعمه الظاهرة والباطنة، وآتاكم من كل ما سألتموه، ومد في آجالكم، وتذكروا قصص التائبين المنيبين الذين من الله عليهم بالتوبة النصوح بعد أن غرقوا في بحار الشهوات والشبهات، فانجلت غشاوة بصائرهم، وحييت قلوبهم، واستنارت نفوسهم، وأيقظهم الله من موت الغفلة، وبصرهم من عمى الغي وظلمات المعاصي، وأسعدهم من شقاء الموبقات، فصاروا مولودين من جديد، مستبشرين )بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (آل عمران: الآية174فالتوبة من جميع الذنوب واجبة، وإن تاب من بعض الذنوب صحت توبته من ذلك الذنب، وبقي عليه ما لم يتب منه.يقول سبحانه وتعالى ـ مناديًا عباده الذين أسرفوا على أنفسهم بالمعاصي ـ: )قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ( الزمر:53 ويعلنها ربنا محبة للتائبين والمنيبين والمستغفرين فيقول عز وجل: )إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ( البقرة: من الآية222 فيا أخي المسلم: تب إلى الله توبة نصوحًا, وحدثني بالله عليك متى التوبة إن لم تكن في هذه الأيام ومتى دفع المهور للحور العين في الجنان إذا لم تكن في هذه الأيام, أما تشتاق إلى جنة عرضها السموات والأرض؟ ألا تحب أن تمتلك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر؟!. ولنا معكم لقاء آخر لنتجول داخل أروقة الجامعة الرمضانية في الجمعة القادمة عندما تفتح أبوابها إن شاء الله0اللهم يا مولانا يا ذا الحول والطول يا من لا يبدل لديه القول متعنا بما بقي من شعبان و بلغنا رمضان واجعلنا ممن كتبت لهم العتق من النيران والفوز بالدرجات العلا من الجنان. اللهم أظلَّ شهر رمضان وحضر ، فسلّمه لنا ،وسلّمنا فيه،وتسلّمه منا.اللهم ارزقنا صيامه وقيامه صبرا واحتسابا ،وارزقنا فيه الجد والاجتهاد،والقوة والنشاط ،وأعذنا فيه من السآمة والفترة ، والكسل والنعاس ووفقنا فيه لليلة القدر ،واجعلها خيرا لنا من ألف شهر . كما نسأله سبحانه أن يهل علينا شهر رمضان بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، وأن يجعله شهر عز ونصر وتمكين لأمة محمد r كما أساله تعالى أن يعيننا فيه على ذكره وشكره وحسن عبادته . وأن يغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين إنه سميع مجيب 0هذا وصلوا وسلموا على النبي محمداً فقد أمركم بذلك ربكم جل وعلا ، فقال قولاً كريماً حكيماً :) إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ( اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آل محمد،وعلى الخلفاء الراشدين،الأربعة المهديين،وعلى جميع الصحابة والتابعين،وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين ،اللهم أعز الإسلام والمسلمين ،وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ،واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين ،اللهم آمنا في أوطاننا ،وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ،واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين ،اللهم بلغنا شهر رمضان،واجعلنا فيه من العتقاء من النيران ،اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين ، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين،ونفس كرب المكروبين،واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين،برحمتك يا أرحم الراحمين،اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك ،وأيده بتأييدك ، واجعل عمله في رضاك يارب العالمين ،اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان،اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم،اللهم عليك باليهود والنصارى ،اللهم أحصهم عددا،واقتلهم بددا،ولا تغادر منهم أحداً،اللهم أنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.اللهم بلغنا رمضان نحن وإياكم ووالدينا ووالديكم وسائر المسلمين والمسلمات أجمعين ونحن وإياكم في خير صحة وخير حال مع نصر مبين وتمكين.اللهم ارحم من مات من الأهل والأحبة واجعل اللهم قبورهم نور وآنس اللهم وحشتهم بعفوك ورحمتك انك أنت الرحمن الرحيم وأسألك اللهم لنا ولهم العتق من النار والفوز بالجنة انك بنا وبهم رؤوف رحيم )رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ( )رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ( وأدخلنا الجنة مع الأبرار، يا عزيز يا غفار 0
عباد الله : نعم الله عليكم تترا ،وخيراته شتى ، فاشكروا ربكم على نعمه يزدكم ، واحمدوه على خيراته يعطكم ، واذكروه في كل أحوالكم يتولاكم ، فلله الحمد من قبل ومن بعد ،والصلاة والسلام على خير المرسلين ، وأقم الصلاة ، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون 0
ساحة النقاش