جنون الذكرى
مَرَّ السّرورُ على أعتابِنا فرأى
ماقد دهانا فمات البَسمُ في الكَمَدِ
فالدّمعُ صار أنيسَ القومِ من حَزَنٍ
كالموجِ يحملُهم من لَمّةِ الوَجَدِ
حيرى عيونُ النُّهى في ذِلّةٍ رُسِمَت
خلفَ الذّهولِ بطَرفِ الظلمِ والنَّكَدِ
تغشاهمُ بمزيدِ القهرِ ما سَنحَت
أصواتُ ذكرٍ أتت من موطنِ الكَبدِ
تشتاقُ حضرتَهم والنارُ قد ضَرمت
تجتاحُ ساحتَهم في سكرةِ المددِ
لا يطفئون جوى الملتاعِ من شجنٍ
إن حَنَّ واحدُهم يهذي عن الرّشدِ
كالجِنِّ في جسدِ الممسوسِ يشعلُهم
والعقلُ منتهبٌ ينهى عن الجلدِ
يحتارُ فيهم طبيبُ الفكرِ من سَكَرٍ
إن طاشَ عاقلُهم ضاعوا فلم يَجِدِ
أحلامُهم ذهبت من هولِ مشهدِهم
والفهمُ يحسبُهم كالبحرِ والزَّبدِ
مازال خمرُ المُنى في كأسِ غايتِهم
يشفي بمُرِّ النّوى عينًا من الرّمدِ
أضلاعُهم حُرقَت من وهجِ حُرقتِهم
والقلبُ منجدلٌ عن ساحةِ الرّغدِ
حبلُ النّجاةِ لهم سيفٌ على نَفَسٍ
والجيدُ منخنقٌ في ربقةِ المَسَدِ
يهذون من عَتَهٍ عن أخذِ آخذِهم
والقلبُ منتبهٌ إلا عن السّددِ
لا يعلمونَ عن الأوصالِ إن وصِلَت
فالوصلٌ متّصلٌ في وصلَةِ الأحدِ
مصطفى كردي