(نسائم رمضان)
ألا أبلغنْ ميَّاً بما جالَ في صدري....وما ألْهبَ القلبَ الكبيرَ من الجمرِ
ذكرتُكِ في وقتِ الغروبِ وعندها....تمثَّلتِ للعينينِ والقلبِ والفكرِ
وقومُكِ أجوادٌ وأيمانُهُم تهمي.....كأنَّهمُ السُحبُ المسيلةُ للقطرِ
بحورُ الندى والجودِ قلبي أحبَّهم.....ولستُ بنكَّارِ الجميلِ مدى الدهرِ
أحاديثُ أمجادٍ بقلبي تربَّعتْ.....تربُّعَ صافي الدرِّ في أسفلِ البحرِ
فإنْ أكرموني في المُقامِ فإنَّني .....سأنشُرُ خيرَ القولِ للكُمَّلِ الغُرِّ
وإنْ قدَّموني في الميامنِ جهدَهم.....سأُعلي لهم قدراً رفيعاً على قدرِ
وكم أشرقتْ من حسنِ قولي وسحرِهِ....وجوهُ بني الأجوادِ أهلِ السنا الزُهرِ
وكم موطنٍ للفخرِ كنتُ زعيمَهُ.....وكم حارت الأنامُ في مُبتغى شعري
أُناضلُ عن قومي ورهطي ومعشري.....وأُعلي لهم صرحَ الميامنِ والفخرِ
تركتُ بني قومي بحالٍ تسرُّهم..... وأزعجتُ أهلَ البغيِ والمكرِ والكبرِ
وإنْ غبتُ عن قومي فما سدَّ فجوتي...همامٌ وما قامَ سوايَ بذي الأمرِ
وإنْ ضامني دهري وأنكرَ رُتبتي....فلابُدَّ لليلِ البهيمِ من الفجرِ
فعندي من القولِ البديعِ فرائدٌ....وقد أعيت الأنامَ من شدَّةِ السحرِ
زمانٌ عجيبٌ سادَ فيهِ معاشرٌ.....وليسَ لهم أيدٍ من الفضلِ والبرِّ
وإنْ فاتني من كانَ دوني بحقبةٍ.....فهذا قضاءُ اللهِ في خلقهِ يجري
فياروضةَ الحسناءِ أرضَ بني السخا.....ألا أبلغي عنِّي حبيباً كما البدرِ
بأنِّي له.مُوفٍ وباقٍ على الهوى.....وما ضارني غيرُ الصدودِ بلا عذرِ
وأحلفُ أنِّي ما نقضتُ عهودَهُ.....وما خنتُ وُدَّاً للحبيبِ مدى عمري
لهُ رقَّةٌ في القولِ عند حديثِهِ.....يذوبُ بها قلبُ الأديبِ بلاصبرِ
لهُ منطقٌ عذبٌ وعينا غزالةٍ....وثغرٌ كما الشهدِ المُحَلَّى أو الخمرِ
فللهِ ما أبهى الجمالَ بثغرِها.....وما أصفى دُرَّ الثغرِ أكرمْ بذا الثغرِ
ووجهٌ حوى للحسنِ عندَ اكتمالِهِ......كبدرٍ بدا في ليلةِ النصفِ من شهرِ
وخدٌّ هو التفاحُ وقتَ حصادِهِ.....وأنفٌ دقيقٌ ذو استواءٍ وذو سحرِ
فلمَّا تمادت في الصدودِ هجرتُها....فجازيتُها هجراً على الصدِّ والهجرِ
وما بينَ هجرينِ تلاشتْ مودَّةٌ....وما كنتُ بالبادي وما كنتُ ذو غدرِ
ولكنني أنصفتُ نفسي من الهوى...ولم أقبل الضيمَ لقلبِ الفتى الحُرِّ
فضاعَ الهوى ما بينَ هجري وهجرِها.....وذابتْ حبالُ الوصلِ ياميُّ بالضيرِ
ولم أرَ ذي الأيامَ ترجعنَ بعدما....تولَّتْ بلاعودٍ إلى أخرِ العمرِ
فإنَّ إباءَ النفسِ قد حالَ بينها....وبينَ حبيبٍ ذي دلالٍ وذي شذْرِ
فتبَّاً لتلكَ الدارِ فانٍ نعيمُها....وأيامُها تحوي جبالاً من الكدرِ
ولكنَّها تمضي سريعٌ مرورُها...كمرِّ سحابٍ في السماءِ على حدرِ
نسائمُ شهرِ الصومِ للكونِ عطَّرتْ...وتاقتْ نفوسُ الخيِّرينَ إلى البرِّ
وأعرفُ أقواماً تسابقَ جمعُهُم.... إلى الجودِ في شهرِ الصيامِ بلا حظرِ
يصومونَ صومَ المُخبتينَ لربِّهم.....وبالليلِ قُوَّامٌ إلى مطلعِ الفجرِ
سراعٌ إلى الخيراتِ بادٍ نشاطُهُم.....فلازمْ ركابَ القومِ إنْ ترجُ للخيرِ
ودعكَ من الكسلانِ واهجرْ طريقَهُ.... فإنَّ كسولَ القومِ أدعى إلى الشرِّ
ولا تغتررْ بالغافلينَ فكلُّهُم......كما وصفَ الرحمنُ في الذكرِ لايدري
وزاحمْ تقاةَ الناسِ عندَ سباقهِم....ودعكَ من النومانِ ذي الهمَّةِ الصفرِ
وحاذرْ من التفريطِ فالشهرُ فرصةٌ......وكنْ من رفاقِ السوءِ دوماً على حِذرِ
ولاتسرفنْ في الأكلِ والشربِ جاهداً.....ولاسيَّما قبلَ العشاءِ لدى الفطرِ
تأملْ كتابَ اللهِ واحفظْ كلامَهُ.....كفى غفلةٌ بالمرءِ أنْ كانَ لايدري
مدحت عبدالعليم الجابوصي