((خـيبة أمـــــل))
وصلني كتاب ذات صباح فتراءى لي من طابعه أنه من لندن فكان عجبي كل العجب فلم يكن لي شخص أعرفه قبل هذا يقطن هذه البلد أو قد سافر إليها فقلت في نفسي لعله خير فالأخبار التي تأتينا من هناك تبشر بالخير أكثر من التي تأتينا من هنا،و لما فضضته وجدت:( قد ندمت على ما فات فلا أرجو منك غير الصفح فلقد أصبحت وحيدة في هذه الحياة فليس لي غيرك من أرتجيه معاونا لي و لا أعلم ما أعمل من دونك فالذي اشتراني يوما بالمال قد رماني و اشترى غيري و إني لفي مأزق لا أعرف كيف الخروج منه بعد أن ولجته طامعة في يسر الحياة و في سعادة المال فإذا بيدي صفرا من اليسر و السعادة معا...نرجس).
قرأت هذا الكتاب و كأني أنكأ الوجع وأدته أعواما و ألم حنطته سنينا و ذكريات قد بليت و صدئت فعاودتني الأحزان حينها فصرت أسترجع ما مضى و كأنه البارحة فحسب،طويت الكتاب بعدما قرأته فقلت في نفسي:( لن أساعدك يا من جرعتني من المرارة أكوابا و سقيتني الحنظل كؤوسا و عشت دياجيا أنبتت الشوك على أجفاني و أنا في منأى عن السنة لا أعرف لها طريقا و لا تعرف إلي سبيلا). قلت هذا في نفسي و كأن جراحي هي التي تكلمت و معاناتي الماضية هي التي نطقت و لكنني كنت أعلم أنني أكذب على نفسي فرغم الذي حدث فالحب لا تمحوه السنون و تزيل أثره الأيام فقررت مساعدتها كشهامة مني لا غير و لربما كنت أريدها أن تندم و أرى حرقة الندم في مآقيها و ربما هو الشوق ما دفعني إليها دفعا.
بعد مرور أيام لا أحصي عددها مرت و كأنني لم أعشها بل كنت أريد أن أحصي ذلك اليوم الذي أراها فيه فحسب،لما وصلت إلى بيتها طرقت الباب ففتح على امرأة أوربية الملبس ترتدي لباسا عاريا و تضع ألوانا كثيرة على وجهها لدرجة أن لون بشرتها قد تاه وسطه و لما حملقت فيها جيدا عرفتها أجل هي نرجس...يا إلهي،ما الذي حصل لها قد تغيرت عن آخرها.فتحت ذراعيها و أنا مذهول مما رأيت و لكنني صافحتها بفتور و قلت لها:مرحبا يا نرجس كيف حالك؟؟؟فاستطردت:لست على ما يرام فأنا أتعذب،أريد الرجوع إلى بلدي و لكن كيف السبيل إلى ذلك و الوغد قد أخذ من جوازي و ذاب كقطعة ملح.فقلت:سنرى ما نحن فاعلون في الأمر.فقالت:آسفة جدا لم أدعك ترتاح..كم أنا بلهاء.كانت تكلمني بلغة ليست عربية و لا انجليزية بل هي بين ذلك.كانت تكلمني و أنا لا أعرف بأي لغة أجيب و أنا في حيرة:كيف تحولت هذا التحول الرهيب؟؟لا لا ليست هي نرجس التي عرفت،أبدا ليست هي المرأة التي عشقتها يوما و رمت أن أجعلها أما لأولادي.غابت بضع الوقت في البيت و ثابت و هي تحمل صينية فيها كوبين فارغين و قارورة من النبيذ،طار عقلي لما رأيت ذلك فقلت لها سأخرج بعض الوقت و أعود،أريدك أن تعطيني رقم هاتفك.فأخذته و هممت بالرحيل و كأنني خارج من النار.
ذهبت إلى الفندق و في خاطري أن أبيت هذه الليلة فقط و أثوب إلى بلدي،أجل،سأعلمها بذلك في الهاتف و كفى.
بت ليلة أرقة كساها الحزن و اللوم،حزن على نرجس و ما آلت إليه و لوم على نفسي لأنني جئت إليها و كأنني ذعن لأمر أو طائع لها،و في الصباح الباكر هاتفتها قائلا:(قد عزمت الرحيل يا نرجس،عزمت الرحيل عنك و في صدري قبرك لأنني لا أعرفك فأنت لست من أحببت و لست المرأة التي بذلت لأجلها ما بذلت لأعيش معها حياتي في مودة و سعادة،قد جئت إليك أحمل أزهارا فذبلت بلقائك كانت آخر ما عندي،فأنا أود أن أتزوج من امرأة تنشئ أولادي تنشئة حسنة أفخر بهم،أولادا يدعون لي في ضعفي و في قبري لا يدعون علي و إني لأرى الناس الذين يحيطون بك لأكثر فائدة مني و ستجدين فيهم السعادة التي تأملينها،فهذا آخر عهد بيني و بينك).
وعدت و أنا أحلم بالظفر بذات الدين و الخلق لأبني أمتي على الصلاح و الفلاح و يكون لي أولاد ينفعون لا يضرون.
****بقلم الكاتب:بن عمارة مصطفى خالد......البلد:الجزائر.
المصدر: دنيا محمد
نشرت فى 16 أغسطس 2016
بواسطة nasamat7elfouad
عدد زيارات الموقع
97,779