موقع الاديبة الفلسطينية ناديا كمال / عطر الورد

ولابد للقيد أن ينكسر \ الكاتبة الفلسطينية /ناديا كمال


يؤلمني كثيرا منظر العصفور في القفص وهو يرفرف بجناحيه غضبا وحزنا يفتش في زوايا سجنه عن ملاذ له ومنفذ ينطلق منه إلى حريته المنشودة ويحلق في سماء الكون الواسع سعيدا فرحا ، هكذا حال الطير فما هو حال الإنسان حين يسجن وتصادر حريته ؟ما أصعب السجن وما أقساه وما أقساهم هؤلاء من يدعون الديمقراطية وحبهم للإنسان وتقديرهم لذاته وإنسانيته فتتمثل مبادؤهم وإنسانيتهم بمصادرة حقوق غيرهم من البشر وإعتقالهم ومنعهم من الحياة ، في العالم يوجد سجون للظلم والتعذيب ،والقهر والحرمان من الحياة الإنسانية ،ولكن

في فلسطين كان للحرية معاني كبيرة وعظيمة لا يعرفها الكثيرون ،تتجلى بحبهم للأرض وإنتمائهم لها ، فكان ثمن هذا الوفاء العظيم هو زنزانة حقيرة لا توازي طول جسد الإنسان النحيل ليزج فيها كما لوكان حيوانا حقيرا يمنعونه من الإنطلاق حتى لا يمارس حريته ملقون عليه أبشع أنواع التهم وأقساها وكلها تتجلّى تحت بند حب الوطن والدفاع عنه ،بدءا بإلقاء الحجارة إنتهاء الى الإنضمام إلى تنظيم سري يعمل ضد الإحتلال ـويقوم بالقتل والتخريب ( حسب زعمهم).

وأكدت وزارة شؤون الأسرى والمحرّرين بأن عدد الأسرى في سجون الإحتلال يتخطى 11 ألف أسير فلسطيني وعربي ، بينهم 35أسيرة ، ولا يقل عن440 طفلا ،حسب ما هو موثق لديها من بيانات وإحصاءات مؤكدة .

موزعين على 25 سجناً ومعتقلاً، من بينهم 788 أسيرا وأسيرة محكومين ومحكومات بالسجن مدى الحياة، و577 أسير وأسيرة محكومين بالسجن أكثر من 20 عاماً ، في أبرز السجون ومراكز التوقيف هناك، مثل سجن 'النقب، ومجدو، وهداريم، ونفحة، وشطة، والدامون، والشارون، ومستشفى سجن الرملة، وعوفر، وعسقلان، وايشل، واهلي كيدار، وريمون، وجلبوع'، ومراكز توقيف 'حوارة، وعتصيون، وسالم'، وفي مراكز التحقيق 'الجلمة، وبيتاح تكفا، وعسقلان، والمسكوبية'، ومنهم أسرى محكومون مدى الحياة حتى اذا ماتوا في السجن حفظو في ثلاجة الموتى الخاصة بالسجن ،فيحرمون حتى من حقهم في الدفن الذين كرّمهم الله به ،كما يحرم أهلهم وذويهم من رؤيتهم ودفنهم حتى بعد مماتهم مما يزيد نار الغضب والحسرة في القلوب وحقدا على المحتل ،ويعيش الأسرى ظروفا سيّئة للغاية ومعاملة قاسية من قبل السجّانين، يحرمون خلالها من أبسط حقوقهم التي كفلها القانون الدولي.

ولم يقتصر الإعتقال على الشباب وكبار السن والنساء بل تعدت وقاحة المحتل ليعتقل الأطفال القصّر الذين تتراوح أعمارهم ما بين 11 الى 16 سنة ، متحدين بذلك كل المباديء والقيم الإنسانية والأخلاقية ، فيصادرون براءة هؤلاء الصبية ويسرقون طفولتهم أمام أعينهم ويمارسون بحقهم أبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي حتى أن أغلب الأطفال لا يعرفون لماذا هم في هذا المكان الحقير ولا يعرفون سببا لإعتقالهم سوى أنهم كانو يلعبون

لعبة في الشارع مع أصدقائهم فيتلاقفون بالحجارة فسقط من بين يديهم حجرا سهوا في وجه مركبة صهيونيه فكانت جريمة لا تغتفر، وقد ازداد عدد الأسرى الأطفال هذا العام بشكل ملحوظ خاصة في القدس ومن بلدة سلوان بالتحديد ،كما يوجد في السجن عشرات بل مئات الأسرى الذين يعانون أمراضا صعبه ولا تسمح لهم إدارة السجن بالعلاج مما قد يودي بحياتهم ويسبب لهم الوفاة .

ويتشارك الأسرى بالمعاناة والألم وقسوة التعذيب وسوء المعاملة

حيث تمارس بحقهم أبشع أساليب التعذيب والإهانه ، ومنعهم من أبسط حقوقهم ومعاقبتهم على أتفه الأسباب ،حتى الضحك يعاقبون عليه في السجون ،فهم يعيشون حسب أمزجة السجانين التي تتغير كل لحظة وأخرى مما إضطر الأسرى في أغلب الأحيان الى الإضراب عن الطعام .

وفي السجن أيضا فتيات صغار ونسوة اقتلعهم الإحتلال من بين أولادهم وأهليهم ليمنعوهم من ممارسة أبسط أنواع الحياة ،ومن الأسيرات اللواتي ذكرت أسماؤهن وعرفهن العالم الأسيرة فاطمة الزق أم يوسف التي أفرج عنها في صفقة تبادل الأسرى الأخيرة التي نفذها حزب الله مع العدو الصهيوني قبل حوالي 3 أعوام ، هذه الأسيرة الباسلة دخلت السجن وهي حامل بيوسف فلم يشفع لها حملها ولا وضعها الصحي أمام تعنّت المحتل وجبروته ، فجاءها المخاض وهي في السجن فاقتادها السجّان إلى المستشفى مكبّلة اليدين والقدمين معصوبة العينين ،فكانت تصرخ من ألم المخاض تارة ومن ألم القيد تارة أخرى حتى رحمها الله من الألم وجاء يوسف ،أيضا لم يشفع لها يوسف ولا كل المساعي الحقوقية والإنسانية لللإفراج عنها فعادت ألى المعتقل ومعها يوسف الرضيع فكان أصغر طفل معتقل في التاريخ الإنساني كله ، عاش يوسف مع والدته في السجن حوالي عامين فكان إبنا لكل الأسيرات هناك ،وكان يوسف يعاقب كغيره من الأسرى فكانوا يمنعون عنه الحليب أحيانا والأدوية التي يحتاجها اذا اصيب بوعكة صحية ،ويمنعون عنه الكثير من اللوازم الإنسانية التي يجب ان تتوفر لكل طفل ، وأهم من كل هذا فهم يمنعون عنه ككل الأسرى الهواء والشمس والدفء ،معاملة قاسية جدا لا تصدر الا ممن خلوا من الضمير والمعاني الإنسانية ،ولكن إرادة الله تعالى أرادت ان يحيا يوسف ويكبر ويتحدى السجن والسجّان ، وخرج مع أمه بعد عامين في صفقة التبادل الأخيرة ، وحسب قول والدته بعد الافراج عنها بفترة أن يوسف أمضى وقتا كبيرا لا يطيق الشمس ويحب العتم فقد تعود على عتم الزنزانه التي لم يكن يدخلها شمس و لا هواء ......ولم تقتصر بشاعة الأسر وجوره على الأسرى فقط بل على ذويهم أيضا فهم بالإضافة الى معاناتهم وقسوة الحياة عليهم مضطرون لتوفير مبالغ مالية لأبنائهم في السجون منها كفالات باهظة وضعها المحتل ومنها مصروف للسجن حتى يشتروا ما يلزمهم من القليل الذي توفره إدارة السجون .وبالإضافة الى ذلك فهم يعانون أشد أنواع المعاناة لكي يحصلو على إذنا بزيارة أولادهم في السجون ،ويتعرضون لأقسى أنواع الظلم والجبروت حتى أنهم يتعرضون احيانا للتفتيش العاري، ويتحملون ما يتحملون حتى يروا أحبتهم ،

تقول مريم إبنة الثمانية سنوات :( ذهبت لزيارة والدي في السجن ، سرنا من الثالثة فجرا ،ساعات طوال ونحن في الطريق من حاجز الى حاجز حتى وصلنا السجن بعد عناء طويل وكلنا لهفة وشوق لرؤية أحبتنا ،حين دخلت التفتيش كنت أمسك بيدي تفاحة قال لي الجندي الق التفاحة على الأرض فلم أقبل قالها مرة أخرى فقلت لا قالها ثالثة فقلت لا فما كان منه إلا أن صفعني بكف على وجهي ، وفي تلك الأثناء سقطت من جيبة قطعة نقدية من الحديد فتناولتها ورميته بها فسال الدم من رأسه ، وبعد عناء طويل معه

إستمريت في الدخول من بوابة الى بوابة وعيوني تسبقني باحثة عن أبي خلف القضبان والجدران ،وما أن وصلت البوابة الأخيرة حتى سمعت صوتا عبر المكبر يقول :مريم ممنوعة أمنيا، نعم لقد منعوني من زيارة والدي الحبيب الذي لم اره منذ سنوات ،وقتلو شوقي ولهفتي له ) .وفي قصة مشابهة فقد توفيت الطفلة عبير السكافي إبنة ال 11 عام قبل اقل من عام تقريبا على أثر صدمة عصبية أصابتها من أخر زيارة لوالدها الأسير حيث كلمته من خلال الزجاج العازل الذي منعها من إحتضان والدها والجلوس في حضنه الدافيء رغم برودة السجن مما جعلها تفقد أعصابها وتضرب الزجاج بيدها بقوة كبيرة مما سبب لها إنتكاسة صحّية دخلت على اثرها في غيبوبه وتوفيت بعد أسبوع .

إستشهادك يا عبير وصمة عار في جبين الإحتلال الإسرائيلي وجبين كل هذا العالم الذي يدعي أنه عالم حر، وحريص على حقوق الإنسان.

لك الرحمة يا عبير ولأبيك وكافة أسرى فلسطين الحرية ….ولكل هذا العالم العار.

هذه بعض الصور لمعاناة شعبنا في فلسطين لعل وعسى تجد اذانا صاغية وقلوبا رحيمة تعمل جاهدة لانهائها .

ومع كل هذه المعاناة والألم ، وقسوة السجن والسجان ، فان أسرانا صامدون صابرون يحتسبون أمرهم لله تعالى ويتحدّون السجن والسجّان ويعلمون أن بعد الليل سيأتي نهار ، وان الكرامة والحرية اقوى من جبروتهم وسياطهم .

وفي النهاية لا يمكن ان ننسى جميع أسرى الحرية في كل العالم سواء غوانتانامو او أبو غريب او سجون الظلام وتحت الأرض ووراء الشمس في كل العالم، فالحرية والسلام للأسرى في كل سجون الظلم ،والويل الويل للسجّان


بقلم :ناديا كمال

عاشقة القدس

من القدس

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 183 مشاهدة
نشرت فى 20 يناير 2012 بواسطة nadia-alwardhmh

ساحة النقاش

ناديا كمال / عطر الورد

nadia-alwardhmh
فلسطينية الاسم ,,,,,فلسطينية الكلام والصمت ,,,,فلسطينية الوشم ,,,,,فلسطينية الاحزان والجرح ,,,,, نعم فعِنْدَمَآ يَقُولُونَ لِيْ : يَآ فَلَسْطِينـِــــيْة ... ..أشْعُرُ وَكَأنِّيْ ' مَلِكـة ' فِيْ هَذَآ الكَوْنْ ..! وأقول لاعدائي :عذِّبوني، هجِّروني، و ان اردتم حتى اقتلوني و لكن … من ارضي ابدا لن تقتلعوني !! »

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

16,050