تحدثنا فى المقالة السالفة (4) ان شرع اللة لأ يقر الزواج الخبيث(العرفى) وان للزواج الأسلامى ميثاق وقدسية وهم القبول والايجاب . وفى هذة المقالة سوف نتحدث عن ( الأعلان، المهر والشهود)... الشرط الثاني : الإعلان :
الإسلام أوجب إعلان الزواج و إشهاره ، فالإسلام لا يعرف السرية في الزواج ، بل ولا يعرف بزواج السر . قال ابن تميمة : نكاح السر هو نكاح البغايا ، وهو نكاح ذوات الأخدان .
الحلال لا يخشى الظهور ، الحلال لا يعرف السراديب والسرية ، بل يعلن عن نفسه بغاية الوضوح .. وبغاية العزة والكرامة .
تزوج في الحلال الطيب واحدة ، واثنتين ، وثلاثة ، وأربعة بشرط العدل وارفع رأسك ولا تستحي من المجتمع الذي ينظر إلى شريعة الله جل وعلا على أنها جرم يجب على أصحابه أن يضعوا رؤوسهم في الوحل والطين والتراب !! ارفع رأسك ما دمت تؤدي ما أمر الله به ، وما شرعه لك رسول الله . دعوكم من هذه الهزيمة النفسية التي أصابت الأمة وجعلت المسلم ينظر إلي شرع الله المحكم في القرآن و السنة على أنه رجعية ، وتخلف و تأخر في الوقت الذي ينظر فيه المجتمع إلي هذه العلاقات الخبيثة المحرمة على أن أهلها ممن تحرروا من قيود المجتمع و من ضغط الواقع و من ضغط الدين ! و لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير ُ [الملك : 14] .
الإسلام لا يعرف السرية في الزواج ، بل يوجب عليك الإسلام أن تعلن زواجك في الحلال الطيب ، وأن ترفع رأسك بذلك في المجتمع .
قال المصطفى كما في الحديث الذي رواه أحمد والحاكم والطبراني وغيرهم من حديث عبد الله بن الزبير بسند حسن قال : ((أعلنوا النكاح)) وفي رواية للطبراني بسند حسن بالشواهد من حديث يزيد بن السائب أن النبي سئل : هل يرخص لنا باللهو عند العرس ؟ قال : ((نعم)) إنه نكاح لا سفاح ، ثم قال المصطفى ((أشيدوا النكاح)) أي : أعلنوه و اظهروه .
أما الشرط الثالث من شروط العقد فهو : المهر .
قال تعالى : وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً.. [النساء : 4]، فالمهر واجب على الرجل وهو حق كامل للمرأة ، ولقد أمر الإسلام بتخفيف المهر وتيسيره كما في الصحيحين من حديث سهل بن سعد الساعدي قال : جاءت امرأة إلي رسول الله فقالت : يا رسول الله جئت أهب لك نفسي ، فصعَّد النظر فيها وصوَّبه ثم طأطأ رسول الله رأسه ، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئاً فجلست.
وهنا أريد أن أوضح أمراً أنه لا يجوز للمرأة أن تهب نفسها لإحد من الرجال فهذا الأمر خاص بالنبي قال تعالى : خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ هذا أمر كان لابد من التنبيه عليه .
ونعود إلي حديث سهل قال : فقام رجل من أصحابه ، فقال يا رسول الله ! إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها ، فقال : ((فَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟)) فقال : لا والله ! يا رسول الله ، فقال ((اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ ، فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئاً ؟)) فذهب ثم رجع ، فقال : لا والله ! ما وجدت شيئاً ، فقال رسول الله : ((انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ)) فذهب ثم رجع ، فقال : لا والله ! يا رسول الله ولا خاتماً من حديد ، ولكن هذا إزاري (قال سهل : ما له من رداء ) فلها نصفه ، فقال رسول الله : ((مَا تَصْنَع بِإزَارِكَ ؟ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ)) فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام فرآه رسول الله مُولياً ، فأمر به فدعي ، فلما جاء قال : ((مَاذَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ؟)) قال : معي سورة كذا وسورة كذا (عدَّدها) فقال : ((تَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْر قَلْبِكَ)) قال : نعم . قال : ((اذْهَبْ فَقَدْ مُلِّكْتَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ)) (1).
فالإسلام أوجب المهر ، لكنه أمر بتخفيفه ، و قد أجمع العلماء على أنه لا حد لكثيره.
الشرط الرابع من شروط صحة العقد : الشهود .
قال النبي كما في الحديث الصحيح الذي رواه البيهقي ، والطبراني ، والدارقطني من حديث عائشة : ((لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ)) ، وفي حديث عمران بن الحصين الذي صححه الألباني في إرواء الغليل بشواهده أن النبي قال : ((لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَي عَدْلٍ)) (2) ولقد أتفق علماء الأصول على شروط العدالة وهي : الإسلام ، والبلوغ ، والعقل ، وعدم الفسق . هذه شروط مجمع عليها بين علماء الأصول في الشاهد العادل ، ووالله و أنا على منبر النبي لقد أرسلت إليّ فتاة جامعية رسالة كتبتها بدموع الندم - يوم لا ينفع الندم - تخبرني فيها بأنها قد تزوجت زواجاً عرفياً باطلاً بزميل لها في الجامعة ، وفي يوم من الأيام شعرت بالحمل يتحرك في أحشائها ، فأسرعت إليه لتتوسل بين يديه أن يأتي إلي أهلها ليتزوجها زواجاً شرعياً صحيحاً . تقسم لي بالله أن الشاب أخرج ورقة الزواج العرفي الباطل ومزقها أمام عينيها وبين يديها وقال لها : من يدريني أنه ولدي ؟!
يتنكر الشاب للفتاة ويمزق الورقة بين يديها لينطلق يبحث عن فريسة غبية أخرى ، هذا هو الواقع تقول لي الفتاة : أن شاباً من الشابين الذين شهدا على ورقة العقد العرفي الباطل لما علم بلك ذهب إليها وطلب أن يزني بها !! فلما رفضت هددها أن يفضح أمرها في الجامعة وبين أسرتها ، فهي تسألني و تقول هل تمكنه من أن يزني بها حتى لا تفضح نفسها في الجامعة أو بين أهلها ؟! هذا شاهد من أولئك الشهود الذين يشهدون الآن على وثيقة عقد الزواج العرفي الباطل المشئوم المزعوم .
هل يقول مسلم بعد ذلك أيها الأحبة بأن هذا الزواج السري الباطل يمت إلي لفظ الزواج أو إلي لفظ العرف بصلة من قريب أو من بعيد ؟! لا .. و رب الكعبة . العبرة بالمسميات والحقائق لا بالأسماء ، فلو سميت الخمر بالشمبانيا ، و الوسكي والبارندي ، والمشروبات الروحية ، فالمسمى واحد وهو الخمر الحرام ، ولو سمي الربا بالفائدة والعائد أو غير ذلك فهذا لن يخرج الربا عن كونه ربا حرمه الله ، وأنا أقسم بالله أن أى مسلم على وجه الأرض لا يرضى ولا يقبل هذه العلاقة ولا يقبل هذا الزواج العرفي الباطل لأمه، أو لأخته ، أو لعمته ، أو لخالته ، أو لأبنته ، أو حتى لأبنه لأنه خروج عن الدين والأخلاق والفطرة السليمة السوية النقية ، والواقع الآن يؤكد أن المأساة مروعة ، وهذا هو عنصرنا الثالث بإيجاز .