منذ تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 22 فى دورتها رقم 53 فــى 4 نوفمبر 1998 بإعلان عام 2001 عاماً للحوار بين الحضارات، اعتبرت القوى المحبة للسلام والتعايش عبر العالم أن هذا الإعلان بمثابة الرد العملى من جانب المجتمع الدولى على كل دعاة الصراع والصدام بين الحضارات والادعاء بتفوق حضارة على أخرى أو القول بنهاية التاريخ وبانتصار حضارة على الأخريات وما إلى ذلك. وكان اللافت للنظر هو أن الدول الإسلامية -خاصة إيران ومصر- كان لها السبق فى الدفع بفكرة حوار الحضارات، كما يبرز دور دول غير غربية بالمعنى الحضارى مثل اليابان وكوريا، بالإضافة إلى دول غربية ذات إسهامات حضارية عريقة مثل اليونان وإيطاليا.
أولاً : الأمم المتحدة:
منذ إصدار القرار 22 عام 1998 بواسطة الجمعية العامة، عمد السكرتير العام للأمم المتحدة إلى تقديم تقارير سنوية للجمعية كان آخرها تقريره للدورة الـ 56، كما عمدت الجمعية العامة سنوياً لتبنى مشروع قرار بشأن عام حوار الحضارات والإعداد له والأنشطة المتصلة به، كما طالبت بإسهامات الدول والمنظمات الإقليمية وغير الحكومية فى هذا الشأن، ومن ناحية ثالثة، شكل السكرتير العام للأمم المتحدة فريق خبراء يضم 19 خبيراً من مختلف الخلفيات الحضارية والثقافية - من بينهم الأستاذ الدكتور أحمد كمال أبو المجد من مصر - لإعداد تقرير السكرتير العام للجلسة الخاصة للجمعية العامة بشأن حوار الحضارات والتى عقدت يومى 9 و 10 نوفمبر 2001 لمناقشة ما حدث فى إطار فعاليات هذا العام عاماً للحوار بين الحضارات طبقاً لما قررته الجمعية العامة عام 1998.
وإذا استعرضنا تقارير السكرتير العام للأمم المتحدة للجمعية العامة سنوياً منذ عام 1998 نجد أنه يربط بين مفاهيم التعددية والتنوع بشكل عضوى مع حوار الحضارات، ويعتبر أى رفض لتلك المفاهيم سبباً للعديد من الصراعات والحروب فى عالمنا، بما فى ذلك ما سببته الأحقاد العنصرية والعرقية والتعصب الدينى. كما سعت هذه التقارير إلى عدم عزل مفهوم حوار الحضارات فى أدراج المثقفين وأروقتهم بل ربطه بما يدور من نقاش حول العولمة والبحث عن أنساق جديدة للعلاقات الدولية، وذلك من خلال أفكار ضرورة وجود عدو فى العلاقات الدولية ممثلاً فى الآخر واعتبار العدو المشترك للجميع هو التعصب وعدم التسامح.
وعلى مستوى آخر، فإذا استعرضنا قرارات الجمعية العامة السنوية منذ عام 1998 حول حوار الحضارات نجد تزايداً مطرداً فى عدد الدول التى تبنت مشروعات القرارات، بما فيها دخول دول حرصت فى البداية على الابتعاد عن هذه القرارات ربما توجساً من أجندة خفية كامنة ورائه، مثل الولايات المتحدة الأمريكية. وقد تم إدماج موضوعات مثل حقوق الإنسان، بما فى ذلك حق تقرير المصير، فى تلك القرارات، وكذلك اعتبار حوار الحضارات مدخلاً لتعزيز العلاقات الودية والتعاون بين الدول وإنهاء التهديدات للسلم والأمن الدوليين.
وبينما أقرت هذه القرارات بالتباين الحضارى وبوجوب تعددية داخل كل حضارة وثقافة، فإنها اعتبرت إنجازات الحضارات ارثاً مشتركاً للإنسانية مع الأخذ فى الاعتبار خصوصية كل حضارة وثقافة، وربطت بين حوار الحضارات وثقافة السلام ودعت لاحترام التباين الثقافى والعقائدى واللغوى. ورأت قرارات الجمعية العامة أن العولمة ليست مجرد ظاهرة اقتصادية ومالية وتكنولوجية بل تحدياً يدعو لتبنى الاعتماد المتبادل بين البشر. وقد ركزت القرارات بالذات على دعوة الحكومات لتدرج فى المناهج الدراسية ببلادها ما من شأنه احترام التعدد الحضارى والثقافى واللغوى وتدريس إنجازات الحضارات الأخرى بما يدعم جهود الفهم والاعتراف المتبادل فيما بين الحضارات والثقافات.
وقد اتسق التكليف الصادر لفريق الخبراء الذى أعد تقرير السكرتير العام للجلسة الخاصة للجمعية العامة فى ديسمبر 2001 بشأن حوار الحضارات مع ما ذكرناه عن مضمون التقارير السنوية للسكرتير العام للجمعية العامة ومع مضمون القرارات السنوية للجمعية العامة منذ عام 1998 مع التركيز على اعتبار التنوع سمة أصيلة لعالمية الفلسفة التى أنشأت الأمم المتحدة عام 1945 وكونه مجسداً فى قيم حواها ميثاق الأمم المتحدة ومواثيق أخرى للمنظمة الدولية. كما حمل هذا التكليف مفاهيم يمكن وصفها بالغموض مثل المسئولية الفردية فى إطار الأنساق الجديدة للعلاقات الدولية ومدى إمكانية محاسبة الأفراد فى العلاقات الدولية، وهو الأمر الذى أثار بعض المخاوف بشأن محاولة الربط بين حوار الحضارات من جهة ومفاهيم جديدة يحاول البعض تمريرها وتقنينها والترويج لها داخل الأمم المتحدة مثل الدبلوماسية الوقائية وحق التدخل وتقييد مفهوم السيادة وغير ذلك من جهة أخرى، مما دفع دولاً من العالم الثالث إلى السعى لإجلاء هذا الغموض واستجلاء الأمور تحسباً لأى مفاجآت غير سارة.
إلا أن الثابت هو أن دعوة الجمعية العامة للقيام بأنشطة عبر العالم فى مجال تشجيع الحوار بين الحضارات لاقت صدى إيجابياً سواء من الحكومات أو المنظمات الإقليمية أو غير الحكومية أو المؤسسات الأكاديمية، دون إنكار الدور الهام لمنظمات دولية خاصة منظمة المؤتمر الإسلامى ووكالات دولية متخصصة مثل اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة)، سواء فى شكل موائد مستديرة أو ندوات أو مناظرات أو ورش عمل أو فرق بحثية. كذلك تلقى الصندوق الاستثمارى، الذى أنشأه السكرتير العام للأمم المتحدة عام 1999 للحصول على موارد خارج الميزانية العادية للأمم المتحدة لتمويل أنشطة الحوار بين الحضارات، مساهمات مالية وعينية من حكومات ومؤسسات أكاديمية والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية.
المصدر: د. وليد عبد الناصر - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/Y1UN17.HTM
نشرت فى 13 أكتوبر 2011
بواسطة mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
286,862
ساحة النقاش