وتبقى مسألة إيجاد آلية لمتابعة تشجيع الحوار بين الحضارات وهى مازالت محل خلاف. وهناك دعوة من عدد من الدول والمنظمات لضمان وجود لجنة دائمة سواء داخل الأمم المتحدة أو اليونسكو لتعميق حوار الحضارات مفهوماً وممارسة عبر الترويج له فكرياً وفنياً وأدبياً، خاصة أن إنشاء مثل هذه الآلية سيضمن عدم تحول عام 2001 إلى مجرد ذكرى لحوار الحضارات اقتصرت على إلقاء كلمات وتسجيل مواقف وعرض لأنشطة تمت وانتهت دون استمرارية فى النتائج ومتابعتها.
ويبقى أخيراً فى هذا الجزء ضرورة ذكر المائدة المستديرة التى نظمها اليونسكو على هامش القمة الألفية للأمم المتحدة فى 5 سبتمبر 2000 وضمت عدداً مختاراً من رؤساء الدول والحكومات ووزراء الخارجية والمفكرين وما شكلته من إسهام فى حوار الحضارات على الأقل من جهة التعريف به والدعاية له.
كما نشير إلى ما ذكره السكرتير العام للأمم المتحدة فى كلمة له فى 5 فبراير 2001 من أن هدف حوار الحضارات يجب أن يكون البحث عن المعايير والقيم المشتركة وتعزيزها، وليس السعى لمضاعفة أوجه الخلاف والصراع. وضرب كوفى عنان مثلاً بمنطقة الشرق الأوسط موضحاً أن حوار الحضارات يمكن أن يساعد أطراف الصراع على التوصل للسلام، بدون أن يذكر تفاصيل ما يعنيه وكيفية تنفيذه.
وإذا انتقلنا من مستوى الاتجاهات العامة التى جسدتها قرارات الجمعية العامة وتقارير السكرتير العام إلى مستوى التعرف على التباينات فيما بين الدول من قراءة بياناتها العلنية والرسمية عند مناقشة بند حوار الحضارات فى الجمعية العامة يمكن لنا رصد ما يلى من تباينات: فإيران تسعى إلى إبراز أن رئيسها كان وراء إطلاق مبادرة إقامة عام لحوار الحضارات عام 1997 وتوظيف ذلك فى إطار سياستها الخارجية للانفتاح على العالم وكسر محاولات عزلها أو فرض المقاطعة عليها وإعادة الاندماج فى النظام الدولى من موقع الند والشريك المساوى ودون تقديم تنازلات.
ومن جانبها، تبرز دول الاتحاد الأوروبى أهمية احترام التعددية الثقافية داخل المجتمعات وليس فقط بينها، وربطها بحقوق الإنسان وكرامته وبالمساواة بين الرجل والمرأة وتؤكد على إيجابية ما تتيحه ثورة المعلومات والاتصالات من فرص للتفاعل الحضارى، مع الإقرار بالمساواة بين أطراف الحوار. كما يتضح موقف دول ذات حضارات عريقة ترفض مساواة حول الحضارات بحوار الأديان، خاصة فى حالة معاناة بعض هذه الدول من حساسيات أو صراعات دينية داخلها. وأجمعت عدة دول على التحذير من مخاطر التطرف القومى والدينى والعرقى على حوار الحضارات. وتحاول بعض الدول الغربية استثمار فرصة حوار الحضارات كمدخل لتمرير قبول عالمى لعالمية قيم التعددية والديمقراطية الليبرالية وحقوق الإنسان. كما أن بعض الدول تستغل الموضوع كعملية للهجوم على الإسلام كدين وحضارة وممارسات بما لا يعكس الحساسية اللازمة تجاه مشاعر المسلمين خاصة أن الموضوع الأصلى هو السعى للحوار وليس للصدام، كما يعكس مثل هذا الهجوم أحياناً كثيرة جهلاً بحقيقة الإسلام وجوهر العالمية.
وخلال مناقشة بند حوار الحضارات بالجمعية العامة للأمم المتحدة تظهر أيضاً آراء تتحدث عن العولمة الثقافية ووجود حضارة إنسانية عالمية واحدة، سواء تحدثت عن هذه المسألة باعتبارها واقعاً يجب التعامل معه أو باعتبارها أمراً مرغوباً فيه لكونه يضمن التفاهم بديلاً عن الاختلاف والمواجهة. والمقصود بالحضارة الواحدة نظام حياة شامل ونمط تفكير وسلوك. إلا أن البعض وعى لخطورة الترويج لهذا المفهوم كأمر مسلم به نظراً لما يعنيه هذا من فرض تلك الحضارة الواحدة على المتلقين فهماً للثقافات والحضارات الأخرى قد يتصف بالسلبية وعدم الدقة أو حتى عدم الصحة على الإطلاق مثل نقل صورة المسلمين كإرهابيين وإنكار الإسهام التاريخى الذى قدمته الحضارة الإسلامية لتطور الحضارة الإنسانية فى العصور الوسطى وحفظها وتطويرها لإنجازات الحضارات الرومانية واليونانية وما طرحته من أفكار جديدة تدعو للتسامح واحترام مقدسات الآخرين، ويوجد شبه إجماع - مع استثناءات قليلة- على ضرورة أنسنة العولمة حتى تتحقق الاستفادة المتبادلة فيما بين مختلف الحضارات. وكذلك إجماع تام على أن فشل مسعى الحوار بين الحضارات سيؤدى بالبشرية إلى العودة إلى زمن البربرية وحكم الغاب ولو فى ثوب عصرى.
هذا، وقد اتسم النقاش العام حول موضوع الحوار بين الحضارات فى الجمعية العامة للأمم المتحدة بشكل عام خلال الفترة من 1998 إلى 2001 بالإجماع على إيجابية التنوع الثقافى كعامل إثراء لتقدم البشرية، وضرورة تفعيل الحوار بين الحضارات، خاصة فى ضوء الهجمات ضد الولايات المتحدة الأمريكية فى 11 سبتمبر 2001، والتأكيد على إدانة الإرهاب ومواجهته عبر تدعيم الحوار ونبذ الصراع أو إلصاق تهمة الإرهاب بحضارة بعينها مثل الحضارة الإسلامية، وإبراز أهمية الدور المحورى للأمم المتحدة فى حوار الحضارات وربط الحوار بمبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ حقوق الإنسان، والأخذ فى الاعتبار التعددية الحضارية والثقافية وتجنب ادعاء حضارة واحدة بالتفوق أو الرغبة فى الهيمنة على بقية الحضارات، والإعراب عن التقدير لدور اليونسكو فى حوار الحضارات وربطه بصياغة منظومة جديدة للعلاقات الدولية.

المصدر: د. وليد عبد الناصر - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/Y1UN17.HTM
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 137 مشاهدة
نشرت فى 13 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

274,412