جاء الاجتماع الوزارى الاستثنائى لمنظمة المؤتمر الإسلامى بالدوحة فى 8 و 9 أكتوبر 2001 تأكيداً لذلك. وبالرغم من أن جدول أعمال الاجتماع شمل أحداث 11 سبتمبر فى الولايات المتحدة وتداعياتها وتأثيراتها على العالم الإسلامى، وأيضاً الأوضاع فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، فإن حيزاً هاماً من البيان الختامى للاجتماع تصدى لقضايا ذات صلة بحوار الحضارات. وتضمن ذلك التذكير بدور الحضارة الإسلامية فى إثراء مسيرة البشرية وبالقيم الأساسية لتلك الحضارة من قبول بالآخر وانفتاح عليه واستعداد للتعاون معه والإدانة الصريحة للهجمات التى تعرضت الولايات المتحدة لها فى 11 سبتمبر 2001 باعتبارها منافية لقيم الإسلام السامية والمتسامحة، والتحذير فى ذات الوقت بقوة مما ظهر من حالات اعتداء وتمييز أو تقييد لحريات وحقوق الجاليات الإسلامية المقيمة فى العالم غير الإسلامى، وربط موضوع حوار الحضارات أيضاً بضرورة تحقيق السلام الشامل والعادل والدائم بين إسرائيل والأطراف العربية على أساس قرارى مجلس الأمن 242 و 338 ومبدأ الأرض مقابل السلام والانسحاب من الأراضى المحتلة فى يونيو 1967 وفى لبنان (فى إشارة إلى مزارع شبعا) وتمكين الشعب الفلسطينى من ممارسة حقه فى تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وإنهاء ازدواجية المعايير فى العلاقات الدولية، والتى تمارس بشكل خاص ضد الدول الإسلامية، ورفض التعرض للمدنيين فى الحرب التى كانت الولايات المتحدة قد بدأتها قبل المؤتمر بيومين ضد تنظيم القاعدة وحركة الطالبان فى أفغانستان، وأيضاً رفض امتداد الحرب لبلدان إسلامية أخرى. وتزامن ذلك مع حث على الحوار مع الغرب على المستويات السياسية والأكاديمية والإعلامية، خاصة مع القوى المتعاطفة مع الحضارة الإسلامية والمتفهمة لها على أساس احترام الآخر وضرورة ألا تتحول العولمة إلى حضارة واحدة تفرض هيمنتها على بقية الحضارات، مع ضرورة أن يتم الحوار فى إطار الأمم المتحدة كأساس وضرورة التزام وسائل الإعلام فى الغرب الموضوعية عند تناول الإسلام والمسلمين وحضارتهم.
أما المرحلة الأخيرة والأكثر تقدماً فى مواقف منظمة المؤتمر الإسلامى فكانت تقديم المجموعة الإسلامية لدى الأمم المتحدة فى نيويورك لمشروع قرار خاص بالحوار بين الحضارات للعرض على الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورتها الخاصة المكرسة لهذا الشأن والتى كان مقرراُ لها 3 و 4 ديسمبر 2001، وتم تبكيرها فى ضوء أحداث 11 سبتمبر لتصبح يومىّ 8 و 9 نوفمبر 2001. وسنتوقف بقدر من التفصيل أمام مشروع القرار هذا نظراً لشمولية تناوله ودخوله فى تفصيلات الأمور. وتضمن مشروع القرار هذا ثلاثة أجزاء: الديباجة، الأهداف والمبادئ المشتركة، وبرنامج العمل.
وشملت فقرات الديباجة إعادة تأكيد مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة لتطوير علاقات صداقة فيما بين الأمم تقوم على احترام الحقوق المتساوية للشعوب وحقها فى تقرير المصير، وأهداف تعزيز السلم والتعاون الدوليين لحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الدولية، ولتشجيع احترام حقوق الإنسان بدون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين، وأشارت الديباجة إلى ضرورة التزام كافة دول العالم بالامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها فى العلاقات الدولية ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسى لأى دولة بما لا يتفق مع أهداف الأمم المتحدة، والتزام الدول أيضاً بتنفيذ الإعلان العالمى لحقوق الإنسان باعتباره معياراً مشتركاً لكافة الشعوب والأمم وكمصدر للمزيد من تعزيز وحماية حقوق الإنسان السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمدنية والثقافية، بما فيها الحق فى التنمية. وأوضحت فقرات الديباجة أن كافة الحضارات تؤكد وحدة وتنوع البشرية فى آن واحد وأن إثراء هذه الحضارات جاء عبر الحوار مع الحضارات الأخرى، وأنه بالرغم من عوائق التعصب والعدوان فإن التفاعل الإيجابى عبر التاريخ كان السمة المميزة للعلاقة فيما بين الحضارات، مع تأكيد أن الإنسانية الواحدة تجمع كل الحضارات، وبالتالى فإن إنجازات هذه الحضارات هى إرث مشترك للبشرية.
وقد استعانت فقرات الديباجة بمشروع القرار بالإشارة الواردة فى إعلان الدورة الألفية للجمعية العامة والصادر فى 8 سبتمبر 2000 بأن التسامح هو أحد القيم الأساسية فى العلاقات الدولية فى القرن الحادى والعشرين، بما فى ذلك الاحترام المتبادل لتعدد الثقافات والعقائد واللغات دون قمع للخلافات سواء داخل المجتمعات أو فيما بينها بل اعتبار هذه الخلافات مصدر ثراء، وكذلك ربطت بين حوار الحضارات وثقافة السلام التى كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد تبنت إعلان وبرنامج عمل بشأنها عام 1999 فى دورتها الـ 54.
وقد لاحظت المجموعة الإسلامية فى ديباجة مشروع القرار المشار إليه - وبشكل إيجابى- أن العولمة تعزز التفاعل بين الحضارات ولا تقتصر على كونها عملية اقتصادية ومالية وتكنولوجية، بل إنها تمثل تحدياً للحفاظ على التنوع الثقافى والفكرى للإنسانية، واعتبرت الحوار بين الحضارات قادراً على تحسين الوعى بالقيم المشتركة فيما بين البشر، وأقرت بأن حقوق الإنسان تنبع من الكرامة المتأصلة بالضرورة فى كل إنسان، وبالتالى فهى عالمية ومترابطة وغير قابلة للتجزئة، علماً بأن الإنسان يبقى محور موضوع حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وبالتالى يجب أن يكون المستفيد الرئيسى منها والمشارك الفعال فى تحقيقها. وأعادت الديباجة التأكيد على أن لكافة الشعوب الحق فى تقرير المصير عبر تحديد وضعهم السياسى ومتابعة مسار التنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية بالشكل الذى تقرره هذه الشعوب، واعتبار حماية حرية الرأى والتعبير واحترام الإرث الثقافى للآخرين والالتزام بالاستماع لهم والتعلم منهم كلها شروط أساسية للحوار من أجل التقدم الإنسانى، وأبرزت أن التسامح واحترام التنوع وحماية حقوق الإنسان هى أهداف مترابطة، كما أن من شأن تعزيز حقوق المرأة ودورها دعم هذه الأهداف. ودعت فقرات الديباجة كافة الدول لضمان حماية واحترام أماكن العبادة الدينية -وهو مطلب تاريخى وتقليدى للمسلمين عبر الأزمنة والعصور- وفى نفس الوقت دعت للبحث عن أرضية مشتركة بين الحضارات المختلفة لمواجهة التحديات المشتركة التى تواجه الإنسانية، ورحبت بجهود الحكومات والمنظمات الدولية وغير الحكومية وحتى الأفراد لتعزيز التفاهم عبر الحوار البناء بين الحضارات.

المصدر: د. وليد عبد الناصر - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/Y1UN17.HTM
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 147 مشاهدة
نشرت فى 13 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

286,863