أولا: أسباب الحروب:
ما الذى يجعل الناس ينخرطون فى هذا الصراع الوحشى مع بعضهم البعض منذ الأزل؟ ... ما الذى يجعل البشر يقتلون بعضهم البعض هذا القتل الوحشى فى حروب طاحنة؟ ... إذا سألت فرويد سوف يقول لك ان العنف من طبيعة البشر والحرب بهذا المعنى أمر حتمي.
أما توماس مور فله رأى آخر : الناس لا يذهبون إلى الحرب بمحض إرادتهم. هوس الملوك هو الذى يدفعهم اليها .. ومعنى هذا الكلام أن شخصية القادة ودرجة إدراكهم العقلى ـ او بمعنى اصح لا إدراكهم العقلى ـ هى التى تقود الناس الى الحرب. وهذا تفسير وجيه، فالحرب قرار يتم اتخاذه على أعلى المستويات فى الدولة وبالتالى فإن شخصية القادة تلعب دورا كبيرا فى نشوب الحروب او تجنبها. والمشكلة ان الحرب تدور بناء على ما يعتقده القادة لا على ما يكون جاريا بالفعل على ارض الواقع. ما معنى هذا؟ ... هناك شيء يسميه علماء السياسة بالصور، ويعنون بها المدركات التى تتكون داخل عقول رجال الدولة تجاه الدول الأخرى وطبيعة العلاقات الدولية بوجه عام. والتصورات الخاطئة التى يتبناها القادة لا نهاية لها ومن يفتش وراء كل حرب سوف يجد عددا لا بأس به من هذه التصورات والأوهام.
ماذا قالوا أيضا عن تفسير ظاهرة الحرب ؟ ... فوكوياما ـ المفكر الأمريكى صاحب أطروحة نهاية التاريخ ـ يرى أن الحرب مرتبطة بالأنظمة الشمولية، فالأنظمة الديمقراطية لا تحارب بعضها البعض لسببين: أولا لأن ما يربط بينها من المصالح المشتركة أكثر ما يفرق بينها، وثانيا لأن قرار الحرب فى الأنظمة الديمقراطية لا يتخذه فرد واحد او مجموعة ضيقة وانما هو فى النهاية ـ بمعنى من المعانى ـ قرار الشعب، والشعوب قلما تختار الحرب. وبالتالى فإن تحول الدول الى النظام الديمقراطى كفيل بالقضاء على ظاهرة الحرب مرة واحدة والى الأبد. وقد تخيل الفيلسوف الشهير أوجست كانت شيئا قريبا من هذا عندما دعا إلى تجمع عالمى من الدول الديمقراطية وقال بأن تجمعا كهذا كفيل بإحلال السلام فى العالم. وبالطبع فإن البعض يرون فى هذه النظرية قدرا من السذاجة فهناك أمثلة لحكومات ديمقراطية دخلت حروبا ضد بعضها البعض.
وكما نرى فإن الآراء السابقة كلها تحاول تفسير هذا اللغز الذى يستعصى على الحل: لماذا ما زال الإنسان مصرا بعد كل هذا التطور الذى أحرزه، على كل الأصعدة، أن يحسم خلافاته بنفس الطريقة التى كان يتبعها جده البدائى القديم؟. والمشكلة هنا أن الإنسان لا يريد الاعتراف بان الحرب هى ظاهرة عقيمة تعبر عن أحط ما فى نفسه من غرائز، وإنما على العكس يمجدها ويسعد بها ويغنى لها. أنظر مثلا الى قيصر ألمانيا الذى قال عشية الحرب العالمية الأولى : الحرب ... يا لها من شيء مبهج . وانظر الى كل هذه الأغانى الحماسية التى تمجد الشجاعة فى الحروب وتحث الناس على الانخراط فيها.
لقد حدد بعض علماء الاستراتيجية خمسة أسباب أساسية تقود إلى وقوع الحرب بين الدول..

السبب الأول: الأمل الكاذب فى النصر:
السبب الأول لظاهرة الحرب هو الأمل الكاذب فى الانتصار. وهذا أمر واضح فالدول التى تهزم فى الحروب إذا عرفت النتيجة التى تنتظرها ما دخلت الحرب من الأصل. والأكثر من ذلك انه حتى الدول التى تنتصر لو عرفت ان الحرب سوف تكلفها هذه التكلفة ما دخلتها أيضا.
هناك دائما امل كاذب فى الانتصار خلف كل حرب. والدول التى يستغرقها التشاؤم من نتيجة خوض الحروب تكون اكثر حذرا فى التعامل مع الشئون الدولية ولا تدفع الأزمات الى حافة الهاوية لأنها تشك فى نتيجة الحرب، اما الدول التى يستغرقها التفاؤل الكاذب فتكون اكثر تهورا.
وإليك طائفة من أوهام النصر : بركليز اخبر اليونانيين بسهولة النصر ضد إسبرطة . . هانيبال كان مؤمنا بسهولة الانتصار عندما سار بحملته ضد روما فى 218 ق . م . وفى الحرب بين فرنسا الثورية وأعدائها فى عام 1792 كان كلا الطرفان موقنا بأن النصر سيكون حليفه، وعندما وقعت الحرب بين فرنسا وبروسيا فى عام 1870 - تلك الحرب التى انتهت بهزيمة فرنسا هزيمة ساحقة - كانت فرنسا مقتنعة بالانتصار فى الراين إلى درجة أن الجيش الفرنسى وزع على ضباطه خرائط لروسيا بدلا من فرنسا رغم ان مسرح المعركة كان على أرضها!. وعندما وقعت الحرب العالمية الأولى كان الجنود الألمان يتواعدون على اللقاء فى باريس فى ظرف ساعات. وقد تعرض الشعب والجيش والقيادة المصرية إلى وهم مشابه قبيل حرب الخامس من يونيو 1967.
ما الذى يحدث الأمل الكاذب فى الانتصار؟ ... قد يكون السبب هو الشوفينية (أى الوطنية المبالغ فيها). فالدول تفكر بأن جنودها لا يمكن أن يهزموا لأنهم من عنصر راق. وعلى سبيل المثال: تضمن أحد الكتب المدرسية الفرنسية فى ستينات القرن التاسع عشر أن الجندى الفرنسى يساوى عشرة جنود ألمان! . . هذه الوطنية المبالغ فيها تساهم أيضا فى سوء تقدير إرادة الخصم. الدول غالبا تفكر كالتالى : هدفنا شرعي، أما هدفهم فلا ... وهم يعرفون ذلك وبالتالى فسوف يختارون التراجع !. وبالطبع فإن هذا المنطق يتغافل عن أن الآخرين يعتبرون - من وجهة نظرهم الخاصة - أن هدفهم هو الآخر شرعى.
هناك سبب آخر يعزز التفاؤل الكاذب بنتيجة الحرب: الاعتقاد بأن الحرب يمكن أن تكون رخيصة، على سبيل المثال ماوتسى تونج توقع ان تكون الحرب الكورية قصيرة الأمد قليلة التكلفة. أما ما حدث فهو أن الصين خسرت 900 ألف رجل فى اكثر الحروب دموية منذ الحرب العالمية الثانية !
كيف نقضى على الأمل الكاذب؟ ... الشفافية هى الحل الوحيد، فإذا كان عند الدول تقدير صحيح لقوتها وقوة الخصم لأمكن تفادى الكثير من الحروب. والشفافية - فى مجال معلومات التسلح بالذات ـ تمكن العالم من تفادى حروب كثيرة تنتج عن سوء التقدير. وهذه هى الفلسفة التى تقوم عليها اتفاقيات ضبط التسلح.

السبب الثانى : ميزة الضربة الأولي:
السبب الثانى من أسباب الحرب هو ما يطلق عليه علماء الاستراتيجية: ميزة الضربة الأولي، ومعنى ذلك أن تعتقد الدول ـ سواء عن حق أو عن تخيل ـ أن الطرف الذى سيضرب الضربة الأولى سوف يُكتب له النصر النهائي. وبالتالى فإن الدول تحاول، ما وسعها ذلك، أن تستغل ميزة الضربة الأولى خصوصا وإنها تعرف ان خصومها سوف يفعلون ذلك أيضا إذا واتتهم الفرصة.
فى هذه الحالة فإن الدول تلجأ الى ما يسمى بالتعبئة الاستباقية: روسيا عبأت قواتها فى عام 1914 لتستبق هجوما ألمانيا محتملا وتغتنم فرصة الضربة الأولي، وهذه التعبئة الاستباقية كانت من الأسباب الأساسية وراء نشوب الحرب العالمية الأولى.
ونحن نعرف أن القادة العسكريين فى إسرائيل كانوا متلهفين للقيام بالضربة الأولى فى يونيو 67. وقد قال موشيه ديان قائد الجيش لليفى اشكول رئيس الوزراء : المصريون يتطلعون للضربة الأولي، ولكن سيكون قاتلا بالنسبة لنا أن ندعهم يفعلون ذلك.

المصدر: جمال رشدي - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/Y1UN14.HTM
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 382 مشاهدة
نشرت فى 13 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

286,885