بعد أن ناقشنا فى الفصل السابق الحرب و أسبابها وأنواعها يمكن أن نقول ونحن مطمئنون أن الحرب ليست ظاهرة حتمية، فهى ظاهرة لها أسباب ومظاهر محددة يمكن معالجتها. فى حين أن التفكير فيها باعتبارها شيئا حتميا لا فكاك منه هو الذى يجعلها حتمية بالفعل .
وخبراء السياسة يقولون ان السلاح النووي، ومبدأ (الدمار المؤكد المتبادل )، مهدا للقضاء على الكثير من أسباب الحرب لأنهما عززا من قدرة المدافع ـ وليس المهاجم ـ وقضيا على فكرة ميزة الضربة الأولى ـ التى قلنا أنها تعد من أهم أسباب الحرب ـ لأن الدول التى تمتلك السلاح النووى يمكنها امتصاص الضربة الأولى والرد بضربة ثانية . وهنا لا مجال أيضا للأمل الكاذب فى الانتصار ولا مجال للسعى للحصول على الموارد المتراكمة من خلال الغزو.
ويمكن تشبيه التغير الذى ادخله السلاح النووى على عالم الصراع الدولى بانه أعطى رجال السياسة كرة بللورية يستطيعون أن يروا من خلالها نتائج الحروب والصراعات قبل أن يقدموا عليها .
وفى فترة سابقة كان الناس متخوفين من السلاح النووي، فليست هناك سابقة لسلاح عرفه البشر ولم يستخدم فى الحرب. ولكن الكثير من الخبراء يؤكدون أن السلاح النووى يعزز السلام ويقلل احتمالات الحرب على الأقل بين الدول الكبري. ولكنهم يشيرون إلى ان السلاح النووى يقود إلى السلام إذا كانت القوى التى تمتلكه يمكن ردعها، أى يمكن تخويفها من خلال التهديد بضربة نووية مضادة إذا أقدمت على استخدام السلاح النووي. أما الدول التى لا يمكن ردعها فهى تلك الدول التى لا يهمها ما يحدث لشعوبها، فما يهمها فقط هو الاحتفاظ بالسلطة. وهذا يفسر الموقف الأمريكى من العراق وإيران ومساعيهما للحصول على أسلحة الدمار الشامل .
وبجانب اثر السلاح النووى فى إنهاء ظاهرة الحرب، فإن التطور الإنسانى فى السنوات الأخيرة يشير إلى أن الكثيرين صاروا يرون فى الحرب شيئا مستهجنا، وأن البشرية تجاوزت هذه الظاهرة تماما كما تجاوزت العبودية والمبارزة .
وهناك الكثير من الجماعات ـ من مختلف دول العالم ـ تحاول أن تقوم بمجهودات فى مواجهة ظاهرة الحرب عن طريق تنمية العلاقات بين الشعوب والأفراد عبر الحدود. وهذه الجماعات، التى يطلق عليها جماعات السلام ، ترفض التعامل مع الحرب باعتبارها ظاهرة طبيعية وتتفق مع ما قاله الرئيس الأمريكى فرانكلين روزفلت من أنه لم يكن هناك أبدا حرب جيدة أو سلام سيئ .
وهذه الجماعات تحاول دوما أن تنظم نفسها فى مظاهرات تعترض على الحروب، مثل المظاهرات التى خرجت اعتراضا على حرب فيتنام فى الولايات المتحدة والمظاهرات التى خرجت اعتراضا على غزو إسرائيل للبنان فى عام 1982. وقد قال الرئيس الأمريكى ايزنهاور ذات مرة : إن الناس يريدون السلام بشدة، وفى يوم من الأيام سيكون على الحكومات أن تبتعد عن الطريق وتدع الناس ينالونه .
وتنادى هذه الجماعات أيضا باقتلاع ما يسمى بـ ثقافة الحرب. ويقصدون بها تلك النزعة إلى تمجيد الحرب فى الأفلام والكتب والأغانى .
والحقيقة ان الشعوب أدركت منذ القدم أن الحرب، رغم بشاعتها، تفرز الكثير من القيم الإيجابية مثل التضحية والشجاعة وايثار الآخرين، والخروج من دائرة الفردية والارتباط بالمجتمع الأوسع. وقد قال أحد القادة العسكريين ذات مرة : من الخير أن تتسم الحرب بهذا القدر من البشاعة وإلا لكنا قد أحببناها كثيرا ! وعشية الحرب العالمية الأولى كتب تشرشل إلى إحدى صديقاته يصف لها كم هو منفعل متحمس ويشعر بالإثارة إزاء هذه الحرب، وفى عام 1945 شعر وكأنه مقدم على الانتحار .
ولطالما احتفلت الدول بالقيم الحربية عن طريق تقاليد معروفة مثل تمجيد المحاربين القدماء وتقديم مزايا لهم، أو إقامة نصب تذكارى للجندى المجهول .
وهناك ثقافات عسكرية بطبعها، وعلى سبيل المثال، فالكثيرون يقولون إن المجتمع الأمريكى مجتمع يحتفل بالعنف ويعتبره أمرا عاديا . وفى فيلم باتون ، الذى يروى قصة الجنرال باتون الذى كان قائدا للقوات الأمريكية فى الحرب العالمية الثانية، يقف القائد فى بداية الفيلم مخاطبا خريجى الكلية العسكرية قائلا : ليس صحيحا أيها السادة أن الأمريكيين لا يريدون الحرب .. انهم يعشقون الحرب ويمجدون المنتصر ولا يتسامحون مع المهزوم .
وعلى الرغم من ذلك فإن عددا من البلدان اليوم تتبنى ثقافة مضادة للحرب على طول الخط. وعلى سبيل المثال فإن كوستاريكا لا تحتفظ بجيش وإنما فقط بقوات شرطة مسلحة تسليحا خفيفا .
وفى اليابان يضع الرأى العام ـ ربما اكثر من الدستور ـ قيودا كثيرة على استخدام القوة المسلحة كإحدى أدوات السياسة الخارجية. وقد تعالت أصوات فى داخل اليابان لتعترض على إرسالها قوة حفظ سلام إلى كمبوديا فى عام1992 على أساس أن هذا يعد خرقا لمبدأ نبذ العسكرة والحرب .

المصدر: جمال رشدي - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/Y1UN15.HTM
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 203 مشاهدة
نشرت فى 13 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

276,899