2 - المكافأة :
وتعد المكافأة صورة مركبة من التفاعل الذى يستند على جوهر عملية المساومة ، وهو المقابل، بمعنى الحصول على شئ مقابل شئ . ويتمثل الوضع التقليدى لهذا الأسلوب فى أن تقوم الدولة (أ) بمكافأة الدولة (ب) فى حالة استجابة الأخيرة لرغباتها (منح المكافأة) ، أو قيامها بوقف مساعداتها لتلك الدولة (ب) فى حالة عدم استجابتها ، أو تغير سلوكها عما كان عليه (منع / وقف المكافأة) ، فالمنح والمنع (العقاب) هما الصورتان الأساسيتان لاستخدام هذا الأسلوب ، إلا أن ثمة أشكال أكثر تعقيدا، من أهمها :
أ - الوعد بتقديم المكافأة ، فقد تعد الدولة (أ) الدولة (ب) بتقديم مكافأة معينة لها ، إذا سلكت سلوكا معينا فى المستقبل ، كتغيير سياسة قائمة ، أو موقف معين ، أو تأييدها فى قضية ما ، وقد يتخذ الوعد صورة إشارة إلى إمكانية زيادة معونات إقتصادية تقدم لها ، أو إزالة صورة من صور العقوبات المفروضة عليها ، كما يحدث بين الولايات المتحدة وكل من إيران وسوريا وباكستان، إلا أنه بحكم عدم الثقة أحيانا بين الأطراف ، قد يصر الطرف (ب) على عدم تغيير سلوكه ، إلا إذا حصل بالفعل على المقابل ، كما يحدث تقليديا فى تنفيذ إتفاقات وقف إطلاق النار ، عندما يقرر طرف أن الأعمال وليست الأقوال هى المطلوبة للتصرف بشكل معين.
ب - التهديد بوقف المكافأة، فقد تهدد دولة معنية دولة أخرى تتلقى مساعدات مالية منها بالحرمان من / أو تقليص تلك المساعدات إذا لم تتصرف بشكل معين ، وينطبق ذلك على التعريفات الجمركية الممنوحة ووضع الدولة الأَولى بالرعاية ، وحظر صادرات التكنولوجيا الحساسة ، وفرض المقاطعة الإقتصادية ، على غرار ما شهدته العلاقات الأمريكية ـ الصينية مرارا ، كما قد يتضمن ذلك التهديدات بتقليص / أو قطع العلاقات الدبوماسية ، ووقف الإتصالات السياسية ، كما يحدث بين الدول العربية وإسرائيل خلال إنتفاضة الأقصى (2000ـ2001) ، وتتوقف فعالية مثل هذه التهديدات على عوامل معقدة .
ولا يرتبط استخدام هذا الأسلوب فقط بالأداة الإقتصادية ، رغم أنها الأكثر شيوعا ، و كما هو واضح ، فإن المقابل قد لا يكون من نفس النوع ، إذ قد تكون الإستجابة المطلوبة سياسية . لكن الأهم فى هذا المستوى أن أسلوب المكافأة ( بشكله الإكراهى المتصل بالحرمان أو المنع ) يرتبط أساسا بالعقوبات غير العنيفة، كقطع العلاقات الدبلوماسية ، أو زيادة التعريفة الجمركية ، أو الإنسحاب من منظمة / معاهدة دولية ، أو فرض الحصار / الحظر الإقتصادى ، أو اغلاق الحدود السياسية ، أو قطع الإتصالات الهاتفية ، أو منع السفن أو الطائرات من الرسو/ الهبوط فى إقليم الدولة ، وهو ما يميز بينه وبين العنف المسلح ، لذا فإن الإطار السياسى المحيط به عادة ما يرتبط بأنماط العلاقات الوسيطة بين التعاون والصراع ، وهى العلاقات التى تتسم بالتنافس أو التوتر ، التى يسودها عدم التفاهم ، فى ظل وجود مستوى من التعارض أو الاختلاف فى توجهات السياسة الخارجية ، رغم ما قد يكون بين الدولتين من إعتماد متبادل يستند على مستوى مرتفع قائم / أو ممكن من التفاعل ، يؤدى فى أحوال كثيرة إلى التعامل بالمثل .
3 - العنف :
ويتمثل هذا الأسلوب فى استخدام أدوات العنف المسلح (القوة العسكرية) ، أو التهديد باستخدامها ضد الأطراف الأخرى ، لدفعها نحو تغيير سلوكها ، لذا يشار إليه فى معظم الكتابات بإسم القوة ، ويشار إلى السياسة الذى تركز على استخدامه ، أكثر من الأدوات الأخرى ، بإسم سياسة القوة ، وهو بعد ذلك أقدم وأشهر أساليب استخدام عناصر قوة الدولة ، فلقد كانت الدول فى الماضى تلجأ إليه كأداة رئيسية تكاد تكون وحيدة فى إدارة خلافاتها مع الدول الأخرى ، فى ظل عدم امتلاكها وسائل أخرى فى الغالب ، أما فى الوقت الحالى ، فإنه يعتبر وسيلة أخيرة يتم اللجوء اليها عند الضرورة القصوى ، فى حالة فشل كل أساليب التأثير الأخرى .
ويصعب تماما حصر كافة أشكال استخدام القوة العسكرية بين الدول ، إلا أن من الممكن رصد مستويين منها ، يتضمن كل منهما نمطين فرعيين لاستخدامها ، كالتالى :
1 - التهديد باستخدام القوة العسكرية ، ويرتبط بتلويح الدولة ، بشكل مكشوف أو مستتر، باستخدام قواتها المسلحة ضد القوات المسلحة أو الأهداف المدنية لطرف آخر ، إذا لم يقم باتباع سلوك معين ، يتخذ بدوره نمطين :
- الردع ، وهو استراتيجية تهدف ، فى صورتها البسيطة ، إلى منع العدو من تحقيق أهدافه ، عبر تهديده بعقاب غير محتمل بالنسبة له إذا قام بذلك العمل ، أى قيام الدولة (أ) بمنع الدولة (ب) من القيام بعمل ترغب (ب) فى القيام به ، مع عدم رغبة (أ) فى ذلك .
- الإجبار ، وهو استراتيجية تهدف ، فى صورتها البسيطة ، إلى إكراه الخصم على القيام بعمل لا يرغب فيه ، عبر تهديده بالعقاب إن لم يفعل ذلك ، أى قيام الدولة (أ) بالضغط على الدولة (ب) (تهديديا) للقيام بعمل لا ترغب فى القيام به ، مع رغبة (أ) فى ذلك .
2 - الاستخدام الفعلى للقوة العسكرية ، ويرتبط بقيام القوات المسلحة فعليا بخوض حرب ضد القوات المسلحة أو الأهداف المدنية لطرف آخر ، فى حالة فشل التهديدات المشار إليها فى تحقيق أهدافها ، تبعا لنمطين رئيسيين، هما :
ـ الدفاع ، وهو استراتيجية تهدف إلى صد أو دفع هجوم فعلى تقوم دولة أخرى بشنه ضد الدولة المعنية ، مع تقليص خسائرها إلى أقصى حد ممكن ، فهدف الدفاع هو منع الدولة (أ) الدولة (ب) من تحقيق الأهداف التى شرعت فى تنفيذها ، فالمسألة هنا ليست النوايا ، وإنما الفعل .
ـ الهجوم ، وهو استراتيجية مثيرة تهدف الدول من خلالها إلى تحقيق أهدافها إزاء الأطراف الأخرى بالقوة المادية ، وذلك بتدمير القوات ، أو إحتلال الأراضى ، أو الاستيلاء على الموارد، فهدف الهجوم هو قيام الدولة (أ) بالحصول على ما تريده من الدولة (ب) فعليا.
ساحة النقاش