ب - المقاومة ضد الاحتلال:

إن الاحتلال، بما أنه عمل قسرى يهدف إلى اكتساب الأرض بالقوة، يشكل انتهاكا لأحكام القانون الدولى. فالمادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة تحظر على كل الدول استخدام القوة أو التهديد باستخدامها ضد الوحدة الإقليمية والاستقلال السياسى لأى دولة أخرى.
وعلى هذا الأساس كانت القرارات الدولية (بما فيها القرار 242 للعام 1967) تدين اكتساب الأرض بالقوة، وتصفها قانوناً بـ الأراضى المحتلة. وهذا يعنى أنها خاضعة فى ترتيب أوضاعها المؤقتة، للأحكام الدولية المتعلقة بحماية السكان المدنيين الواقعين تحت الاحتلال، وتحديداً لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949، والتى تشكل جزءاً أساسياً من القانون الإنسانى الدولى.
وتلقى الظروف والشروط التى تمارس حركات التحرر الوطنى عملياتها العسكرية والعنيفة فى إطارها قبولاً من المواثيق والأعراف الدولية ومن المجتمع الدولى، ومن أهمها وضوح هدف هذه العمليات وهو إزالة الاحتلال أو الاستعمار الذى تفرضه إحدى الدول أو الشعوب على غيرها من الدول أو الشعوب. وهذا الهدف يلقى قبولا من المجتمع الدولى والرأى العام العالمى، كما أن الأمم المتحدة خصصت أحد أجهزتها لتصفية الاستعمار وتقرير حق تقرير المصير للشعوب الخاضعة للاحتلال وأكد ميثاق الأمم المتحدة على هذا الحق. ومن ثم فهدف عمليات التحرر الوطنى العنيفة هدف مشروع، بينما الهدف من أى عملية إرهابية هو هدف غير مشروع. كما أن من يقوم بالعمل الإرهابى هو تنظيم أو حركة غير معترف بها من قبل المجتمع الدولى، وإذا قامت به دولة إرهاب الدولة سرعان ما يجد تصرفها هذا استنكاراً من المجتمع الدولى، بينما حركات التحرر الوطنى تعترف بحقها ووجودها المواثيق الدولية وتضفى الشرعية على هذا الوجود والذى عادة ما يلقى تعاطفاً ومساندة من الرأى العام العالمى والمجتمع الدولى. كما أن أنشطتها معترف بها من قبل المواثيق الدولية، خاصة ميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف لعام 1949، التى تضفى الشرعية والقبول على هذه الأنشطة، وتلزم المجتمع الدولى ممثلاً فى الأمم المتحدة ومختلف دول العالم مساندة هذه الحركات سياسياً ومعنوياً ومادياً واقتصادياً للحصول على حقها فى تقرير المصير والتحرر من الاستعمار وإزالة الاحتلال.
وبالرجوع إلى مقررات الصليب الأحمر الدولى منذ عام 1904، وحتى اتفاقيات جنيف الأربع عام 1949، فإنه من حق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال أو الحكم العنصرى والهيمنة الأجنبية أن تستخدم كل صور العنف ضد الاحتلال الأجنبى والهيمنة الأجنبية والحكم العنصرى وفق الشروط التالية:
(1)
أن تقع أعمال العنف هذه داخل الأرض المحتلة بصفة أساسية ولا تقع خارجها إلا إذا استحال تنفيذها بالداخل.
(2)
أن توجه ضد القوات العسكرية أو شبه العسكرية أو رموز السلطة أو هيئات أو أشخاص الإدارة المدنية للاحتلال.
(3)
ألا توجه ضد المدنيين والأبرياء والأطراف الثالثة. والمقصود بالأطراف الثالثة ممثلو الدول الأجنبية أو المنظمات الدولية لدى القوة أو الدولة القائمة بالاحتلال أو المتوسطين فى النزاع أو الساعين لتسوية وإنهاء وضع الاحتلال.
ووفقا لهذه الشروط، فإن أعمال العنف التى يمارسها الفلسطينيون فى الأرض المحتلة هى أعمال مشروعة مهما ترتب عليها من نتائج، إذ أنها تقع ضد المحتل الإسرائيلى.
وبالرجوع إلى الأحكام الواردة فى اتفاقية جنيف الرابعة، يتضح مايلى:
(1)
إن الأراضى العربية التى احتلتها إسرائيل فى العام 1967، بما فى ذلك الجولان السورية والقدس الشرقية، هى أراض محتلة ، وأن على إسرائيل التى تصفها القرارات الدولية كلها بـ القوة القائمة بالاحتلال أن تلتزم جميع اتفاقيات جنيف، بما يعنى ضرورة معاملة السكان المدنيين الواقعين تحت الاحتلال الإسرائيلى بموجب هذه الاتفاقيات.
(2)
تمنح اتفاقية جنيف الرابعة الأشخاص المدنيين الواقعين تحت الاحتلال حقاً أصيلاً فى حماية أشخاصهم وأسرهم وأملاكهم .. الخ. وتشمل هذه الحماية أيضا حرية ممارسة معتقدهم الدينى ورأيهم السياسى. وعلى هذا الأساس تحظر الاتفاقية على القوة القائمة بالاحتلال القيام بأى عمل من أعمال العنف أو القتل بجميع أنواعه بحق هؤلاء، كذلك تحظر أعمال الخطف والحجز العشوائى والإبعاد والتشريد والترحيل وتشتيت العائلات وإهانة الكرامات الشخصية، وتصبح بالتالى القوة القائمة بالاحتلال مسئولة أمام القانون الدولى لدى مخالفتها أحكام الاتفاقية المذكورة.
(3)
إذا أخلت القوة القائمة بالاحتلال بهذه الواجبات أو انحرفت عنها فإن من حق السكان المدنيين أن يثوروا إلى درجة العصيان المدنى الشامل واللجوء إلى السلاح.
وإذا ثار السكان المدنيون ضد المحتل واستطاعوا أن يطردوه بالقوة من أرضهم، فإن هذا الاحتلال يعتبر منتهياً باعتراف القانون الدولى. والأمر ذاته يحصل عندما تستطيع القوى النظامية المسلحة للدولة المغلوبة على أمرها طرد المحتل.
وعلى أساس ما تقدم، فإن المقاومة الفلسطينية داخل الأراضى المحتلة تعد مشروعة فى القانون الدولى إذا لجأت أو استخدمت العصيان المسلح، فهى مقاومة شعبية تهدف إلى ممارسة الحق فى تقرير المصير للشعب الفلسطينى. وهى فى الوقت ذاته، مقاومة ضد القوة القائمة بالاحتلال التى تخالف تكراراً أحكام اتفاقية جنيف الرابعة.
وعلى هذا الأساس أيضا، فإن المقاومة الوطنية اللبنانية تستند فى شرعيتها إلى اتفاقية جنيف ذاتها بإزاء القوة القائمة بالاحتلال. وهى فى هذا الإطار، تتميز عن الإرهاب الذى يدينه القانون الدولى. يضاف إلى ذلك أن هذه المقاومة الوطنية اللبنانية حصلت على مكاسب تعاقدية إلى جانب مشروعيتها الدولية، ذلك لأن تفاهم نيسان أبريل عام 1996، تضمن إقراراً خطياً صريحاً بحق المقاومة الوطنية اللبنانية فى الدفاع المشروع عن النفس. وقد اعترف بهذا القرار الجانبان الأمريكى والإسرائيلى معاً.

 

 

المصدر: أ. مختار شعيب - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN59.HTM
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 118 مشاهدة
نشرت فى 10 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

271,269