ومن ناحية ثالثة، هناك جهود عربية إعلامية لمواجهة الظاهرة سواء من خلال الإعلام الأمنى تحت إشراف وزارات الداخلية العربية أو من خلال أجهزة ووسائل الإعلام ذاتها. وكانت البداية الحقيقية للتعاون العربى فى مجال مكافحة الإرهاب عبر وسائل الإعلام منذ عام 1993، ففى ديسمبر من ذلك العام ناقشت اللجنة الدائمة للإعلام العربى تقريرا هاما تحت عنوان دور الإعلام العربى إزاء ظـاهرة التطرف والإرهاب.

أما على صعيد مجلس وزراء الإعلام فقد ناقش للمرة الأولى، فى دورته السادسة والعشرين التى عقدت بالقاهرة فى يوليو عام 1993، قضية الإرهاب وقرر وضع آليات لمواجهة التطرف، وتمت مناقشة خطة لمواجهة الإرهاب، تدعو إلى توعية الرأى العالم داخل الوطن العربى وخارجه بمخاطر مشكلة الإرهاب، وذلك من خلال تغطيتها إعلاميا على أوسع نطاق ممكن، وتبصير الرأى العام العربى من خلال مواد إعلامية مسموعة ومقروءة بمسئولياته الأسرية نحو حماية الأجيال الناشئة من السقوط فى براثن الإرهاب، وضرورة وضع خطة للتنوير الدينى لتقديم الدين فى صورته الصحيحة بعيدا عن روح التعصب، وتكثيف البرامج الإعلامية التى تبرز خطورة الإرهاب على الاقتصاد العربى، والتزام وسائل الإعلام بالموضوعية حتى لا تقع فريسة للشائعات، والتمييز بين الإرهاب والنضال المشروع للشعوب، وإدراج ظاهرة الإرهاب ضمن نشاطات مكاتب الجامعة العربية فى الخارج من خلال المحاضـرات واللقاءات الصحفية.
وقد أوصى المجلس فى دورته 27 التى عقدت عام 1994، بضرورة الإسراع بوضع آليات للتعاون العـربى الإعلامى فى سبيل القضاء على ظاهرة التطرف.
وفى الدورة 28 للمجلس عام 1995، تصدرت قضية الإرهاب جدول الأعمال، وقد وافق المجلس خلال هذه الدورة على مشروع قرار قدمته الجزائر بعنوان قواعد سلوك للدول الأعضاء فى مجلس وزراء الإعلام العربى لمكافحة الإرهاب والتطرف. وقد حث المشروع على تأكيد التزام الدول الأعضاء بتقوية نشاطها فى مجال الإعلام لمواجهة الحملات المغرضة ضد العالم الإسلامى، وإدانة ممارسات المجموعات الإرهابية، ودعا المشروع وسائل الإعلام المقروءة الى نشر الأخبار التى تخدم وحدة الأمة العربية والإسلامية، بعيدا عن المظاهر المتطرفة والإرهابية والتزام الدول الأعضاء بعدم نشر الأخبار التى تشجع على الإرهاب.
وفى 4 سبتمبر عام 1995، عقد أول مؤتمر للإعلام الأمنى فى تونس من أجل تدعيم التعاون الإعلامى العربى فى مجال مكافحة الإرهاب، حيث أقر استراتيجية إعلامية عربية للتوعية الأمنية.
وقد ظلت قضية الإرهاب تتصدر جداول أعمال المجلس فى أعمال دورتيه 29 التى عقدت بالقاهرة فى يوليو عام 1996، و30 التى عقدت بالقاهرة فى يوليو عام 1997، حيث أعاد المجلس التأكيد على أهمية التعاون الإعلامى العربى لمواجهة الإرهاب. أما على صعيد المؤتمر الأمنى الإعلامى العربى، فقد عقد دورته الثانية فى يوليو عام 1997، بالعاصمة التونسية، وناقش آليات تنفيذ الاستراتيجية الإعلامية العربية لمكافحة الإرهاب التى تم إقرارها خلال الاجتماع الأول للمؤتمر الذى عقد فى سبتمبر عام 1995.
والملاحظ أن الجهود العربية واجهت مشكلة تعريف ظاهرة الإرهاب ومفهومها، باعتبارها من أهم المشكلات التى تواجه أى تجمع إقليمى يستهدف إلى التوصل إلى التعاون من أجل التصدى للإرهاب ولذا طرحت الاستراتيجية الأمنية العربية لمكافحة الإرهاب، وكذلك الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب والتطرف تعريفاً إجرائيا لتخطى مشكلة الاتفاق على تعريف محدد. ونصت المادة الأولى من الاتفاقية العربية فقرة 2 على أن الإرهاب هو كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أيا كانت بواعثه أو أغراضه يقع تنفيذاً لمشروع إجرامى فردى أو جماعى ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بإحدى المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر.
واعتنقت الاتفاقية العربية معيارا مزدوجا لتحديد ما يعد من أعمال العنف إرهاباً. فالشق الأول مادى: يتمثل فى الصور التى أوردتها الاتفاقية فى الفقرة 3 من المادة الأولى حين حددت المقصود بمصطلح الجريمة الإرهابية إذ نصت على أنها أى جريمة أو شروع فيها ترتكب تنفيذاً لغرض إرهابى فى أى من الدول المتعاقدة أو على رعاياها أو ممتلكاتها أو مصالحها يعاقب عليها قانونها الداخلى، كما تعد من الجرائم الإرهابية الجرائم المنصوص عليها فى الاتفاقيات الدولية عدا ما استثنته تشريعات الدول المتعاقدة أو التى لم تصادق عليها .
والشق الثانى موضوعى متعلق بالباعث على ارتكاب أعمال العنف، فقد اعتبرت الاتفاقية العربية أنه حينما يتعلق الأمر بحالة من حالات الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبى من أجل التحرر وتقرير المصير، فإن أعمال العنف لا تعد إرهاباً وقد اشترطت الاتفاقية ولمزيد من التحديد للمعيار الموضوعى ألا تكون أعمال العنف موجهة إلى دولة عربية بهدف المساس بوحدة أراضيها وإلا فإنها تعد وفقاً لمفهوم الاتفاقية عملاً إرهابياً.
ونتيجة لاعتبار الاستراتيجية العربية الأعمال الإرهابية بمثابة جرائم القانون العام يجب تسليم محاكمة مرتكبيها الذين يوصفون وفقاً لأحكام الاتفاقية العربية بأنهم مجرمين إرهابيين. ويقصد بتسليم المجرمين مجموعة الإجراءات القانونية التى تهدف إلى قيام دولة بتسليم شخص متهم أو محكوم عليه إلى دولة أخرى لكى يحاكم بها أو ينفذ فيها الحكم الصادرة عليه من محاكمها (المادة (1) فى المعاهدة النموذجية لتسليم المجرمين الصادرة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 45/116).
وأطراف التسليم هى الدول:دولة طالبة التسليم ودولة مطلوب منها التسليم. وحالات التسليم، بالنظر إلى المركز القانونى للشخص المطلوب تسليمه، حالتان:
الأولى: حالة طلب تسليم شخص إلى الدولة الطالبة من أجل محاكمته بها وفقاً لقانونها وأمام قضائها لارتكابه جريمة تخضع للاختصاص التشريعى والقضائى لهذه الدولة.
الثانية: حالة طلب تسليم شخص إلى الدولة الطالبة التى أصدرت محاكمها حكما يجب تنفيذه بها.
وتعتبر المعاهدات الدولية المصدر الرئيسى المنظم لأحكام تسليم المجرمين، سواء كانت معاهدات ثنائية كالاتفاقية المصرية الجزائرية المبرمة سنة 1964، والاتفاقية المصرية التونسية المبرمة سنة 1976. أو معاهدات جماعية كاتفاقية جامعة الدول العربية المبرمة فى سنة 1952، واتفاقية الرياض للتعاون القضائى فى المواد الجزائية والمدنية والتجارية ومسائل الأحوال الشخصية المبرمة سنة 1983، والاتفاقية الأوروبية لتسليم المجرمين المبرمة سنة 1957.
وفى الحالة العربية فإن مسألة تسليم مرتكبى الأعمال الإرهابية تجد أساسها فى القرار الصادر بالموافقة على اتفاقية تسليم المجرمين فى 14 سبتمبر سنة 1952، من مجلس جامعة الدول العربية والتى أشارت فى المادة الأولى منها إلى أن تقوم كل دولة من دول الجامعة العربية الموقعة عليها بتسليم المجرمين الذين تطلب إليها إحدى هذه الدول تسليمهم، ثم أشارت المادة الرابعة من الاتفاقية إلى استثناء مرتكبى الجرائم السياسية من مبدأ التسليم ونصت على أنه لا يجرى التسليم فى الجرائم السياسية وتقدير كون الجريمة سياسية هو أمر متروك للدولة المطلوب إليها التسليم على أن يكون التسليم واجبا فى الجرائم الآتية:
1-
جرائم الاعتداء على ملوك ورؤساء الدول أو زوجاتهم أو أصولهم أو فروعهم.
2-
جرائم الاعتداء على أولويات العهد.
3-
جرائم القتل العمد.
4-
الجرائم الإرهابية .

الخــــاتـــمـة

إذا كان الأمن القومى لأية أمة يرتبط بحماية القيم الجوهرية من التهديدات الداخلية والخارجية وتحقيق التنمية التى لا يمكن أن يقدر لها النجاح إلا فى ظل الاستقرار، فإن الإرهاب يهدد هذا الأمن باعتباره عنفا منظما يوجه ضد السلطة فى الدولة لإجبارها على إلغاء أو تعديل قيم المجتمع بما يتفق ورغبة القائمين بالإرهاب، كما يهدد عملية التنمية فى أساسها. وهذا الدور للإرهاب هو ما يعطيه هذه الأهمية فى الصراع السياسى فى الوقت الراهن.
ويبدو أن ظاهرة الإرهاب سوف تميز السنوات القادمة من القرن الحادى والعشرين، إذا استمرت الظروف غير العادلة بالنسبة لكثير من الشعوب وتواصل التمييز والكيل بمكيالين فى المسائل الدولية، وإذا ازدادت المشكلات الداخلية وحالات عدم الاستقرار السياسى، والتحديات العرقية التى أدت إلى إضعاف العديد من الدول، فى الوقت الذى أصبحت فيه الحدود الدولية أكثر هشاشة، الأمر الذى جعل من السهل على الإرهاب ومؤيديه الانتقال من دولة إلى أخرى دون التعرف عليهم.
وهذا يفرض على المجتمع الدولى الاسراع فى وضع أسس عملية استراتيجية للمكافحة على المدى المنظور، خاصة وأن الجهود الحالية غير مرضية ولا يمكن التعويل عليها للقضاء على الظاهرة أو الحد منها إذ أن الإرهاب أصبح ظاهرة معقدة تحتاج إلى تفعيل الإرادة الدولية لمواجهتها بحزم، وإلا أصبح مستقبل البشرية كلها فى خطر.

 

 

المصدر: أ. مختار شعيب - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN61.HTM
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 283 مشاهدة
نشرت فى 10 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

271,262