هناك تساؤل مهم حول إلى أى حد يكون الالتزام بما جاء فى الدستور ؟ وهل وجود دستور بحد ذاته كفيل بقيام نظام حكم دستورى فى أى بلد من البلدان ؟
توضح الخبرة المعاصرة ان كل نظم الحكم فى العالم بما فيها نظم الحكم المطلق، أى النظم التى لا تفرض قيودا على الهيئة الحاكمة ، لها دساتير، إلا أن هذا لا يعنى ان كل دولة بها نظام حكم دستورى، ومن ثم وكما يقول د. مصطفى أبوزيد فهمى:
أننا يجب ان نفرق بين دولة لها دستور ودولة لها نظام دستورى، فكل دولة أيا كان نظام الحكم فيها يمكن ان يكون فيها دستور ، ولكن الدولة لا يكون فيها نظام دستورى إلا إذا وجدت بها حكومة مقيدة لا مطلقة تتقيد فيها السلطات كلها بنصوص الدستور الذى يكفل الحريات والحقوق العامة .

ثانيا : أساليب نشأة الدستور :
يذكر د. عبد الحميد متولى فى كتابه القانون الدستورى والأنظمة ان هناك خمسة أساليب لنشأة الدساتير وهى:-
1-
المنحة .
2-
العقد .
3-
أن يصدر بواسطة جمعية نيابية تأسيسية.
4-
أن يصدر الدستور مباشرة بواسطة الشعب عن طريق الاستفتاء الدستورى.
5-
أن يصدر الدستور عن طريق المعاهدات الدولية .
وفيما يلى توضيحا لكل من هذه الأساليب :

1 -
صدور الدستور كمنحة :
فى هذه الحالة يعد الدستور وليد إرادة الملك صاحب السلطان والسيادة، فهو باعتباره هذا يوافق على التضحية بجزء من تلك السيادة أو يوافق على تنظيم طريقة مزاولته لها، فى هذه الحالة يأتى الدستور من أعلى، أى ينزل على الشعب، مثال ذلك الدستور الذى أصدره الملك لويس الثامن عشر ملك فرنسا فى يونيو 1814 وأهم نقد يوجه الى هذا الأسلوب يتلخص فى أنه دليل على عدم تقدم الديمقراطية كما أنه يجرح كرامة المواطنين ، ومع تقدم التيار الديموقراطى فى العصر الحديث فقد تراجع الأخذ بهذا الأسلوب فى إصدار الدساتير .

2 -
صدور الدستور فى صورة عقد :
وهى الطريقة الملكية الثانية من طرق وضع الدساتير، والعقد يكون بين الشعب والملك، ومن ثم فالشعب يدخل فى الأمر كطرف أصيل فى هذا العقد. ويترتب على إعتبار الدستور ذى صبغة تعاقدية أنه لا يمكن إلغاؤه إلا بناء على إتفاق الطرفين ، وهذه الطريقة تفترض حدوث نوع من أنواع التطور على طريق التقدم الديمقراطى.
وأهم نقد يقدم الى طريقة العقد يتلخص فى ان الملك يعد فى هذه الحالة مساويا للأمة مع أنه لا يقتسم معها حق السيادة ، وطالما ان السيادة للأمة ، فلا يكون له ان يشترك معها فى إبرام عقد يحدد اختصاصاته واختصاصات ممثلى الأمة .

3 -
صدور الدستور بواسطة جمعية نيابية تأسيسية :
وهذه الطريقة تعد أكثر ديموقراطية من الطريقتين السابقتين، إذ ان الدستور يقوم بوضعه فى هذه الحالة جمعية منتخبة من الشعب ، وقد طبقت هذه الطريقة فى الولايات المتحدة فيما يتعلق بدساتير كل ولاية بعد استقلال الولايات المتحدة ، وكذلك وافقت كل ولاية من تلك الولايات على دستور جمهورية الولايات المتحدة بواسطة جمعية انتخبتها كل من هذه الولايات ، بعد ذلك وافق الكونجرس الأمريكى على ذلك الدستور، كما طبقت هذه الطريقة فى فرنسا فى دستور 1948 .

4 -
طريقة الاستفتاء الدستورى :
فى هذه الحالة يصدر الدستور مباشرة من الشعب ، ومن أجل ان يكون إستفتاء دستورى يجب ان تكوّن أولا هيئة أو لجنة تقوم بتحضير مشروع الدستور وعرضه على الشعب لاستفتائه فيه ، لأخذ رأى الشعب فى مشروع الدستور ، ولكن هذا المشروع لا تصبح له قيمة قانونية إلا بعد عرضه على الشعب واستفتائه فيه وموافقته عليه.
كما كان الشأن بصدد دستور الجمهورية الفرنسية الرابعة (دستور أكتوبر 1946)، والدستور المصرى (لعام 1956 والدائم لعام 1971) .

5 -
طريقة المعاهدات الدولية :
بعض الدساتير يمكن ان ترجع فى نشأتها الى معاهدات دولية مثل الدستور البولندى لعام 1815 والدستور الألمانى لعام 1871، حيث يكون الدستور مستمدا من معاهدة دولية .
ويمكن القول بأن أساليب نشأة الدساتير تختلف من دولة إلى دولة أخرى تبعا لدرجة التطور الديموقراطى فى كل دولة من هذه الدول، وتبعا لتقاليدها وخبراتها السياسية ، وهى تتطور بتطور أنظمة الحكم فى كل دولة من الدول ومن ثم فقد مرت عملية نشأة الدساتير بعدة مراحل: المرحلة الأولى كان الملوك ينفردون بالسلطة التأسيسية من الناحية القانونية وهو ما أطلقنا عليه أسلوب المنحة ، المرحلة الثانية وهى المرحلة التى تبرز فيها جهود الشعب عن طريق هيئات تعمل بإسمه لحمل الملوك على الاعتراف بحق الشعب فى المشاركة فى السلطة التأسيسية ، وهو ما يعرف بأسلوب التعاقد ، المرحلة الثالثة وهى مرحلة إنفراد الشعب بالسلطة التأسيسية وهو أسلوب الجمعية التأسيسية ، والذى قد أدى الى ظهور أسلوب الاستفتاء الدستورى، فى الحالات التى لا يباشر فيها الشعب بنفسه السلطة التأسيسية ويوكلها الى هيئة أو لجنة مختصة، تضع مشروع الدستور الذى لا يتحول الى دستور إلا بعد موافقة الشعب عليه فى الاستفتاء العام .

 

 

المصدر: د. محمد سعد ابو عامود - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN43.HTM
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 306 مشاهدة
نشرت فى 5 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

272,769