ثالثا : أنواع الدساتير :
1 - الدساتير المدونة والدساتير غير المدونة :
تنقسم الدساتير من حيث المصدر الى دساتير مدونة أى مكتوبة ودساتير غير مدونة أو غير مكتوبة ، والتدوين ليس مجرد تسجيل القاعدة فى وثيقة مكتوبة وإنما المقصود به هو تسجيلها فى وثيقة رسمية من سلطة مختصة بذلك ، ويرى د. سعد عصفور فى كتابه المبادئ الأساسية فى القانون الدستورى والنظم السياسية ان الدستور يعتبر مدونا إذا كان فى اغلبه صادر فى شكل وثيقة أو عدة وثائق رسمية من المشرع الدستورى، ويعتبر غير مدون إذا كان فى أغلبه مستمدا من غير طريق التشريع اى من العرف والقضاء ، ويطلق بعض الفقهاء على الدستور غير المدون إصطلاح الدستور العرفى، إلا اننا نفضل استخدام إصطلاح الدستور غير المدون لأنه أكثر دقة حيث يتسع ليشمل المصادر غير التشريعية سواء تمثلت فى العرف أو القضاء.
ويذكر د. مصطفى أبوزيد فهمى فى كتابه النظرية العامة للدولة أننا إذا رجعنا الى التاريخ الدستورى لوجدنا ان الدساتير العرفية أى غير المدونة كان اسبق فى الظهور من الدساتير المكتوبة، ومازالت إنجلترا حتى اليوم يحكمها دستور عرفى تكونت قواعده بالعادة والسوابق الدستورية المتكررة ، وإن كان بها عدد من الوثائق المكتوبة كالعهد الأعظم MAGNA CARTA الصادر سنة 1215 ووثيقة ملتمس الحقوق RETTION OF RIGHTS الصادرة سنة 1629 ، ووثيقة إعلان الحقوق BILL OF RIGHTS الصادرة سنة 1688 .
وأول الدساتير المكتوبة التى ظهرت فى القرن الثامن عشر كانت دساتير الولايات الأمريكية التى بدأت توضع إبتداءً من سنة 1776 بعد إستقلال هذه الولايات عن إنجلترا ، فلما كونت هذه الولايات فيما بينها تعاهدا صدر دستور الدول المتعاهدة عام 1781، وبازدياد الروابط بينها تحولت الى نظام الدولة الاتحادية، وظهر الدستور الاتحادى سنة 1787 وهو نفسه الذى يحكم الولايات المتحدة اليوم بعد ان ادخلوا عليه الكثير من التعديلات.
ولما قامت الثورة الفرنسية اعتنق رجالها فكرة الدساتير المكتوبة، وكان أول دستور لهم وهو دستور 1791 دستورا مكتوبا ومنذ ذلك الحين وفرنسا تأخذ بالدساتير المكتوبة، ومن فرنسا وأمريكا انتشرت فكرة الدساتير المكتوبة الى كل بلاد العالم، فكل الدساتير التى توضع فى أى بلد من بلاد العالم هى دساتير مكتوبة.
2 - الدساتير المرنة والدساتير الجامدة :
الدستور المرن هو الذى يمكن تعديله بنفس الإجراءات التى يعدل بها القانون العادى، أما الدستور الجامد فهو ذلك الذى يتطلب فى تعديله إجراءات أشد من الإجراءات التى يعدل بها القانون العادى، ويهدف واضعو أى دستور من جعله جامدا الى كفالة نوع من الثبات لأحكامه وذلك باشتراط تنظيم خاص يجعل تعديل الدستور عسيرا .
ويتراوح الدستور الجامد بين أحد أمرين إما حظر تعديل الدستور وإما إجازة التعديل بشروط خاصة أو مشددة .
ويذكر د. سعد عصفور ان واضعى الدساتير الذين يحظرون تعديلها لا يوردون فيها نصا بالحظر المطلق من كل قيد وإنما يلجأون عادة الى نوعين من الحظر ، الحظر الزمنى بمعنى تحديد فترة زمنية تكفى لتثبيت أحكام الدستور قبل السماح باقتراح تعديلها، أو الحظر الموضوع وذلك بقصد حماية أحكام معينة فى الدستور على نحو يحول دون تعديلها أصلا، ويتقرر هذا الحظر بالنسبة للأحكام الجوهرية فى الدستور ولاسيما ما يتصل منها بنظام الحكم المقرر. ومن الدساتير التى اخذت بالحظر الموضوعى دستور البرتغال لسنة 1991 الذى يحظر تعديل شكل الحكومة الجمهورى، والدستور المصرى لسنة 1923 الذى يحظر تعديل الأحكام الخاصة بشكل الحكومة النيابى البرلمانى ونظام وراثة العرش ومبادئ الحرية والمساواة.
أما الدساتير التى تجيز التعديل بشروط خاصة فهى تختلف إختلافا كبيراً فيما تورده من تنظيمات بشأن كيفية تعديلها وكيفية رد هذه الاختلافات للاعتبارات السياسية والفنية.
وتتمثل الاعتبارات السياسية فى ان التنظيم المقرر لتعديل الدستور لابد وأن يراعى جانب السلطات التى يقوم عليها نظام الحكم، فالتنظيم الذى يتقرر لتعديل الدستور يجب ان يراعى فى النظام الديموقراطى الشعب والبرلمان، وفى الدولة التى تتكون على شكل اتحاد الولايات يجب ان يراعى ظروف الأعضاء فى الاتحاد .
أما الاعتبارات الفنية فتتمثل فى أساليب الصياغة التى يأخذ بها واضعو الدساتير فيما يتعلق بالتعديل الدستورى. والجدير بالذكر ان التعديل الدستورى يمر بأربع مراحل أساسية هى اقتراح التعديل، وتقرير مبدأ التعديل، إعداد التعديل، إقرار التعديل نهائيا.
وقد يتقرر حق اقتراح تعديل الدستور للحكومة وحدها أو للبرلمان وحده أو لكليهما معا، أو لكل من البرلمان والشعب. أما تقرير مبدأ التعديل فهو عادة ما يمنح للبرلمان سلطة الفصل فيما إذا كان هناك محل لتعديل الدستور باعتبار ان البرلمان يمثل الأمة وهو بهذا الوصف أكثر السلطات صلاحية للفصل فى مدى ضرورة التعديل، على ان بعض الدساتير تتطلب، بالإضافة الى موافقة البرلمان على إقرار مبدأ التعديل، موافقة الشعب .
أما إعداد التعديل فبعض الدساتير تتطلب انتخاب هيئة خاصة يعهد إليها بمهمة التعديل، إلا ان معظم الدساتير عهدت بمهمة إعداد التعديل الى البرلمان وفقا لشروط خاصة أهمها اجتماع البرلمان فى شكل مؤتمر أو اشتراط نسبة خاصة فى الحضور لصحة جلسات البرلمان أو فى التصويت لصحة القرارات الصادرة منه أو فى كليهما معا. وبالنسبة للإقرار النهائى للتعديل فإن معظم الدساتير تجعل نفس الهيئة التى توليها إختصاص إعداد التعديل الدستورى مختصة أيضا بإقراره نهائيا وهذه الهيئة تكون هيئة تنتخب خصيصا لأداء المهمة الموكولة إليها، مع تطلب شروط خاصة فيه. وتجعل بعض الدساتير سلطة إقرار التعديل فى يد الشعب ومن ثم تشترط إستطلاع رأيه عن طريق الاستفتاء الدستورى، وهو ما أخذ به دستور جمهورية مصر العربية لسنة 1971 .
ساحة النقاش